لماذا فعلت هكذا تلك المرأة إذ جاءت من وراء يسوع ولمست طرف ردائه؟
قامت بفعل إيمان جريء وشجاع. فالمرأة النازفة، بحسب الشريعة اليهوديّة، هي امرأة نجسة؛ بلّ تنجّس كلّ من يحتكّ بها، إذ قد يصيبه شيء من دمها النازف. لذلك، كان محرّم عليها أن تدخل وسط الجماعة؛ لئلاّ تنجسّها. وإن فعلت، كان على الجميع الابتعاد فورًا عنها وانتهارها على تصرّفها المخالف للشريعة، وتوجيه الإهانة لها وتعييرها باللعنة التي أصابتها: "لو لم تكوني امرأةً سيّئةً لما اصابك هذا النزف. ولو كنت تبت عن أفعالك السيّئة لكان النزف توقّف". لم تدع هذه المرأة الخوف يغلبها. استفادت طبعًا من الزحام. اعتقدت أنّ أحدًا لن ينتبه إليها من بين هذه الجموع الغفيرة. تسلّحت بشجاعة نبتت من عمق ألمها ورغبتها في الحياة وقرّرت أنّ تخاطر، بكلّ شيء: فإمّا حياة كاملة وإمّا موت يكتمل، بدل نزف بطيء ومؤلم. يرينا الإنجيل مرّات عديدة كم يمتدح الربّ يسوع شجاعة الناس وإصرارهم على الحياة. لم يردّ يومًا واحدًا منهم خائبًا.