منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 30 - 10 - 2021, 12:25 AM
الصورة الرمزية بشرى النهيسى
 
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  بشرى النهيسى غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619


- مجالات التأمل في الكتاب المقدس


البابا شنوده
إن كلمات الوحي الإلهي، عبارة عن روح متجسدة في ألفاظ. وليس الجسد (أي اللفظ) هو الذي ينفعك، بل الروح الذي فيه هو الذي يُحيي (2 كو 3: 6). لهذا قال السيد الرب: "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يو 6: 63).

الكلمات هي مجرد غلاف، يغلف معاني داخلها، كالصَّدَفَة التي تحوي داخلها اللؤلؤ. واللؤلؤ هو روح الكلمات. لا تكتفِ بالصَّدَف، بل اكشفه وخُذ ما يحويه من لآلئ. وهذا الأمر يحدث بتوسط الروح القدس، بالصلاة، إذ تقول مع المرتل: "اكشف يا رب عن عينيَّ، لأرى عجائب من ناموسك" (مز 199). أو كما صلّى إليشع النبي عن تلميذه جيحزي، لكي يفتح الرب عينيَّ الغلام ليرى (2 مل 6: 17).

التأمل إذن هو استنارة العقل بالروح القدس.

لكي نفهم معاني الكتب المقدسة، ونتعمَّق فيها، وننزع القشرة الخارجية للوصول إلى اللُّب. وهكذا يكون التأمل في الكتاب المقدس، هو محاولة اكتشاف الأسرار الإلهية الموجودة في الوحي الإلهي. أو كما قيل عن عمل السيد المسيح مع تلاميذه بعد القيامة "حينئذٍ فتح ذهنهم، ليفهموا الكتب"

حقًا يا رب، بنورك نُعاين النور.

نريد إذن نورًا من روحك القدوس، يُنير عقولنا وقلوبنا وأفهامنا، لندرك ما يقوله الروح للكنائس (رؤ2).

أما المجهود الذي تقوم به أفكارنا وقلوبنا وأرواحنا. فأننا نحسبه كمجرد طلب نرجو به من النعمة أن تفتح عقولنا، لتستقبل ما يسكبه فيها الروح.. عملنا هو أن نقدم عقولنا إلى الله، ليملأها بالفهم الذي من عنده، وما أعمقه.. نفتح له الباب ليدخل ونتعشى معه (رؤ 3: 20).

نعم نتعشى بخبز الحياة النازل من السماء (يو 6: 33، 35)، ونحيا به، بكل كلمة تخرج من فم الله (مت 4: 4).
ت

إذن الخطوة التي يقوم بها الذهن في التأمل، هي فتح الباب للروح.

ومن هنا فإن بعض الآباء يجعلون التأمل في عمقه خارجًا عن المجهود البشرى. باعتباره هبة من الروح القدس. وكما يقول المرتل في المزمور "فتحت فمي واقتبلت لي روحًا" (مز 119).

أو التأمل هو تلمذة على الروح القدس. هو تدرب كيف تأخذ من الروح ما يريد أن يعطيك.

وليس هو مجرد كد للذهن ليفهم، ولا هو مجرد اعتماد على ذكائنا وقدراتنا، فقد قال الكتاب "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5).


إن التفكير العقلي المحض، الخالي من عمل الروح، لا ينتج تأملًا.. إنه قد ينتج علمًا أو فلسفة، وليس تأملًا.

وهنا نفرق بين العالم والعابد، بين الدارس والمتأمل، بين الباحث في الكتب والمستقبل من الروح إن التأمل ليس هو مجرد فكر، إنما هو خلط الفكر بالقلب، وترك العقل كمجرد أداة في يد الروح. ثم تبتهل الروح لتأخذ من روح الله. وما تأخذه، تعطيه للعقل عن طريق القلب.

وحينئذ ندرك قوة الكلمة، لأنها تأخذ من الروح قوة.. فلا تقف يا أخي عند مستوى العقل، بل اتخذ العقل وسيلة توصلك إلى الروح. والروح توصلك إلى الله، الذي عنده كل كنوز المعرفة فيعطيك..


القارئ السطحي قد يقرأ كثيرًا ولا يتأمل.

أما القارئ الروحي، فالقليل من قراءته يكون له نبع تأملات لا ينضب.

أنه لا يركز على كثرة القراءة، إنما على ما فيها من تأملات.. وقد تستوقفه كلمة أو عبارة، فيغوص في أعماقها، ويظل سابحًا في تلك الأعماق. وهو يقول مع المرتل "لكل كمال رأيت منتهى. أما وصاياك فواسعة جدًا" (مز 119).. قد يفتح الله قلبه، فيرى في الكلمة الواحدة كنزًا عظيمًا مهما اغترف منه لا ينتهي، كما قال داود النبي في صلواته " فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة"...


ليتكم كتدريب روحي، تأخذون كل يوم آية للتأمل.

آية من الكتاب، تكون قد تركت في نفسك تأثيرًا أثناء القراءة (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ولكن لا تقف عند حد التأثير، إنما احفظ هذه الآية، وخذها مجالًا لتفكيرك وتأملك، ومعطيًا فرصة لروح الله أن يمنحك من خلالها شيئًا.. أو اتخذ قصة معينة من الكتاب مجالًا لتأملك.

إن معاملات الله مع الناس مجال واسع جدًا للتأمل..

سواء معاملة الله لقديسيه الذين أحبهم أو أحبوه، وكانت بينه وبينهم دالة.. أو حتى معاملة الله للخطاة، الذين انتفعوا من طول أناة الله وغنى لطفه فتابوا، أو الذين عاندوا وتقسَّت قلوبهم..

شخصيات الكتاب أيضًا تصلح مجالًا للتأمل.. وما أكثر الكتب التي وضعت في هذا المجال..


يساعدك على التأمل أيضًا ما تكون قد حفطته من آيات كثيرة من الكتاب المقدس.

تجد نفسك كلما بدأت التأمل، تأتيك تلك الآيات مرتبه متناسقة، يكمل بعضها بعضًا. وكل آية تقدم لك معنى خاصًا. وكلها معًا تقدم لك باقة جميلة من التأملات ونتذكر في تناسقها معًا قول الرسول:

"قارنين الروحيات بالروحيات" (1كو 2: 13).

وبهذا تشغل نفسك أثناء النهار بفكر روحي..

ويظل هذا الفكر يتعمق فيك. والفكر يلد فكرًا من نوعه، ويلد أيضًا الكثير من المشاعر والعواطف والتأملات. ويصبح قلبك نقيًا تعم فيه كلمة الله، تنتشر فيه التأملات الروحية.. كما تصحبك أيضا هذه التأملات أثناء الصلاة. بل تطرأ على ذهنك كذلك أثناء حديثك مع الناس. ويلمح المستمعون إليك عمقًا لا يقف عند المستوى السطحي في أي شيء.


وهكذا ينفعك التأمل في تعميق حياتك الروحية.

ولا يقتصر على مجرد الفكر أو الإحساس الروحي، أو الشعب الداخلي بكل ذلك، أو اللذة بالمعرفة.. إنما يتطور ليكون له تأثيره على الحياة العملية..

لذلك إن قرأت، لا تقف عند حدود القراءة والتأمل فيما تقرؤه في الكتاب من الوصايا أو سير الأنبياء والآباء، ما تقرؤه، اخلطه بفكرك وروحك وقلبك.. وطبق تأملاتك على حياتك، واستخرج منها منهجًا تسير عليه، ويدخل في علاقتك مع الله والناس..
ولتكن قراءتك مصحوبة بالصلاة..

كما قال داود النبي في المزمور الكبير "اكشف عن عيني لأرى عجائب من ناموسك".. وهناك نرى أن التأمل يحتاج إلى كشف إلهي.. وكثيرًا ما يقف الإنسان في حالة انبهار أمام ما يكشفه الله له.. وقد يقرأ فصلًا من الكتاب يكون قد قرأه من قبل. ولكن تنكشف له معان عديدة لم تخطر على ذهنه مطلقًا في قراءته السابقة..

وقد يحدث له هذا أيضًا، أثناء قراءة أو صلاة المزامير. فتنكشف له معاني جديدة. ويتكرر الأمر إذ يصلى نفس المزمور بعد أيام، فيدرك منه معاني أخرى لم يدركها من قبل..
رد مع اقتباس
قديم 30 - 10 - 2021, 12:26 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: - مجالات التأمل في الكتاب المقدس


وهكذا يفتح له الله طاقات من نور تشرق على ذهنه.

لا يعزو ذلك إلى ذكائه أو معرفته، إنما هي موهبة من الله يسكبها عليه أثناء الصلاة أو القراءة أو التأمل، وتكون الصلاة مصدرًا للتأمل، أو مصحوبة بالتأمل. كما يكون التأمل مصحوبًا بالصلاة.. وتتسع أمامه معاني الآيات، حتى ما يجد لها حدودًا. إنما في كل حين يختبر لها أعماقًا..


إن لم تكن لك موهبة التأمل، اقرأ تأملات الآباء القديسين.

قديس عظيم مثل القديس يوحنا ذهبي الفم، له كتاب في تفسير إنجيل متى، وآخر في تفسير إنجيل يوحنا وكتب أخرى في تفسير أعمال الرسل ورسائل بولس الأربع عشرة.. هذه الكتب مملوءة بالشرح وبالتأملات. وتتبعه في أسلوب شرحه وتأمله، وتعلم..

قديس عظيم آخر هو القديس آوغسطينوس، عميق جدًا في تأملاته، وفي رقة أسلوبه. له كتاب تأملات في الرسالة الأولى للقديس يوحنا الرسول، وله كتاب تأملات في المزامير، وعظات على فصول كثيرة من الأناجيل. وغالبية كتاباته حافلة بالتأملات. اقرأ له، وتعلم..

وهكذا مع باقي القديسين في كتاباتهم، وبخاصة الذين اشتهروا بالتأمل، وليس فقط بعمق التعليم.. مثل القديس مارافرام السرياني، والقديس يعقوب السروجي والقديس ديديموس الضرير وغيرهم. اقرأ لهم، وانتفع بتأملاتهم، واتخذهم مدرسة في التأمل..


بل تدرب أيضًا على الآباء الذين اشتهروا بالتفسير الرمزي للكتاب..

ستجد عمقًا كبيرًا في كتابات هؤلاء الآباء لأنهم لا يقتصرون على المعنى الحرفي لآيات الكتاب، إنما يدخلون إلى العمق، وإلى ما تحمله الآيات من إشارات بعيدة لأمور أخرى..

وبهذا أيضًا يمكن فهم أسفار النبوات، وسفرًا مثل نشيد الأناشيد.. ويمكننا أن نفهم ما ورد في الكتاب عن الذبائح والتقدمات والأعياد، والشرائع الخاصة بالنجاسات والتطهير، وشرائع أخرى قال عنها بولس الرسول إنها كانت "ظلًا للأمور العتيدة" (كو 2: 17).

ادخل في تدريب التأمل، لأنه يشغل ذهنك بشيء صالح، بدلًا من أن تترك الفكر يسرح في أمور خاطئة.

أو يسرح في أمور زائلة.. لا نفع فيها.. وتأكد أن ذهنك لن يكف عن التأمل. إنما يتوقف تأمله على نوع المادة المقدمة إليه، خيرًا كانت أم شرًا. سواء قدمتها أنت له من داخل قلبك وفكرك، أو قدمتها لك البيئة المحيطة بك.. والأفضل أن تقود تفكيرك في تأملاته..

واعرف أن موهبة التأمل هي للكل، وليست للقديسين فقط، بل حتى للخطاة..

أولئك قد تكون لهم قدرة عجيبة على التأمل، وإنما في مجال الخطية. فالخاطئ الذي يحب خطية معينة، ما أسهل أن يسرح فيها ويتأملها بعمق، وتملك على فكره وقلبه ومشاعره، ويؤلف فيها قصصًا وأفكارًا. كما كان يفعل بعض الأدباء والشعراء ومؤلفو الروايات. إنه لون من التأمل، ولكنهم استخدموه في الخطية.

أما القديسون فتأملاتهم تكون في موضوعات روحية. كذلك فإن الخطاة الذين يتمتعون بموهبة التأمل، إذا تابوا، وأداروا موهبة تأملهم في مسار روحي، حينئذ يظهر عمقهم وتأثيرهم الطيب

ونذكر كمثال لذلك القديس أوغسطينوس في حياة التوبة والنمو الروحي، وحتى في كتاب اعترافاته وما فيه من عمق..

والقراءة إحدى الوسائل التي توجد التأملات..

وقد حدثناك عن القراءة في الكتاب المقدس.. ونضيف إلى ذلك أيضًا قراءة الكتب الروحية وسير القديسين، التي تحتاج منا إلى شرح أوفر.

إنما تذكر باستمرار أن التأمل يعودك العمق.

ويبعدك عن السطحية، ويقدم لك غذاء روحيًا نافعًا لبنيانك الداخلي، ويمنحك حكمة، ويجعلك تتلامس مع عمل الله فيك..
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 10 - 2021, 12:28 AM   رقم المشاركة : ( 3 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: - مجالات التأمل في الكتاب المقدس

التأمل في الطبيعة


أول آية وردت في الكتاب المقدس عن التأمل، هي ما قيل عن أبينا اسحق بن إبراهيم إنه "خرج اسحق ليتأمل في الحق عند إقبال المساء" (تك 24: 63). ولعل هذا يقدم لونًا من التأمل في الطبيعة.


ليس مجرد التأمل في جمال الطبيعة، إنما بالأكثر فيما تقدمه من روحيات، حسب قول المرتل في المزمور: السماوات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه (مز 19: 1). وهنا نتدرج من الطبيعة إلى عظمة الله خالقها، أو إلى حنو الله المهتم بها. استمع إلى الشاعر وهو ينشد:

هذى الطبيعة قف بنا يا ساري

حتى أريك بديع صنع الباري

لقد كانوا يدرسون الفلك قديمًا في الكليات اللاهوتية. لأن النظام العجيب الدقيق الذي فيه، يثبت وجود خالق كلى القدرة استطاع أن يوجِده. حتى أن أحد الفلاسفة لقبة بالمهندس الأعظم..

فإن كانت السماء المادية مجالًا عظيمًا للتأمل، فكم السماء التي هي عرش الله (مت 5: 34).

وهنا ما أجمل ما رآه يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا، وبخاصة حينما قال "أبصرت وإذا باب مفتوح في السماء" (رؤ 4: 1). يضاف إلى هذا ما شرحه عن أورشليم السمائية، مسكن الله مع الناس (رؤ 21).. إن التأمل في السماء والسماويات، لا شك يرفع عقل الإنسان وقلبه إلى فوق، يسمو به كثيرًا عن مستوى المادة والجسدانيات..


ويرتبط بالتأمل في السماء، تأمل آخر في الملائكة..

وفي كل القوات السمائية: السارافيم، والأرباب والعروش، ورؤساء الملائكة، وتلك الألوف والربوات التي أمام العرش الإلهي، وكذلك الملائكة "المرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14). ما طبيعة الملائكة؟ وما هي روحيتهم وقدسيتهم ومحبتهم وطاعتهم (مز 103) (مز 104)؟ وما هي خدمتهم لله وللناس؟ وماذا ستكون علاقتهم بنا في الأبدية؟ بل ما هي قصصهم التي وردت في الكتاب وفى سير القديسين.. وهنا يسبح الفكر في العالم الروحي..

فإن كان هذا التأمل عميقًا علينا..

لنتأمل في أرواح القديسين الذين انتقلوا.. كما حكى لنا الرب عن أبينا إبراهيم، ولعازر المسكين في حضنه. سواء في ذلك تأملنا في القديسين الذين مع الرب في الفردوس (لو 23: 43)، أو الذين يرسلهم الرب في خدمات في الأرض مثل العذراء ومارجرجس وغيرها. ودرجات كل هؤلاء، وكيف أن نجمًا يفوق نجمًا في المجد (1كو 15: 41)..

ثم ماذا عن القيامة والأجساد الروحانية النورانية السماوية (1كو 15: 42-50)؟ (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات) وماذا عن الأبدية والمجد العتيد، والملكوت، ومراتب القديسين وعلاقاتهم، والملك المعد لنا في النعيم الأبدي.

فإن لم نستطع تأمل كل هذا لنهبط إلى الأرض، نتأمل في الخليقة المحيطة بنا، كما قال الرب:

تأملوا زنابق الحقل.. وطيور السماء (مت 6: 28، 26).

ولم يقصد الرب التأمل الحسي في زنابق الحقل، من حيث جمالها، وتعدد أنواعها وألوانها وعطرها وتناسقها.. ولكن الارتفاع فوق الحس إلى الله الذي خلقها هكذا، بحيث ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها.. وهنا يقود التأمل إلى عناية الله العجيبة بكل مخلوقاته، كما يقودنا أيضًا إلى الإيمان بعناية الله وإلى الاتكال عليه في غير قلق.

ولو تأملنا الفارق الكبير بين الزهور الطبيعية وغيرها من الزهور الصناعية، التي مهما تفنن الإنسان في صنعها، تبقى بلا حياة، بلا رائحة، بلا نمو. بل لا يمكن أن تصل في ألوانها إلى تلك الطبيعة، مما يدل على قدرة الله العجيبة. ونفس الوضع بالنسبة إلى طيور السماء في تعدد أنواعها وأشكالها ونغمات أصواتها، وطباعها ورحلاتها، وقناعتها.. وتضع إلى جوارها قول المزمور "نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا (مز124).



حقًا ما أحن الله: المعطى البهائم طعامها، وفراخ الغربان التي تدعوه (147: 9).

بل يقول الرب "تأملوا الغربان: إنها لا تزرع ولا تحصد، والله يقيتها" (لو 12: 24). نعم، الغربان السوداء اللون، التي يتشاءم البعض منها.. يهتم بها الله هذا الاهتمام، بل يعهد إليها بمهمات: غربان كانت تعول إيليا النبي في زمن المجاعة يرسلها إلى قديسيه، فتطيع وتعرف وتنفذ مشيئة الله من جهته.. وهنا تخطو خطوات في تفكيرك، أعمق من الفكر السطحي أثناء القراءة..

إن علاقة الله بالحيوانات والطيور موضوع طويل ليس الآن مجال الحديث فيه. والتأمل فيه موضوع أطول.. على أنه حتى الحشرات الضئيلة، وهبنا الله مجالًا للتأمل فيها، فقال الكتاب:

"اذهب إلى النملة أيها الكسلان. تأمل طرقها، وكن حكيمًا" (أم 6: 6).

حقًا، إنني لم أر في حياتي كلها نملة واحدة واقفة بلا عمل.. إنها دائمة الحركة، دائمة العمل، لا تهدأ. كما أن جماعات النمل درس عجيب في التعاون، لمن يتأمل عملها الجماعي، في حمل أشياء توازى عشرات حجمها. وهى درس أيضًا في النظام، إذ تسير في طابور طويل، متجهة نحو هدف ثابت. وباتصالات عجيبة بين بعضها البعض.


وما نأخذه من دروس في تأمل النمل، نأخذ مثله أيضًا في تأمل النحل.

هذا النحل الذي أنشد فيه أحمد شوقي قصيدته:

مملكة مدبرة – بامرأة مؤمرة

تحمل في العمال والصناع عبء السيطرة

أعجب لعمال يولون عليهم قيصرة


إن النظام المذهل الذي تعيشه مملكة النحل، هو مجال لتأمل عميق.. كيف خلقها الله بهذا الإمكانيات والقدرات.. وكيف تستطيع أن تجمع الرحيق وتصنعه شهدًا وكيف تصنع غذاء الملكات! وكيف تبنى خلاياها بهندسة متقنه عجيبة. وكيف تطير رحلات بعيدة بحثًا عن الزهور والرحيق! ما أعجبها! وما أعجب خالقها!!



إن الإنسان الروحي يستطيع أن يتخذ كل شيء مجالًا للتأمل. ويستطيع أن يستخرج من الماديات ما تحمله من دروس روحية.

أتذكر أنني في إحدى المرات، نشرت لكم في كتاب (كلمة منفعة) تأملًا عن الدروس الروحية التي يمكن أن نأخذها من (نهر النيل). ومن نقطة الماء الهينة اللينة التي إن سقطت بمداومة على صخر، تحفر فيه طريقًا.. وأيضًا عن شاطئ النهر اللذين لا يحدان حريته، إنما يحفظانه من الانسكاب. وهكذا وصايا الله وإرشاد الآباء، لا يحدان حرية الإنسان، إنما يحفظانه من الخطأ.



كذلك جسم الإنسان -وهو مادة- إلا أنه مجال واسع جدًا للتأمل، يدل على عظمة الخالق.

يكفى أن تتأمل قدرات كل عضو فيه، وعلم وظائف الأعضاء. المخ مثلًا وما فيه من مراكز عجيبة، للنظر والسمع والحركة والكلام.. بحيث إذا لم يصل الدم إلى أي مراكز، يبطل عمله، ويصير صاحبه معوقًا..

كذلك القلب -وهو كقبضة اليد- ولكنه جهاز دقيق جدًا، تتوقف عليه حياة الإنسان، كما على المخ أيضًا. ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل أجهزة الجسم البشرى، وكيف تعمل متناسقة في اتزان عجيب. وبعض هذه الأجهزة إذا تلف، لا يقدر كل التقدم العلمي على إرجاعه إلى وضعه الطبيعي..

و هكذا في كليات اللاهوت قديمًا، كما كانوا يدرسون علم الفلك، كانوا يدرسون علم الطب أيضًا، لأنه يعمق الإيمان بقدرة الله الخالق إن كانت قدرات الجسد هكذا، حسبما خلقه الكلى القدرة، فماذا تكون تأملات في قدرات الروح؟ على أنني أود أن أترك هذه النقطة الآن، لأتحدث في موضوع آخر وهو: التأمل في الأحداث.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 10 - 2021, 12:28 AM   رقم المشاركة : ( 4 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: - مجالات التأمل في الكتاب المقدس

التأمل في الأحداث


أعنى ما تمر بنا من أحداث يومية ، وما تدل عليه من حكمة الله وتدبيره، وتدخله وعنايته.. سواء في عالمنا الحاضر، أو يد الله في التاريخ.. إنه أمر يدعو إلى عميق من التأمل. وليس من صالحنا روحيًا أن نمر مرورًا عابرًا على أحداث التاريخ، دون وقفات من التأمل.




يد الله فيما حدث لآريوس وديوقلديانوس ونيرون. يد الله التي كانت مع القديس أثناسيوس الذي وقف العالم كله ضده. يد الله مع يوستينا وكبريانوس الساحر.. يد الله التي كانت مع الآباء السواح في وحدتهم، والتي أرشدت بعض القديسين إلى معرفة أماكنهم، وكتابة سيرة كل منهم قبل انتقاله..

يد الله في التاريخ الكنسي، وفي التاريخ المدني، وفي التقائهما، وفي تدبير كل شيء للخير.. هل التاريخ هو مجرد علم وأحداث، أم فيه أيضًا عبر ولاهوت؟ أعنى العمل الإلهي فيه. وهذا يحتاج إلى تأمل.

أليست يد الله مع قسطنطين الملك تدعو إلى التأمل، وكيف قادته إلى إصدار مرسوم ميلان سنة 313 م. الذي كفل به الحرية الدينية، وصار نقطة تحول خطيرة في تاريخ المسيحية وفي تاريخ الاضطهاد الديني.


هل نستطيع أن ننكر يد الله في الأحداث التي غيرت مصير روسيا والاتحاد السوفيتي، وأثر ذلك في القضاء على إلحاد استمر أكثر من سبعين عامًا، وانتهى بسرعة عجيبة غير متوقعة، مما يدل على تدخل يد الله فيه..! وهل يمكن أن يمر هذا الحدث علينا، بدون وقفة تأمل تقوى الإيمان بالله، وبتدخله.. هو صانع العجائب وحده.

إن فصل التاريخ عن الله، هو عمل غير روحي، أما الروحيون فيتأملون يد الله في التاريخ. ننتقل إلى موضوع آخر في التأمل وهو: التأمل في الصلاة.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 10 - 2021, 12:29 AM   رقم المشاركة : ( 5 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: - مجالات التأمل في الكتاب المقدس

التأمل في الصلاة


سواء في الصلوات الخاصة، أو صلاة القداس الإلهي، أو صلاة المزامير، أو في الترانيم والتسبحة وكلما كان للمصلي تأمل سابق في المزامير وقطع الصلاة، على هذا القدر تكون صلاته أعمق وبفهم..


وأتذكر أنني أصدرت لكم كتابًا عن التأمل في المزمور الثالث (من صلاة باكر) "يا رب لماذا؟!".. وكتاب آخر عن المزمور 19 (أول مزامير الساعة الثالثة) "يستجيب لك الرب في يوم شدتك".. وكتابًا آخر عن تأملات في بعض مزامير الغروب.. كما أصدرت لكم كتابًا عن التأملات في صلاة الشكر والمزمور الخمسين. وأرجو أن نتخذ باقي المزامير مجالًا لتأملاتنا، وتصدر لكم فيها كتب أخرى..

ما كان الآباء يتلون عبارات الصلوات بطريقة سطحية سريعة، بل كما قال ماراسحق عن صلواتهم: "مَنْ حلاوة الكلمة في أفواههم، ما كانوا يستطيعون بسهولة أن يتركوها إلى كلمة أخرى".

كانوا يصلون بفهم، يغوصون إلى أعماق المعاني في تأمل، يعطى صلواتهم روحًا وحرارة وعمقًا. وفي هذا تختلط مشاعرهم بعبارات الصلاة، فتصدر الكلمات من قلوبهم. ولا يهتمون بطول الصلوات أو بكثرتها، وإنما بما فيها من تأمل وعمق. وهكذا قال ماراسحق لمن يريد أن يسرع في صلواته ليتلو أكبر عدد من المزامير: إذا حوربت بهذا، فقل: أنا ما وقفت أمام الله لكي أعد ألفاظًا.. ا روح الصلاة.. مثل ترتيلة "مراحمك يا إلهي كثيرة جدًا".. ومثل تسبحة "يا ربى يسوع المسيح، مخلصي الصالح".. حقًا إن الذين يسرعون في صلواتهم وتسابيحهم، إنما يفقدون عمقها وتأملاتها. وتتحول من كونها صلاة، لتصبح مجرد تلاوة...

إن لم تكن لك موهبة التأمل في الصلاة، أنصحك أن تقرأ تأملات الآباء في الصلوات والمزامير. وما أكثرها.. ننتقل إلى نقطة أخرى في التأمل وهى: التأمل في الدينونة والموت.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 10 - 2021, 12:30 AM   رقم المشاركة : ( 6 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: - مجالات التأمل في الكتاب المقدس

التأمل في الموت والدينونة


و هذا ما تعلمنا الكنيسة إياه في صلاة النوم، إذ يقول المصلى "هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوبًا من أجل كثرة خطاياي"، "لو كان العمر دائمًا، وهذا العالم مؤبدًا، لكان لك يا نفسي حجة واضحة. لكن إذا انكشفت أعمال كالرديئة وشرورك القبيحة أمام الديان العادل، فأي جواب تجيبين، وأنت على سرير الخطايا منطرحة، وفي إخضاع الجسد متهاونة؟!"..

وفي صلاة نصف الليل، توجهنا الكنيسة إلى التأمل في نهاية العالم، ومجيء المسيح الثاني، ومصير كل من العذارى الحكيمات والجاهلات.. وإلى وجوب السهر الروحي..
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 10 - 2021, 12:30 AM   رقم المشاركة : ( 7 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: - مجالات التأمل في الكتاب المقدس

التأمل في صفات الله


إن صفات الله -تبارك اسمه- موضوع عميق للتأمل، يقدمها لنا القداس الغريغورى، والطلبة الأخيرة في ختام كل صلاة "ارحمنا يا الله ثم ارحمنا" حيث نتأمل "إلهنا الصالح، الطويل الروح، الكثير الرحمة، الجزيل التحنن، الذي يحب الصديقين ويرحم الخطاة".. كذلك نجد هذا التأمل في تسبحة الثلاثة تقديسات، حيث نقول "قدوس قدوس قدوس. السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس" (أش 6).

و تأملاتنا في صفات الله تشمل نوعين: صفاته من جهة علاقتنا به، وصفاته الخاصة به وحده كإله.. مثل الأزلي، الذي لا يُحَد، الخالق القادر على كل شيء، الموجود في كل مكان.. وكلها مجال عميق للتأمل..
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 10 - 2021, 12:31 AM   رقم المشاركة : ( 8 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: - مجالات التأمل في الكتاب المقدس

التأمل في سير القديسين

كأن تتأمل مثلًا في الحكمة والإفراز، أو في فضيلة الرحمة أو المحبة أو الاحتمال. أو في الصلاة والصلة بالله. تتأمل عمق الفضيلة وأسبابها داخل النفس، ونوعية التعبير عنها.. وما يتعلق بذلك كله من آيات الكتاب المقدس وقصصه.

* يمكن أن تتأمل في أسرار الكنيسة:
مثل سر المعمودية، وما يحدث فيه من نعم خفية شرحتها آيات الكتاب المقدس.. أو سر المسحة المقدسة وعمل الروح فيه وفينا.. وهكذا مع باقي الأسرار. وما يكمن في وضع اليد من عمل إلهي.

* يمكن التأمل في إرادة الله وحسن تدبيره:
أو في عجائب الله (أى 37: 14) ويده القوية. وفي طرق الرب وأسلوب تعامله مع الخطاة ومع القديسين. وكما يقول داود النبي للرب " بصنائع يديك أتأمل" (مز 143: 5)


* التأمل في سير القديسين:
إنه موضوع جميل ونافع جدًا. وتأمل سير القديسين Hagiography غذاء شهى للنفس، لست أريد أن أمر عليه في عجالة، بل أحب أن أخصص له موضوعًا قائمًا بذاته، إن شاء الرب وعشنا.
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 10 - 2021, 09:49 AM   رقم المشاركة : ( 9 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,264,140

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: - مجالات التأمل في الكتاب المقدس


في منتهى الجمال
ربنا يباركك
  رد مع اقتباس
قديم 30 - 10 - 2021, 09:54 AM   رقم المشاركة : ( 10 )
بشرى النهيسى Male
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية بشرى النهيسى

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 124929
تـاريخ التسجيـل : Oct 2021
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 25,619

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

بشرى النهيسى غير متواجد حالياً

افتراضي رد: - مجالات التأمل في الكتاب المقدس

مرور غالى جدا
ربنا يباركك
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مجالات التأمل: التأمل في الكتاب المقدس البابا شنودة
مجالات التأمل الروحي
التأمل في الكتاب المقدس
التأمل في الكتاب المقدس
مجالات التأمل: التأمل في الكتاب المقدس


الساعة الآن 08:35 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024