القديسة العذراء مريم نموذج للكنيسة
نيافة الأنبا رافائيل
"هؤلاء كلهم (الكنيسة) كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء ومريم أم يسوع ومع اخوته" (أع 14:1) إن العذراء مريم هى عضو أساسى ومشارك مع الكنيسة حتى اليوم فى الصلاة والطلبة وإقتبال الروح القدس ولكن عضوية أم النور عضوية متميزة فهى نموذج ومثال رائع لما ينبغى أن تكون عليه النفس البشرية التى هى اللبنة الصغيرة فى بناء الكنيسة الكبير.
فكما أن العذراء ولدت المسيح الذى هو رأس الكنيسة فإن الكنيسة فى كل يوم تلد أعضاء جدداً للمسيح فى الجسد بالمعمودية "أما أورشليم العليا فهى حرة وهى أمنا جميعاً فهى حرة" (غل4:26).
وكما أن ولادة العذراء للمسيح كانت بالبتولية بسبب اتحادها بالروح القس فكذلك تلدنا الكنيسة بفعل الروح القدس بالأسرار.
وكما أن العذراء بقيت عذراء بعد الولادة كذلك الكنيسة تحفظ عذراوية كيانها المقدس بالرغم من وجودها فى العالم بكل أغراء أته فالكنيسة للعالم هى نور وملح ولكنه نور لا ينبغى أن ينطفئ وملح لا يجب أن يفسد.
والعذراء وقد صارت أماً لله نظرت إلى نفسها كأمة متواضعة وكذلك الكنيسة تسلك بروح الوداعة والاتضاع والمسكنة
بالروح والأسرار التى كثرة المواهب والأسرار التى تمتلكها بقوة وفعل الروح القدس.
والعذراء فى هدوء "آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" (يو 45:1) وسلمت أمرها للرب"ليكن لى كقولك" (لو 38:1) وكذلك تمسكت وحافظت بالإيمان السليم وحافظت عليه وحياتها فى قلبها وطقسها وحياتها مسلة كل المشيئة لله الذى يقود ويدبر الكنيسة بحكمته وعين رعايته الساهرة.
والعذراء مريم جاز فى نفسها سيف الألم عندما شك يوسف فيها.. وعندما ظن اليهود فيها ظنوناً. وبالأكثر عندما رأت أبنها الحبيب الحنون معلقاً على الصليب "العالم يفرح لقبوله الخلاص وأما أحشائى فتلتهب عندما أنظر إلى صلبوتك، الذى أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابنى وإلهى" (الأجبية). وكذلك الكنيسة عاشت وتعيش مضطهدة ومتألمة ومرفوضة من العالم ، كحملان وسط ذئاب (لو 3:10) ولكما ازداد الألم والضغط على الكنيسة كلما نمت وتمجدت لأن الآلام دائماً معبرنا للمجد ولأن رئيس خلاصنا ورأس جسدنا هو المسيح المصلوب.
والعذراء خدمت البشرية واجتذبتها للخلاص بهدوئها وصمتها، "لأنك قدمت لله ابنك شعباً كثيراً من قبل طهارتك" (التسبحة اليومية).
وكذلك الكنيسة تعمل فى البشرية كمثل الخميرة التى يسرى مفعولها فى هدوء لتخمر العجين كله. فليست الخدمة الفعالة هى ذات الرنين العالى والشهوة الواسعة والدعاية الجوفاء.. ولكن الخدمة الفعالة هى خدمة العمق والهدوء والرزانة تلك التى خدم بها انطونيوس وأبو مقار وغيرهم فربحوا نفوساً كثيرة للملكوت وكان النموذج الرائع لهذه الخدمة الأم العذراء بطهارتها وعمقيها وزانتها المؤثرة.
إن مجرد ذكر اسم العذراء يبعث النفس على الخشوع والصلاة ويملأ القلب بهجة ووقار ويشيع فى الجسد قداسة ونقاء.. إنها كأم تجمعنا حولها.. وتقدمنا لابنها.. فلنهتف إذاً مع اليصابات "مباركة أنت فى النساء" (لو 42:1).
"