رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يسوع المسيح الأقنوم المتجسد بواسطة الخطيئة انفصل الإنسان عن الله وأضحى مهمشاً غير قادر أن يُنهض نفسه من الهوة التي سقط فيها. لم يكن قادراً أن يرتفع إلى الله ولذلك شاء الله من فيض محبته أن ينحدر بنفسه إلى الإنسان، وذلك لكي يعيد الشركة بين الإنسان ونفسه. فبالتجسد أخذ الله طبيعتنا البشرية المنحطة وضمها إلى لاهوته، لتسري فيها حياة جديدة فتشددها وتنعشها وتعيدها إلى نقائها الأولي.1 - حُبل به من الروح القدس إن هذه الكلمات تلغي فكرة تدخل رجل في الحبل، أي أن يسوع الإله والإنسان، لا يُعرف له أبٌ سوى الله الآب26، فحين البشارة سألت مريم الملاك: « كيف يكون ذلك وأنا لا أعرف رجلاً؟ » فأجابها الملاك: « الروح القدس يأتي عليك 27» . ففي عمل الثالوث الخلاصي كان لا بد من اشتراك الأقانيم الثلاثة في عملية الفداء، فعمل الله الذي أوحي في الكتاب المقدس أولاً، أوحي من خلال الابن ثانيةً، وبالاشتراك مع عمل الروح. فإن عمل الآب هو الخلق وعمل الابن هو الفداء، أما عمل الروح فهو تأليه الإنسان. «فالآب هو كالذراع من حيث تأتي القوة والحركة: الابن هو كاليد التي تنفذ الحركات الدقيقة في العمل؛ والروح كالأصبع التي تؤمن العمل النهائي28» . إن الروح القدس أُرسل إلى حشا العذراء ليقدسه ويخصبه إلهياً، فأصبحت رسالة الروح تواكب رسالة الابن وترافقها29 ، وبما أن ابن الآب الوحيد قد حبل به في أحشاء العذراء مريم فهو ممسوح من قبل الروح القدس، منذ بدء وجوده البشري، حيث أنه ظهر تدريجياً لعدد من الناس، وكما ستظهره لاحقاً حياته المليئة بالأعاجيب 30. 2- تجسَّد من مريم العذراء كما ذكرت سابقاً، إن الله من صميم محبته قرر أن ينحدر إلى الإنسان ليخلصه، إلا أنه ? وهو يحترم حرية الإنسان ? أراد أن يريد الإنسان خلاص نفسه. فبدأ بتهيئة الإنسانية تدريجياً إلى اقتبال الخلاص. وأدت هذه التهيئة إلى مريم العذراء، حيث بدأت منذ العهد القديم31 وأوجزت رجاءها في العهد الجديد في نشيد التعظيم "تعظم نفسي الربّ32-33 "، الذي يعد أنه مليء بالإشارات التي ترمز إلى العهد القديم. وهكذا فإن مريم « هي المثال الأعظم والصورة الأولى للإيمان المسيحي34 » ، وهي « بقبولها للخلاص الذي جعله الله بنعمته ممكناً هو إذاً لحظة أساسية في حدث الخلاص».35 فمريم العذراء هي والدة الله، وهذا ما يعلنه لنا العهد الجديد في العديد من الشهادات 36، وهو ما أعلنه مجمع أفسس سنة 431 كما ذكرت سابقاً، وبالإضافة إلى ذلك فهي أمنا وتتشفع لنا في السماء. إن هذا الاعتقاد لا يمكن إزالته من تراث الصلوات في الكنيسة ، ومن التراث الشعبي المسيحي الذي اعتاد المسيحيون في كنائسهم على ترداده. وأخيراً وليس آخراً، لا بد من التكلم عن بتولية مريم ، فمنذ إعلان الصيغ الأولى للإيمان في الكنيسة، كان الاعتراف بأن حبل مريم هو بقوة الروح القدس وبدون أي زرع من رجل، وقد أكد على ذلك القديس إغناطيوس الأنطاكي في أوائل القرن الثاني حيث قال في رسالته إلى السميرنيّين (1-2): « اتضح لي أنكم على أشد اليقين في ما يتعلق بربنا الذي هو في الحقيقة من ذرية داوود بحسب الجسد 37، وابن الله بحسب إرادة الله وقدرته 38، ومولود حقاً من عذراء (...) وقد سُمّر حقاً من أجلنا في جسده في عهد بنطيوس بيلاطوس (...) فتألم حقاً، وحقاً قام أيضاً»39 . 3 - صُلب من أجلنا ومات يُعتبر السر الفصحي لموت المسيح وقيامته محور عملية التبشير التي قام عليها عمل الرسل والكنيسة من بعدهم، وذلك من خلال الصليب علامة الخلاص المميزة. حيث أن موت يسوع عليه كان في نظر اليهود دينونة ولعنة من قبل الله 40، أما في نظر الرومانيين فهو عار ومدعاة للسخرية والاحتقار41 . ولهذا كانت مهمة الكنيسة المسيحية الناشئة صعبة، إلا أنها كانت دائماً تتذكر إرادة الله وتصميمه الخلاصي، الذي أظهره أثناء العشاء السري42 . فموت المسيح لم يكن نتيجة الصدفة بل هو في سر تصميم الله، حيث أن المسيح مات من أجل خطايانا متخذاً صورة العبد المتألم 43، وذلك ليكفر عن خطايا البشر التي تلت الخطيئة الأصلية وكانت عاقبتها الموت 44. « إن موت المسيح في الوقت نفسه هو ذبيحة فصحية تتم فداء للبشر ذلك بالحمل الذي يرفع خطيئة العالم، وهو ذبيحة العهد الجديد التي تعيد الإنسان إلى الشركة مع الله مجرية المصالحة بينهما بالدم الذي يُراق عن الكثيرين لمغفرة الخطايا45 » . وبعد أن مات المسيح دفن في القبر بجسده من دون أن ينال أي فساد46 ـ وتعتقد الكنيسة الكاثوليكية أنه في مدة إقامة المسيح في القبر بقي شخصه الإلهي ملازماً لنفسه وجسده اللذين فصلهما الموت 47.وحين مات المسيح انحدر بنفسه المتحدة بالشخص الإلهي، إلى مقر الأموات حيث منحهم بشرى الخلاص. وتعتقد الكنيسة الشرقية بأن انحدار المسيح إلى مملكة الموت هو حدث الخلاص الجوهري48 . فكل الأجيال الذين ماتوا من قبل يسوع خلصوا في موته. وقد شمل موته الخلاصي أيضاً جميع آلام التاريخ وضحاياه. |
|