رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حُضور يسوع لتلاميذه من خلال الرُّوح القُدُس الرُّوح القُدُس هو الذي يؤمِّن حُضور المسيح بشكل من الأشكال كما صرّح يسوع: “أَنا سأَسأَلُ الآب فيَهَبُ لَكم مُؤَيِّداً آخَرَ يَكونُ معَكم لِلأَبَد" (يوحنا 14: 16). كان حُضور الله الموقَّت في المسيح على الأرض شيئًا حتميًا، لأَنَّ المسيح من حيث انه إنسان، ما كان يستطيع أن يبقى على الأرض إلى الأبد مع المؤمنين. لكن بالرغم من صعود يسوع بالجَسَد إلى أبيه، بقي حُضوره مُستمرًا بطريقة جديدة عن طريق الرُّوح القُدُس. ويُعلق القدّيس العلامة يوحنّا الآبلّيّ، "كما كان الرَّبّ يسوع يَعِظُ، فإنّ الرُّوح القُدُس يعِظُ الآن؛ وكما كان يُعَلِّم، فإنّ الرُّوح القُدُس يعلّم؛ وكما كان المسيح يُعَزّي، فإنّ الرُّوح القُدُس يعزّي ويعطي السرور. ماذا تطلب؟ عمّا تبحث؟ ماذا تريد أكثر من ذلك؟" (العظة رقم 30، الرابعة عن الرُّوح القُدُس). إن المعزّي، روح الله ذاته، يجيء بعد صعود يسوع للاهتمام بتلاميذه ورعايتهم وإرشادهم. وقد حدث هذا في يوم العنصرة (أعمال الرسل 2: 1-4) حيث قطع الله عهدًا جديدًا معنا خاتمًا إيَّاه بسكنى رُوحه القُدوس فينا. وهذا ما أكّده بولس الرسول "أَما تَعلَمونَ أَنَّكُم هَيكَلُ الله، وأَنَّ رُوحَ اللهِ حالٌّ فيكم؟" (1 قورنتس 3: 16)، فحُضور الرُّوح في حياتنا هو تتميم لمُخطط الله الخلاصي لنا. قال القديس أثناسيوس الإسكندري: "لقد أصبح الله إنسانا ليجعلنا أهلاً لقبول الرُّوح القُدُس". وكشف لنا الرُّوح عن ذاته من خلال الصور: "حمامة" في عماد يسوع في الأردن "اعتَمَدَ يسوع وخَرجَ لِوَقتِه مِنَ الماء، فإِذا السَّمَواتُ قدِ انفتَحَت فرأَى رُوحَ اللهِ يَهبِطُ كأَنَّه حَمامةٌ ويَنزِلُ علَيه" (متى 3: 16)، وظهر بصورة "ريح وألسنة نار" يوم العنصرة. كما جاء الوصف في أعمال الرسل "انْطَلَقَ مِنَ السَّماءِ بَغتَةً دَوِيٌّ كَريحٍ عاصِفَة، فمَلأَ جَوانِبَ البَيتِ الَّذي كانوا فيه، 3 وظَهَرَت لَهم أَلسِنَةٌ كأَنَّها مِن نارٍ قدِ انقَسَمت فوقَفَ على كُلٍّ مِنهُم لِسان، 4 فامتَلأُوا جَميعًا مِنَ الرُّوح القُدُس" (أعمال الرسل 2: 2-4). وشبّه الأنبياء الرُّوح بالذي "يمسح" مختاريه. إنّ الإنسان الذي يحصل على هذه المسحة يصبح "ممسوحًا" أو "مسيحًا". ويُصبح المعمّد خاصة المسيح عندما يختمنا الرَّبّ بروحه. "فيه أَنتُم أَيضاً سَمِعتُم كَلِمَةَ الحَقّ أَي بِشارةَ خَلاصِكم وفِيه آمنُتُم فخُتِمتُم بِالرُّوح المَوعود، الرُّوح القُدُس" (أفسس 1: 13). نجد صورة المسحة مكتملة فينا عندما نحصل على سر الميرون المقدس (سر التثبيت المقدس)، ويتكلّم القديس بولس عن الرُّوح القُدُس ويُشبِّهه بختم في علاقتنا مع الله، "ولا تُحزِنوا رُوحَ اللّه القُدُّوسَ الَّذي به خُتِمتُم لِيَومِ الفِداء" (أفسس 4: 3). فالرُّوح القُدُس هو "عربون الميراث الآتي وباكورة الخيرات الأبدية" (الليتورجيا الإلهية). ويدعوه الرسول بولس الرُّوح القُدُس هو "الضمانة" للحصول على الحياة الأبدية: إنه "هو عُربونُ مِيراثِنا إلى أَن يَتِمَّ فِداءُ خاصَّتِه لِلتَّسْبيحِ بِمَجدِه" (أفسس 1: 14). لن يتركنا الرُّوح القُدُس يتامى بل يبقى معنا إلى الأبد، ويقودنا إلى الحَقّ كله "رُوحَ الحَقِّ الَّذي لا يَستَطيعُ العالَمُ أَن يَتَلَقَّاه لأَنَّه لا يَراه ولا يَعرِفُه"(يوحنا 14: 17)، ويحيا معنا وفينا لأنَّه في وسطنا وسيكون في داخلنا " تَعلَمون أَنَّه يُقيمُ عِندكم ويَكونُ فيكم" (يوحنا 14: 17)، وهو يُعيننا أن نحيا حسب ما يريده الرَّبّ الإله منّا، ويُعلمنا كل شيء كما قال يسوع " المُؤَيِّد، الرُّوح القُدُس الَّذي يُرسِلُه الآبُ بِاسمي هو يُعَلِّمُكم جَميعَ الأشياء"(يوحنا 14: 26)، ويذكّرنا بكل أقوال يسوع المسيح " يُذَكِّرُكُم جَميعَ ما قُلتُه لَكم "(يوحنا 14: 26). والرُّوح القُدُس هو مصدر كل الحَقّ، لأنه هو "رُوحُ الحَقِّ المُنبَثِقُ مِنَ الآب" (يوحنا 15: 26)، ويقنعنا بخطايانا وبدينونة الله " وهو، مَتى جاءَ أَخْزى العالَمَ على الخَطيئِة والبِرِّ والدَّينونَة "(يوحنا 16: 8)، وهو يشهد للحقِّ، أي للمسيح، كما صرّح يسوع "فهُو يَشهَدُ لي" (يوحنا 26:15)، ويُعطينا بصيرة إلى أحداث المستقبل " فَمتى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إلى الحَقِّ كُلِّه لِأَنَّه لن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِه بل يَتَكلَّمُ بِما يَسمَع ويُخبِرُكم بِما سيَحدُث" (يوحنا 16: 13)، ويُبيِّن مجد المسيح " سيُمَجِّدُني لأَنَّه يَأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه "(يوحنا 16: 14). وكان الرُّوح القُدُس عاملاً بين النَّاس منذ بداية الزَّمان، لكنَّه بعد العنْصَرة سكن في المؤمنين (أعمال الرسل 2: 1-13). الرُّوح القُدُس هو الله داخلنا وداخل كل المؤمنين. وهو يعمل معنا ولأجلنا، ويُعيننا أن نحيا كأبناء الله؛ كما كتب بولس الرسول:" إِنَّ الَّذينَ يَنقادونَ لِرُوحِ الله يَكونونَ أَبناءَ اللهِ حَقًّا. لم تَتلَقَّوا روحَ عُبودِيَّةٍ لِتَعودوا إلى الخَوف، بل روحَ تَبَنٍّ بِه نُنادي: أَبًّا، يا أَبَتِ! وهذا الرُّوح نَفْسُه يَشْهَدُ مع أَرواحِنا بِأَنَّنا أَبناءُ الله" (رومة 8: 14-16). وبالرُّوح القُدُس نُصبح أبناء للآب وأخوة بعضنا لبعض وللناس كلّهم. الرُّوح القُدُس قريبٌ منّا، بشكل خاص، في الصلاة. ففي الصلاة نختبر بشكل خاصّ بأنّ "إِنَّ الرُّوح أَيضاً يَأتي لِنَجدَةِ ضُعْفِنا لأَنَّنا لا نُحسِنُ الصَّلاةَ كما يَجب، ولكِنَّ الرُّوح نَفسَه يَشفَعُ لَنا بأَنَّاتٍ لا تُوصَف. والَّذي يَختَبِرُ القُلوب يَعلَمُ ما هو نُزوعُ الرُّوح فإِنَّهُ يَشفَعُ لِلقِدِّيسينَ بما يُوافِقُ مَشيئَةَ الله" (روما 8، 26-27). ويُعلق أوريجانوس: "حينما نُصلّي نكون دائماً إثنين: نحن والرُّوح القُدُس. بواسطة الرُّوح القُدُس، نحن ندخل في حوار أبديّ مع الآب والابن، ولا يتمّ الاستماع إلى الصلاة بحسب صوتنا، بل بحسب صوت الرُّوح القُدُس الّذي يُصلّي لنا، وهو الوسيط الدائم لدى الآب والّذي يطلب دائماً ما هو الأفضل لنا". ومن هنا نتساءل: ما هو دور الرُّوح القُدُس اليوم في حياة كلِّ واحدٍ مِنَّا؟ ماذا عملنا بالرُّوح القُدُس الذي أُعْطي لنا يوم عمادنا؟ هل نسمح له أن يعمل في حياتنا؟ هل له أي دور في حياتنا؟ دعونا نطلب من الرُّوح القُدُس، الرُّوح المعزِّي، أن يأتي ويسكن في قلوبنا فنشعر بحُضور المسيح فينا، ونتذكر تعاليمه وصلاته، ونعمل على حفظ وصاياه. |
|