الفضائل وأشباه الفضائل
ربما قرأتم هذا الاصطلاح من قبل، وسوف تسمعونه وتقرأونه كثيرًا، وهو يعنى أن الإنسان قد ينخدع في سلوك ما ظانًا أنه فضيلة وهو في الواقع انحراف وخطية، مثل الاتضاع المزيف من جهة والاتضاع الحقيقي من جهة أخرى، فالدافع خلف الأول هو الكبرياء، بغرض مديح الآخرين، بينما الاتضاع الحقيقي فضيلة يسعى إليها شخص يشعر بضعفه واحتياجه إلى معونة الله وصلوات الآخرين.
يقول بعض الفلاسفة أن الفضيلة هي وضع متوسط بين نقيضين أحدهما الإفراط والآخر التفريط، فالكرم مثلًا وضع متوسط بين التبذير(الإفراط) والتقتير (التفريط)... والشجاعة وضع متوسط بين التهور والجبن...الخ، هناك فرق إذن بين: (النسكوالفقر، والصوم وفقدان الشهية، الاتضاع الحقيقي وضعف الشخصية، اللطف والهذر، البساطة والسذاجة، قوة الشخصية والكبرياء، الهدوء والانطواء، السهر والأرق، الرقة والحساسية، الشجاعة والتهور، العالِم والمعلم، الراعي والمدرس، البتول والعازب، البصر والبصيرة).
وهكذا الفرق بين التدقيق والوسوسة، الأمر يحتاج إلى حكمة... فالمدقق شخص جاد ملتزم منظم... يسلك بوعي ويقظة... في حين أن الموسوس هو شخص مبالغ في البديهيات، يُحَمِّل الأمور أكثر مما تحتمل، ويصل به الحرص إلى درجة المرض... وإلى الخطأ والخطر..
المدقق شخص جاد دون تطرف، لطيف دون تنازلات، جاد في لطفه.. لطيف في حزمه، صورة لمسيحنا الحلو... العادل في محبته والمحب في عدله ... بينما الموسوس هو شخص شكاك يعانى من اضطراب في شخصيته يجرى بلا مطارد.
قرأت عن أحد شيوخ البرية أنه اضطر في يوم من أيام الصوم الكبير لزيارة أب مريض، هناك قدموا له هو وتلميذه طعامًا فأكلوا .. وفي طريق عودتهما أبصر التلميذ ماءًا، فلمّا أراد أن يشرب نهره الشيخ بلطف بأنهما في صوم، فلما ذكّره التلميذ بأنهما أكلا منذ قليل!! أجابه ذاك المستنير: "من أجل المحبة أكلنا والآن لا نَحِلّ قانوننا"... انظروا كيف سلك الأب بتدقيق دون تطرف.