|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دعوة الى الثقة من خلال مثل حَبَّةِ خَردَل يدعونا يسوع في مثل حَبَّةِ خَردَل الى التحلي بالثقة، لانَّ "حَبَّةِ خَردَل " كان يُضرب فيها المثل للدلالة على التفاوت بين صِغر البداية والعظمة في النهاية. ولا يُذكر النمو الا في جملة معترضة (متى 13: 32). ويستوحي يسوع هذه المثل من حزقيال النبي "في جَبَلِ إِسْرائيل العالي أَغرِسُه فيُنشِئُ أَفْنانًا ويثمِرُ ثَمَرًا ويَصيرُ أَرزًا جَليلاً، فيَأوي تَحتَه كُلُّ طائِر، كُلُّ ذي جَناحٍ يَأوي في ظِلِّ أَغْصانِه" (حزقيال 13: 23)، كما أنه مستوحى أيضا من دانيال النبي الذي يذكر طيور السماء "وقَد نَمَتِ الشَّجَرَةُ وقَوِيت وبَلَغَ ارتفاعها إِلى السَّماء ومَرْآها إِلى أَقْصى الأَرضِ كُلِّها. وأَوراقُها بَهِيَّة وثَمَرُها كَثير وفيها غِذاءٌ لِكُلِّ أَحَد وتَحتَها تَستَظِلُّ وُحوشُ البَرِّيَّة وإِلى أَغْصانِها تَأوي طُيورُ السَّماء"(دانيال 4: 8-9). وكما ان حَبَّةِ خَردَل تبدأ صغيرة وتنمو وتصبح شجرة عظيمة كذلك ملكوت السماوات. والواقع إن كنيسة المسيح بدأت بالضعف ونمت نموا كبيرا لتكون قوة مسكونية. فالمثل يدعونا ان نرى من خلال حياة يسوع الوديعة المتواضعة مجده بعد القيامة وبالتالي يدعونا الى الثقة والرجاء. ان حَبَّةِ خَردَل صغيرة جداً ثم ينمو فيصبح شجرة. كذلك رسالة يسوع تبدأ في الضعف، ثم تنمو نموا كبيرا كما حدث في زمن متى الإنجيلي. أراد متى الإنجيلي ان يُبيِّن من خلال مثل حَبَّةِ خَردَل الصُغر في البداية والعظمة في النهاية. يدعونا المثل الى الثقة من خلال تعارض بين صغر الحبّة في البداية وكبرها في النهاية (متى 13: 31-32)، فالملكوت بدأ صغيرا في يسوع، ولكنه نما في زمن مرقس الإنجيلي فصار شجرة كبيرة. ان سُنّة النمو وسُنة الانتظار هما سُنتا الحياة، ان أصغر الأشياء تُصبح كبيرة في عين من يحسن النظر. هكذا يكون كلام يسوع نداء الى الثقة والرجاء. بدأ الملكوت ببزرة ويبلغ في مل الزمن طور الاكتمال كما حدث مع حبة صغيرة التي نمت فأصبحت شجرة وافرة الظلال تستظل تحت أفنانها كل شعوب الأرض. فنحن بحاجة للوقت. يبدا ملكوت الله بداية متواضعة مثل حَبَّةِ خَردَل او خميرة صغيرة وينتهي في نهاية رائعة حيث يصبح قادرا على رفع العالم بالرغم من العقبات. ويرى آباء الكنيسة في حَبَّةِ خَردَل يسوع وانجيله. يقول القديس غريغوريوس الكبير:" إنه حَبَّةِ خَردَل، نمت في بستان القبر إلى شجرة عظيمة. لم يكن إلا حَبّة حين مات يسوع وشجرة عندما قام. كان بذرة في تواضع جسده وشجرة في قوّة عظمته...! في هذه الفروع تجد الطيور راحتها، لأن النفوس النقيّة إذ ترتفع بأجنحة نعمته وتجد في كلماته راحتها من الهموم الأرضيّة والتعزية من قلق الحياة الحاضرة"؛ ألم يقل يسوع المسيح "إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيرًا" (يوحنا 12: 24). ويصرح القديس يوحنا الذهبي الفم إن حَبَّةِ خَردَل تمثِّل إنجيله والكرازة به قائلا: "بذرة الإنجيل هي أصغر البذور، لأن التلاميذ كانوا أكثر حياءً من غيرهم، لكنهم يحملون فيهم قوّة عظيمة، فانتشرت كرازتهم في العالم كله". أمَّا تفسير المثل بحسب إنجيل لوقا فهو ان يسوع أدرك ان ملكوت الله خفي، فقد أعلن " لَيسَت مَملَكَتي مِن هذا العالَم" (يوحنا 18: 36). لا يرى الناس نمو شجرة بشكل ظاهر للعيان. كذلك ينمو ملكوت السماوات من غير ان يلاحظه كثيرون. ولا يكشف لنا هذا النمو الاَّ الايمان. ينمو ملكوت الله بشكل لا يجد أحد الى إيقافه سبيلا، لان فيه قوة حياة. يدعونا يسوع الى الثقة بمسيرة الملكوت. فهو يفعل فعله منذ الآن في قلب البشر، وإن بدا صغيراً. ففي النهاية يكون نموه عجيبًا (لوقا 13: 13 20-21). أمَّا تفسير المثل بحسب إنجيل مرقس (مرقس 4: 30-32) فهو انتشار الملكوت من بداية طفيفة، ودعوة إلى إنجاح كلمة الله في النهاية. ومثل حَبَّةِ خَردَل تشبه مثل حبة القمح تبدأ في الخفية يزرعها الله في النفس وفي العالم. تنمو ببطء وبشكل خفي لكنها تستمر في النمو. رغم انها خفية وغير منظورة فان الحياة تتقدّم ولن تتوقف. إنّ حَبَّةِ خَردَل الصغيرة بالأمس أصبحت شجرة باسقة تمتد فروعها حتى اقاصي العالم. |
|