أفتهلك البار مع الأثيم؟ ...أديان كل الأرض لا يصنع عدلا (تك18: 23،25)
في جو الشركة أعلن الرب سره لخائفه إبراهيم من جهة القضاء على سدوم بسبب عُظم خطاياهم. وهنا سأل إبراهيم الرب: « أفتهلك البار مع الأثيم؟ » وكان يقصد لوطاً البار المعذب وسط الأشرار. ثم يُجيب على سؤاله: « حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر أن تُميت البار مع الأثيم فيكون البار كالأثيم ». ثم يضيف « أديان كل الأرض لا يصنع عدلاً؟ » وقد أثبت ديان كل الأرض أنه يصنع عدلاً ورحمة أيضاً فلم يَمُت لوط البار مع الأثمة الفجار، بل أرسل الرب ملاكين لإنقاذه مع بيته. وبعد خروجه أمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً (تك19).
لكن دعونا أحبائي ننتقل إلى مشهد أروع وأشمل ظهر فيه عدل الله وبره، وفي ذات الوقت نعمته ومحبته. فقد كان العالم كله أثيماً يستحق الدينونة عدلاً « الآن دينونة هذا العالم » (يو12) وقد أشرف الله من السماء لينظر هل من فاهم طالب الله، فوجد الجميع زاغوا وفسدوا معاً، ليس بار ولا واحد، والجميع أخطأوا وأجرة الخطية هي موت، وعدل الله يقضي بهلاك الخطاة. لكن عجباً وكل العجب فقد أحب الله هكذا العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. ونذكّركم بسؤال إبراهيم قديماً « أتُميت البار مع الأثيم؟ ». تطلعوا إلى موضع الجلجثة وهناك ترون كل العجب؛ البار معلق بين اثنين مُذنبين، واحداً عن يمينه والآخر عن يساره إتماماً للنبوة « وأُحصي مع أثمة » (إش53). وفي جوهر الأمر، فإن الله لم يُمِت البار مع الأثمة، بل عوضاً عن الأثمة « البار من أجل الأثمة » (1بط3: 18). ويا لها من مُبادلة عجيبة! ولقد كان مشهد الجلجثة هو أعظم ساحة قضاء فيها أظهر الله عدله كديان كل الأرض. فعندما حمل المسيح خطايانا في جسده على الخشبة، صب الله كل دينونته على الخطية على ابنه الوحيد الحبيب، واستيقظ سيف عدله وضرب رجل رفقته، وبذلك أظهر بره من جهة الخطية ونعمته تجاه كل مَنْ يؤمن « بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره ... ليكون باراً ويبرر مَنْ هو من الإيمان بيسوع » (رو3: 21-26). أرأيتم إذاً أن أعظم إعلان عن عدل الله كان في الصليب، وفي ذات الوقت أعظم إعلان عن المحبة والنعمة « الرحمة والحق التقيا، البر والسلام تلاثما » (مز85).