رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حديث المسيح عن السبت "فأجابهم يسوع: أبي يعمل حتى الآن، وأناأعمل". [17] دخل السيد المسيح في حوار مع القيادات التي تتهمه بكسر السبت. يبدو أن هذا الحوار كان أمام مجمع السنهدرين، إما في نفس اليوم أو في خلال يومين أو ثلاثة من شفائه للمريض. بقوله: "أبي يعمل حتى الآن" [17] يوضح لهم أن الآب قد خلق العالم في ستة أيام واستراح في اليوم السابع، أي في السبت. لقد توقف عن عمل الخليقة إذ أكمل كل شيء، لكن راحته لا تعني تجاهله للخليقة، بل يبقى في سبته يعتني بخليقته ويرعاها ويدبر كل أمورها. فالسبت عند الله هو عمل فيه راحة ومسرة، حيث يعلن حبه لخليقته المحبوبة لديه جدًا. لو مارس السبت حرفيًا مثل القيادات اليهودية لتوقفت الخليقة وتدمرت، لأنها لا تقدر أن تقوم بدون العون الإلهي. هكذا الابن يقدس السبت بعمل الحب المستمر، حيث يرعى محبوبيه، ويعمل بلا توقف لكي يبرأ الكل وينمو في المعرفة والمجد. هذا هو مفهوم السبت على المستوى الإلهي. في السبت يختتن الذكر إن كان هو اليوم الثامن لميلاده، وفي السبت يقدم الكهنة ذبائح، وفي السبت يقدم الرعاة المياه لأغنامهم. هذه كلها أعمال لا تكسر السبت لأنها تحمل رائحة حب. ابن الإنسان هو رب السبت، لأنه هو "الحب" عينه. "وأنا أعمل": بكونه ابن الله فهو يمارس مسيرة أبيه الدائم العمل لحساب شعبه. التوقف عن عمل الحب هو كسر للسبت وإفساد له، أما عمل المحبة فهو تقديس له. إنه لا يعمل كأبيه، كأن لكل منهما عمله المستقل، إنما هو العامل مع أبيه، إذ "به كان كل شيء". فإن أُتهم بكسر السبت، يكون في ذلك اتهام لله الآب نفسه الذي لا ينفصل الابن عنه قط. يقارن السيد المسيح نفسه بالآب، فكما أن الآب يعمل في السبت كما في بقية الأيام هكذا يمكن له أن يفعل هذا. هذه المقارنة لها خطورتها عند القيادات اليهودية، لأنها تحمل معنى التساوي بينهما في الخطة الإلهية والعمل. من هو هذا الذي يعالج موضوع الآب والسبت بكونهما يخصانه؟ يرى القديس أغسطينوس أن اليهود أخطأوا في فهمهم ليوم السبت بطريقة جسدانية. لقد ظنوا أن الله خالق العالم في ستة أيام، فتعب وأراد أن يستريح من تعبه في اليوم السابع فقدس هذا اليوم للراحة. هذا الفهم الخاطئ جعلهم هم في تعبٍ. أما المعنى الروحي له فهو أنه إذ تعبر ستة أيام أو فترات التاريخ البشري يأتي يوم الرب بكونه اليوم السابع. راحته تعني راحتنا نحن فيه. أما الأيام الستة فهي: * اليوم الأول: من آدم إلى نوح. * اليوم الثاني: من الطوفان إلى إبراهيم. * اليوم الثالث: من إبراهيم إلى داود. * اليوم الرابع: من داود إلى السبي البابلي. * اليوم الخامس: من السبي البابلي إلى مجيء السيد المسيح. * اليوم السادس: العصر الحاضر منذ مجيء المسيح إلى مجيئه الأخير. في هذا اليوم نتشكل على صورة الله، إذ فيه خُلق الإنسان (تك 1: 27). وفيه يتم تجديد خلقتنا (بالصليب يوم الجمعة). هكذا يرى القديس أغسطينوس أن الله يعمل خلال الستة أيام، وأن اليوم السادس هو يوم خلقة الإنسان وتجديده حتى يتهيأ للتمتع بالراحة في اليوم السابع، يوم مجيئه الأخير(588). *لكي نعرف بطريقة أكمل عن مساواة الآب والابن، إذ تكلم الآب عمل الابن، هكذا أيضًا الآب يعمل،والابن يتكلم. الأب يعمل كما هو مكتوب: "أبى يعمل حتى الآن، وأنا أعمل". تجد أنه قيل للابن: "قل كلمة فقط فيبرأ غلامي" (مت 8:8). ويقول الابن للآب: "أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني ليكونون معي حيث أكون أنا" (يو 17:14)، فالآب عمل ما قاله الابن(589). القديس أمبروسيوس *بالتأكيد كما تعلمنا الكنيسة حسب كلمات المخلص: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل"... اللَّه يعمل (يخلق) نفوسنا كل يوم، الذي به نزيد ونعمل، وهو لن يكف عن أن يكون خالقًا(590). *هو مُعطي باستمرار، دائمًا واهب عطايا. لا يكفيني أنه يهبني نعمة مرة واحدة، يليق به أن يعطيني النعمة على الدوام. أطلب لكي أنال، وإذ أنال أطلب أيضًا مرة أخرى. إني أطمع في سخاء اللَّه، وإذ لا يتأخر في العطاء، لا أمل من قبول عطائه. قدر ما أشرب أعطش بالأكثر(591). القديس جيروم *إن سأل أحد: كيف يعمل الآب الذي توقف عن كل أعماله في اليوم السابع؟ ليته يتعلم ما هي الطريقة التي يعمل بها. ما هي أعماله؟ إنه يعتني بأمور كل ما قد عمله ويدبرها. عندما ترى الشمس مشرقة والقمر يجري في مجاله والبحيرات والينابيع والأنهار والأمطار والمواسم الطبيعية للزرع وطبيعة أجسامنا وأجسام الحيوانات غير العاقلة وكل الأمور الباقية التي بها وجدت هذه المسكونة فنتعلم عدم توقف عمل الآب. إذ "يشرق شمسه علي الأشرار والأبرار، ويمطر علي الصالحين والطالحين" (مت 5: 45). وأيضا الله يلبس عشب الحقل الذي يظهر اليوم ويطرح غدا في التنور (مت 6: 30). وإذ يتحدث عن الطيور قال: "أبوكم السماوي يقوتها"(592). القديس يوحنا الذهبي الفم *قال هذا لهم لأنهم أخذوا حفظ السبت بمعنى جسداني، متخيلين أن اللَّه كما لو كان قد نام بعد أن تعب بخلق العالم إلى ذلك اليوم، وأنه قدّس ذلك اليوم حيث بدأ يستريح كما من تعبه. الآن بالنسبة لآبائنا القدامى قد وُضع سرّ السبت، هذا الذي نحفظه نحن المسيحيون روحيًا بالامتناع عن كل عمل ذليل، أي عن كل خطية، لأن الرب يقول: "كل من يفعل خطية هو عبد للخطية". وإذ ننال راحة في قلوبنا فهذه هي الراحة الروحية. أما عن القول بأن اللَّه استراح، فذلك لأنه لم يخلق أية خليقة أخرى بعد أن أكمل كل شيء. علاوة على هذا فإن الكتاب المقدس يدعوها راحة، لكي يحثنا على الأعمال الصالحة التي بعدها نستريح. لأنه كتب في التكوين: "خلق اللَّه كل شيء حسن جدًا، واستراح اللَّه في اليوم السابع". لكي ما تدرك يا إنسان أن اللَّه نفسه قيل أنه استراح بعد الأعمال الصالحة، فتتوقع راحة لنفسك بعد أن تمارس أعمالًا صالحة. إن كان اللَّه بعد أن خلق الإنسان على صورته ومثاله وفيه أكمل كل أعماله لتكون حسنة جدًا عندئذ استراح في اليوم السابع. هكذا لا تتوقع أنت راحة لنفسك ما لم ترجع إلى ذلك الشبه الذي خُلقت عليه(593). *لا تظن أن أبي استراح في السبت بمعنى أنه لا يعمل، لكنه إلى الآن هو يعمل، وهكذا أنا أعمل. وكما أن الآب بلا تعب هكذا الابن بلا تعب(594). *الإيمان الجامعي (للكنيسة الجامعة) هو أن أعمال الآب وأعمال الابن غير منفصلة... كما أن الآب والابن غير منفصلين، هكذا أيضًا أعمال الآب وأعمال الابن غير منفصلة... ما يفعله الآب يفعله أيضًا الابن والروح القدس. فإن كل الأشياء صُنعت بالكلمة، عندما "تكلم كانت"(595). القديس أغسطينوس ربما يتساءل البعض: كمثال سار السيد المسيح على المياه، بينما لم يسر الآب على المياه، فكيف نقول أن أعمال الآب والابن غير منفصلة؟ يجيب القديس أغسطينوس قائلًا: [انظروا كيف يقدم الإيمان الجامعي شرحًا لهذا السؤال. سار الابن على البحر، وضع قدميه الجسديتين على الأمواج، سار الجسد، وقد وجَّهه اللاهوت. ولكن حين كان الجسد يمشي واللاهوت يوجّهه، هل كان الآب غائبًا؟ لو كان غائبًا فكيف يقول الابن نفسه: "لكن الآب الحال فيَّ نفسه يعمل الأعمال"؟ إن كان الآب حالًا في الابن، هو نفسه يعمل الأعمال، إذن فالسير على المياه هو من عمل الآب وبالابن. بهذا فإن ذاك السير هو عمل الآب والابن بلا انفصال. أرى الاثنين يعملان كلاهما فيه. الآب لن يترك الابن، ولا الابن الآب. هكذا كل ما يعمله الآب لن يعمله بدون الابن، لأن ما يعمله الآب لن يعمله بدون الابن(596).] *يقول قائل: كيف يلد الأزلي أزليًا؟ كما أن اللهيب المؤقت يلد نورًا مؤقتًا. فإن اللهيب المولّد معاصر للنور الذي يلده. اللهيب المولّد لن يسبق النور في الزمن، ولكن منذ اللحظة التي يبدأ فيها اللهيب في نفس اللحظة يُولد النور. أرني لهيبًا بلا نور، وأنا أريك اللَّه الآب بدون الابن. لهذا "لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا إلا ما ينظر الآب يعمل"، هذا يتضمن أن "ينظر" و"يولد" بالنسبة للابن هما ذات الشيء. رؤيته ووجوده ليسا مختلفين، ولا قوته وكيانه مختلفين. كل ما هو للابن هو من الآب، وكل ما يقدر عليه وما هو عليه هو أمر واحد، الكل من الآب(597). *ما يعمله الآب هذا أيضًا يعمله الابن. صنع الآب العالم، وصنع الابن العالم، وصنع الروح القدس العالم. لو أنهم ثلاثة آلهة لوجدت ثلاثة عوالم. إذ هم إله واحد الآب والابن والروح القدس، إذن عالم واحد خلقه الآب بالابن في الروح القدس. بالتبعية فإن الابن يعمل ما يفعله الآب، ولا يعمل بطريقة مختلفة، هو يعمل معًا هذه الأمور، ويصنعها بذات الطريقة(598). *إن كنت ترى أنه لا انفصال في النور، فلماذا تطلب انفصالًا في العمل؟ تطلع إلى اللَّه، انظر إلى كلمة الملازمة للكلمة التي يتكلم بها، فإن المتكلم لا يتحدث بمقاطع لفظية، وإنما كلمته تشرق في بهاء الحكمة. ماذا قيل عن الحكمة نفسها؟ "إنها إشراق النور الأبدي" (حك 9: 15). تطلع إلى الشمس في السماء تنشر بهاءها على كل الأراضي وفوق كل البحار، ومع ذلك فهي نور مادي بسيط. إن كنت بالحق تستطيع أن تفصل البهاء عن الشمس فلتفصل الكلمة عن الآب(599). القديس أغسطينوس |
|