رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يعقوب يتمتع ببركة أبيه: "فقال له إسحق أبوه: تقدم وقبلني يا ابني. فتقدم وقبله، فشم رائحة ثيابه وباركه، وقال: أنظر، رائحة ابني كرائحة حقل باركه الرب. فليعطك الله من ندى السماء ومن دسم الأرض وكثرة حنطة وخمر. ليستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل. كن سيدًا لإخوتك، وليسجد لك بنو أمك. ليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين" [26-29]. أكل إسحق وشرب خمرًا وطلب من ابنه أن يتقدم ويقبله قبلة الحب والاحترام، لينال البركة الأبوية خلال فيض الشبع الذي ملأ حياة إسحق والرائحة الذكية التي عاشها كل أيام غربته. اشتم رائحة ثيابه، فقد كانت ثياب عيسو الثمينة وسط روائح طيبة وقد أثارت فيه رائحة الحقول بزهورها وثمارها المبهجة، لهذا بدأ البركة يقول: "رائحة ابني كرائحة حقل باركه الرب"، طالبًا له ندى السماء الذي يحول الأرض القفر إلى جنة، ودسم الأرض أي خصوبتها، وأن يمنحه الرب حنطة وخمرًا علامة الشبع والفرح، كما سأل من أجله أن يخضع له الشعوب والقبائل ويسجد له إخوته. هنا يقول القديس إيريناؤس: [لا يمكننا قبول البركة بالمفهوم الحرفي وإنما بالمفهوم الرمزي الروحي الذي تحقق خلال بركات العهد الجديد. يشرح القديس إيريناؤسهذه البركة هكذا: [إن كان أحد لا يتقبل هذه الأمور بكونها تشير إلى الملكوت المعين (المسياني) يسقط في تناقض كما حدث مع اليهودي صاروا مرتبكين في الأمر. فإنه ليس فقط لم تخدم الأمم يعقوب في حياته وإنما حتى بعد نواله البركة هو نفسه ترك بيته وخدم خاله لابان السرياني عشرين عامًا (تك 31: 41)، وليس فقط لم يصر سيدًا لأخيه إنما انحنى وسجد أمام عيسو أخيه عند عودته من بين النهرين إلى بيت أبيه مقدمًا له هدايا كثيرة (تك 3: 33). أضف إلى هذا بأي طريقة ورث حنطة وخمرًا كثيرًا هنا، ذاك الذي هاجر إلى مصر بسبب المجاعة التي حلت بالأرض التي سكنها، وسار خاضعًا لفرعون الذي كان يحكم مصر في ذلك الحين؟!]. إذن لا يمكن أن تُفهم هذه البركة على أساس حرفي، إنما تحققت روحيًا بمجيء السيد المسيح حيث تمتع يعقوب -أي الكنيسة- بالملكوت الروحي. وكما يقول القديس أغسطينوس: [بركة يعقوب هي إعلان المسيح لكل الأمم. الأمر الذي تحقق الآن... إسحق هو الشريعة (الناموس) والنبوة، فإنه حتى خلال فم اليهود أعلنت بركة المسيح خلال النبوة كما بشخص لم يعرفها ولم يدركها. العالم يشبه حقلًا مملوءًا برائحة اسم المسيح الذكية. بركته هي الندى الذي من السماء أي أمطار الكلمات الإلهية، ودسم الأرض أي جمع الشعوب معًا. بركته هي فيض الحنطة والخمر أي الجموع التي تجمع الخبز والخمر في سرّ جسده ودمه إياه تخدم الأمم ويتعبد له الرؤساء. إنه سيد إخوته إذ يحكم شعب اليهود. إياه يتعبد له أبناء الآب، الذين هم أولاد إبراهيم حسب الإيمان، إذ هو نفسه ابن إبراهيم حسب الجسد. من يلعنه يصير ملعونًا، ومن يباركه يتبارك(367)]. في المسيح يسوع ربنا يصير كل منا يعقوب الذي يسمع البركة من فم أبيه، هكذا: رائحة ابني كرائحة حقل قد باركه الرب، فليعطك الله من ندى السماء، ومن دسم الأرض وكثرة حنطة وخمر... كن سيدًا لأخوتك. حقًا في المسيح يسوع يصير قلبنا حقلًا بل جنة تحمل رائحة طيبة تفرح قلب العريس القائل: "قد دخلت جنتي يا أختي العروس، قطفت مري مع طيبي، أكلت شهدي مع عسلي، شربت خمري مع لبني. كلوا أيها الأصحاب، أشربوا واسكروا أيها الأحباء" (نش 4: 1). يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص في تفسيره سفر النشيد: [إنه يأتي إلى جنته... ويقطف أطيابها المملوءة من ثمر فضائلها، عندئذ يتحدث عن تمتعه بالوليمة وتلذذه بها، قائلًا لعروسه: قد نزلت إلى جنتي يا أختي العروس]. ما هو ندى السماء إلاَّ تقديس النفس التي تصير كسماء تحمل نعمه الله كندى يستخدمه الروح القدس لإثمار أراضٍ كثيرة، أما دسم الأرض فيشير إلى خصوبة الجسد الذي يتقدس بالروح القدس فتنطلق كل طاقاته وأحاسيسه ومواهبه للعمل منسجمًا مع ندى السماء. أما كثرة الحنطة فتكشف عن شبع النفس بعريسها الخبز النازل من السماء. وكثرة الخمر يشير إلى فيض الفرح الروحي الداخلي. أخيرًا التمتع بالسيادة إنما يشير إلى حالة الإنسان الروحي كملك صاحب سلطان وسيد يقول لهذا الفكر أن يأتي فيأتي وأن يذهب فيذهب، له سلطان بالرب على أفكاره كما على حواسه وكل أعماقه! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
( تكوين 27: 22) فتقدم يعقوب إلى إسحاق أبيه |
هرب يعقوب من بيت أبيه متجهًا إلى بيت خاله لابان |
أستطاع يعقوب أن يتمتع بالسلم السماوي |
يعقوب يلجأ لله إله أبيه |
يوسف الصديق مع يعقوب أبيه |