منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 16 - 09 - 2021, 11:09 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,106

نص عظة البابا تواضروس فى اجتماع الأربعاء


نص عظة البابا تواضروس فى اجتماع الأربعاء




البابا تواضروس الثانى



ألقى قداسة البابا تواضروس الثانى، عظته الأسبوعية فى اجتماع أمس الأربعاء، من المقر البابوى بالقاهرة.


وبثت العظة مباشرة عبر القنوات الفضائية المسيحية وقناة C.O.C التابعة للمركز الإعلامى للكنيسة على شبكة الإنترنت، دون حضور شعبى.
واستكمل قداسته تأملاته فى مزمور 37 التى بدأها منذ أسبوعين، حيث تناول وصية "اسكن الأرض" الواردة بالعدد 3 من المزمور وأعطى من خلالها درسا عن مفهوم الأرض فى الكتاب المقدس وعلاقة الأرض بالله والإنسان والشيطان من المفهوم الكتابى.
وبدأ قداسة البابا اعتبارا من الأسبوع قبل الماضى سلسلة جديدة من العظات من خلال مزمور 37 الذى يمتلئ بالوصايا، حيث يتناوله قداسته على مدار عدة أسابيع تحت عنوان "دروس فى الحكمة".
وننشر نص عظة البابا تواضروس الثانى التى ألقاها مساء أمس.
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. آمين
تحل علينا نعمته ورحمته من الآن وإلى الأبد. آمين
كنا بدأنا فى الأسبوعين الماضيين تأملات فى مزمور 37 وقلنا أن هذا المزمور هو أحد مزامير الحكمة، وسنحاول خلال تأملاتنا من الأسابيع الماضية والأسابيع المقبلة إذا أراد ربنا وعشنا أن نأخذ مجموعة من الدروس من الحكمة أو دروس فى الحكمة، وقلنا أن هذا المزمور يتماثل كثيرا مع سفر الأمثال، وفى الأسبوعين الماضيين أخذنا درسين، أول درس فى الحكمة: لا تغر من الأشرار، وشرحناه وتأملنا فيه، ودرس الأسبوع الماضى: اتكل على الرب وافعل الخير، فضع فى حسبانك أن يكون اتكالك هو على الله طوال طريق حياتك واعمل الخير، وهذه هى مسؤولياتك أنت، وهذا هو الدرس الثانى من دروس الحكمة، وطبعا الشكل الأخير لدروس الحكمة يتكامل مع نهاية المزمور، ويقدم لنا صورة أنك تحاول أن تتعلم الحكمة من خلال هذه المبادئ أو هذه الدروس.
اليوم سنأخذ الدرس الثالث، وهو تحت عنوان "اسكن الأرض"، وكما تعودنا سأقرأ الفقرة الأولى من هذا المزمور من 1 إلى 11:

"لا تغر من الأشرار، ولا تحسد عمال الإثم، فإنهم مثل الحشيش سريعا يقطعون، ومثل العشب الأخضر يذبلون. اتكل على الرب وافعل الخير، اسكن الأرض وارع الأمانة، وتلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك.

سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو يجرى، ويخرج مثل النور برك، وحقك مثل الظهيرة (يقصد عز النور وعز الظهر)، انتظر الرب واصبر له، ولا تغر من الذى ينجح فى طريقه، من الرجل المجرى مكايد.
كف عن الغضب، واترك السخط، ولا تغر لفعل الشر، لأن عاملى الشر يقطعون، والذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض، بعد قليل لا يكون الشرير، تطلع فى مكانه فلا يكون، أما الودعاء فيرثون الأرض، ويتلذذون فى كثرة السلامة"، نعمة الله الآب تكون مع جميعنا آمين.


وأنا أتأمل معك فى الدرس الثالث من دروس الحكمة وكما سمعناه "اسكن الأرض"، انتبه لهذه النقطة الهامة التى يجب أن نضعها أمامنا أن الدرس الأول "لا تغر من الأشرار" يتكرر فى هذه الفقرة 3 مرات، لأن هذا مدخل للحكمة، فإياك أفعال الشرير أو أشكال الشرير أو مكايد الشرير أو ما يصنعه الشرير حتى لو كان منظره صحيح إياك أن تغير منه، لأنه كما قال الكتاب هنا "مثل الحشيش سريعا يقطعون" ومصيره إلى الزوال، فلا تغر أبدا، واعرف المبدأ الرئيسى الذى بنينا عليه دروس الحكمة أن الأشرار مثل حشيش الأرض ندوس عليه، أما الذين يسيرون فى طريق الرب "الصديق كالنخلة يزهو، كالأرز فى لبنان ينمو" الشجرة العالية المورقة، فضع أمامك دائما هذا التشبيه، أن الحشيش الذى نسير عليه هو مثل الأشرار والأشجار العالية هى حياة الأبرار، ومن حياة الأبرار فى الدرس الثالث "اسكن الأرض" وكلمة اسكن جاءت من السكن أو السكان، وهنا اسكن تعنى عمر، ولكننى أريد أن أسير معك فى رحلة معنى الأرض، وسأكلمك عن الأرض: الله والأرض، ثم الشيطان والأرض، ثم الإنسان والأرض، لأن فكرة الأرض هذه من الموضوعات الكبيرة جدا فى الكتاب المقدس.
كما نعرف أننا سكان الكرة الأرضية، وكما نعرف أن (الله والأرض) أن الله عندما خلق الأرض وفصل بين الأرض والمياه وبين الظلمة والنور وبدأت الأرض تأخذ تكوينها الجغرافى، وخلق الإنسان فى اليوم السادس وقال عنه حسن جدا، وعندما كان يخلق كل يوم خلقة جديدة يقول حسن جدا، وامتدت للحيوانات والنباتات وأسماك البحار والطيور، وفى النهاية وعلى قمة الخليقة كان الإنسان آدم ثم حواء، واكتملت الأرض.
وقال هكذا وكان مساء وكان صباح وكان يوما حسنا جدا فى الخلقة، وصار الإنسان هو الكائن العاقل الذى أمره الله أن يعمر الأرض ويسكن الأرض، ودائما الآباء يشبهونها بتشبيه جميل جدا (بعد أن أوجد الله الخالق هذه المملكة العظيمة – مملكة الخلقة – خلق الملك الإنسان والمقصود به الرجل والمرأة)، وبدأ يسكن ويعمر، ولكن للأسف تأتى قصة السقوط فى الخطية، وباختصار قصة السقوط بمعنى أننى أفضل إرادتى عن إرادتك وأحاول أن أوجد سبب لحياتى ليس أنت يا الله بل الطعام، وهذه هى فلسفة وجود أصوام فى حياتنا أننا نحاول أن نرجع للصورة الفردوسية الأولى، لأنهم كانوا يأكلون أطعمة نباتية فى الفردوس، ولهذا نحن فى أصوامنا يكون الطعام النباتى هو الطعام الأساسى، وفى نفس الوقت أقول له يا رب حياتى ليست من الطعام ولا من ثمرة حلوة وشكلها شهى للأكل بل منك أنت يا رب، ولهذا يكون عندنا فترات انقطاع، فترات انقطاع وبعدها نتناول الأطعمة النباتية، وعندما وقع آدم وحواء فى الخطية أو المخالفة أو كسر الوصية وكسروا قلب ربنا فكانت النتيجة أن "ملعونة الأرض بسببك"، فصارت هناك لعنة فى الأرض وبدأ بها الفساد والأوبئة، وانتبه أن فى بداية الخليقة كانت كل الحيوانات تعيش فى Harmony انسجام ومتوافقين جميعا، ولا يوجد افتراس أو أمراض.
ولكن مع الخطية صارت الأرض ملعونة وظهرت الأمراض والأوبئة والفيضانات والزلازل والحروب والأمور التى تعيش فيها الأرض الآن، وبعد أن كان آدم وحواء يأكلان بكل سهولة وبساطة يقول هكذا: يأكل بتعبه وبمجهوده وعمله فى الأرض حتى تخرج له الطعام الذى يأكله هو وأبناؤه، واستمرت الأرض هكذا حتى نسمع فى قصة دعوة إبراهيم أبو الآباء، ويقول هكذا له الرب فى سفر التكوين إصحاح 12 "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى أريك"، والأرض التى كان يعيش بها إبراهيم وعشيرته هى أرض أور الكلدانيين، وأور تعنى مدينة، والكلدانيين تعنى شاطئ العرب فى العراق، ويقول له اذهب من أرضك برغم أنها كانت فيها زرع وخير ولكنه قال له يمشى ويمر بصحارى كثيرة إلى أن يصل للأرض التى قال له عنها "فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة. وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض"، وهنا بدأت فكرة الأرض تظهر وأيضا تعميرها، والحقيقة أن بمتابعة قصة بنى إسرائل فى العهد القديم كله تجد أن محور القصة هو الأرض كموضوع أساسى.
ثم نسمع عن سفر يشوع – وأنا أكلمك الآن عن الله والأرض بداية من بدء الخليقة واستمرارا فى قصص العهد القديم – يأتى موسى ثم يشوع تلميذه الذى يبدأ بتقسيم الأرض ويتكلم عن الأرض فى سفر يشوع بصورة واضحة جدا وتوزيعها وتقسيمها على الأسباط، وتظهر قصص صغيرة فى العهد القديم تعطيك مفهوم الأرض، وسأعطيك قصة هامة وكلنا تعلمناها فى مدارس الأحد وهى قصة نابوت اليزرعيلى نابوت رجل مسكين وفلاح وعنده قطعة أرض صغيرة جدا، وهذه الأرض الصغيرة تستولى عليها الملكة الشريرة إيزابل وتغتصب هذا الحق، ويقول نابوت لأخاب الملك هكذا "حاشا لى من قبل الرب أن أعطيك ميراث آبائى" هذه أرضى، وتمشى الصورة هكذا فى كل العهد القديم ونلاحظ أن الأرض صارت هى مركز الصراع ومركز النزاع فى كل أحداث بنى إسرائيل، وليس نزاع شعوب فقط ولكن أيضا نزاع الأفراد، فيظهر الطمع ويظهر الاستغلال ويظهر انتزاع الأرض ويظهر تشتت الشعب، وتمشى الأمور كلها إلى أن نصل فى زمن السيد المسيح إلى دمار الهيكل، والهيكل كان يمثل أهم نقطة جغرافية فى الأرض، فدمار هيكل سليمان أو خراب أورشليم فى سنة 70م بعد ميلاد السيد المسيح فى القرن الأول الميلادى.
وعندما وقعوا بنى إسرائيل والأسباط فى خطايا كثيرة وسماهم الكتاب غليظ الرقبة (معاند) فعاقبهم الله بإبعادهم عن الأرض، وتأتى مرحلة السبى بمعنى أخذ الأرض بالناس الموجودة فيها، فنسمع عن السبى البابلى والسبى الأشورى وكل هذا فى التاريخ وله طريق طويل جدا، ولكن أريدك أن تعرف أن مع المسيحية انتفت فكرة الجغرافيا، بمعنى أننا عندما نقول الآية المركزية فى العهد الجديد "هكذا أحب الله العالم" أى أنه لم يعد يوجد قطعة أرض خاصة جغرافية لها مكانة أو قداسة أكثر من كل الأرض، ولهذا يقولون المسيحية لا تعرف الجغرافيا، فالمكان الذى تقف لتصلى فيه هو مكان مقدس جدا.
فعندما انتشر وباء الكورونا بدأ الناس يلتزمون البيوت حسب التعليمات الصحية وأصبحت الكنائس مغلقة فتحولت البيوت إلى كنائس، وعند إقامة أى إكليل نقول للرجل والمرأة أنكم تصنعون كنيسة جديدة ليسكن فيها المسيح، ففكرة الجغرافيا وفكرة أن مكان معين له قداسة أكثر من أى مكان آخر لم تعد موجودة واعرفها دائما عندما نقول هكذا أحب الله العالم كله فلا يوجد نقطة تختلف عن نقطة أخرى، وبالتالى فكرة الأرض لم تعد موجودة فى المسيحية ولم تعد حاضرة بعكس العهد القديم، ولهذا المسيح يقدس أى مكان يحل فيه والكناس المسيحية موجودة فى كل مكان فى العالم، وكل هذا موجود إلى أن يأتى يوم الرب، "يوم الرب، الذى فيه تزول السماوات بضجيج، وتنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التى فيها" وهو يوم الدينونة ويوم المجيء الثانى لربنا يسوع المسيح، وهذه هى فكرة الأرض والله.

ومن جانب آخر، الشيطان والأرض، والحقيقة أن الشيطان جعل الأرض ساحته وساحة الصراع، وحول الأرض لأماكن للحروب والأطماع والمجازر والأحقاد، وصارت الأرض تتغطى بالدم وتتدنس بالظلم، وصارت الأرض التى هى نعمة أعطاها الله للإنسان كما قال الكتاب "والعالم كله قد وضع فى الشرير"، وصار عدو الخير يصنع ويجول وسط البشر لكى يسقطهم بأى صورة، وطبعا لنا تجارب السيد المسيح، الـ 3 تجارب فى البرية، وفى سفر أيوب وكانت تجربة كبيرة من الشيطان يسأل الرب الشيطان "«من أين جئت؟». فأجاب الشيطان الرب وقال: «من الجولان فى الأرض، ومن التمشى فيها»"، يعنى دور عدو الخير أن يمشى فى الأرض ليسقط الإنسان بفكره وبأفعاله وبأقواله وبتصرفاته بالرذائل التى يسكبها فيه، والإنسان يستسلم ويصير أداة فى يد الشيطان، خذ حذرك، فعندما نقول فى صلاة الشكر " كل حسد وكل تجربة وكل فعل الشيطان ومؤامرة الناس الأشرار - الذين سمحوا لعقلهم أن يحتله الشيطان وأفكاره – وقيام الأعداء الخفيين والظاهرين انزعها عنا وعن سائر شعبك " ثم نرشم الصليب وقتها.

وصارت الأرض بما فيها وعليها نسمع عن حروب فى العالم على الأرض كما رأينا مثلا الحرب فى أفغانستان من أمريكا لمدة 20 سنة ولم يحققوا شيء، صراع كان فيه تدمير وخراب عظيم، وينسى الإنسان حياة الفضيلة التى خلق من أجلها بل ينسى إنسانيته، وهذا ما يصنعه عدو الخير فى البشر اليوم، وأحيانا يشعر الإنسان فى حياته أنه يتملك الأرض بالرغم أنه فى نهاية الحياة يدفن فى متر فى مترين وتنتهى حياته ويصير من تراب الأرض، وإذا لاحظتم التراب فى الطريق فمن أين يأتى؟! كان فى الأصل أناس يعيشون ولهم صوت ولهم نزاعات ويتخاصمون أو يصنعون الخير ثم انتهت حياتهم إلى هذا التراب، ففى سفر حزقيال يقول "هأنذا عليك يا فرعون ملك مصر، التمساح الكبير الرابض فى وسط أنهاره، الذى قال: نهرى لى، وأنا عملته لنفسى"، أى يصل التكبر أو الكبرياء أنه يدعى ملكية النهر أيضا!! ومن يستطيع أن يدعى ملكية نهر الذى هو من عمل الله فى الطبيعة.
الخلاصة، أن عدو الخير نجح أن يحول الأرض إلى شكل من أشكال النزاع، فنجد أن تكدست الأسلحة فى أماكن كثيرة، وناس كثيرة تحت حد الفقر بالملايين فى بلاد كثيرة بالرغم من أن خير ربنا يغطى احتياجات الناس كلها، وصار فى الحياة الأرضية الغنى يزداد غنى والفقير يزداد فقرا، ونسمع عن جهود التنمية والجهود العظيمة التى تقوم بها الدول والأمم المتحدة والتنمية المستدامة، ولكن ما زال عدو الخير يحارب الإنسان بالطمع والاستغلال ويحاربه بالصدام ويحاربه بثروات الأرض لتكون محل صراع سواء بين الأفراد أو بين الشعوب وبين الأمم ونسمع عن حروب تظل وقتا طويلا جدا بين الناس، الشيطان فى الأرض.
قلت لك، الله والأرض، والشيطان والأرض، ويتبقى الإنسان والأرض، فعندما أراد الله خلق الإنسان أخذ ترابا من الأرض "ونفخ فى أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفسا حية"، ومن عملية الخلق فالإنسان ليس جسد فقط بل جسد وروح، والروح نسمة الله ونفخة الحياة التى أعطاها الله للإنسان فجعله كائن عاقل وناضج، ولهذا البشر لهم حضارة وصنعوا حضارات، فتذكر الوصية هنا "اسكن الأرض" - ولكى تفهم معى هنا درس الحكمة – تعنى كن إيجابى ناحية الأرض.
وسأشرحها لكم الآن بتفاصيل أكثر ولكن عندما خلق الله الإنسان وصارت مكونات الإنسان الروح والنفس والعقل والجسد والصحة بصفة عامة أصبح الإنسان متصل بالله من خلال نسمة الحياة، ولهذا الإنسان هو كائن سماوى مرتبط بالسماء، ويمشى بأقدامه على الأرض بالجسد ولكن فكره يستطيع أن ينطلق إلى السماء، ومن هنا ظهرت حياة الوصية التى يعيشها الإنسان من أجل أن يصير كائنا منتمى إلى الله الذى خلقه، وبدأ الإنسان بهذه الصورة فى حالة نزاع داخلى بين أن يعيش فى السماويات والعلويات أم يعيش فى التراب والأرض والجسديات، ولهذا الإنسان الذى يعيش فى الأرض نسميه إنسان أرضى ومرتبط بالأرض، وماذا عن السماء؟! فالحيوانات ليس لها سماء لأن ليس فيها نسمة حياة من الله، وماذا عنك أيها الإنسان؟ فأنت وضع الله من روحه فيك نسمة حياة، وعندما ينتقل الإنسان نقول خرجت روحه إلى بارئها، فمن فضلك لا تكون كائن أرضى فقط، وهناك من يحب الأرضيات ويهتم بالأكل والشرب كما قالت الفلسفة اليونانية القديمة لنأكل ونشرب لأننا غدا نموت.
ويقول القديس بولس الرسول عن هذه النوعية من الناس "الذين إلههم بطنهم ومجدهم فى خزيهم، الذين يفتكرون فى الأرضيات" فى رسالة فيلبى، ويوجد ناس تفتخر بالملكيات والمقتنيات والعقارات وبرغم حاجته ليست لمثل هذا القدر، أريد أن أقول لك أن تعاملك مع الأرضيات يجب أن يكون معتدل، مثال فى سكنى الأرض أن تعيش فى بيت حلو - وفى هذا الوقت مصر تقوم بمشروع تنموى ضخم وهو حياة كريمة وهو أن تكون الكرامة لكل الناس وبالذات الموجودين بالقرى والأرياف، ولكن كما نعيش فى الأرضيات يجب أن يكون فكرنا فى السماويات لأنه لا يليق أن يكون فكرك كله فى الأرض بل أن يكون فكرك أيضا فى السماء لأنك مكون من الجسد والروح.
كما قال أحد الآباء، أنه لأمر مستحق الأسف والبكاء هو أن الإنسان يقيت جسده كل يوم ويترك نفسه أسابيع تضور جوعا، يكسو جسده بالملابس ويدع نفسه عريانة من الفضائل، ينظف جسده، لا بل ثوبه من الأوساخ ونفسه تمتلئ بقاذورات المآثم والشرور وكأنها نفس عدو أو كأنه بلا نفس، يعد لجسده منزلا مزينا ومنزل نفسه هو جهنم، لذلك حكمة الإنسان دائما فى اعتداله، "اسكن الأرض" كن إيجابيا نحو الأرض، وعندما تشغلنا الأفكار الأرضية بأنواع كثيرة يأتى السؤال المهم
ما معنى أن يسكن الإنسان الأرض؟
سأشرحها لك بالمفهوم الكتابى والروحى، أولا أن تسكن الأرض ولكن يلازمك شعور الغربة، وهذا كلام داود النبى "غريب أنا فى الأرض. لا تخف عنى وصاياك"، فأنا موجود فى الأرض لفترة ولكن لا تجعل وصاياك تبتعد عنى لأنى أريد أن أعيش بالوصية لأصير عندك باستمرار، وكذلك من تاريخ الآباء فى العهد القديم أن الآباء سكنوا فى خيم لأن الخيمة بناء مؤقت وفيها ترحال من مكان لمكان لمكان، ويقول القديس بولس الرسول "إن نقض بيت خيمتنا الأرضى (يقصد الجسد)، فلنا فى السماوات بناء من الله، بيت غير مصنوع بيد، أبدى" وهنا المعنى جميل جدا، حتى الجسد الذى نلبسه كأنه خيمة نعيش بها فترة وتنتهى.
ويقول بطرس الرسول فى رسالته الأولى فى إصحاح 2 "أطلب إليكم كغرباء ونزلاء، أن تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التى تحارب النفس" وهذه وصايا يا إخوتى نضعها أمامنا، وتعبير بطرس الرسول أطلب إليكم كغرباء وهى (شعور الغربة) ونزلاء كمن ينزل فى فندق يومين أو ثلاثة فقط، أن تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التى تحارب النفس فخذ حذرك، ومن التداريب النسكية الجميلة يوجد كتاب روحى اسمه "سائح روسى على دروب الرب" وهو من أحد الكتب النسكية الروحية، وسائح تعنى إنسان عاش فى شعور الغربة وليس له مسكن فأصبح يسير فى دروب الرب من الحياة الروحية وسط الآباء الرهبان ووسط النساك.
وهذا الكتاب يسجل المشاهد التى يصادفها فى هذا الطريق، وأثناء الشعور بالغربة ستجد أمور كثيرة أصبحت لا قيمة لها أمامك، ثانيا أن تسكن الأرض بأن تعيش وتصنع مجتمع السلام، ويعجبنى التعبير فى التطويبات عندما يقول "طوبى لصانعى السلام (يصنعون السلام فى الأرض)، لأنهم أبناء الله يدعون" أى أن هؤلاء لهم مكان ونصيب فى السماء، فاصنع سلام على المستوى الصغير والمستوى الكبير، فكن كما التعبير الدارج (حمامة سلام) باستمرار، "عيشوا بالسلام" وهذه وصية كتابية، وكما يقول سفر الأمثال "لقمة يابسة ومعها سلامة، خير من بَيت مَلآن ذَبَائحَ مَعَ خصَام" ويعنى أن لقمة يابسة ومعها سلام أفضل بمراحل من أى صورة أخرى، وكذلك عندما اختلف عبيد إبراهيم مع عبيد لوط ابن أخيه واختلفوا على الأرض يقول لنا الكتاب "وَلَم تَحتَملهمَا الأَرض أَن يَسكنَا مَعا (حدث نزاع).
فَحَدَثَت مخَاصَمَة بَينَ رعَاة مَوَاشى أَبرَامَ وَرعَاة مَوَاشى لوط"، فكانوا يتنازعون على الأرض من أيام إبراهيم ولوط، وعند التأمل فى عبارة لم تحتملهما الأرض نجد أن الأرض ليست ملك لأحدهم كما أن كلاهما سيتركان الأرض يوما ما فلماذا النزاع؟ أين العقل؟ أين الحكمة؟، ومن هنا كان اسكن الأرض وكن إيجابى ناحية الأرض وهذا من دروس الحكمة، ثم قال إبراهيم للوط: اختر الأرض التى تروق لك – برغم أن إبراهيم هو الأكبر - "إن ذَهَبتَ شمَالا فَأَنَا يَمينا، وَإن يَمينا فَأَنَا شمَالا" وهكذا عاشوا فى سلام وهذه هى الحكمة التى تغيب عن كثيرين، كما يقول فى سفر إرميا إصحاح 29 "وَاطلبوا سَلاَمَ المَدينَة الَتى سَبَيتكم إلَيهَا، وَصَلوا لأَجلهَا إلَى الرَب، لأَنَه بسَلاَمهَا يَكون لَكم سَلاَم".
شعور الغربة، إحساس السلام، ثالثا اسكن الأرض وتعنى عمر الأرض، الله يريد أن الإنسان يعمر الأرض بصورة حلوة، فمثلا عندما نسمع عن مشروعات تعمير الصحراء فهذه المشروعات تسر قلب الله، سواء إنشاء مدن جديدة أو إصلاح أرض للزراعة كلها تمشى فى الوصية الإلهية، وفى التاريخ المسيحى أنه عندما ظهرت الرهبنة فى مصر فى مناطق صحراوية كانوا يعمرون الأرض، واليوم نرى أن بعض الأديرة أخذت مساحات صحراوية وبدأت تعمرها وبدأ يخرج منها خير يضاف إلى الناتج القومى بصفة عامة وهذا الخير يسدد احتياجات ناس، وهذا عمل ووصية إنجيلية، وكذلك عند إنشاء مدينة ومكان جميل ليسكنه ناس ليشعروا بالراحة فيه هذا كله جيد، لهذا عمر الأرض واجعل فيها حياة، وأيضا عند إنشاء حدائق مفتوحة مكان أرض خربة وهذا يفيد الناس ويجعلهم يشعرون بالراحة، لهذا عمر الأرض بكل صورة ممكنة، وعمر تعنى أيضا فتح فرص عمل للناس، وتعبير (عمار يا مصر) تعبير جميل جدا لأن فيه عمر الأرض أو اسكن الأرض، وأى مجتمع عبارة عن أعضاء كثيرة وكل عضو يقوم بعمل وكل عضو يحتاج للآخر ويحتاج لأبسط عمل وأكبر عمل، ومن هنا عمر الأرض أى اجعلها كالجنة بالناس والإنجازات التى تتم فيها والمشروعات التى تقام عليها والأشجار التى تزرع فيها وهكذا، "ليس خيرا للإنسان من أن يأكل ويشرب ويفرح بتعبه الذى يتعبه تحت الشمس" بل الأفضل أن يعمر فى كل مكان يحضر فيه الإنسان، فأنت مسئول عن المكان الذى تعيش فيه أن يكون مكان جميل، أحيانا فى بعض المدن يتخلص الإنسان من القمامة ويضعها أمام البيت وبهذا هو تخلص منها ولكن يؤذى آخرين، ومن المواقف الجميلة الموجودة بالخارج أن تجعل فى شرفة المنزل زهور لتفرح الآخرين من الجيران، ومما يجعل المكان الذى تعيش فيه عمران وجميل وممتع.
شعور الغربة، واحساس السلام، وتعمير الأرض، ويبقى أن نحافظ على الأرض، وهذا ما يسمى اليوم بالحفاظ على البيئة، وأصبح لها وزارات وناس مسئولة وعلوم كثيرة كيف نحافظ على البيئة، وعندما خلق الله آدم ووضعه فى الجنة ليعملها وأيضا يحفظها، أى يحافظ عليها ويشتغل فيها، ولكن الإنسان يؤذى نفسه، فدرجات الحرارة العالية أذابت المناطق الجليدية فى شمال الكرة الأرضية وفى جنوبها وتجرى المياه من الجبال إلى الأنهار ويحدث فيضان مما يؤدى إلى غرق بلاد، وهذا كله مما عمله الإنسان، ففى بعض المناطق التى رأيتها وكانت بها خضرة ممتعة ومساحات خضراء جميلة ولكنهم أنشأوا مصنع للكاوتش ومخلفاته كلها كربون طبعا وبالتالى تسببت فى أذى الأشجار المثمرة فأصابتها بالجفاف، لذلك الحفاظ على البيئة مسئولية كل واحد فينا، أن تحافظ على نقطة المياه مسئوليتك، أن تحافظ على الهواء من التلوث مسؤوليتك، مسؤولية فردية وأيضا مسئولية جماعية على مستوى الشعوب أو مستوى الأمم، أن تحافظ على المياه من التلوث لأن حاليا كائنات حية كثيرة تموت فى المحيطات بسبب أكياس البلاستيك الملقاة فى البحار، وكذلك الوقود المستخرج من البترول يسبب تلوث رهيب فى الهواء الذى يتنفسه الإنسان مما يؤثر على الصحة العامة وعلى الأطفال أكثر ويؤدى إلى ظهور أمراض جديدة، لذلك بدأوا يبحثون عن الطاقة النظيفة سواء من الرياح أو من الشمس أو من الكهرباء، لذلك هذه مسئولية أن تسكن الأرض أن تحافظ على البيئة ويمكن أن نتعبر أن قضية الأرض هى قضية كل إنسان.
الخلاصة يا إخوتى، أن " اسكن الأَرضَ" درس من دروس الحكمة، وأن تكون شخص متوازن، وتكون الأرض التى تعيش فيها سكن هادئ وجميل ومريح لك، وأن تكون إنسان معمر وإنسان إيجابى فى كل ما تصنعه هذه وصية من الوصايا التى يعلمها لنا الكتاب المقدس، درس الحكمة " اسكن الأَرضَ " وكن إيجابى فى التعامل مع الأرض فى كل يوم، واعرف أن هذه نعمة كبيرة ووظيفتنا أن نحافظ عليها كلها.
لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد. آمين.





رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
«ثبت أساس الكنيسة» عظة البابا تواضروس فى اجتماع الأربعاء
«إنسان السلامة».. عظة البابا تواضروس فى اجتماع الأربعاء
«عش بالتقوى».. عظة البابا تواضروس في اجتماع الأربعاء
دروس فى الحكمة 7 نص عظة البابا تواضروس فى اجتماع الأربعاء
دروس فى الحكمة 1 نص عظة البابا تواضروس فى اجتماع الأربعاء


الساعة الآن 05:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024