منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 25 - 09 - 2021, 03:02 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,264,425




الخدام الذين يقدمون خدامات للمحتاجين


مسحني لأبشر المساكين



"مسحني لأبشر المساكين" (أش 61:1).
قيل عنه في تلك النبوءة "روح السيد الرب علي. لأن الرب مسحني لأبشر المساكين. أرسلني لأعصب منكسري القلوب. لأنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق.." (أش 61: 1). ولعلنا نسأل: من هم أولئك المساكين الذين قد جاء الرب ليبشرهم؟ إنهم كثيرون..
في مقدمتهم تلك البشرية المسكينة كلها، المحكوم عليها بالموت بسبب الخطية، وتحتاج إلي الفداء.
و لذلك قيل عن الرب إنه "جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو 19: 10). جاء يبشر كل هؤلاء بالفداء الذي سيقدمه عنهم، "لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16). وهكذا وقف الملاك في يوم ميلاد الرب يبشر الرعاة قائلًا "ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. إنه ولد لكم اليوم مخلص هو المسيح الرب" (لو 2: 10، 11).
جاء السيد المسيح أيضًا لكي يبشر بالخلاص أبرار العهد القديم الذين رقدوا علي الرجاء.

أولئك الذين قيل عنهم إنهم "لم ينالوا المواعيد، بل من بعيد نظروها وصدقوها وأقروا أنهم غرباء ونزلاء علي الأرض" (عب 11: 13). جاء يبشرهم أن باب الفردوس الذي أغلق منذ خطيئة اَدم، سوف يفتح بعد الصليب، وسيدخل كل أولئك الأبرار في الفردوس.. وسوف يدخل معهم أيضًا اللص اليمين (لو 23: 43).
جاء يبشر البشرية التي أضلها القادة العميان من الكتبة والفريسيين (مت 23) بقدوم التعليم السليم.
فسوف يخرجهم من الحرفية التي نادي بها أولئك الذين جلسوا علي كرسي موسى، فأغلقوا باب الملكوت. لا هم دخلوا، ولا جعلوا الداخلين يدخلون (مت 23: 13). وهكذا جلس المعلم الصالح علي الجبل، وقال للجموع عظته العجيبة التي كرر فيها عبارة "سمعتم إنه قيل للقدماء.. أما أنا أقول لكم.." (مت 5).
جاء أيضًا يبشر البشرية التي فقدت الصورة الإلهية التي خلقت بها (تك 1: 27) بأن أعاد لهم تلك الصورة ليحاكوها.

وهكذا ترك لهم مثالًا في كل فضيلة وفي كل بر، حتى كما فعل هو يفعلون هم أيضًا (يو 13: 15). وهكذا نصح القديس يوحنا الرسول قائلًا "من قال إنه ثابت فيه، ينبغي أنه كما سلك ذاك، يسلك هو أيضًا" (1 يو 2: 6).
جاء الرب يبشر المساكين. وكان من قبل، حتى في العهد القديم، يهتم بالمساكين.
وهكذا قال الرب لموسى حينما دعاه إلي الخدمة "إني قد رأيت مذلة شعبي.. وسمعت صراخهم بسبب مسخريهم. إني علمت أوجاعهم، فنزلت لأنقذهم" (خر 3:7،. وهكذا فعل الرب أيضًا في عصر القضاة.. فأقام لهم القضاة.. وخلصهم من أيدي أعدائهم.. من أجل أنينهم بسبب مضايقهم وزاحميهم" (قض 2: 18). إنه الرب الذي باستمرار يعين المساكين..
وهكذا أيضًا وقف الرب مع يعقوب في مسكنته ضد أخيه عيسو المتجبر.
عيسو الذي قال "أقوم وأقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). ولكن الله ظهر ليعقوب أثناء هروبه وعزاه برؤيا السلم الواصل بين السماء والأرض. وقال له "ها أنا معك، وأحفظك حيثما ذهب، وأردك إلي هذه الأرض" (تك 28: 15). وكما وقف الله إلي جوار المساكين، وقف أيضًا ضد العتاة القساة.
وقال لقايين أول قاتل من بني البشر "صوت دم أخيك صارخ إلي من الأرض.." (تك 4: 10). وفي كل هذا ما أجمل قول الكتاب:
"يقاوم الله المستكبرين. أما المتواضعين فيعطيهم نعمة" (يع 4: 6).
وقف الله مع إيليا النبي، لما كان في موقف المسكنة، هاربًا من بطش الملكة إيزابل، وهو يقول للرب".. تركوا عهدك، ونقضوا مذابحك، وقتلوا أنبياءك بالسيف. وبقيت أنا وحدي. وهم يطلبون نفسي ليأخذوها" (1 مل 19: 14). ووقف الرب مع داود الشاب في مسكنته، وهو هارب من شاول الملك الذي يطارده من مكان إلي أخ. ولكنه وقف ضد داود الملك لما تسلط وتقسي قلبه علي أوريا الحثي، فعاقبه (2 صم 12: 9- 12). ووقف الله مع ليئة الضعيفة العينين التي تفتقد محبة زوجها، وأعطاها نسلًا أكثر من راحيل المحبوبة المدللة، لأن الرب يبشر المساكين..
ووقف الله مع الأمم المحتقرين من إسرائيل.
الذين كانوا "بدون مسيح، أجنبيين عن رعوية إسرائيل، وغرباء عن عهود الموعد" (أف 2: 12). فقربهم إليهم، وطعمهم في الزيتونة الأصلية (رو 11) وقال "يأتون من المشارق والمغارب، ويتكئون في أحضان إبراهيم، بينما بنو الملكوت يطرحون في الظلمة الخارجية". ومدح الرب قائد المائة الأممي، وقال: لم أجد في إسرائيل كلها إيمانًا مثل إيمان هذا الرجل". ومدح أيضًا المرأة الكنعانية المتذللة قدامه..
وبشر الرب الخطاة المساكين، المذلين في توبتهم، وأدان الأبرار المتعجرفين في برهم.
فعل ذلك في مثل الفريسي والعشار. لم ينظر إلي الفريسي المتكبر، الذي وقف يصلي بانتفاخ قلب ويقول "أشكرك يا رب إني لست مثل سائر الناس الظالمين الخاطفين الزناة، ولا مثل هذا العشار. أنا أصوم يومين في الأسبوع، وأعشر جميع أموالي. بينما نظر الرب إلي العشار المسكين الذي في مذلة لم يستطع أن يرفع نظره إلي فوق، بل قرع صدره في انسحاق وهو يقول ارحمني يا رب، فإني خاطي". فخرج مبررًا دون ذاك (لو 18: 9 – 14).

كذلك فعل الرب مع الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها، وفضلها علي الفريسي الذي أدانها (لو 7).
لقد بشر هذه المسكينة بالمغفرة، وقال لها "مغفورة لك خطاياك.. اذهبي بسلام".
و نفس الوضع فعله مع مسكينة أخري ضبطت في ذات الفعل، وأذلها القساة طالبين أن ترجم حسب الشريعة. ولكن الرب خلصها من بين أيديهم، وطلب منهم أن يلتفتوا إلي خطاياهم، قائلًا لهم "من كان منكم بلا خطية، فليرجمها بأول حجر" (يو 8: 7). وقال للمسكينة "وأنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا".
وقال الرب عن الخطاة "ما جئت لأدعو أبرارًا بل خطاة إلي التوبة.
وبشر كل أولئك بالخلاص عن طريق التوبة. وقال إنه يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب، أكثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتاجون إلي توبة" (لو 15: 7). وضرب في نفس الأصحاح ثلاثة أمثال لقبول التائبين، وفرح الرب بعودتهم إليه. هي مثل الابن الضال، ومثل الخروف الضال، ومثل الدرهم المفقود. وما أجمل حبوه في الشفقة علي أولئك الخطاة المساكين في عودتهم، حينما قال عن الخروف الضال: "وإذ وجده، حمله علي منكبيه فرحًا" (لو 15: 5).
ومن المساكين الذي جاء الرب يبشرهم. المرضي والمصروعين من الشياطين.
وقد قيل عنه في ذلك إنه "كان يشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب.. فأحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة، والمجانين والمصروعين والمفلوجين، فشفاهم" (مت 4: 23، 24) , هكذا كان إشفاقه علي المساكين من المرضي، وبخاصة الأمراض المستعصية التي يعجز أمامها الأطباء، أو التي تطول مدتها مثل مريض بيت حسدا الذي قضي في مرضه 38 سنة، وهو مسكين ليس له إنسان يلقيه في البركة (يو 5: 2-9). فتقدم الرب وشفاه.
إن هذا يعطينا درسًا في اٌلإشفاق علي المرضي.
إن كنا لا نستطيع أن نشفيهم، أو نساهم في علاجهم، فعلي الأقل نزورهم حسب وصية الرب (مت 25: 36)، ونقدم لهم كلمة عزاء، ونرفع من معنوياتهم، ولا ننساهم في آلامهم.
ومذل ذلك مرضي الروح أيضًا، الذين يئسوا من خلاصهم..
هم يحتاجون إلي من يبشرهم بالخلاص، إلي من يقول لهم ما قاله الرب لزكا العشار "اليوم حصل خلاص لأهل هذا البيت، إذ هو أيضًا ابن لإبراهيم" (لو 19: 9).
انظروا عمل الرب بعد القيامة: جاء يبشر بطرس الذي بكي بكاء مرًا بسبب إنكاره للمسيح وقت صلبه (مت 26: 75) فجاء يبشره في مسكنته ومذلة نفسه، ويقول له "أرع غنمي. أرع خرافي" (يو 21: 15، 16). كما جاء يفتقد توما في شكوكه ويعيد إليه الإيمان (يو 20: 27).
ما أجمل عبارته في تبشيره للمساكين:
"من يقبل إلي، لا أخرجه خارجًا".
هو جاء أيضًا يبشر المساكين من المحتاجين. ويقول لهم "اطلبوا تجدوا، اسألوا تعطوا، اقرعوا يفتح لكم" (مت 7: 7). ويعطينا بذلك مثالًا أن نعطي للمحتاجين ما يعوزهم، عالمين أننا في ذلك إنما نعطي الرب نفسه الذي قال: "مهما فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغِر، فبي قد فعلتم" (مت 25: 40). جميل أن نذكر هذا الأمر في مناسبة العيد، ونبشر المساكين وجميل أن نتذكر قول الرب في تبشيره للمساكين:
"تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقلي الأحمال، وأنا أريحكم" (مت 11: 28).
ليتنا نفعل مثله أيضًا، ونعمل بكل جهدنا علي إراحة المتعبين والثقلي الأحمال. وفي نفس الوقت نحترس من أن نزيد ثقلًا علي أحد، أو ننتقد إنسانًا في تعبه. وكذلك نشفق علي اليائسين الذين انقطع رجاؤهم. ويقول لكل منهم "أنا معك. لا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 10). وبالنسبة إلي كل هؤلاء، يوصينا الرسول قائلًا:
"شجعوا صغار النفوس. اسندوا الضعفاء تأنوا علي الجميع" (1 تس 5: 14).
فليكن الرب مع كل هؤلاء، يقويهم، ويقودهم في موكب نصرته، ويبشرهم بالخلاص، له المجد من الآن وإلي الأبد آمين.





خدمة الذين ليس لهم أحد يذكرهم




في صلاة تحليل نصف الليل للآباء الكهنة طلبة عميقة جدًا ومؤثرة في معناها وهي:
"اذكر يا رب العاجزين والمنقطعين والذين ليس لهم أحد يذكرهم "نعم، هؤلاء الذين لم يجدوا أحدًا يهتم بهم، ولا حتى يذكرهم في صلاته هؤلاء الذين أهملهم الكل، وربما قد نسوهم أيضًا. لا شك، أنه يوجد أشخاص لا يحس أحد بآلامهم، ولا باحتياجاتهم، ولا بضياعهم. كأنهم ليسوا أعضاء في جسد الكنيسة. ولعله تنطبق عليهم تلك الأبيات التي وردت في قصيدة "النجم":
أنا ملقي في ضلالي ليس من أسقف يرعي ولا من مفتقد
فطريقي في ظلام دامس قد ضللت الله دهرًا لم أجد
ذلك الهادي الذي يهدي يدي
يذكرنا بهذا النوع أيضًا مريض بيت حسدا الذي قضي في مرضه 38 سنة دون معونة من أحد. قال للسيد المسيح عن حالته "ليس لي إنسان يلقيني في البركة" (يو 5: 7). إنها خدمة جميلة أن نخدم تلك النفوس المسكينة المحتاجة، التي لا تجد من يهتم بها ويفتقدها.



الأحياء غير المخدومة





هناك أحياء توجد فيها كنائس تخدمها، ويوجد فيها آباء كهنة روحيون ونشطاء يقومون بافتقاد كل بيت، وكل أسرة وكل فرد ويعرفون كيف يوفرون الخدمة اللازمة لكل أحد، يحلون الإشكالات، ويتلقون الاعترافات، ويحيطون أبناءهم بجو روحي.. إنها أحياء مخدومة.
ولكن ماذا نقول عن الأحياء والمدن والقرى غير المخدومة، التي لا تجد أحدًا يذكرها؟!
وماذا نقول عن الخدام الذين يفضلون أن يرسموا كهنة علي المدن الكبيرة والأحياء المخدومة، ويرفضون القرى والأحياء المحتاجة إلي خدمة؟!
هل هذا هو أسلوب السيد المسيح، الذي كان يترك التسعة والتسعين، وبحث عن الواحد الضال المحتاج إلي خدمة؟! نعم إنه الراعي الصالح، الذي كان "يطوف المدن والقرى كلها، يعلم في مجامعها ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب" (مت 9: 35).
نعم إنه المعلم الصالح الذي قال لتلاميذه:
"لنذهب إلي القرى المجاورة لأكرز هناك، لأني لهذا خرجت" (مر 1: 28).
إن الذي يفضل بهرجة المدينة علي حاجة القرية، إنما هو يفكر في ذاته، بطريقة علمانية، ولا يفكر في احتياج الآخرين وخدمتهم!
ونفس هذا الكلام نقوله عن: خدمة أولاد الشوارع.

خدمة أولاد الشوارع




اذكر أن هذا الأمر قد هز عاطفتي جدًا في الأربعينيات، وأنا خادم.. وقلت في ذلك الوقت لزملائي: إننا نخدم الأطفال الذين في المدارس، والذين يلبسون ملابس نظيفة، وننسي خدمة الأولاد "الغلابة". وأتذكر إنني وقتذاك جمعت لنفسي فصلًا جديدًا لخدمته..
وكان فصلي هذا من أولاد الشوارع، ومن بائعي الليمون، وماسحي الأحذية، وأطفال آخرين يقفزون علي الشمال في الترام، وأحيانًا يقذفون الجمعية بالطوب.

واهتممت بهؤلاء الأولاد روحيًا، وكنت أحبهم جدًا.. وشاءت الظروف أن أنتقل إلي خدمة في منطقة أخري وهي أحد الأيام وأنا سائر بالقرب من "حكر عزت" قفز أحد الصبيان الصغار من محل ماسح أحذية وجري نحوي يسلم علي في محبة وهو يقول "أنا تلميذك".. اذكر هذه القصة فتنفعل مشاعري في داخلي.
ما أحوج هؤلاء إلي الفتات الساقط من خدمتك.. بينما آخرون متخمون بخدمات مركزة!!
إن الذين يعيشون في الحواري والأزقة والقرى، هم يحتاجون أكثر.. فالذي يسكن في الشارع الكبير قد يجد كثيرين يخدمونه، أما الذي يسكن في "العطفة"، الدرب، والزقاق، فربما يكون من الذين ليس لهم أحد يذكرهم..
لذلك ما أجمل ما فعله أخوتنا الذين كرسوا جهودهم لخدمة أحياء الزبالين، وبعض الأحياء الشعبية الأخرى في القاهرة.
وما أجمل الذين يجمعون الأطفال الفقراء من الطرقات، وأولاد الصناع والعمال والكنائس والذين لا عمل لهم ويوصلون إليهم كلمة الله التي يوصلوها إلي أولاد الأغنياء..
جميلة تلك العبارة التي وردت في الدسقولية عن الراعي أنه يجب أن "يهتم بكل أحد ليخلصه".
لذلك سررت لما قال لي أحد الآباء الكهنة إنه سيقيم قداسًا كل يوم اثنين فسألته لماذا؟ فقال "من أجل الحلاقين وأصحاب وظائف أخري.. عطلتهم هي في هذا اليوم. وآخرون من أصحاب النوبتجيات لا يجدون فراغًا إلا في يوم معين.
ومن المفروض في الكنيسة أن توفر الرعاية لكل أحد ومن بين هؤلاء، نذكر: خدمة الشباب المنحرف.



خدمة الشباب المنحرف





إننا – للأسف الشديد – نهتم فقط بالشباب الذي يأتي إلينا في الكنيسة في اجتماعات الشبان، أو مدارس التربية الكنسية، أو في الأنشطة والخدمات ونكتفي بهذا.
ويندر أن تكون لنا خدمة وسط الشباب الذي يتسكع في الطرقات، أو يضيع وقته في الملاهي وفي المقاهي والذي يدل شكله ولبسه وحديثه علي أنه بعيد تمامًا عن الكنيسة.
أمثال هذا الشباب، هو من النوع الذي ليس له أحد يذكره، بل بالأكثر قد يوجد متدينون يحتقرونه ويرفضون حتى الحديث معه.. كيف يخلص هؤلاء إذن؟ أليسوا هم أيضًا محتاجين إلي رعاية؟!
إن الأسقف حينما يرسم علي إيبارشية، إنما يرسم عليها كلها، وليس سيامته من أجل الصالحين فيها فقط، المترددين علي الكنيسة، إنما من أجل الكل.
عمله أن يطلب ويخلص ما قد هلك (لو 19: 10) كما فعل سيده وتحت عنوان ط ما قد هلك"، تدخل فئات كثيرة من الذين ليس لهم أحد يذكرهم: طلبة شطبهم خدام التربية الكنسية من قوائمهم لكثرة غيابهم. وعائلات أعتبرها الآباء الكهنة أنها ليست من أولاد الكنسية بسبب سلوكها. ألوان عديدة من المنحرفين الذين يفضل كل الخدام البعد عنهم خوفًا، أو حرصًا أو عجزًا، أو يأسًا..! ليس لهم أحد يذكرهم.
ما أخطر أن يوجد إنسان، تيأس منه الكنيسة، أو تنساه، أو تتجاهله أو تحتقره، أو تطرده، أو تعتبره من أهل العالم!
نتحدث عن نوع آخر من الذين ليس لهم أحد يذكرهم، وهو:
المنسيون في الافتقاد.





المنسيون في الافتقاد




قد توجد عائلات في الإسكندرية أو في القاهرة، تمر عليها سنوات عديدة لا يزروها أحد من الآباء الكهنة.

ولا تهتم الكنسية بهؤلاء، إلي أن يهتم بهم الشيطان ويفتقدهم!
وحينئذ تبدأ الكنيسة تتعرف إلي أحدهم في قضية طلاق، أو في حادث ارتداد. وكان السبب في كل هذا، أن هؤلاء ليس لهم أحد يذكرهم، مع أنهم ليسوا في قري فقيرة أو نائية، وإنما هم في القلب العاصمة!
نحن أحيانًا لا نهتم بالحالة، إلا بعد أن تصل إلى أسوأ درجاتها ولو ذكرناها في بادئ الأمر، ما كنا نحزن في نهايته..
لست اقصد بالذين ليس لهم أحد يذكرهم، المحتاجين إلي الرعاية في مجاهل أفريقيا، أو الهنود الحمر في أمريكا، مع حاجة كل هؤلاء بلا شك!
إنما اقصد "الهنود الحمر ط في قلب العاصمة، أو في قلب المدينة العامرة وربما قريبًا من الكنيسة!
إن التخصص في خدمة "الضالين "أمر لازم في الرعاية..
بلا شك كانت المرأة السامرية واحدة من الذين ليس لهم أحد يذكرهم، وكذلك زكا العشار، ومتي العشار، وآخرون وقد قال السيد المسيح "لا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بل المرضي". فهل يمكن أن يتخصص بعض الخدام في مثل هذه الخدمة؟
هناك نوع من الخدام كنا نسميهم "خدام الحالات الصعبة".



الحالات الصعبة




كانوا يذهبون إلي الحالات التي تبدو معقدة، التي وصلت إلي أسوأ درجاتها. ومع ذلك لم يفقد الخادم الأمل منها.
الحالات التي قد لا تقبل الخدام وقد تطردهم، أو التي لا تقبل كلامًا ولا إقناعًا، وتصل إلي لون من الإصرار والعناد يدفع إلي اليأس..

هذه الحالات بالنسبة إلي كنائس أخري، كانوا يتركونها يائسين، وينفضون أيديهم منها، وتبقي ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم..
أما خدام الحالات الصعبة، فكانوا يفتقدون هذه الحالات، ولو في آخر رمق، وهم متألمون لأن الحالة لم تكن قد افتقدت منذ البدء إن الخدمة الصعبة لها اجر أكبر عند الله، لن الخادم يتعب فيها، والله لا ينسي تعب المحبة..
دعوة يوسف الرامي لخدمة السيد المسيح أمر سهل، ولكن من الصعب أن تدعو رجلًا كزكا. فرق بين أن تدعو إنسانًا كيوحنا الحبيب إلي اجتماع، أن تدعو آخر كشاول الطرسوسي..
سهل أن تفتقد العائلات المنحلة والتعب في حل مشاكلها ومصالحة المتخاصمين فيها.
إن الأجر الكبير ليس لمن يزرع الأرض الجيدة، إنما لمن يستصلح الأراضي البور والأراضي المالحة، ويحولها إلي أرض زراعية جيدة.
فتلك الأراضي البور ربما كانت لمدة طويلة من النوع الذي ليس له أحد يذكره بسبب صعوبة العمل فيها.
هناك طائفة أخري نذكرها وهي:
المساجين.



المساجين





المساجين يحتاجون إلى عناية خاصة تعيد إليهم كيانهم ومعنوياتهم، وتعيدهم إلى الله وإلي الحياة النقية معه، سواء وهم في السجن، أو بعد خروجهم منه.
وكثيرون يرون المساجين من الحالات الصعبة، فلا يفكرون في خدمتهم، ويتركونهم ضمن الذين ليسلهم أحد يذكرهم..
اذكر شابًا كان محكومًا عليه بالإعدام منذ حوالي ثلاثين عامًا. وزاره الفاضل المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم واستطاع أن يقوده إلي التوبة والاعتراف وإلي الاستعداد للموت. وعاش الفترة السابقة لإعدامه في حياة طيبة مع الله والناس، وفي سلام قلبي عجيب وكان محبوبًا جدًا من كل أسرة السجن التي تعاملت معه. ولاقي الموت بفرح وذهب إلي المشنقة وهو يحيي ويداعب الذين حوله، وبكي عليه ضابط وموظفين السجن..
هذا الشاب وجد قلبًا يذكره، وهو تحت حكم الإعدام. وظل هذا القلب إلي جواره إلي أن لاقي ربه في سلام والابتسامة علي شفتيه.
إن المسجون الذي لا تستطيع أن تنقذ رقبته من المشنقة، قد تستطيع من ناحية أخرى أن تنقذ نفسه من الجحيم..
حقًا ما هي الخدمة الروحية التي نقدمها نحن إلي هؤلاء المسجونين؟ بل ما هي الخدمة الاجتماعية التي يلاقيها المسجون بعد خروجه من السجن. علي أن هناك نقطة هامة جدًا في هذا الموضوع وهي:
خدمة أسرات المسجونين. وبخاصة أولئك الذين سجن عائلهم، وأصبحت الأسرة مهددة تمامًا بالانهيار المالي والمعنوي.
هل وجدت خدمة منظمة ثابتة لمثال هذه العائلات، وتعهدتها بالعناية والافتقاد والمعونة؟ حرصًا عليها من التفكك ومن الضياع، وخوفًا عليها من الانهيار الاجتماعي أو الخلقي، وسدادًا لكل احتياجاتهم المالية..؟ أم أمثال هذه العائلات، تدخل تحت عنوان: الذين ليس لهم أحد يذكرهم.
مجموعة أخري من الناس، نحب أن نوجه الأنظار إلي خدمتهم روحيًا وهم:
الفقراء والمتعطلون.



الفقراء والمتعطلون




لست اقصد من يذكرهم ماديًا، فكثيرون يذكرونهم، إنما أقصد بالذات خدمتهم روحيًا..

توجد مكاتب للخدمة الاجتماعية في البطريركية وفي المطرانيات وفي جميع الكنائس، تقدم معونات مالية وعينية لهؤلاء، وتساعدهم علي أن يجدوا لهم عملًا ومصدرًا للرزق. وهذا حسن جدًا، ونرجو أن يصل إلي صورته الكاملة ولكن المشكلة ليست هنا. وإنما هي هذه:
ما أكثر ما يأتي الفقراء إلي مكاتب الخدمة الاجتماعية، بأساليب من الكذب والخداع والاحتيال. وقد نعطيهم حاجتهم المادية، وتبقي نفوسهم ضائعة ‍‍
وعلي الرغم من المساعدات التي تقدم لهم، هم لا يزالون من الناحية الروحية ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم.. .‍‍
وبعض الكنائس تقيم لهم اجتماعًا روحيًا، ينظر إليه بعض الفقراء كمجرد مقدمة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ للمعونة.. ولا يكون له العمق الذي يغير حياتهم، ويقودهم إلي التوبة ويبعدهم عن الكذب والاحتيال..
فعلي مراكز الخدمة الاجتماعية أن تعرف أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" (مت 4: 4).
وإنهم كما يفحصون الحالة الاجتماعية لمن يأخذ معونة مالية، عليهم أن يهتموا بالمحتاجين من جهة روحياتهم، لكي يقودهم إلي حياة أفضل..
وإن كان هذا يحدث بالنسبة إلي من يتقاضون معونات شهرية ثابتة، فهل يحدث هذا الاهتمام الروحي أيضًا للحالات الطارئة التي تأخذ معونة وتمضي، ولا تعرف الكنيسة شيئًا عنها بعد ذلك؟
يمكن أن نضم إلي هؤلاء مجموعات أخري وهي:
الملاجئ والمعوقين.



الملاجئ والمعوقين





نفس الوضع: ربما أهم ما تقدم لهؤلاء، هي العناية المادية والاجتماعية وقد يبقون من الناحية الروحية والنفسية ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم.
وكثيرًا ما تقدم لهؤلاء العناية العلمية والتأهيل المهني والوظيفي، والبحث لهم عن عمل. ووسط التركيز الشديد علي هذا الأمر، يبقي هؤلاء محتاجين إلي عمل روحي كبير، لكي ينجوا من العقد النفسية، ويتربوا التربية الروحية الصالحة، التي يجدون فيها الحب والحنان والمعاملة الطيبة، والصلة القوية بالله.
ومع العناية باللاجئين، قد تبقي أسراتهم ضمن الذين لا أحد يذكرهم!
كل ما يستطيع الملجأ أن يقدمه، هو أن يتلقي الطفل اللاجئ مع أسرته وقد لا يفكر بعد ذلك في هذه الأسرة وكيف تعيش ماديًا وروحيًا؟ وما الخدمة التي يمكن تقديمها لها؟
مجموعة أخري قد لا توجد من يهتم بها روحيًا وهي:
المرضى.

المرضى





غالبية اهتمامنا بالمرضي يتركز في حالتهم الصحية. أما من الناحية الروحية، فليس من أحد يذكرهم!
وقد يكون إنسان في مرض خطير، وبينه وبين الموت خطوات قصيرة. ومع ذلك لا يهتم أحد بأبديته، ولا يعده لها. بل كثيرًا ما يحيطه الكل بالأكاذيب مخفين عنه مرضه، حتى لا يتعب نفسيًا. وقد يحيطونه بالتسليات العالمية أيضًا..
وقد يجلس الزوار والأقارب حول المريض، إلي ساعات طويلة، في أحاديث مستمرة يسلونه بها، دون أن يعطوه فرصة للصلاة والتوبة..
لماذا لا يوجد خدام روحيون متخصصون في زيارة المرضي، يعرفون كيف يتحدثون معهم حديثًا روحيًا ونفسيًا، ويهتمون بأبدية الذين قد قرب رحيلهم لكي يعدوهم لهذا الرحيل، فتخلص نفوسهم في ذلك اليوم؟‍!
كلمتكم في هذا المقال عن الفقراء والمحتاجين، وعن المرضي والمساجين، والشبان المتسكعين..
وأود أن أتعرض لمجموعة علي عكس كل هؤلاء، وتدخل ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم، وهي:
الأغنياء وأصحاب المناصب!





الأغنياء وأصحاب المناصب





هؤلاء قد يستحي الخدام أو الكهنة من أن يحدثوهم عن التوبة والتخلص من خطاياهم.. وربما كل ما تطلبه منهم الكنيسة هو تبرعاتهم، أو توسطهم في أمور تهم الكنيسة أما أرواح هؤلاء وقلوبهم وأبديتهم، فليس لها أحد يذكرها!
إنهم أيضًا يحتاجون إلي الكلمة توصلهم إلي الله فيتوبون، إن كانوا محتاجين إلي توبة..
لهذا اشترط الكتاب في الأسقف أنه "لا يأخذ بالوجوه"، أي لا يجامل هؤلاء الأغنياء والعظماء، وبخاصة المتبرعين منهم، علي حساب روحياتهم ولا نقصد أن يستخدم البعض معهم أسلوب الشدة، كما وبخ المعمدان هيرودس..
إنما علي الأقل، فليستخدم معهم أسلوب التوجيه الروحي، الممتزج بالاحترام والمودة، كما فعلت أبيجايل مع داود الملك، لما أراد الانتقام لنفسه، ويقتل نابال الكرملي (1 صم 25).
أو يستخدم معهم أسلوب الحكمة التي تكلم بها ناثان النبي مع داود أيضًا (2 صم 12).



يهيئ للرب شعبًا مستعدًا




"يهيئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو 1: 17).
نعم، ما أجمل هذه العبارة التي قالها ملاك الرب في البشارة بميلاد يوحنا المعمدان: إنه "من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس، ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم. ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته.. لكي يهيئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو 1: 15 – 17) وقيل أيضًا عنه في نبوءة ملاخي "هأنذا أرسل ملاكي، فيهيئ الطريق أمامي" (ملا 3:1) (مر 1: 2).
وكيف يهيئ الطريق قدام الرب؟
بأنه "كان يكرز قائلًا: يأتي بعدي من هو اقوي مني، الذي لست أنا أهلًا أن أنحني وأحل سيور حذائه" (مر 1: 7) (مت 3: 11) "أعدوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة" (مت 3: 3). وكيف كان يوحنا يهيئ للرب شعبًا مستعدًا؟.. ذلك بقيادتهم إلي التوبة.. كان يكرز بمعمودية التوبة. ويقول للناس: "أنا أعمدكم بماء التوبة"، "اصنعوا ثمار تليق بالتوبة" (مت 3: 11، 8).
نقول هذا لأن كثيرين كل خدمتهم هي قيادة الناس إلي مجرد المعرفة، وليس إلي التوبة..
لكن ما أجمل المعرفة التي تقود إلي التوبة.. التي لا تخاطب العقل فقط، إنما تعمل في القلب ليلتصق بالله.. لقد خلق الله شعبًا يملأ الأرض كلها. وهو يريد، الجميع يخلصون، وإلي معرفة الحق يقبلون (1 تي 2: 4). وقد ترك الرب هذا الشعب إلى مجموعة من الوكلاء (لو 12: 42) أو إلي مجموعة من الكرامين (مت 21: 33). لكي يعدوا للرب شعبًا مستعدًا. ووضع أمامهم هذه الآية: "من رد خاطئًا عن ضلال طريقه، يخلص نفسًا من الموت ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 20).

والمعروف أن الخلاص بالمسيح وحده، الذي "ليس بأحد غيره الخلاص" (أع 4: 12). فما معني عبارة "يخلص نفسًا "هنا؟ معناها: يقودها إلي الخلاص الذي بالمسيح يسوع. أو يهيئ هذه النفس للخلاص، بالإيمان والتوبة. في يوم من الأيام ذهب صموئيل النبي إلي بيت لحم، ليمسح واحدًا من أولاد يسى البيتلحمي ملكًا للرب. فقال: "تقدسوا وتعالوا معي إلي الذبيحة". ويقول الكتاب عنه: "وقدس يسى وبنيه، ودعاهم إلي الذبيحة" (1 صم 16: 5).
فما معني كلمة "قدسهم "هنا؟ معناها نفس العبارة: هيأ للرب شعبًا مستعدًا.. وهذا الوضع ذاته قيل عن الشعب قبل سماعهم الوصايا العشر.. "قال الرب لموسى: اذهب إلي الشعب، وقدسهم اليوم وغدًا.. ويكونوا مستعدين.. فأنحدر موسى، وقدس الشعب.." (خر 19: 10، 14). هو أيضا هيا للرب شعبًا مستعدًا، لسماع كلمته..
ما أعظم هذا الأمر، أن نهيئ للرب شعبًا مستعدًا..
شعبًا مستعدًا لقبول الخلاص، شعبًا مستعدًا لنوال نعمة الرب في المعمودية (إن كانوا كبارًا) أو في التقدم للتناول من الأسرار المقدسة.. شعبًا مستعدًا للتوبة، مستعدًا للشركة مع الروح القدس، أو مستعدًا لخدمة الرب وبناء ملكوته.. أنظروا ماذا يقول بولس الرسول:
"خطبتكم إلي رجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (1 كو 11: 2).
من فيكم يستطيع أن يقدم نفوسًا عفيفة للرب؟ يهيئ له نفوسًا مستعدة لمحبته..

كانت هذه هي وظيفة يوحنا المعمدان. لقد هيأ هذه العروس أي الكنيسة- للرب. هيأها له بالتوبة، بمعمودية التوبة. ولما سلمها له، وقف في فرح يقول: "من له العروس فهو العريس. أما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح.. إذن فرحي هذا قد كمل" (يو 3: 29).
وعروس الرب قد تكون نفسًا واحدة، أو شعبًا أو شعوبًا.
قد تكون فصلًا في التربية الكنسية، وقد تكون كنيسة بالنسبة إلي أب كاهن، وقد تكون إيبارشية بالنسبة إلي أب أسقف. وقد تكون شعبًا أو شعوبًا كمسئولية الآباء الرسل، وغيرهم من الأنبياء. وقد تكون الكنيسة كلها التي يقدمها المسيح، حينما يسلم الملك للآب (1كو 15: 24)، أو هي أورشليم السمائية التي أبصرها القديس يوحنا الرائي:
".. كعروس مزينة لعريسها" (رؤ 21: 2).
نعم، هذه هي وظيفة الخدام والوعاظ والكهنة والرعاة وكل صيادي الناس، أن يهيئوا هذه العروس – أي النفوس – لعريسها، مزينة بالفضائل "معطرة بالمر واللبان، وبكل أذرة التاجر" (نش 3: 6).
إنهم يهيئون النفوس، فتبدو جميلة أمام الرب.
تلبس ثوب البر، أو تلبس ثيابًا من نور، وينشدون لها تلك الأغنية الجميلة "كل مجد ابنة الملك من داخل، مشتملة بثياب موشاة بالذهب، ومزينة بأنواع كثيرة" (مز 45). كان هذا أيضًا هو عمل الأنبياء في العهد القديم، وعمل الوحي الإلهي، الذي هيأ شعبًا مستعدًا لقبول الخلاص والفداء والتجسد الإلهي، بنبوءات ورموز.. وهو أيضًا عمل الملائكة القديسين الذين قيل عنهم:
"أليسوا جميعهم أرواحا خادمة، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14).
هؤلاء هم الملائكة الحالة حول خائفي الرب وتنجيهم من كل شر.. هؤلاء الذين نقول عنهم للرب في صلواتنا باستمرار "أحِطنا يا رب بملائكتك القديسين، لكي نكون في معسكرهم محفوظين ومرشدين". تهيئة النفوس هي أيضًا مسئولية كل الذين يعملون في كرمه. فأحدهم يغرس، والثاني يسقي، والله ينمي. وكلهم عاملون مع الله (1 كو3: 6، 9).. ولكن من أجل قلة العاملين في تهيئة النفوس للرب، لذلك يقول لنا:
"الحصاد كثير، ولكن الفعلة قليلون. أطلبوا إلي رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده" (مت 9: 37).
ومع ذلك يحتاج الرب إلي فعلة من نوعين.. لا يكونون مثل أولئك الكرامين الأردياء الذين قال لهم الرب "ملكوت الله ينزع منكم، ويعطي لأمة تعمل ثماره" (مت 21: 43). والذي يهيئ للرب شعبًا مستعدًا عليه أن يكون طويل البال، لا يضجر بسرعة. حتى إن كانت الشجرة لا تصنع ثمرًا لسنوات طويلة، لا يقطعها للتو، بل يتركها سنة أخري، وينقب حولها ويضع زبلًا، لعلها تأتي بثمر (لو 13: 8).
هناك كثيرون مسئولون أن يهيئوا للرب شعبًا مستعدًا، منهم الآباء والأمهات في محيط الأسرة.
الأطفال في أيديهم عجينه لينة يمكنهم تشكيلها بالطريقة التي ترضي الرب، بالتعليم والتدريب، وبالقدوة الحسنة، وبوضع الأساس الروحي القوي، الذي تبني عليه الحياة الروحية راسخة، لا تزعزعها محاربات العدو من الخارج.. للأسف كثير من الأسرات، تهمل تربية أولادها، معتمدة علي الكنيسة ومدارس الأحد. ولكن هذا لا يعفيها مطلقًا من المسئولية أمام الله، ناسين قول الكتاب:
"رب الولد في طريقه. فمتى شاخ أيضًا، لا يحيد عنه" (أم 22:6).
و أيضًا قول الرسول "أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم، بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره" (أف 6: 4). إن التاريخ يحدثنا عن أمهات قديسات، أعددن للرب أبناء صالحين قادوا شعوبًا. مثل يوكابد الذي كان من ثمرة بطنها وتربيتها موسى النبي، ومريم النبية، وهارون رئيس الكهنة. وكذلك تلك الأم القديسة التي أنجبت القديس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية كبادوكيا، وأخيه القديس غريغوريوس أسقف نيصص، وأخيه القديس بطرس اسقف سبسطية، وأختهم القديسة ماكرينا المرشدة الروحية ورئيسة الدير..
هؤلاء الأمهات القديسات أدركن عمل الإشبين في الكنيسة.
الكنيسة تسلم الأمهات الأطفال بعد المعمودية لكي يقمن -كإشبينات- بتربية هؤلاء الأطفال تربية روحية في مخافة الله ومحبته. فإن قامت الأمهات بواجبهن الروحي، يمكنهم حينئذ إعداد شعب مستعد للرب. وتستطيع الأم أن تعطي ابنها من الروحيات أضعاف ما تعطيه له مدارس الأحد، وتحفظ له النقاوة التي خرج منها من المعمودية، بل تنميها أكثر وأكثر. وتهيئ أبناءها للرب وخدمته.. وينشأ الأبناء علي حياة القداسة في (كنيسة البيت)..
كذلك عمل الكنيسة أن تهيئ للرب شعبًا مستعدًا..
تقوم بتهيئته عن طريق الكرازة ونشر الإيمان، وعن طريق الأسرار المقدسة: وبخاصة المعمودية والمسحة المقدسة، وسري التوبة والإفخارستيا. وكانت الكنيسة في القديم تهيئ المؤمنين للعماد عن طريق فصول الموعوظين، وشرح قانون الإيمان لهم كما في كتاب القديس كيرلس الأورشليمي.
بل كانت الكنيسة تعد شعبًا مستعدًا للاستشهاد.
تعلمه تفاهة الحياة الأرضية، وتدربه علي حياة الزهد في المادية وتثبته في حياة الإيمان، وتشرح له كيف أن الموت مع المسيح أو لأجل المسيح يؤهله إلي الحياة معه في الفردوس. وأن الموت ليس سوي انتقال إلي حياة أفضل في عشرة الله وملائكته وقديسيه.. وما أكثر الكتب التي حفظتها لنا مكتبة أقوال الآباء وموضوعها [الحث علي الاستشهاد].. وبهذا كله كان الشهداء يتقبلون العذابات والموت في شجاعة وفرح..
كانت الكنيسة تعد المؤمنين أيضًا للأبدية.
تعدهم لملاقاة الرب، سواء في الموت الشخصي أو في مجيء الرب. وكانوا يستخدمون عبارة (ماران اَثا) أي ربنا آت، كما كثب القديس بولس الرسول (1 كو 16: 22). تعدهم للأبدية، بعد الخوف من الموت، وبحياة التوبة والقداسة، وبالتعليق بالسماء والحياة الأخرى. وبقول بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا" (في 1: 23).
كانت الكنيسة تعدهم ضد الشكوك والهرطقات.
بتثبيتهم في الإيمان المستقيم، ويقول القديس بطرس "مستعدين في كل حين، لمحاربة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم" (1 بط 3: 15). وكانت الكنيسة تعد شعبها بالرد علي كل الهرطقات والبدع، بالمجامع المقدسة وكتب الآباء وبالتعليم القوي، حتى لا ينحرف أحد عن إيمانه بما يبذره المبتدعون من شكوك..
وكانت الكنيسة بمداومة التعليم تهيئ للرب شعبًا مستعدًا.
كما قال القديس بولس لتلميذه تيموثاوس "لاحظ نفسك والتعليم وداوم علي ذلك. فإنك إن فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (1 تي 4: 16). وهكذا كانت الكنيسة تشترك أن يكون الأسقف صالحًا للتعليم (1 تي 3: 2) "لكي يكون قادرًا أن يعظ بالتعليم الصحيح، ويوبخ المناقضين" (تي 1: 9).
وحتى بالنسبة إلي المخطئين، تقول الدسقولية "أصلح الذنب بالتعليم".
وكانت الكنيسة تعد للرب شعبًا، بالتأديب أيضًا..
كما يقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف "وبخ انتهر عظ" (2 تي 4: 2) "الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع، لكي يكون عند الباقين خوف" (1 تي 5:20). ومن أجل الاحتفاظ بقدسية الكنيسة أمر القديس بولس من جهة خاطئ كورنثوس "أن يُسَلَّم مثل هذا للشيطان لإهلاك الجسد، لكي تخلص الروح في يوم الرب" (1 كو 5: 5). ووبخ أهل كورنثوس قائلًا لهم "اعزلوا الخبيث من بينكم" (1 كو 5: 13). ويقول القديس يهوذا غير الإسخريوطي "وخلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار، مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد" (يه 23).
وكانت الكنيسة تهيئ للرب شعبًا، عن طريق الصلاة وتشجيع صغار النفوس والضعفاء.
إذ يقول الرسول في ذلك "شجعوا صغار النفوس، اسندوا الضعفاء، تأنوا علي الجميع" (1 تس 5: 14). ويقول أيضًا "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب 13: 3). وقيل عن السيد المسيح له المجد إنه كان "قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت 12: 20). ومن أجل تهيئة شعب لله، كانت الكنيسة تصلي أن يرسل الرب فعلة لحصاده، وأن يعطي الرب قوة الخدام، وحكمة للرعاة وسمعًا وقبولًا من المخدومين. كذلك تشجع الشعب علي السهر الدائم علي خلاص أنفسهم، كما قال الرب "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (مت 26: 41). وكما قيل عن حراسات الليل إنهم كانوا "كلهم قابضون سيوفًا ومتعلمون الحرب. كل رجل سيفه علي فخذه من هول الليل" (نش 3: 8).
والكنيسة تعد للرب شعبًا مستعدًا في الحروب الروحية.
تقول لأولادها "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الإيمان" (1 بط 5: 8، 9). وتجعلهم مستعدين لملاقاته، بضبط النفس، وبالصلاة، والتداريب الروحية، والمداومة علي الاعتراف والتناول، مستعدين ضد كل غواية وفكر "مستأسرين كل فكر لطاعة المسيح" (2 كو 10: 5). في كل ما قلناه أسأل نفسك:
كم نفسًا استطعت أن تهيئها للرب، حتى تكون مستعدة للحياة معه والثبات فيه؟
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
ملوك الأرض هم الذين يسيطرون على الخطية يقدمون تشكرات
القروض التي تُقدَّم للمحتاجين الذين في ظروفٍ قاسية
يقدمون سلامًا الآن الذين ليس لهم سلام لأنفسهم
الذين يقدمون مواهب متنوعة في حياتهم
القديسون الذين يقدمون أنفسهم (ذبيحة) لله


الساعة الآن 10:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024