الغني الذي افتقر
"وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ. فَلَمَّا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذَلِكَ اغْتَاظُوا قَائِلِينَ: «لِمَاذَا هَذَا الإِتْلاَفُ؟ لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هَذَا الطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ" (متى26: 6- 9)
لماذا يعترض التلاميذ على ما أظهرته المرأة من محبة قلبية للرب؟ولنتكلم بحذر فنقول: هل عاش المسيح حياة أنانية على الأرض؟ هل كان من عادته ـ لهالمجد ـ أن يهمل حاجات الفقراء حتى أن التلاميذ يضنون عليه بهذه الهدية؟ لقد كانتحياة الرب كلها مكرسة للمساكين، وها هو مزمع أن يقدم نفسه للموت بعد ساعات قليلةلأجلهم. وإذا بالتلاميذ يبحثون قضية الفقراء بهذه الصورة المؤلمة، كأن المسيح يحتاجإلى مَنْ يذكّره بها!
وكم كانت إجابة الرب لهم جميلة! فهو يعرّفهم أنه حقاًيؤيد مطالب الفقراء، وذكّرهم بأنهم سيجدون معهم في كل حين أُناساً محتاجين، وأنهميستطيعون أن يعملوا بهم خيراً ويخدموهم كلما أمكن لهم ذلك (مرقس14: 7)
ولكن عيونهم لم تستطع أن ترى أنه هو نفسه كان في وسطهم فقيراًمُخلياً نفسه من المجد. وأن الشخص الذي هو "صورة الله" قد "أخلى نفسه، آخذاً صورةعبد، صائراً في شبه الناس" (فيلبي2: 6-8) "فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح، أنه من أجلكم افتقر وهو غني،لكي تستغنوا أنتم بفقره" (2كورنثوس8: 9)
ولو كانت عيون إيمان التلاميذ مفتوحةلأدركوا أن هذا الذي في وسطهم والذي يوجهون إليه الكلام بجهل، كان أفقر الجميع، ليسفقط لأنه لم يكن لديه ما يملكه، ولكن بسبب غنى السماء ومجدها الذي وضعه جانباً لكييصير إنساناً هنا على الأرض. ومَنْ يستطيع أن يقيس مدى الغنى الذي يخص الرب كخالقكل الأشياء. إن هذا الذي هو ابن الله منذالأزل، وصار بالنعمة ابن الإنسان، كانت "للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار. وأماابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه"(متى8: 20) وعندما احتاج إلى قطعة نقود ليقدمها عن نفسه وعن تلميذه، اعتمد في هذاعلى سمكة (متى17: 27) وعندما أراد حجرة في أورشليم ليصنع فيها الفصح،استخدم عُليَّة مفروشة لإنسان غير معروف ليصنعه هناك. إن هذا الشخص وهو الملك، لميكن يملك في عاصمته شِبراً واحداً. حقاً كم كان فقيراً!!
ليتنا نتعلم منهذه الحادثة أن نحرص على الكلمات التي ننطق بها في حضرته، ونجد لذتنا وفرحنا، كمافعلت مريم، في تقديم تعبد قلوبنا له