|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عيد انتقال سيدتنا مريم العذراء
عقيدة الانتقال وآباء الكنيسة آمن المسيحيون منذ القرون الأولى بانتقال العذراء بالنفس والجسد إلى السماء، كما تُظهر لنا كتابات أباء الكنيسة. إنَّ الآباءَ القدِّيسين ومعلِّمِي الكنيسةِ العظامَ، في عظاتِهم وخُطَبِهم التي وجَّهُوها إلى الشعبِ، في عيدِ انتقالِ والدةِ الإلهِ، تكلَّمُوا على هذا العيدِ وكأنَّه أمرٌ معروفٌ ومقبولٌ. وقد بيَّنُوا بصورةٍ خاصّةٍ أنّ هذا العيدَ لا يَذكرُ فقط أنَّ الفسادَ لم يَنَلْ من جسدِ مريمَ العذراء، بل يذكرُ انتصارَها على الموتِ أيضًا، وتمجيدَها في السماءِ، على مثالِ ابنِها وحيدِها يسوعَ المسيح. ظهرت عقيدة انتقال سيدتنا مريم العذراء في كتابات آباء الكنيسة إذ يقول القديس يوحنا الدمشقي: "كما أن الجسد المقدّس النقي، الذي اتخذه "الكلمة الإلهي" من مريم العذراء، قام في اليوم الثالث هكذا كان يجب أن تُؤخذ مريم من القبر، وأن تجتمع الأم بابنها في السماء" ويتابع القول: "كان لا بد لتلك التي استقبلت في حشاها "الكلمة الإلهي"، أن يتم انتقالها إلى أخدار ابنها... كان لا بد للعروسة التي اختارها الآب، أن تقيم في أخدار السماوات" (PG 96: 742). ويشير القديس يوحنا الدمشقي إلى هذا السر بعظة شهيرة فيقول: " من بقِيَتْ بتولاً في الولادةِ لم ينَلْ منها أيُّ فسادٍ، من الضروريِّ أن يُحفَظَ جسدُها بعدَ الموتِ من كلِّ فسادٍ. ومَن حَملَتِ الخالقَ طفلاً في أحشائِها، من الواجبِ أن تُقِيمَ في المساكنِ الإلهيّةِ. ومن اتّخذَها الآبُ عروسًا، من الواجبِ أن تسكُنَ في الأخدارِ السماويّةِ. ومَن شاهدَتْ ابنَها على الصليبِ، وجازَ في صدرِها سيفُ الألمِ الذي تجنَّبَتْه حينَ الولادةِ، من الضروريِّ أن تشاهدَه جالسًا عن يمينِ الآبِ. من الواجبِ أن يكونَ لوالدةِ الإلهِ كلُّ ما هو لابنِها، وأن تكرِّمَها كلُّ خليقةٍ والدةً وأَمَةً لله" (PG 96: 723). ويرى القدِّيسُ جرمانس من القسطنطينية أنَّ جسدَ مريمَ البتولِ، والدةِ الإلهِ، نُقِلَ إلى السماءِ من غيرِ أن يناَلَه الفسادُ: "أنتِ التي تَظهَرِين في البهاءِ كما هو مكتوبٌ. وجسَدُك البتوليُّ كلُّه مقدَّسٌ وكلُّه عفيفٌ وكلُّه مسكِنٌ لله. ولهذا فهو بعيدٌ عن كلِّ انحلالٍ ولا يعودُ إلى الترابِ. ولكنْ، لأنَّه بشرِيٌّ، كانَ يجبُ أن يتبدَّلَ ليصلَ إلى اللافسادِ في الحياةِ العُليا. ولكنَّه هو نفسُه، الجسدُ الحيُّ والمجيدُ والتامُّ والمزدانُ بالحياةِ الكاملةِ". ويقول طيوتكنوس الليفي" كان يليق بالجسد الذي حمل الله وأسكنه، والذي كان منزَّها عن الفساد ومشرقا بالنور الإلهي، أن يُرفع إلى المجد بنفسه المرضيّة عند الله (م 18/16). أما القديس بطرس دميانوس فيقول: "في صعودها جاء ملك المجد مع أجواق الملائكة والقديسين لملاقاتها بزفةٍ إلهية؛ ويقول القديس فرنسيس السالسي "كان موت العذراء من النعومة بحيث إن ابنها قد اجتذبها بطيب عرفه المقدس فولجت حضنه بلطف" (م23/294). ويقول الأسقف بُوسُّويه "كان حب مريم العذراء الإلهي يزداد تلقائيا، وأخيرا... فاستودعت روحها بين يدي ابنها، بلا مشقَّة وإكراه: بل بوثبة فائقة من الحب الإلهي" (م/23/337). ويُعلق القديس أوغسطينوس "هل يليق بالمسيح أن يترك امَّه فريسة فساد القبر، مثل أي جثمان عادي؟ أما كان ينبغي بالعكس أن يشركه في سر صعوده، فيستبق من أجلها ساعة القيامة والمجد الفائق؟ أليس انتقال العذراء في الخط الطبيعي لامتيازات التي سبقت ورافقت وتبعت أمومة مريم الإلهية؟ (م1/2138). ويضيف الكردينال نيومن "ماتت مريم، كما يعتقد، لان يسوع المسيح المخلص نفسه قد مات. بيد أنها ماتت مثل الآخرين، لكنها لم تمت على طريقتهم (ميتة الخطأة). (م 12/221) لذلك كما يقول بولس الرسول: إن الله قد جنَّبها "فساد الخطيئة" (غلاطية 6: 8). ولهذه الأقوال نجد صدىً في الكتاب المقدس ولاسيما نشيد الأناشيد (10: 2) وفي رؤيا القديس يوحنا (11: 19). عقيدة الانتقال والليتورجيا ظهرت عقيدة انتقال العذراء أيضًا في الطقوس المسيحية المبكرة، فترنّمت الليتورجيّة البيزنطيّة: "لقد انتقلتِ برقادكِ الموقّر إلى الحياة الخالدة محفوفة بالملائكة والرّئاسات والرّسل والأنبياء وسائر الخلائق، يا عروسة الله، الأمّ العذراء والدة الحياة! أمّا نفسك البريئة من العيب، فقد قبِلها ابنك براحتيه الطّاهرتين". وخصَّصت الليتورجيا عيدا خاصاً لها يوم 15 آب يسبقه صوم مدته أربعة عشر يوماً؛ وقد عمّ هذا العيد الإمبراطورية البيزنطية ما بين 588-603، وادخله إلى كنيسة روما البابا تيودورس الأول (642-649)، وهو من الاكليروس الأورشليمي. وأصل العيد أن كنيسة القدس كانت تقيم، منذ القرن الخامس في مثل هذا اليوم، عيداً لوالدة الإِله عُرف فيما بعد بعيد "رقاد مريم"، ثم بعيد "انتقال القديسة مريم"، منذ القرن الثامن. وأكَّدَ كاتبٌ آخَرُ قديمٌ جدًّا: "بما أنّها الوالدةُ المجيدةُ للمسيحِ مخلِّصِنا وإلهِنا واهبِ الخلود، فهو يَهَبُها الحياةَ، وهي تشاركُه إلى الأبدِ في عدمِ فسادِ الجسدِ. أخرجَها من القبرِ، ونقلَها إليه بطريقةٍ هو وحدَه يَعرِفُها" (Munificentissimus Deus. مجلد 42-769). لنفسح المجال لمقاطع الكتاب المقدس التي تعرضها الليتورجيا علينا لكي تهدينا؛ بشكل خاص صورة نجدها في القراءة الأولى، مأخوذة من سفر الرؤيا (11: 19؛ 12: 1-10)، يُردَّد صداها إنجيل لوقا: أي صورة "تابوت العهد" (1 أخبار 15: 3-16). تغني الكنيسة اليوم الحب العظيم الذي يكنَّه الله لخليقته هذه: لقد اختارها كتابوت عهد، كتلك التي تستمر في ولادة المسيح المخلص وإعطائه للبشرية، كتلك التي تقاسم في السماوات ملء المجد، وفي الوقت عينه، تدعونا لكي نضحي تابوت عهد تحضر فيها كلمة الله، وتتحول وتعيش من حضوره، حضور الله الحي، لكي يستطيع البشر أن يلاقوا في الشخص الآخر قرب الرب ويعيشوا الشركة مع الله ويعرفوا واقع السماوات. وأعلن البابا بيوس الثاني صحة هذه العقيدة في واحد تشرين 1950 مؤكدا:" إنها لحقيقة إيمانية أوحى الله بها، أن مريم والدة الإله البتولية والمنزهة عن كل عيب، بعد إتمامها مسيرة حياتها على الأرض نُقلت بجسدها ونفسها إلى المجد السماوي". يوجز البابا بندكتس الرابع عشر البراهين التي تدعم الإيمان بانتقال مريم العذراء إلى السماء بالجسد والنفس هي : أُمومتها الإلهية، وبتوليتها الفائقة، وقداستها العظيمة التي تفوق قداسة والبشر والملائكة، واتحادها الوثيق بابنها يسوع وتوافقها وإياه، ومحبة ذلك الابن لامِّه المتفوقة في الكرامة "ز ( م/12138). الأب لويس حزبون - فلسطين التعديل الأخير تم بواسطة Mary Naeem ; 05 - 02 - 2022 الساعة 05:35 PM |
|