|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شفتاك يا عروس تقطران شهدًا (نش 4: 11) قال الرب للكنيسة، وللنفس البشرية القديسة: شفتاكِ يا عروس تقطران شهدًا (نش 4: 11) كثير من الناس، تكمن متاعبهم في ألسنتهم، لذلك يفضلون الصمت: يجعلون أمامهم قول الحكيم "كثرة الكلام لا تخلو من معصية" (أم 10: 19)، و قول يعقوب الرسول "اللسان نار، عالم الإثم.. هو شر لا يضبط، مملوء سمًا مميتًا.. يدنس الجسم كله" (يع 3). ويحب هؤلاء قول القديس أرسانيوس "كثيرًا ما تكلمت فندمت، و أما عن سكوتى فما ندمت قط". لذلك يرون الصمت أفضل.. حقًا إن الصمت أفضل من الكلام الردىء، وحقًا إن اللسان غير المنضبط هو سم مميت. و لكن هناك كلام طيب.. ليس كل صمت فضيلة، فأحيانًا نُدان على صمتنا. وليس كل كلام خطيئة. فهناك نفس تتكلم، فيقول لها الرب: "شفتاك يا عروس تقطران شهدًا". قال الرب أيضًا: "بكلامك تتبرر، وبكلامك تُدان" (مت 12: 37). إذن يمكن أن تتبرر بالكلام. ولذلك قال الكتاب "شفتا الصديق ينبوع حياة" "شفتا الصديق تهديان كثيرين" (أم 10: 2). هناك إذن شفاه مقدسة، تخرج منها كلمة حياة، وكلمة منفعة.. كان المسيح يتكلم، والناس يبهتون من كلامه (مت 7: 38)، ويقولون "ما سمعنا أحدًا تكلم مثل هذا".. كان كلامه روحًا وحياة (يو 6: 63 ). وقد قدم لنا مثالًا للكلام، إذ كانت شفتاه تقطران شهدًا. لذلك لا نعجب إن رأينا مريم أخت مرثا، تحرص أن تجلس عند قدميه، لكي تسمع وتتأمل (لو 10: 39). كانت كل كلمة تخرج من فمه، تدخل إلى قلبها، وتحرك مشاعرها وتبنيها، وتشبعها.. وقد قال داود عن كلام الرب، إنه "أحلى من العسل وقطر الشهاد" (مز 19: 10). القديس يوحنا ذهبى الفم، منحته الكنيسة هذا اللقب، إذ كانت كلماته كالدر والجوهر، كانت شفتاه تقطران شهدًا. القديس أثناسيوس قيل عنه "إن سمعت كلمة لأثناسيوس، و لم تجد ورقًا تكتبها عليه، فاكتبها على قميصك".. وما أجمل اللقب الذي أعطى للقديس غريغوريوس، إنه ناطق الإلهيات". فما هى إذن صفات الكلام، الذي تقطر به الشفاه شهدًا؟ ألوان من شهد الكلام: قال سليمان الحكيم: "الكلام الطيب شهد عسل، حلو للنفس" (أم 16: 24). فما هو هذا الكلام الطيب الذي يقصده؟ إنه الكلمة الرقيقة العطوفة، التي تفيض حبًا وعطفًا وحنانًا، ككلمات السيد المسيح للمرأة التي ضبطت في ذات الفعل.. وقفت المرأة أمامه ذليلة محطمة، يجرها أناس قساة، أشبعوها إهانة وتحقيرًا وتشهيرًا، و هى تنتظر مصيرها من شفتيه.. فإذا بالمسيح الكلى الطهر، يصرف الرجال الذين أدانوها وأذلوها، ثم يقول لها " وأنا أيضًا لا أدينك، إذهبى ولا تخطىء أيضًا" (يو 8: 11). لم يخجلها، لم يوبخها، لم يجرحها، لم يحكم عليها، إنما بكل عطف نشلها من الوحل ومن العار، وصرفها بسلام، وهى متعجبة من هاتين الشفتين اللتين تقطران شهدًا.. بأسلوب رقيق، شبيه بهذا، تحدث السيد مع المرأة السامرية. حدثها – وهى خاطئة – عن الماء الحى، وعن السجود بالروح والحق، وبلطف زائد اقتادها إلى الإعتراف، دون أن يريق ماء وجهها. فتركت جرتها، ونادت المدينة: تعالوا أنظروا، إنسانًا قال لي كل ما فعلت.. (يو 4: 39) دون أن يجرحنى بكلمة وبنفس الرقة تحدث عن المدينة التي أغلقت أبوابها في وجهه. قال التلميذان اللذان معه "أتشاء يا رب أن تنزل نارًا من السماء فتحرق هذه المدينة؟ " فأجابهما: "لستما تعلمان من أي روح أنتما؟! لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص " (لو 9: 55، 56). أنا قد جئت لأرفع القلوب المنكسرة، أقوم الركب المخلعة، وأشدد الأيدى المسترخية، جئت لأنادى لليائس بالرجاء، وللخاطىء بالتوبة. لا دينونة في فمى. إنما في فمى كلمة حب، وكلمة خلاص. هناك أشخاص كلامهم كرجم الحجارة، قسوة وعنف، وفيه أتهام ونقد وتجريح، ولكنه لا يبنى إنما تبنى الكلمة الحلوة. الشفتان اللتان تقطران شهدًا، تكسبان حب الناس، وبالحب تبنيهم. وهذا الشهد في نوع الكلام، ولهجة الكلام وروحه وأسلوبه. ومن أنواع هذه الكلمات التي تقطر شهدًا، كلمة المنفعة: عظة الرب على الجبل، في تقديمها أسمى تعاليم سمعتها البشرية. وكلمات آباء البرية التي كان الناس يأتون في طلبها من أقاصى الأرض ليسمعوا كلمة منفعة. من أجلها قصد البابا ثاوفيلس القديس أرسانيوس والقديس بفنوتيوس. وبها كُتب بستان الرهبان. ومن أمثلتها أيضًا أقوال الآباء التي جمعها العلماء في مجموعات الباترولوجيا، ومنها أيضًا أقوال المرشدين الروحيين النافعة لهداية النفس. ومن الكلمات التي تقطر شهدًا، كلمات البركة: مثل البركة التي بارك بها الرب نوحًا (تك 9) وإبراهيم (تك 12)، و البركات التي وردت في سفر التثنية (ص 28)، و مثل بركة إسحق ليعقوب (تك 27)، وبركة يعقوب لأفرايم ومنسى (تك 48)، ومثل البركة التي تمنحها الكنيسة لأبنائها في كل قداس، في نهاية كل أجتماع. لذلك أمرنا الكتاب قائلًا: "باركوا ولا تلعنوا" (رو 12: 14)، باركوا كل أحد، حتى أعدائكم "باركوا لاعنيكم" (مت 5: 44).. كل شخص يقابلك، قل له كلمة بركة، كلمة دعاء، تفرح قلبه، و تشعره بمحبتك، فتهتف الملائكة قائلة لنفسك: "شفتاك يا عروس تقطران شهدًا".. والشفاه التي تقطر شهدًا تنطق بكلام مريح فيه طمأنينة وتعزية. مثل كلمة الطبيب التي تريح المريض، و تدخل الرجاء إلى قلبه.. وكلمة أب الاعتراف الذي يقدم حلًا لمشكلة، ويريح قلب خاطىء يائس، ويعطيه حلًا من خطاياه.. ومن أمثلتها ما طلبه قائد المئة من السيد المسيح "قل كلمة فقط.. فيبرأ غلامى" (مت 8: 8) ومثل كلمات التعزية المريحة تسمعها فتقول "شفتاك يا عروس تقطران شهدًا". شفتا أصحاب المواهب، هى أيضًا تقطران شهدًا.. أولئك الذين أعطاهم الرب قوات وعجائب، وائتمنهم على عطاياه.. يأتى الشخص إلى واحد من هؤلاء القديسين، ويسأله قائلًا: قل إننى سأنجح، قل إن الله سيعطينى ابنًا.. قل إن مشكلتى ستحل.. فإن قال تمتلأ النفس فرحًا بالرجاء، متيقنة أنها ستأخذ.. إنها كلمات تسعد سامعها، من شفاه تقطر شهدًا.. حنة-و هى صائمة – تصلى في الهيكل بحرارة وانسكاب ودموع، تطلب نسلًا.. فظنها عالى الكاهن سكرى، وكلمها كلامًا قاسيًا، فلما شرحت له حالها، دعا لها أن يعطيها الله سؤل قلبها.. فمضت من عنده فرحة.. لقد أسعدتها الكلمة الطيبة، كلمة الدعاء من الكاهن العظيم، الذي عادت شفتاه تقطران شهدًا.. الكلمة التي تقطر شهدًا، كلمة باقية خالدة. لا تنسى.. تمتد جذورها في أعماق القلب، وفي أعماق النفس من الداخل، يسترجعها الإنسان بين الحين والآخر، لا ينساها. إنها تعمر قلبه، وترسخ في ذاكرته، إنها كلمة حية، غير عادية باقية.. من الكلمات التي تقطر شهدًا أيضًا: كلمات التشجيع والمديح. صغار النفوس، والضعفاء، والمبتدئون، والاطفال يحتاجون إلى كلمة تشجيع، تقوى معنوياتهم، وتطمئن نفوسهم، وتدفعهم إلى قدام.. إن سمعوها من إنسان ، يقولون "شفتاك يا عروس تقطران شهدًا.. " بل صدقونى حتى الكبار أيضًا، تسرهم كلمة التشجيع وكلمة المديح، مادامت صادقة بعيدة عن الملق.. إنها تفعل في النفوس مفعول السحر، وتملأ القلب حبًا ورضى.. لذلك يقول الكتاب "شجعوا صغار النفوس. إسندوا الضعفاء.." (1 تس5: 20) استخدموا هذا الأسلوب باستمرار، وانظروا نتيجته.. ومن الكلمات التي تقطر شهدًا، كلمات الدفاع: تصور إنسانًا كل الناس ضده، يتكلمون عليه، ويتهمونه.. ثم يجدك واقفًا تدافع عنه.. ماذا يكون شعوره نحوك؟ تصور طفلًا يجدك واقفًا تدافع عنه.. ماذا يكون شعوره نحوك؟ تصور طفلًا توبخه أسرته، ثم تحتضنه أنت، وتقول فيه كلمة طيبة، إنه لا ينساها لك، ويقول لك: شفتاك تقطران شهدًا.. السيد المسيح دافع عن المرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها، بينما اتهمها الفريسى. ودافع عن المرأة التي سكبت على قدميه طيبًا غالى الثمن، ولامها التلاميذ، ودافع عن العشارين، وعن السامريين، وعن الأطفال، وعن الأمم.. وفي دفاعه كانت شفتاه تقطران شهدًا.. ومن الكلمات التي تقطر شهدًا: عبارات الشكر وعبارات الاعتذار. إن الشكر دليل على التقدير، والعرفان بالجميل، وعدم نسيان الخير. وقد قال الآباء "ليست موهبة بلا زيادة، إلا التي بلا شكر". ونحن نبدأ صلواتنا بصلاة الشكر. فإن كان هذا مع الله الذي لا يحتاج إلى شكرنا، فكم بالأولى مع الناس. فيما تشكر، شفتاك تقطران شهدًا، وأيضًا فيما تعتذر.. لأن اعتذارك يدل على حرصك على شعور من أسأت إليه، ورغبتك في أن تطيب قلبه. ونحن بعد صلاة الشكر، نتلو المزمور الخمسين، وكله أعتذار.. ليتك تجرب الإعتذار إلى كل من أسأت إليه، وحينئذ شفتاك تقطران شهدًا، أمامه وأمام الله. ومن الكلمات التي تقطر شهدًا، عبارات التقدير والاحترام. تكلم مع الكل باحترام، تنل محبة الكل. يرون كلامك كالشهد. تكلم باحترام مع الكبار ومع الصغار أيضًا. وقل كلمات تقدير لكل من هو أكبر منك سنًا ومقامًا، وأكثر منك علمًا، كما توقر أباءك الروحيين والجسدانيين، وكل من يقدم خدمة لك ولغيرك. بل إن عبارة احترام تقولها لمن هو أقل منك، تستعبد بها قلبه لك. إن الشفاه العفة الألفاظ، التي تحترم الناس، تفيض شهدًا. هذا الاحترام والتوقير نردده لله في صلوات التسبيح والتمجيد، تسمعها الملائكة فتقول: شفتاك يا عروس تقطران شهدًا. ماذا أقول أيضًا عن الكلمات التي تقطر شهدًا. إن منها: كلمات الحب التي تدل على عاطفة صادقة، وكلمات الترحيب التي تدل على فرحك بلقاء غيرك، وكلمات النزاهة والشجاعة، وكلمات الصدق في أحرج الأوقات، وكلمات الحكمة المملوءة عمقًا، وكلمات الاتضاع المملوءة حياء.. كلها تصدر من شفاه تقطر شهدًا.. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
صورة لأم النور | شفتاك يا عروس تقطران شهداً |
هب ليّ ألا أطلب طعامًا شهيًا |
شفتاك تقطران دسمًا |
كيف تحمى شفتاك من التشقق |
فتبسم شفتاك |