رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القرن الصغير: "ومن واحد منها خرج قرن صغير جدًا، نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الأراضي. وتعظم حتى إلى جند السموات، وطرح بعضًا من الجند والنجوم إلى الأرض وداسهم. وحتى إلى رئيس الجند تعظم، وبه أُبطلت المُحرقة الدائمة، وهُدم مسكن مقدسه. وجعل جند على المُحرقة الدائمة بالمعصية، فطرح الحق على الأرض وفعل ونجح. فسمعت قدوسًا واحدًا يتكلم، فقال قدوس واحد لفُلان المُتكلِّم: إلى متى الرؤيا من جهة المُحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدوس والجند مدوسين. فقال ليّ: إلى ألفين وثلاث مائة صباح ومساء فيتبرأ القُدس" [9-14]. ما هو هذا القرن الصغير إلاَّ دجال العهد القديم أنطيخوس أبيفانس، والذي يرمز أيضًا إلى ضد المسيح في أواخر الدهور. دُعي بالقرن الصغير ليس بمقارنته ببقية الملوك في عهده، وإنما لأنه لم يكن أحد يتوقع أنه يتولى الحكم بعد والده، لكنه استولى على الحكم بخبثه ودهائه. ملك أبيفانس على سوريا (مملكة الشمال للإمبراطورية اليونانية) وكان ذلك حوالي سنة 175 ق.م. تحدث عنه دانيال النبي بأكثر تفصيل في (دا 11: 21-35). دُعي أدنس إنسان في العهد القديم، اضطهد اليهود. التقى بعد وفاة أخيه بالشعب، وتظاهر باللطف الشديد وخدعهم، فأقاموه ملكًا، وذبح خنزيرًا ورش دمه على المذبح والأواني المقدسة، ومنع تقديم الذبائح اليومية [11]، وإلاَّ تعرضوا للقتل. * قام أنطيخوس المدعو أبيفانس من خط الإسكندر، وإذ ملك على سوريا، وأخضع مصر تحت سلطانه صعد إلى أورشليم، ودخل الهيكل، واستولى على كل كنوز بيت الرب، والمنارة الذهبية والمائدة والمذبح وصنع مذبحة عظيمة في الأرض، كما كُتب: "يُداس المقدس بالأقدام إلى ألفٍ وثلاثمائة صباح ومساء". لقد حدث أن المقدس بقي خرابًا كل هذه المدة - ثلاث سنوات ونصف - فتمت الألف وثلاثمائة يومًا. عندئذ ظهر يهوذا المكابي بعد موت والده متياس وقاومه وحطم معسكر أنطوخيوس، وخلص المدينة وطهر المقدس وأصلحه بدقة حسبما ورد في الشريعة. لقد وُصف هذا بوضوح في سفريّ المكابيِّين. القديس هيبوليتس الروماني "خرج نحو الجنوب" [9]، أي نحو مصر، فقد أراد الاستيلاء على مصر، لكن مجلس الشيوخ Senate أرسل إليه بومبيليوس Pompilius لكي يترك مصر، وبطريقته المملوءة خداعًا طلب من الرسول مهلة لكي يترك مصر، أما الرسول إذ كان ممسكًا بعصا صنع دائرة على الأرض حوله وقال: "قبل أن تخرج من هذه الدائرة تعطيني إجابة ولا تخدعني بالقول أنك تطلب مشورة المشيرين"، واضطر إلى ترك مصر. لكنه فيما بعد دخل في حرب ضد بطليموس فيلوباتير ملك مصر.اتجه نحو الشرق [9]، إذ امتدت مملكته حتى بتولمايس Ptolemais، وقد حارب الثائرين ضده في فارس. ثم إلى "فخر الأراضي" [9]، أي الأراضي المجيدة، أو أرض الموعد "كنعان". وكما جاء في إرميا "وأعطيكِ أرضًا شهية ميراث مجد أمجاد الأمم" (إر 3: 19)؛ "وأعطيتهم هذه الأرض التي حلفتُ لآبائهم أن أُعطيهم إياها أرض تفيض لبنًا وعسلًا" (إر 31: 22). دُعيَت فخر الأراضي أيضًا لوجود هيكل الرب المجيد في يهوذا، وقد حارب أنطيوخس اليهود ودنس هيكلهم. يتعظم أنطيخوس (أو ضد المسيح) حتى على جند السماء ويطرح بعضًا من الجند والنجوم إلى الأرض [10]. هكذا يُعلن الله لنبيِّه دانيال عن كنيسته أنها سماء، وأن المؤمنين هم جند المسيح وكواكبها. وكما قاوم أنطيخوس المؤمنين -كنيسة العهد القديم- وقتل كثيرين، هكذا سيبذل ضد المسيح كل جهده ليُحطم كواكب العهد الجديد. لهذا يقول السيِّد المسيح عن مجيئه الأخير: "متى جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض؟!" كما يقول عن ضد المسيح: "إن أمكن أن يضل حتى المختارين". لا يقف الأمر عند كواكب السماء أو جنودها، بل يتعظم العدو على رئيس الجند [11]، أي رئيس الكهنة اليهودي الذي اضطهده أنطيوخس أبيفانس. ويرى القديس جيروم أنه يقصد برئيس الجند الله نفسه رب الجنود، فقد وقف أنطيوخس ضده، ولم يترك جزءً من الهيكل مقدسًا لعبادة الله الحيّ، بل دنّس كل الهيكل وملحقاته. وإذ منع تقديم المحرقة الدائمة endelekhismos، صار هيكل الرب كأنه غير قائم. يقول القديس جيروم أن أنطيوخس فعل هذا ليس بسبب شجاعته وإنما بسبب خطايا الشعب. هذا كله يحمل رمزًا لما سيفعله ضد المسيح الذي يُقيم نفسه إلهًا. ولا يقف الأمر عند مقاومة عبادة الله، وإنما يمتد إلى إفساد التعاليم الإلهية، إذ يقول عنه أنه "طرح الحق على الأرض" [12]. هكذا تربط الرؤيا بين العبادة والتعليم السليم. من جانب آخر فإن عدو الخير يستطيع أن يطرح الحق على الأرض، لكنه لا يقدر أن ينتزعه عن السماء. وكأن من يحيا في السماويات يحمل بجوار العبادة الروحية الحق ذاته فيه. إذ ارتفع قلب دانيال إلى السماء رأى ملاكًا (قدوسًا) يسأل ملاكًا آخر، وإن كان البعض يرون أنه يسأل كلمة الله: "إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة...؟" فالملائكة لا يعرفون كل الأسرار (أف 3: 10)، لكن في حبهم للبشرية واشتياقهم إلى كمال مجدهم يتساءلون عما يخص الكنيسة، ولعلهم خشوا أن تطول مدة الضيقة فيفقد المؤمنون إيمانهم وأكاليلهم. اختلف الدارسون في أمر هذا القرن الصغير: أ. يرى البعض أنه هو بعينه القرن الصغير الوارد في الأصحاح 7. ب. آخرون يميِّزون بين الاثنين، فيرون أن القرن الصغير الوارد في الأصحاح 7 يُشير إلى ضد المسيح، بينما المذكور هنا يُشير إلى أنطيوخس أبيفانيس الذي اعتبره البعض "ضد المسيح" لفترة العهد القديم. ج. هناك رأي يوفق بين الرأيِّين السابقين وهو أن ما ورد هنا في الأصحاح الثامن يُشير إلى أنطيوخس الذي بدوره يُشير إلى ضد المسيح، وكأن ما ورد في الأصحاح السابع يُشير إلى ضد المسيح بصورة مباشرة، أما هذا الأصحاح فهو يُشير إليه بطريقة غير مباشرة. أما عن المدة الخاصة بتبرئة القدس أو تطهيره، وهي 2300 صباحًا ومساءً؛ لئلا تُفهم على أن اليوم هنا رمز لسنة يقول: "صباحًا ومساءً"، فيعني 2300 يومًا حقيقيًا. يرى القديس جيروم أنها تعادل 6 سنوات وثلاثة شهور، وهي تمثل المدة من بدء مقاومة أنطيوخس للعبادة حتى انتصر يهوذا المكابي عليه. بينما يرى القديس هيبوليتس الروماني أن 2300 صباحًا ومساءً تعني 1150 يومًا (2300÷2)، حيث مُنعت الذبيحتان اليوميتان (الصباحية والمسائية) أثناء الاضطهاد، وهي تُعادل حوالي ثلاث سنوات ونصف، حيث طهر يهوذا المكابي الهيكل بعد تدنيسه بواسطة أنطيوخس. كثير من المفسرين يرون أن 2300 صباحًا ومساءً تؤكد أنها أيام حقيقية، وهي تعادل 6 سنوات و4 شهور و20 يومًا نبويًا حيث أن السنة في الكتاب المقدس تعادل 360 يومًا نبويًا، والشهر 30 يومًا. هذه هي المدة الفعلية التي تبدأ من 5 أغسطس 71 ق.م، أي من بدء معصية الخراب، حيث تعين ياسون رئيس كهنة بالدسائس، وتعهد الملك بأن يدفع له 260 وزنة فضة إذا صرح له بإنشاء محل لتعليم شبان اليهود عادات الوثنيِّين وتسميتهم بالأنطيوخيِّين، فأذن له بذلك. وبالفعل أدخل عادات الوثنيِّين بين قومه وتزيوا بزيِّهم، ولبسوا قبعاتهم، فازدرى الكهنة بهيكل الله وذبائحه، وانشغلوا بالألعاب اليونانية، وفضلوها على كل شيء. وكما جاء في سفر المكابيِّين: "وفي تلك الأيام خرج من إسرائيل أبناء لا خير فيهم، فأغروا الكثيرين بقولهم: هلمُّوا نعقد عهدًا مع الأمم التي حولنا، فإننا منذ انفصلنا عنهم لحقنا شرور كثيرة؛ فحسن الكلام في عيونهم... وارتدّوا عن العهد المقدس، واقترنوا بالأمم، وباعوا أنفسهم لعمل الشرّ" (1 مك 1: 11-15). فإذا حُسبت نبوة دانيال من هذه الحادثة حتى إعادة العبادة إلى أصلها وتطهير المقدس في 25 ديسمبر 165 تكون المدة 2300 يومًا تمامًا. بمعنى آخر ما ورد هنا تشمل المدة التي حلّت فيها كل الكوارث على الهيكل في أيام أنطيوخس إبيفانُس من أول معصية الخراب إلى انتهاء مدة أبطال المحرقة الدائمة، حيث خلّص يهوذا المكابي اليهود من أنطيوخس. أما الأحداث المؤلمة التي تعرضت لها أورشليم في ذلك الحين فهي: أ. تعيين ياسون رئيسًا للكهنة واشتراكه مع أنطيوخس في الرجاسات الوثنية. ب. هجوم أنطيوخس على أورشليم ودخوله الهيكل ونهبه نفائس وتقديم خنزير على المذبح (1 مل 1: 20-28). ج. بعد سنتين إذ شاع خطأ خبر موته فتهلل اليهود، أرسل إليهم أبولونيس أحد قواده، فنكَّل بالمدينة ثم أحرقها ودكَّ أسوارها وبنى بأطلالها قلعة منيعة على جبل مطل على الهيكل (1 مك 2: 29؛ 2 مك 5: 11-14). د. منع رسميًا تقديم المحرقات والذبائح في الهيكل (1 مك 44: 51) وكان ذلك في شهر يونيو 197 ق.م. بخصوص ما حلّ باليهود على أيدي أنطيوخس إبيفانُس نميِّز بين مدتين رئيسيتين: أ. مدة 2300 يومًا تضم كل الأحداث السابقة، تبدأ بتوليّة ياسون رئيس كهنة وتنتهي بنصرة يهوذا المكابي. ب. مدة 1290 يومًا، أو حوالي ثلاث سنوات ونصف تبدأ بإزالة المحرقة الدائمة وإقامة تمثال جوبتر في الهيكل وتدنيس المقدس بعد استيلاء أنطيوخس على أورشليم بواسطة قائده أبولونيس. |
|