رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الشخصية السوية (3) – التوازن الاثنين 04 اغسطس 2014 القمص داود لمعي راعي كنيسة مارمرقس كليوباترا إن الشخصية السوية هى تلك التى تختار وتنتخب لحياتها طريقاً وسطياً مستقيماً لتسير وتسلك فيه بلا أى إنحراف أو ميل نحو اليمين أو جهة اليسار... لذلك نجد الرهبان والنساك يرفعون وينتهجون الشعار القاتل بأن الطريق الوسطى قد خلصت كثيرين..! وفى مجال التوازنات هذا سنجد صراعاً دائماً، قائماً وحائراً بين أشياء عديدة ومتشبعه.. مثل الصراع المعتاد بين الوقت المتاح أو الزمن والمطلوب عمله وإنجازه فى هذا الوقت، والصراع بين ما يريده الناس وما تريده أنت، وبين الثقد بالنفس والتواضع، وبين قبول المديح وتقبل النقد، وبين حياتك الشخصية الخاصة والحياة الاجتماعيد العامة، وبين ما تظهره للناس وما يكون عليه داخلك أنت. وفى الصراع المزمن بين الزمن وحجم العمل أو البرنامج المزمع إنجازه والمراد تنفيذه يجب عليك الإنتظام والإنضباط وتحديد الأولويات وكمية الوقت المناسب لكل بند من بنود الحياة اليومية. وفى الصراع بين رغبات الآخرين أو ما يريده الناس وما تريده أنت يجب أن يحدث توازناً متعارلاً ومتكافئاً، فلا ترضى نفسك فقط بصفة دائمة على حساب الآخرين لأنك بذلك تصبح شخصية أنانية متطرفة، ولا تتنازل باستمرار لكى ترضى الآخرين على حساب نفسك أو ضميرك أو طاقتك النفسية لأن ذلك سيصيبك بالتوتر والقلق وربما باليأس والانهيار على المدى البعيد.. ومثال ذلك: إذا دخل أب إلى منزله فوجد أولاده يشاهدون برنامجاً أو فيلماً يحبونه فى التليفزيون وهو فى نفس الوقت يريد مشاهدة الأخبار، ماذا يفعل؟ هل يحول مؤشر القنوات إلى قناة الأخبار ضارباً برغبة أولاده عرض الحائط أم يترك أولاده فى كل مرة يشاهدون ما يحبون كما يترأى لهم دون مراعاة لشعوره ورغبته الطبيعية التى يكبتها فيصاب بالضيق والقلق!؟ إن التصرف الأول تشوبه الأنانية والثانى قد يعيبه التدليل وعدم الحكمة. ومن أجل تحقيق التوازن يجب أ، نتبع ما يسمى علمياً بمبدأ الـ: WIN WIN أى إكسب منى واجعلنى أنا أيضاً أكسب منك ومعك.. سأرضيك فإجعلنى أنا أيضاً راضياً بسببك ومعك.. فيمكن لذلك الأب أن يعقد اتفاقاً متوازناً مع أولاده، فيتركهم مثلاً يشاهدون ما يحبون لمدة خمسة عشرة دقيقة وهم يتركون له مشاهدة مايحب فى آخر خمس دقائق أو يمكنه يترك لهم حرية المشاهدة فى يوم ما على أن يكون له حق المشاهدة فى اليوم التالى أو بأى طريقة أخرى تحقق التوازن العادل، ومبدأ "الكسب المتبادل" هذا، لا يتعارض أبداً مع اللمبادئ والوصايا الروحية... فالمسيح يوصينا قائلاً: "من سألك فأعطه" (مت 5: 24)، لكن الوحى الإلهى يقول أيضاً على لسان بولس الرسول: "أن لا يرتئى فوق ما ينبغى أن يرتئى" (رو 12: 3). فكل إنسان به ضعف بشرى، وأمام كل الوصايا والتعاليم التى تطالبه دائماً بالبذل والعطاء والتضحية من أجل الآخرين، هو يحتاج أيضاً فى المقابل إلى من يسانده ضعفه كإنسان ويخفف عنه معاناته ويربت على كتفيه ويحتضنه ليقويه ويعزبه فى تجاربه والآمه وأحزانه... فربنا يسوع الإله الكلى المجد الذى لا يحتاج لأحد ولا ينتظر شيئاً من أحد بل هو الذى يعطى الجميع بسخاء ولا يعير وهو معزى كل النفوس، قد إحتاج كإنسان لبقاء تلاميذه وسهرهم معه وقت ألآمه وأحزانه فطلب منهم ذلك بل عاتبهم أيضاً برقة ومحبة عندما عاد ووجدهم نياماً (مت 26: 38- 41). وفى التوازن بين الثقة بالنفس والتواضع.. غالباً ما يحدث خلطاً بين التواضع وصغر النفس من جهة وبين الكبرياء والثقة بالنفس من جهة أخرى.. أما الشخصية السوية فتجتمع وتنصهر فيها قمة التواضع مع منتهى الثقة بالنفس.. ومثلنا الأعلى فى هذا هو يسوع المسيح له كل المجد. ويحضرنى هنا ما قيل عن العالم الكبير "لويس باستير".. ففى أثناء دخوله إلى الحفل الكبير وإعتلائه منصبة القاعة لإستلاء جائزة نوبل فى الكيمياء، وكان متقدماً فى السن منحنى الرأس يستند على أحد تلاميذه، وقف جميع العلماء والشخصيات العالمية المرموقة وكل الحضور من الصفوة وإنهالوا فى عاصفة من التصفيق المتواصل له... أما هو فمال إلى تلميذه قائلاً: "يبدو أن رئيس الدولة أو أحد الوزراء الكبار قد حضر الآن".. فالإنسان السوى هو من يعرف أن ما يملكه من قدرات ومواهب هو عطية ونعمة من الله، وأ، الله له كل المجد يستخدمه ويعمل به من خلالها، وفى هذا مدعاة لسروره وثقته بنفسه وسعيه الدائم والجاد للتعبير عنها بقوة.. لكنه يدرك أيضاً فى نفس الوقت أنه إنسان ضعيف ولا يساوى شيئاً بدون نعمة ربه وعمل قوته، وفى هذا مدعاة لتباسطه وإتضاع نفسه. أما عن الصراع القائم بين صورة الإنسان الخارجية التى يظهر بها أمام الناس وبين ما بداخله من حقيقة لا يعلمها إلا الله وحده، تأتى حتمية التوازن وأهمية التصالح بين الظاهر والباطن من أجل بناء شخصية سوية ومعتدلة، لا تتصنع ولا تتجمل..!! داخلها الحقيقى نقى وحلو فينضح حلاوة عليها من الخارج. فإحرص إذا أن يكون قلبك أنت طاهراً نقياً وكنزاً ممتلئاً بالنور والمحبة والصلاح. "طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله" (مت 5: 8). " فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم. الإنسان الصالح من الكنز الصالح فى القلب يخرج الصالحات، والإنسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور" (مت12: 34- 35). أما الشخصية الغير سوية فداخلها يتصارع فى عداء مستمر مع خارجها.. لذلك تجد صاحبها قلقاً ومتعباً، غير مستريح البال ولا مستقر النفس، يتصنع ويتجمل متكلفاً لجذب الأنظار إليه لأنه يهتم بإنطباعات الناس ورأيهم فيه أكثر من إهتمامه بحقيقة نفسه وقلبه أمام الله..!! يحكى عن راهب ناسك، فى أحد الأديرة البعيدة، كان الناس يأتون إليه لنوال البركة.. أنه فى ذات مرة كان الراهب يخلد إلى النوم من فرط التعب والاجهاد وسمع تلميذه يعتذر للزائرين الواقفين ببابه بأن أبيه منشغل بالصلاة وصرفهم فمضوا لأن ذلك التلميذ إستنكر فى نفسه أن يقول عن أبيه الناسك أنه نائم.. فاستدعى الراهب هذا التلميذ ووبخه برفق ناصحاً إياه بأن يبلغ الناس بالحقيقة مهما كانت.. فيقول: هو نائمزز إن كان نائماً، أو هو يأكل.. إن كان يأكل، أو هو يصلى.. إن كان يصلى ليعلمه ويعلمنا جميعاً درساً مهماً وجميلاً وهو ألا نهتم كثيراً برأى الآخرين فينا بل بصورتنا الحقيقية أمام الله. وفى التناقض الغريب والشهير فى بلادنا بين الكلام والأفعال، يجب أن يكون هناك توازناً بين ما تقول وما تعمل.. فالشخصية الغير سوية تتكلم كثيراً، بل يمكنها أن تتحدث بطلاقة عن التدين والوصايا والمبادئ والمثل والمفروض وغير اللائق، لكن أفعالها وسلوكياتها بعيدة تماماً عما تقول. أما الشخصية السوية... فهى تقول ما تفعل وتفعل ما تقول، إذا نادى صاحبها بالنظام أو بالحق أو بالاتضاع كان هو أول الملتزمين بإتباع النظام وأول الحريصين على اجراء العدل وأول السالكين بالتواضع... لا يطالب الآخرين بالصلاة أو الصوم أو العطاء أو محبة الناس إلا إذا كان هو نفسه قدوة حسنة لهم ويمارس هذه الفضائل بكل أمانة وصدق.. ذلك لأن فاقد الشئ لا يعطيه!! والشخصية السوية هى التى تتوازن فيما بين المديح والنقد.. لا تسر ولا تنتفخ بالإطراء والمديح فتتشامخ وتتفاخر كبرياءً وغروراً، ةلا تهتز ولا تضطرب بالهجاء والنقد فتنهار خوفاً وصغراً ويأساً..!! بل هى تقبل المديح بتواضع وشكر ومحبة وتنسب النجاح دوماً إلى الله وعمل نعمته.. وهى أيضاً تتقبل النقد بسعة صدر وفهم وحكمة لكى تتعلم من أخطائها. والشخصية السوية هى التى تتوازن أيضاً بين الوعود والالتزامات.. فالإنسان السوى لا يتكلم كثيراً ولا يصدر وعوداً كبيرة لا يستطيع الإلتزام بعملها وتحقيقها أو ينوى عدم تنفيذها، لكنك تجد كلامه ثابت وصريح وصادق فيعد فقط بما يمكن أن يلتزم به. والشخصية السوية هى التى تتوازن أيضاً بين الحياة الاجتماعية العامة والحياة الشخصية الخاصة.. فالإنسان السوى يستطيع أن يندمج وأن يتفاعل مع الناس فى علاقات اجتماعية ناجحة، لكنه يدرك تماماً التوقيت المناسب الذى يجب أن ينعزل فيه عنهم للإختلاء بذاته وخاصته أو الاستغراق فى التأمل والصلاة والحديث إلى به..! أما الإنسان الذى يقضى كل أوقات حياته وسط عامة الناس والمجتمع دون القدرة على الإختلاء أو الإنفراد الخاص بنفسه، هو غير سوى.. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
التوازن بين الخدمة للرب والشركة الشخصية مع الرب |
سمات الشخصية السوية |
10 نصائح تساعدك على إيجاد التوازن بين حياتك الشخصية وحياتك المهنية |
الشخصية السوية (الإرادة) (10) |
الشخصية السوية (5) الإحتياجات |