رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نظرية اللاهوت العربي المزعومة 1 – نظرية اللاهوت العربي المزعومة: قدم الدكتور يوسف زيدان شخصيات الهراطقة المسيحيين، خاصة آريوس ونسطور بفكر إسلامي أكثر منه مسيحي، فقد صورهم كمسلمين قبل الإسلام!! وبرغم إنكاره لذلك إلا أن تحويره بل وتحريفه لأفكارهم وضعهم في هذه الصورة. ولكن أغرب ما سمعت، في حياتي، كدارس للاهوت، أن هناك ما يسمى باللاهوت العربي، وأن هذا اللاهوت العربي يرفض الإيمان، أو لا يقبل الإيمان بلاهوت المسيح!! فيقول الدكتور يوسف زيدان ردا على السؤال التالي في جريدة المصري اليوم: "لكن يري البعض أن الرواية قدمت التاريخ القبطي برؤية إسلامية، ما ردك؟": هذا ليس صحيحًا فرواية عزازيل كتبت برؤية مصرية عربية، وأقول لمن اتهمني بذلك لا يوجد شيء اسمه "الفهم الإسلامي"، أو "الفهم اليهودي"، أو "الفهم المسيحي" للوقائع، هناك شيء اسمه الفهم الواعي، أو الفهم المشوش، وقد غاب عمن اتهمني بتبني رؤية إسلامية للطرح في الرواية، حقائق كثيرة تفسرها لهم نظريتي التي عكفت علي وضعها عن "اللاهوت العربي"، ولو قرءوها لأدركوا أن من يعتقدون أنهم كانوا هراطقة وكفارًا من وجهة النظر المسيحية الأرثوذكسية في القرون الأولي للمسيحية، هم في الأساس مفكرون عرب، أو من أصول عربية مثل نسطورس، وقد أسهموا في صياغة الفكر الكنسي لثلاثة قرون سابقة علي الإسلام. + علي أي أساس تقوم نظرية اللاهوت العربي التي تطرحها؟ تتناول النظرية عددًا من المحاور، من بينها أن اللاهوت العربي، مصطلح جديد نقصد به الفكر الكنسي السابق علي ظهور الإسلام، وهو الفكر الذي ساد منطقة الهلال الخصيب وشمال الجزيرة العربية. والنقطة الثانية هي أنه ليس مصادفة أن ينتشر الفكر الموسوم بالهرطقة، من وجهة النظر الأرثوذكسية، في منطقة الشام والعراق تحديدًا، فهناك ظهرت وانتشرت آراء: إبيون، بولس السميساطي، آريوس، نسطور، وكلها اتجاهات تدور حول "ناسوت" المسيح، أي طبيعته البشرية، وهناك أيضًا جزئية تتعلق بطبيعة الفكر العربي، العملي، البرجماتي، التي لم تكن تستسيغ فكرة ألوهية المسيح، ونزول الإله إلي الأرض، ثم صعوده، لأنه فكر لم يتأسس علي قاعدة الاعتقادات اليهودية التي جعلت الإله في الأرض. نجد أنه في مقابل الأرثوذكسية القائلة إن الله والمسيح، وروح القدس، هو "لاهوت واحد"، كانت العقلية العربية تميل إلي رسولية يسوع وإثبات إنسانيته، وقد جاءت الديانة الإسلامية متوافقة مع الرؤى اللاهوتية العربية، المناسبة بطبعها للعقلية العربية، ومنتصرة لها، أضف إلي ذلك أن اللاهوت العربي، لم يكتب ولم يعبر عنه في القرون الأربعة السابقة علي الإسلام باللغة العربية، لأن هذه اللغة لم تكن بعد تطورت بالشكل الكافي للتعبير عن تلك المباحث الدقيقة، ومن ثم فقد صيغ اللاهوت العربي، باللغتين السريانية واليونانية، باعتبارهما "واجهة" الفكر الكنسي قبل ظهور الإسلام، هناك أيضًا ارتباط نشأة علم الكلام بشخصيات مسيحية، مثل "سنسويه" الذي قيل إنه كان قبطيًا، كما استعارت اللغة "الكلامية"، مصطلحات بذاتها من القاموس الكنسي، مثل: "الهو هو"، "وحدة المشيئة"، "التوحيد"، "عين الذات"، والصفات الخارجة عن الذات وغيرها. ولما نطق "علم الكلام" باللغة العربية، بعيدًا عن المجامع المحلية والمسكونية، نظر إليه من الناحية الأرثوذكسية علي أنه لا يخص الديانة المسيحية من قريب أو بعيد، وبالتالي لم يتم وسمه بالهرطقة مثلما كان مع تجلياته السابقة علي الإسلام، التي نطلق عليها مصطلح: الحال اللاهوتي العربي". وقد يتصور البعض أن د. زيدان كاتب إسلامي متطرف، ولكن هذا غير صحيح، فهو أستاذ للفلسفة الإسلامية وكلامه يدل على أنه رجل فلسفة علماني، يأخذ بنظريات الفلاسفة وفلسفاتهم الوضعية ويؤمن بنظرية التطور في الدين ويرى أن علم اللاهوت في المسيحية هو تطوير لما قبله من فلسفات وأديان وأن علم الكلام الإسلامي هو تطوير لما اسماه باللاهوت المسيحي العربي، فقال في مقالته التي قدمها في مؤتمر القبطيات الأخير بالكاتدرائية بالعباسية: "نخرج من ذلك إلى تقرير، بل تأكيد، أن بواكير علم الكلام في صورته الأولى إبان القرن الأول الهجري؛ ظهرت في بيئةٍ (عربية) الثقافة، متحولةِ الديانة من (المسيحية) إلى (الإسلام) مع احتفاظها بثقافتها التي كانت سائدةً ثم راحت تتطوَّر ببطءٍ شأن أي ثقافة، وتتحول تدريجيًا من دنيا المسيحية إلى العالم الإسلامي الذي بسط جناحه السياسي أولًا، ثم غرس عقائده الدينية ثانيًا، وأخيرًا صار مع الأيام (ثقافةً) للمنطقة، بمن فيها من عربٍ مسلمين، وعربٍ تمسَّكوا بالمسيحية بمذاهبها المختلفة، وعربٍ وفدوا من بعيد فتوطنوا وتشرَّبوا شيئًا فشيئًا (أعنى جيلًا بعد جيل) الثقافةَ العربية التي أعطت قبل الإسلام اللاهوتَ العربي، وأعطت مع الإسلام علمَ الكلام". وحاول أن يصور لنا أن سكان سوريا والعراق وفلسطين كانوا عرب قبل الإسلام وخلط بينهم وبين عرب شبه الجزيرة العربية وتصور أن وجود مدرسة الرها والتي تأثر نسطور بفكرها الذي يلح على تمييز الطبيعتين، الإلهية والإنسانية، في شخص المسيح، لدرجة تقترب من الفصل بينهما وتصور لنا مسيحين؛ مسيح إله ومسيح إنسان، هي كل ما كان يؤمن به مسيحيو هذه البلاد، مع أنهم كانوا الأقلية، وتجاهل أو جهل تماما أن الغالبية العظمى من المسيحيين في المنطقة كانوا مع بقية مسيحي أوربا وأفريقيا وجزر البحر المتوسط ضد أراء نسطور ومدرسة الرها، وأن الغالبية العظمى من المسيحيين في بلاد الشرق بل وشبه الجزيرة العربية في بداية القرن السابع الميلادي كانوا من الأرثوذكس والكاثوليك الذين أطلق عليهم وقتها اليعاقبة نسبة للقديس يعقوب أحد الذين دافعوا عن الأرثوذكسية في سوريا، والملكانيين نسبة لإيمانهم بنفس عقيدة الملك، أي الإمبراطور الروماني، وأن غالبية مسيحي اليمن في شبه الجزيرة العربية، والتي انتقلت إليهم المسيحية عن طريق الحبشة، والتي انتقلت إليها المسيحية بدورها من مصر، كانوا أرثوذكس ومنهم جماعة وفد نجران الذين تحاور معهم نبي المسلمين وعرف منهم أنهم يؤمنون بأن المسيح هو ابن الله والله الظاهر في الجسد ورد عليهم بالقول: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ.." (المائدة: 72)، "لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ.." (المائدة: 73). كما كان سكان البادية العربية، والتي دخلت إليهم المسيحية عن طريق الأردن والشام، أما أرثوذكس أو كاثوليك. ولم يكن للفكر النسطوريأي وجود في تلك البلاد قبل مجمع خلقيدونية، بل كان الفكر النسطوريموجودًا فقط في الرها والتي لم يكن كل أهلها من النساطرة بل كان بها عدد كبير من الكاثوليك، الذين عرفوا بالروم، والأرثوذكس الذين عرفوا باليعاقبة! ويقول د جواد على في كتابه المفصل في تاريخ العرب: "ولكن الأسقف نونوس (أسقف النساطرة) كان أسقفًا واحدًا من عدد عديد من رجال الدين الرسميين الذين يمثلون كنيسة الروم"[73]، ثم دخلوا تحت حماية ملك فارس الشاهنشاه (ملك الملوك) ومن فارس تسربوا إلى الحيرة، ولم يكن كل أهل الحيرة أيضًا من النساطرة، بل كما يقول د جواد علي: "فأنا لا اقصد بقولي هذا أن أهل الحيرة كانوا جميعًا على هذا المذهب، أو أنهم كانوا كلهم نصارى فقد كان جل أهل الحيرة على دين أكثر ملوكهم، أي على الوثنية... وبينهم قوم كانوا على مذهب القائلين بالطبيعة الواحد، أي مذهب اليعاقبة"[74]. ثم يقول: "أما اليعاقبة فقد أنتشر مذهبهم بين عرب بلاد الشام والبادية، وقد اصطدم هذا المذهب بالكنيسة الرسمية للبيزنطيين... واليعاقبة هم مذهب من مذاهب الكنيسة الشرقية". ويضيف أنه كان لهذه الطائفة أسقفيتان في بلاد العرب "أسقفية عرفت بأسقفية العرب، وأسقفية التغلبيين... وهي موضع الكوفة، أما كرسي أسقفية العرب فكان في الحيرة". ويضيف: "وقد دخل أكثر الغساسنة في هذا المذهب"[75]. وباختصار فلم يكن جميع أهل الشام أو شبه الجزيرة العربية من النساطرة، بل كان النساطرة يمثلون الأقلية وكانت الغالبية من الروم أي الكاثوليك واليعاقبة أي الأرثوذكس!! كما تجاهل د. زيدان، تماما، بقية المسيحيين في سوريا وما بين النهرين، بما فيها اليهودية وفلسطين، وأوربا (من بيزنطا (تركيا الآن) إلى بريطانيا في المحيط الأطلنطي) وشمال أفريقيا (القيروان وقرطاجنة، حاليًا، المغرب والجزائر وتونس) وليبيا (التي جاء منها آريوس) والتي كان بها جالية يهودية ضخمة تحول معظمها إلى المسيحية، ومصر وجزر البحر المتوسط (مثل قبرص وكريت وصقلية وسردينيا.. الخ)، وكانوا جميعهم يؤمنون بلاهوت المسيح وكونه الإله المتجسد كما تسلموا ذلك من تلاميذ المسيح ورسله، وكان عددهم يزيد على 6.. رسول (12 تلميذًا + 70 رسولا + أكثر من 5.. أخ الذين ظهر لهم المسيح بعد قيامته دفعة واحدة)، والذين تسلموه بدورهم من المسيح نفسه، وكان هؤلاء التلاميذ والرسل من الجليل والناصرة واليهودية وليس من روما أو الإسكندرية أو القسطنطينية، كما كانوا من أصل يهودي وليس وثني!! وهو نفس إيمان كنيسة الإسكندرية، التي كرز بها القديس مرقص الليبي الأصل اليهودي الديانة المسيحي الإيمان، وإيمان القديس كيرلس وهذا ضد هرطقة نسطور!! أي أن نسبة الذين كانوا يؤمنون بنفس إيمان كنيسة الإسكندرية والقديس كيرلس وضد هرطقة نسطور أكثر من 99 إلى 1 %، ولم يمثل النساطرة أكثر من 1 % بأي حال من الأحوال. بل ولم يؤيد أحد من رجال الدين فكر نسطور ولا حتى الأساقفة الذين كانوا خاضعين له كبطريرك لأنه خالف الإنجيل والتسليم الرسولي. وهنا نقول للدكتور يوسف زيدان: أنت ألغيت دور الوحي والإعلان الإلهي تمامًا وتقدم لنا الأديان برؤيتك الخاصة وهي، الأديان، في رؤيتك؛ مجرد فلسفات تتفق مع هوى ومزاج كل شعب على حده! فالمسيحية لها شكل عند الإنسان العربي وأشكال أخرى عند غير العرب، والإسلام جاء مناسبًا للعقلية العربية فقط، فهل هو دين للعرب فقط؟ وهل يقبل ذلك علماء المسلمين؟ أن الدين عندك مجرد فلسفة تعبر عن فكر كل جماعة بشرية بطريقتهم، ومن ثم فلا وجود لله ولا لإعلان الوحي الإلهي!! فقط فلسفات ترضي أهواء وأمزجة البشر!! |
|