رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يسوع يكشف هويته بغفران خطايا مُقعَد وشفائه في كفرناحوم
الاحد السابع للسنة (مرقس 2: 1-12) النص الإنجيلي مرقس (2: 1-12) 1 وعادَ بَعدَ بِضعَةِ أَيَّامٍ إِلى كَفَرناحوم، فسَمِعَ النَّاسُ أَنَّهُ في البَيت. 2 فاجتَمَعَ مِنهُم عَدَدٌ كثير، ولَم يَبقَ موضِعٌ خالِياً حتَّى عِندَ الباب، فأَلقى إِلَيهِم كلِمةَ الله، 3 فأَتَوه بمُقعَدٍ يَحمِلُه أَربَعَةُ رِجال. 4 فلَم يَستَطيعوا الوُصولَ بِه إِليه لِكَثرَةِ الزِّحام. فَنَبشوا عنِ السَّقفِ فَوقَ المَكانِ الَّذي هو فيه، ونَقَبوه. ثُمَّ دَلَّوا الفِراشَ الَّذي كانَ عليه المُقعَد. 5 فلَمَّا رأَى يسوعُ إِيمانَهم، قالَ لِلمُقعَد (يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك)). 6 وكانَ بينَ الحاضِرينَ هُناكَ بَعضُ الكَتَبَة، فقالوا في قُلوِبهم: 7 ((ما بالُ هذا الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بِذلك؟ إِنَّه لَيُجَدِّف. فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه؟)) 8 فَعَلِمَ يسوعُ عِندَئِذٍ في سِرِّهِ أَنَّهم يقولونَ ذلك في أَنفُسِهم، فسأَلَهم: ((لماذا تقولونَ هذا في قُلوبِكم؟ 9 فأَيُّما أَيسَر؟ أَن يُقالَ لِلمُقعَد: غُفِرَت لكَ خَطاياك، أَم أَن يُقال: قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وَامشِ؟ 10 فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ابنَ الإِنسانِ له سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض))، ثُمَّ قالَ لِلمُقعَد: 11 ((أَقولُ لكَ: قُمْ فَاحمِلْ فِراشَكَ وَاذهَبْ إِلى بيتِكَ)). 12 فقامَ فحَمَلَ فِراشَه لِوَقتِه، وخَرَجَ بِمَرْأًى مِن جَميعِ النَّاس، حتَّى دَهِشوا جَميعاً ومَجَّدوا اللهَ وقالوا: ((ما رَأَينا مِثلَ هذا قَطّ)). مقدمة يُقدِّم إنجيل مرقس اول خمسة جدالات يصف فيها مقاومة الكتبة والفريسيين التصاعدية لرسالة يسوع وهويته؛ وتدور هذه الجدالات حول مغفرة خطايا الرجل المُعَقد (مرقس 2: 1-12)، واستقبال العشّارين والخطأة وتناول الطعام معهم (مرقس 2: 13 -17)، وحول الصّوم (مرقس 2: 18 -22)، ويوم السبت (مرقس 2: 23 -28؛ 3/ 1 -6). فمن خلال المجادلة الأولى، يُظهر يسوع حقيقة هويّتهالكرستولوجية وصحّة تعليمه ومصدره الإلهيّ؛ انه صاحب سلطان غفران الخطايا تجاه المقعد وتجاه الكتبة وتجاهنا نحن الخطأة. فالأهم في رسالة يسوع، هو علاقة الإنسان مع الله. ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع النص الانجيلي وتطبيقاته. أولاً: وقائع النص الانجيلي (مرقس 2: 1--12) 1 وعادَ بَعدَ بِضعَةِ أَيَّامٍ إِلى كَفَرناحوم، فسَمِعَ النَّاسُ أَنَّهُ في البَيت تشير عبارة " وعادَ بَعدَ بِضعَةِ أَيَّامٍ " في الأصل باليوناني εἰσελθὼν πάλιν (معناها دخل من جديد) الى عودة يسوع الى كفرناحوم بعد خروجه إلى القرى المجاورة كي يكرز في مجامعهم ويطرد الشياطين. وبعدما شفى الأبرص (مرقس 1: 40-45) وتابع عمله في أماكن عديدة، ها هو يعود إلى كفرناحوم. أمَّا عبارة "كَفَرناحوم" فتشير الى مدينة يسوع التي اختارها مركزا له طيلة مدة ة تبشيره في الجليل (متى 9: 1)، خاصة في بداية حياته العلنية. وعلَم في مجمعها، ودفع فيها الجزية (متى 17: 24-27)، ويُعلق العلامة أوغسطينوس "أن كفرناحوم أشبه بعاصمة الجليل، وقد حسب السيد المسيح الجليل ككل مدينته أو وطنه الخاص". فكانت كفرناحوم المدينة الأولى، التي يُظهرُ فيها يسوعُ قدرتَه، في التعليم وفي طرد الأرواح النّجسة، وفي شفاء المرضى، وذلك في برنامج أوّل يوم سبت (مرقس 1: 21-34). كانت كفرناحوم مدينة كثيفة السكان وغنيَّة بسبب صيد السمك والتجارة فيها، وكان بها حامية رومانية لحفظ السلام والنظام في المنطقة. إن ما فعله يسوع في الماضي، يفعله اليوم في كل مدينة تقيم فيها الجماعة المسيحية. أمَّا عبارة "فسَمِعَ النَّاسُ " فتشير الى دخول يسوع المدينة سرًّا، وخروجه منها (مرقس 1: 35) لئلا يزدحم الناس عليه كما تدل الآية السابقة "لا يَستَطيعُ يسوع أَن يَدخُلَ مَدينةً عَلانِيَةً، بل كانَ يُقيمُ في ظاهِرِها في أَماكِنَ مُقفِرَة، والنَّاسُ يَأتونَه مِن كُلِّ مَكان (مرقس 1: 45). أمَّا عبارة " البَيت " فتشير الى "بَيتِ سِمعانَ وأَندَراوس"، حيث يجد يسوع نفسه في بيته وهناك شفى يسوع حماة بطرس، هو البيت الوحيد المذكور سابقًا في كفرناحوم (مرقس 1: 29). وصار هذا البيت بمثابة مركز ليسوع في أثناء اقامته في الجليل (مرقس 2: 1، 3: 19و9: 33). ثم أصبح بيت – كنيسة، Domus Ecclesia موضع اجتماع المسيحيين الاولين (1 قورنتس 11: 34)، في ايامنا الحاضرة تحوّل هذا البيت الى كنيسة عظيمة على شكل قارب. ولكن مفهوم "البيت " اتخذ في الجماعة المسيحية الأولى دلالة كنسيّة حيث كانت الكنيسة تجتمع في البيت لتأمّل الكلمة ولكسر الخبز. ويُعلق القديس أمبروسيوس " لفظة البيت يمكن ان نفهمها على انها " بيت الكنيسة" او "بيتنا الباطني "حين نتكلم في داخلنا." (شرحه في سفر المزامير 36: 65-66). 2فاجتمع مِنهُم عَدَدٌ كثير، ولَم يَبقَ موضِعٌ خالِياً حتَّى عِندَ الباب، فأَلقى إِلَيهِم كلِمةَ الله تشير عبارة "عَدَدٌ كثير" إلى تحديد أشخاص كثيرين، في حين متى الإنجيلي لا يحُدِّد العدد بل يقول "فإِذا أُناسٌ يَأتونَه"(متى 9: 2). أمَّا لوقا فيذكر ان "بَينَ الحاضِرينَ بَعضُ الفِرِّيسيينَ ومُعَلِّمي الشَّريعة أَتَوا مِن جَميعِ قُرى الـجَليلِ واليَهوديَّةِ ومِن أُورَشَليم" (لوقا 5: 17). وسبق واجتمعت الجماهير حول يسوع (مرقس 1: 32-34). وفي الآيات اللاحقة نجد أيضا تحلّق الشعب حوله (مرقس 3: 20) حيث يدل هذا المشهد الجماهيري على مدى شهرة يسوع المتنامية.أمَّا عبارة "أَلقى إِلَيهِم" في الأصل باليوناني ἐλάλει αὐτοῖς (معناها يخاطبهم) فتشير الى مخاطبة يسوع الى الجمهور المُحتشد في بيت بطرس وعند باب بيته. فالمناداة بكلمة الرب ليست بالضرورة ان تكون محصورة في المجامع والكنائس وفي يوم الرب، بل يجب أن نغتنم كل فرصة مناسبة لذلك اقتداء بالمسيح الذي يبشِّر في البيت وعلى الجبل وفي البرِّية وفي السفينة او عند بير يعقوب. وأمَّا عبارة " كلِمةَ الله " في الأصل اليوناني λόγον (معناها الكلمة) فتشير إلى البشرى السارة التي حملها يسوع الى البشر، وهي جوهر رسالة يسوع (مرقس 4: 14 و33)، إنّها الكلمة التي تعلّم وتشفي وتطرد الأرواح النجسة وتغفر (مرقس 2: 2). "المخاطبة بالكلمة" تبدو وكأنّها عبارة من التقليد، وتعني البشارة المسيحيّة، وما الوعظ او الكرازة المسيحية الاّ امتداد لتعليم وعمل يسوع في الكنيسة كما ورد في سفر اعمال الرسل "فأَخَذوا يُعلِنونَ كلِمَةَ اللهِ بِجُرأة. (اعمال الرسل 4: 29)؛ وكانت الكنيسة الأولى تستعمل عبارة "كلمة الله " للدلالة على رسالة المسيح. 3 فأَتَوه بمُقعَدٍ يَحمِلُه أَربَعَةُ رِجال تشير لفظة "مُقعَد" في الأصل اليوناني παραλυτικός (معناها كسيح) الى رجل عاجز عن المشي، قد يكون كسيحا او مُخلَّعا او مفلوجا، غير قادر على الحركة وأخذ المبادرة، والتحكّم بمكان وجوده؛ ومن اسبابه السكتة الدماغية وهو أنواع منها الشلل النصفي وهو المشهور، وكذلك الشلل الرباعي ومن اعراضه ايضا صعوبة الكلام. فهو الرجل الّذي انغلق وجوده بأسره على فراشه لا يغادره، وعلى صدقة يطلبها، متعلّق كليّاً بحسنة الآخرين ومساعدتهم في رفعه ونقله. قد كان هذا المقعد ربما في حجر صحي. أمَّا عبارة " يَحمِلُه " فتشير الى حاجة المُقعَد للآخرين ليأتوا به الى يسوع. هذا هو مفهوم الشفاعة؛ والشفاعة والصلاة والتضرعات من أجل الآخرين مقبولة عند الله ومستجابة لديه. ولم يذكر عدد الحملة سوى انجيل مرقس، وامَّا انجيل متى (9: 1-8) ولوقا (5: 17-26) فيذكران انَّهم كانوا يحملونه على فراش، وهذا يدل على ان المرض عمَّ كل جسده فلم يستطع الحركة. مدح القديس يوحنا الذهبي الفم هؤلاء الرجال، قائلًا" وضعوا المريض أمام المسيح ولم ينطقوا بشيء بل تركوا كل شيء له". وأصبحت مسألة حمل المرضى الى يسوع عادة نجدها مع الأصمّ (مرقس 7: 32)، والأعمى (مرقس 8: 22)، والصبي المُصاب بالصرع (مرقس 9: 20). يُظهر مرقس الإنجيلي البُعد الكنسيّ مشددا على دور الجماعة، وهو حمل الأكثر ضعفاً وفقراً ومرضاً أمام يسوع الشافي والغافر. وما أروع خدمة نقدِّمها لإنسان، وذلك بوضعه أمام المسيح الذي يعرف احتياجاته.وما أجمل أن تكون صلواتنا عرضًا أمام الله وكلنا إيمان وثقة أنه يهتم بنا ويهبنا أكثر مما نسأل وفوق ما نحتاج! أمَّا عبارة " أَربَعَةُ رِجال " فتشير الى أصدقاء المُقعَد حيث ألّف بين قلوبهم عمل الرحمة المُشترك؛ ولو لم يكن المُقَعد محبوبا وعزيزا على اصدقائه لما تكبُّدوا بحمله ليأتوا به الى السيد المسيح، وكان هناك ايمان وثقة بين المريض واصدقائه بأن يسوع المسيح سيشفي صديقهم. فالله يسخّر كل شيء من اجل احبائه (رومة 8: 28) . ويرى بعض الشرّاح في رقم أربعة أنه دلالة على الإمبراطوريّات الأربعة الواردة ذكرها في نبوءة دانيال (دنيال 7)، إذ ورد في النص الإنجيلي ان يسوع كابن الانسان ذكر أيضا في سفر دانيال. ورأى البعض الآخر ان الرجال الاربعة يُمثلون أقطار المسكونة الأربعة التي تحمل مرضى العالم إلى يسوع، وآخرون يقولون ان أَربَعَةَ رِجال يُمثلون بإيمانهم موقف التلاميذ الاربعة الذي اختارهم يسوع في بداية رسالته وهم: بطرس واخوه اندراوس، ويعقوب ويوحنا اخوه (مرقس 1: 14-20). ويرى البعض الآخر ان هؤلاء الرجال الأربعة يشيرون إلى الكنيسة كلها: كهنة (3 رتب: الأسقفية، الكهنوتية، الشماسية) وشعبًا، إذ يلتزم أن يعمل الكل معًا بروح واحد لكي يقدِّموا كل نفس مصابة بالمرض للسيد المسيح. فالكنيسة هي أمّ ومعلّمة. هي الأمّ التي تتحنّن على ابنها، فتعطيه الغذاء المناسب، وتحمله إلى كلّ مصدر أمان وخلاص له. لقد حرَّكت حالة المُقعَد هؤلاء الرجال الأربعة، هل تحركنا حاجة الانسان لأعمال الرحمة؟ هل نبحث عن فرص سانحة كي نحضر اصدقاءنا المحتاجين او المرضى او الخطأة الى المسيح؟ فهل نعلم أنّ عند الربّ تتبدّل حياتنا، وهل نتعلّم أن نكون مُحبّين فنحمل الآخرين والكون إلى الربّ. لنسأل أنفسنا: بأيّ طريقة يمكننا أن نساعد في شفاء عالمنا اليوم؟ 4 فلَم يَستَطيعوا الوُصولَ بِه إِليه لِكَثرَةِ الزِّحام. فَنَبشوا عنِ السَّقفِ فَوقَ المَكانِ الَّذي هو فيه، ونَقَبوه. ثُمَّ دَلَّوا الفِراشَ الَّذي كانَ عليه المُقعَد تشير عبارة "كَثرَةِ الزِّحام" الى البيت المزدحم، لوجود فيه يسوع وتلاميذه والفريسيين والكتبة والجمهور، كما يلاحظ إنجيل لوقا "بَينَ الحاضِرينَ بَعضُ الفِرِّيسيينَ ومُعَلِّمي الشَّريعة أَتَوا مِن جَميعِ قُرى الـجَليلِ واليَهوديَّةِ ومِن أُورَشَليم" (لوقا 5: 17). ونتيجة الزحام هو ان يسوع بالإضافة انه " كانَ يَتَكَلَّمُ بِسُلطان " (لوقا 4: 32)، كان له سمعة بشفاء المرضى وإخراج الشياطين. اما عبارة " نَبشوا" في الاصلاليوناني ἀπεστέγασαν ( معناها كشفوا) فتشير الى الكشف عن السقف المصنوع من الطين والقش وجذوع اغصان الشجر. إذ صعدوا على السطح إما من خارج البيت عن طريق الدرج او من بيت أحد الجيران (لوقا 5: 19). فمن يريد الوصول للرب يسوع يجب عليه التعب والمثابرة وتجنب اليأس والإحباط. امَّا عبارة " نَقَبوه" في الأصل اليوناني ἐξορύξαντες (معناها ثقب) فتشير الى إزالة جزء من الطين والقش وفتْح ثغرة في السقف. فقد كانت جدران البيوت في كفرناحوم أيام المسيح تُبنى بالحجارة، ولها سقوف مسطَّحة من الطين والقش، وفي السقف فتحةٌ مغطَّاة وقت الحاجة لكي يدخل النور على البيت. وكان ضيف الشرف يجلس هناك. وكان هناك درج خارجي يؤدي الى السطح. وهكذا استطاع هؤلاء الرجال بعزمهم وتصميمهم ان يحملوا المُقعَد على الدرج الخارجي الى السطح ويحفروا فتحة، ثم يدلوا منها صاحبهم المُقعَد الى أمام يسوع (لوقا 5: 18). وكان هذا العمل دليلاً حسّيًّا على إيمانهم وشدة رغبتهم في حصول مريضهم المُقَعد على الشفاء بالرغم من الموانع الكثيرة. وأمَّا لوقا فيتحدث عن قرميد في السطح، ودلَّوْهُ بِسَريرِه مِن بَينِ القِرْميد κεράμων " (لوقا 5: 19)، لأنه يتخيل هذا البيت على نمط البيوت اليونانية. ويدل هذا المشهد أيضا على ان الناس يحاولون الاقتراب من يسوع بجميع الوسائل المُتاحة لذلك يتجاوب يسوع معهم في الحال. ويُعلق القديس اوغسطينوس " إذا أردْتَ أن تصلَ إلى الطبيبِ لتشرحَ له ما هو خافٍ، انقُبِ السقفَ وضَعِ المقعد أمامَ الربِّ، (أي انقُبْ سقفَ نفسِك وادخُلْ) لأنَّ الطبيبَ مختفٍ في داخلِكَ"(العظة 46، 13). هل فينا الرغبة والايمان مثل هؤلاء الرجال في طلب من يسوع الشفاء الجسدي والروحي لنا ولأصحابنا؟ 5 فلَمَّا رأَى يسوعُ إِيمانَهم، قالَ لِلمُقعَد: يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك: تشير عبارة "لَمَّا رأَى يسوعُ إِيمانَهم" إلى إيمان الخمسة جميعهم حيث ان طريقة الوصول الى يسوع بوسيلة غير منتظرة تُعبّر عن إيمان المريض وحامليه دون ان يتفوهوا بكلمة. فكان يأتون الناس اليه من أجل الشفاء، وكان هو يكتشف بدوره إيمانهم. يسوع يتطلع الى الايمان. ويعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم " يقولُ الإنجيل: "فلمّا رأى يسوع إيمانَهم"، أيّ إيمان أولئك الذين حَمَلوا المقعد ... كان للمريضِ أيضًا إيمانٌ كبيرٌ. فلو لم يكنْ واثقًا بيسوع، لما سمحَ لهم أن يَحملوه إليه" (عظات عن القدّيس متّى). والايمان هو فعل تسليم. نومن بالأمر يعني نسلّم به. الإيمان ليس ثقة بأنّ ما نريده سيتمّ، وإنّما ثقة بأنّ ما يريده الله سيتمّ. إن ايماننا يؤثر على الآخرين في مختلف الظروف. أمَّا عبارة " إِيمانَهم" فتشير الى إيمان حاملي المُقعَد، وكلهم ثقة بقدرته الالهية التي تعمل عن يده (لوقا 9: 2). ويُعلق القدّيس بطرس خريزولوغُس "لا يرفض يسوع أن يلبّي طلب إيمان الآخرين. هذا الإيمان هو نعمة، وهو يتطابق مع إرادة الله". وهنالك أحيانا يطلب يسوع الايمان قبل ان يتدخل كما حدث مع يائِيرس، رئيسِ المَجمَع لإحياء ابنته "لا تَخَفْ، آمِنْ فقط" (مرقس 5: 36)، وأحيانا يربط يسوع الشفاء بالإيمان كما حدث مع المرأة المنزوفة حيث قالَ لها يسوع "يا ابنَتي، إِيمانُكِ خَلَّصَكِ" (مرقس 5: 34). ويُعلق بطريرك الاسكندرية القدّيس كيرِلُّس " شُفِيَ المُقعَد بفضل إيمان الآخرين (متى 9: 2) (تعليم مسيحيّ عن العماد: الرقم 5). أمَّا عبارة " قالَ لِلمُقعَد " فتشير الى كلمة يسوع الموجّهة فقط للمُقعَد، إذ اعتبر يسوع اعمال أولئك الذين حملوا المُعَقد صلاةً له فأظهر بذلك استعدادا لمساعدة الذين يلجؤون اليه. وكلمة المسيح تدل على قدرته وسلطانه إذ شفت المُعَقد روحيا وجسدياً. أمَّا عبارة " يا بُنَيَّ" فتشير الى الحنان الذي يحمله يسوع الى المقعد على أنّه هو إبن المواعيد المسيحانيّة التي تنبئ بأنّ العرج يمشون. إنَّها أبوة الله للبشرية حيث يشتاق الله أن يردَّ كل نفس إليه. والمسيح حين يغفر الخطايا فهو يشفى النفس، ويُعيدها لحالة البنوَّة لله. الله الّذي رفضناه وأغلقنا باب قلوبنا أمامه، هو نفسه يُنادينا "يا بنيّ"، فالله لا ينسى محبّته ولا يتراجع في خلاصه، بل ينتظرنا دوماً. أمَّا عبارة " غُفِرَت " فتشير إلى المجهول أي غفرها الله، فيسوع يُعلن غفران الله حيث انه يستمدَّ سلطانه من الله، وبالتالي فإن كلمة يسوع تصدر عن الله نفسه. أمَّا عبارة "غُفِرَت لكَ خَطاياك" فلا تشير الى دعاء تقوي، ولا الى تصريح بل الى عمل من اعمال سلطة يسوع، يسوع نفسه يغفر خطايا المُقعَد. شفى يسوع نفس المُعقد قبل ان يشفي جسده. ويعلق البابا فرنسيس " نظر إلى المقعد وقال له: "غُفِرَت لَكَ خَطاياك". الشفاء الجسدي هو عطيّة والصحة الجسدية هي عطيّة أيضًا وينبغي علينا أن نحافظ عليها، لكنّ الرب يعلّمنا أنّه علينا أن نحافظ أيضًا على صحّة القلب والصحّة الروحيّة. هكذا فعل مع مريم المجدليّة عندما بكت وقال لها: "غُفِرَت لَكِ خَطاياكِ". لقد تشكك الآخرون؛ لأنَّ يسوع يذهب إلى الجوهري حيث هناك النبوءة والقوة." (عظة 19/2/2021). وبدأ يسوع العمل مع المُقعَد انطلاقا من حاجته الروحية، وهي غفران الخطايا حيث انه نزع الشر من جذوره (التكوين 3)؛ في التقليد اليهودي، غالبًا ما يكون الشفاء والغفران مترابطين. ويعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم " لقد بدأ يسوع بمُعجزة غير مرئيّة؛ شفى أوّلاً روح هذا الرجل من خلال غفران خطاياه" (عظات عن القدّيس متّى). ولم يقلْ المسيح ان كل مرض هو نتيجة للخطيئة (يوحنا 9: 2، ولوقا 13: 1-5)، إنما حالة المُقعَد كان لها سبب روحي أساسي، فهناك خللٌ في علاقته مع الله، ويريد يسوع أن يصحّح هذه العلاقة. وبالتالي غفر خطيئة هذا الخاطئ المُقعَد وأعلن سلطانه على مغفرة الخطايا امام اعدائه. يسوع يغفر الخطايا على الارض، لأنه جاء من اجل الخطأة كما صرّح: "ما جِئتُ لأَدعُوَ الأَبرار، بلِ الخاطِئين" (مرقس 2: 17). يرى يسوع الخطيئة، لكنه لا ليحكم على الخاطئ إنما ليغفر له. وقد ربط يسوع بين شفاء المريض وإيمانه كما جاء في كلام يسوع الى يائيرس رئيس المجمع "لا تَخَفْ، آمِنْ فقط" (مرقس 5: 36)، وكلامه الى الرجل المُصاب ابنه بالصرع " كُلُّ شَيءٍ مُمكِنٌ لِلَّذي يُؤمِن" (مرقس 9: 23). وكان مرض ذلك المُعَقد بركة له لأن مرضه أصبح سبب تقرِّبه الى المسيح ونواله مغفرة خطاياه وشفاء نفسه. وكثيرون على مثال المُقَعد وجدوا في مصائبهم بركات لهم لاقترابهم بها الى المسيح. وهكذا افتتح مرقس من خلال غفران يسوع للخطايا انجيله الذي يتمحور على الملكوت (مرقس 1: 15 ؛ 4 : 11 ؛ 9 : 1 ؛ 10 :14 – 15 ؛ 14 : 25 ؛15 : 43). 6 وكانَ بينَ الحاضِرينَ هُناكَ بَعضُ الكَتَبَة، فقالوا في قُلوِبهم تشير عبارة "الحاضِرينَ" في الأصل اليوناني καθήμενοι (ومعناها الجالسين) الى التهيئة من اجل التصدّيلأعمال يسوع وتعليمه إذ كانوا يفكرون في قلوبهم؛ ويبدو أنّ الهدف الأساسي من هذا الوصف هو أنّهم جالسون، بمعنى أنّهم يتربّصون بيسوع، فيهيّئ جلوسُهم هنا، جلوسَهم في المجمع للحكم على يسوع بالموت (مرقس 14: 53؛ 15 1).أمَّا عبارة "الكتبة" فلا تشير فقط الى معلمي الشريعة وبعض الفريسيين بل ايضا الى خصوم يسوع الذين كانوا من اليهودية ممن امتلأت قلوبهم حسدا وبغضا له (لوقا 5: 17). وللمرّة الأولى في إنجيل مرقس، ظهرت هذه الفئات المُعادية الذين كانوا يتتبَّعون تحركات يسوع ويتقصُّون أخباره ليتصيَّدوه بكلمة، (مرقس 2: 6؛ 16: 11)، فيتّهمونه مُدَّعين أن أعماله ليست من عند الله (مرقس 3: 22) ويهزؤون منه في آلامه (مرقس 15: 31). وسوف يكونون موضوع انتقاد يسوع لأنّهم مراؤون يكرّمون الله بشفاههم، أمّا قلوبهم فبعيدة عنه (مرقس 7: 1 -13؛ 12: 38). وينبئ يسوع أنّه سوف يتألّم على يدهم (مرقس 8: 31؛ 10: 33). أمَّا عبارة "فقالوا في قُلوِبهم" في الأصل اليوناني διαλογιζόμενοι ἐν ταῖς καρδίαις αὐτῶν (معناها مُفكرين في قلوبهم) فتشير الى دلالة سلبيّة، تنمّ عن عدم فهم أو عن عنادهم رافضين لما يحدث (مرقس 11: 31). إنّهم يفكّرون، لا ليحصلوا على جواب، بل لأنّهم معترضون على ما يحدث. وفي هذا الصدد قال يسوع "مِن باطِنِ النَّاس، مِن قُلوبِهم، تَنبَعِثُ المَقاصِدُ السَّيِّئةُ " (مرقس 7: 21). 7 ما بالُ هذا الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بِذلك؟ إِنَّه لَيُجَدِّف. فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه؟ تشير عبارة " هذا الرَّجُلِ " الى ازدراء الكتبة ليسوع في كلامهم، وهو يشابه انكار بطرس ليسوع كما جاء في انجيل متى "أَخَذَ يَلعَنُ ويَحلِفُ قال: ((إِنَّي لا أَعرِفُ هذا الرَّجُل" (متى 26: 74). أمَّا عبارة "لَيُجَدِّف" تشير الى كَفَرَ يسوع بِنِعمَة الله في نظر الكتبة لادعائه ان له سلطان غفران الخطايا، وهو خاص لله وحده. إنه يدَّعي بعمل ما لا يقدر عمله إلاَّ الله وهو غفران الخطايا (مرقس 14: 64). وبهذا الادِّعاء ينسب لنفسه مقام منزلة إلهية حيث اعتبر نفسه على مستوى الله (متى 26: 65)؛ وحسب الشريعة اليهودية كانت تهمة التجديف تستوجب الموت (الاحبار 24: 15). والتجديف هو أكبر خطيئة يقترفها الانسان في نظر الكتبة والفرِّيسيين والكهنة كما جاء في شهادة عظيم الكهنة في مجلس ضد يسوع " لَقَد سَمِعتُمُ التَّجْديف، فما رَأيُكُم؟)) فأَجمَعوا على الحُكمِ بِأَنَّه يَستَوجِبُ المَوت" (مرقس 14: 64). والواقع لم يكن يسوع يُجدّف، لان دعواه كانت صحيحة، فيسوع هو الله. وقد أثبت دعواه بشفاء المُقعَد (مرقس 2: 9-11)، وبيّن أنّهم هم أصحاب التجديف، لأنَّ كلّ من ينسب عمل يسوع إلى غير الله، هو مُجدّف لا يُغفر له كما ورد في الكتاب " وأمَّا مَن جَدَّفَ على الرُّوحِ القُدُس، فلا غُفرانَ له أبداً، بل هو مُذنِبٌ بِخَطيئةٍ لِلأَبَد، ذلك بأَنَّهم قالوا إِنَّ فيه رُوحاً نَجِساً " (مرقس 3: 29-30). فالكتبة يتصدّون للحق من أجل الحفاظ على مبادئ معيّنة عندهم، ومن أجل الحفاظ على موقعهم في مجتمعهم. امَّا موقف المؤمن فهو التواضع أمام الحقيقة، ويُقِرُّ بها، ويعملُ لها، ويدافع عنها. أمَّا عبارة " فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه؟" فتشير موقف الكتبة الذين اعتبروا ان يسوع مُجدّفاً (أي كافر)؛ وهذا موقف صحيح حيث لا يغفر الخطايا إلاّ الله (الخروج 34: 7 ومزامير 32: 1 – 5 وأشعيا 6: 7 وزكريا 3: 4)، ولكن عليهم ان يتحققوا: هل يسوع هو على صواب (لوقا 5: 21). إنّ الله وحده يغفر الخطايا، ويسوع، كونه الله، يغفر أيضًا الخطايا على الأرض. لذلك شفاء يسوع لرجل مُقعَد لهو دليل على ان له سلطانا على "مغفرة الخطايا"، وبما أنه أجرى معجزة الشفاء، فهذا يدلُّ حقّاً على أنه غفر خطايا المُقعَد، ومغفرة الخطايا دلالة على لاهوت المسيح. ويعلق القديس كيرلس، بطريرك الإسكندرية " غفران الخطايا لا تراه أعيننا البشرية لذا عندما قام المقعّد ومشى، بيّن بوضوح أن الرّب يسوع المسيح يمتلك قدرة الله" (شرح لإنجيل القدّيس لوقا، 5). وبناء على ذلك يعتبر اتهامه بالتجديف لا أساس له. أمَّا عبارة " اللهُ وَحدَه " في الأصل اليوناني εἷς ὁ θεός (معناها الله واحد) تشير الى الصيغة المستخدمة في سفر التثنية " اِسمَعْ يا إِسْرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو رَبٌّ واحِد" (ثنية الاشتراع 6: 4)، فهذا تأكيد على وحدانية الله إله اسرائيل. ان استخدام كلمة εἷς بدلاً من μόνος المستخدمة في انجيل لوقا μόνος ὁ θεός (لوقا 5: 21) يشمل دفاع عن العقيدة اليهودية ان الرب واحد. وبعبارة أخرى، هم يتَّهموا يسوع بالتجديف على الله من خلال زعمه انه يفعل ما يفعله الله وحده. ويُعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم "بسلطتِه الإلهيّة، غفرَ يسوع خطايا المريض، مُثبِتًا بذلك مساواته مع أبيه السماوي" (عظات عن القدّيس متّى). 8 فَعَلِمَ يسوعُ عِندَئِذٍ في سِرِّهِ أَنَّهم يقولونَ ذلك في أَنفُسِهم، فسأَلَهم: ((لماذا تقولونَ هذا في قُلوبِكم؟ تشير عبارة "فَعَلِمَ يسوعُ عِندَئِذٍ" في الأصل اليوناني καὶ εὐθὺς ἐπιγνοὺς (معناها حالما عرف) الى تعبير مرقس الإنجيلي الذي تكرر 41 مرة. ويعطيه مرقس الإنجيلي أهمية كبرى حيث عرف يسوع بروحه ما يفكرون في الحال. ويريد مرقس الإنجيلي أن يُبيّن فوريّة معرفة يسوع. أمَّا عبارة " فَعَلِمَ يسوعُ عِندَئِذٍ في سِرِّه" فتشير الى قدرة غير طبيعيّة لدى يسوع التي تمكنه معرفة الغيب، وما يجول في أفكارهم، لأنه فاحص القلوب. وتعتبر قدرة معرفة الغيب في العهد القديم من الصّفات الإلهيّة كما ورد في سفر المزامير "إِنَّكَ فاحِص القُلوبِ والكُلى أيّها الإِلهُ البارّ" (مزمور 7: 10)، ويؤكد ذلك الحكيم يشوع بن سيراخ "إِنَّه سَبَرَ الغَمرَ والقَلْب ونَفَذَ إِلى مَقاصِدِها لأَنَّ العَليَّ يَعلَمُ كُلَّ عِلْم ونَظره على عَلاماتِ الأَزمِنَة. يُخبِرُ بِالماضي والمُستَقبَل وَيكشِفُ عن آثارِ الخَفايا. لا يَفوتُه فِكر ولا يَخْفى علَيه كَلام" (يشوع بن سيراخ 42: 18-20). أمَّا عبارة "لماذا تقولونَ هذا في قُلوبِكم؟" فتشير الى السؤال الذي يُبيّن رّفض الكتبة المُسبق يطرحه يسوع علانية كجواب على سؤال الكتبة الذين طرحه الكتبة في قلوبهم " ما بالُ هذا الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بِذلك؟" علّ الكتبة يدركون من يفحص القلوب ويعرف الأفكار (مزمور 33: 15). فلا بدَّ من ان الكتبة تعجبوا من معرفة يسوع اسرار قلوبهم بسبب حسدهم وبغضهم إياه. إنّ هذا الرّفض الذي بدأ في الرواية، وفي الجدالات الخمس (مرقس 2: 1 -3: 6)، سوف يجد ذروته في رفض يسوع حتّى إهلاكه، بالموت على الصّليب. وبالرغم ذلك يسوع يريد خلاصهم، ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم" يريد الله أن يتوب وبخلص حتى أولئك الذين لا يؤمنون به. هو نفسه يقول: "ما جِئتُ لأَدعُوَ الأَبْرارَ، بَلِ الخاطِئين" (متى 9: 13)، وحتى عندما لا يريدون إصلاح حالهم ومعرفة الحقيقة، فإنه لا يتركهم، مع أنهم بإرادتهم يُحرمون أنفسهم من الحياة السماوية، يمنحهم الله كل الأشياء الضرورية للحياة الأرضية، مشرقا شمسه على الأشرار والأبرار، مرسلا المطر للأبرار والظالمين وواهبا الجميع كل ما يحتاجون إليه للعيش" (قوال الحياة، الجزء الأول). 9 فأَيُّما أَيسَر؟ أَن يُقالَ لِلمُقعَد: غُفِرَت لكَ خَطاياك، أَم أَن يُقال: قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وَآمشِ؟ تشير عبارة "فأَيُّما أَيسَر؟ أَن يُقالَ لِلمُقعَد" الى جواب يسوع لخصومه من الكتبة. في نظر الناس أن الأيسر هو أن يُقال مغفورة لك خطاياك من أن يقال قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وامش. فإنه إذا قال "غُفِرَت لكَ خَطاياك " فلن يرى أحد الخطايا وهي تغفر، ولكن لو قال "قُمفَاحمِلْ فِراشَكَ" فهنا سيُظهر صِدقَه إن قام الرجل وحمل فراشه. وبهذا يكون قوله "غُفِرَت لكَ خَطاياك"،هو الأصعب لأنه يشتمل على غفران الخطايا والشفاء الجسدي. ووضَّح لوقا الإنجيلي عمل يسوع المزدوج بقوله “فأَيُّمَا أَيْسَر؟ أَن يُقال: غُفِرَت لَكَ خَطاياك أَم أَن يُقال: قُم فَامشِ. فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ابنَ الإِنسانِ لَه في الأَرضِ سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الـخَطايا" (لوقا 5: 24-25). ان الكلام أسهل من العمل. وان الكلام يفقد معناه إن لن تكن الأفعال تؤيده. وهكذا سال يسوع سؤالا سديداً فتُرك السؤال بدون جواب والجواب ليس سهلا. أمَّا عبارة "غُفِرَت لكَ خَطاياك، أَم أَن يُقال: قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وامش" فتشير الى عملين قام بهما يسوع ليُفهم الكتبة مساواته لله. إذا كان يستطيع ان يغفر الخطايا، فإذن هو مساوٍ لله. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم" لقد أربكهم بنفس كلماتهم بقوله: لقد اعترفتم أن غفران الخطايا خاص بالله وحده، إذن لم تعد شخصيتي موضع تساؤل"، وأمَّا العمل الثاني فبكلمته شفى المُقعَد. يقوم يسوع بأعجوبة شفاء محسوسة يسهل مراقبتها، حتى يُثبت الشفاء الآخر الروحي، شفاء النفس الخاطئة. قام المسيح بتصحيح مفاهيم الكتبة، إذ حسبوا أن شفاء الجسد أصعب من شفاء النفس، لهذا أوضح لهم أنه يشفي الجسد المنظور لكي يتأكدوا من شفائه للنفس غير المنظور بغفرانه للخطايا وهو الأمر الأصعب. سبق أن شفى رجال الله في العهد القديم بعض المرضى (مثلاً إيليّا وأليشاع)، ولكن لم يسبق لأحد منهم انه غفر الخطايا، فالله وحده يغفر. أمَّا عبارة "قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وَآمشِ" فتشير الى ثلاثة أفعال تبيّن الشفاء: قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وامش، وهذا الشفاء هو العلامة الخارجية لشفاء النفس من الخطيئة. وبدون الشفاء الجسد، كيف كان بإمكان المُقعَد التحقق من غفران خطاياه؟ الناس عادة يركزون عادة على قوة الله لشفاء الامراض الجسدية، أكثر مما على قوته لغفران المرض الروحي، اي الخطيئة، أمَّا يسوع فانه يهتم في المقام الأول بحالة المُقعَد الروحية. ويُعلق القديس برنادس " كنّا مُقعدين ومضجعين على فراشنا، عاجزين عن إدراك مسكن الله العالي. لذلك، نزل من علياه المخلّص يسوع، الكثير الصلاح، وشافي النفوس الوديع" (العظة الأولى عن المجيء). ربما يسال المرء نفسه: أيّهما أسهل: أن أتغيّر من الخارج اي أشفى من مرضي الجسدي أم أن أومن أنّني كما أنا، محبوب والرب يغفر خطاياي ويمكنني أن أكون سعيدًا؟ 10 فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ابنَ الإِنسانِ له سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض، ثُمَّ قالَ لِلمُقعَد تشير عبارة "فلِكَي تَعلَموا" الى شفاء المُقعَد الذي كان بمثابة برهان على أنّ يسوع يملك سلطان غفران الخطايا، بمعنى أنّه لو لم يعترض الكتبة على كلامه، من المحتمل ألاّ يشفي يسوع المُقعَد جسديّاً. أمَّا عبارة "ابنَ الإِنسانِ" فتشير الى أحد ألقاب يسوع والتي لا يَرد الاّ في الانجيل وعلى لسان يسوع. وهذه اول مرة يُطلق يسوع على نفسه "ابن الانسان" في انجيل مرقس. وجدت فيها الجماعة المسيحية الأولى إحدى العبارات الممّيزة ليسوع الناصري، ففضَّلتها على سائر الألقاب التي أطلقتها علي يسوع المسيح. وقد وردت هذه العبارة سابقا في سفر حزقيال (2: 1 -3) كما وردت في سفر دانيال (1: 13؛ 7) مبينا ان ابن الانسان سيحكم على جميع الشعوب ولم يزول سلطانه ومملكته لم تموت وهذه اشاره بديهية الي سلطان يسوع علي الارض. وهذا اللقب، بارتباطه بالوصف النبوي لعبد الله المتألم، يتَّخذ معنى جديداً، وهو توحيداً فريداً بين الصليب والمجد (مرقس 8: 31). امَّا آباء الكنيسة فقد فهموا لقب "ابن الانسان" على الطريقة الحرفية فقالوا" انه الانسان الحق مُمثل البشرية، أمَّا المسيحيون الاوَّلون فكان يهمهم الأصل السماوي لابن الانسان والعمل الإلهي الذي يُتمَّه. وعندما مُجدَّ لقب "ابن الانسان" فإنه دلَّ على تقليد يعول الى أصول الايمان المسيحي، بل الى كلمات يسوع بالذات. أمَّا عبارة "سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض" فتشير الى يسوعكابن الله الذي له السلطان ان يغفر الخطايا، فالسلطان المُعطى للكنيسة لمغفرة الخطايا مرتبط بسلطة يسوع نفسها كما جاء في انجيل متى في رواية شفاء المُقعَد " فلَمَّا رأَتِ الجُموعُ ذلِكَ، خافوا ومَجَّدوا اللهَ الَّذي أَولى النَّاسَ مِثلَ هذا السُّلطان " (متى 9: 8). وهكذا ارتبط سلطان غفران الخطايا في الكنيسة بيسوع المسيح " مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم " (يوحنا 20: 23). فقد وهب الرّب يسوع المسيح -القائم من الموت – سلطته الإلهيّة بغفران الخطايا من خلال إعطاء الرُّوح القدس للرسل: "نَفَخَ فيهم وقالَ لَهم: خُذوا الرُّوحَ القُدُس، مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم" (يوحنا 20: 22-23). كما ان يسوع هو العلامة المحسوسة لغفران الآب كذلك الكنيسة هي علامة المنظورة لغفران يسوع للبشر. أن الربيَّين كانوا يعلمون أن الإنسان لا يمكن شفاؤه من مرض إلاّ إذا غفرت خطاياه كلها. وبهذا يكون السيد المسيح حين قام بشفاء المُقعَد قد أثبت أنه غفر خطاياه كما قال. ولا شكّ أنّ مرقس الإنجيليّ يعلم أنّه في أزمنة الخلاص الأخيرة التي تكلّم عنها الأنبياء، سوف تُغفر الخطايا (إرميا 31: 31-34؛ حزقيال 36: 25-28). 11 أَقولُ لكَ: قُمْ فَاحمِلْ فِراشَكَ وَاذهَبْ إِلى بيتِكَ. تشير عبارة "قُمْ فَاحمِلْ فِراشَكَ وَاذهَبْ إِلى بيتِكَ" الى علامة منظورة تكمن في أمرٍ وإعلانٍ. الامر الذي يشفي، والإعلان الذي يُخبر ان الشفاء قد تمَّ. صار هذا المريض المُقعَد انسانا سويا بعد ان شُفيت عاهته. وقدرة يسوع المنظورة في الشفاء تدل على قدرته غير المنظورة في غفران الخطايا. فقدرة يسوع على المعجزة الظاهرة في الجسد برهان قدرته على المعجزة الباطنية في النفس. فمن له السلطان على مغفرة الآثام يجب عليه ان يبرهن صحة دعواه بإزالة نتيجة الاثم الوقتية المنظورة في الجسد. ان شفاء المريض رمز الى خلاص الخاطئ من الخطيئة. وما شفاء المقعد إلا دليل قاطع على سلطان الآب الذي أعطاه لابنه يسوع، كما يقول دانيال النبي: "وأُوتِيَ سُلْطاناً ومَجداً ومُلكاً... وسُلْطانُه سُلْطانٌ أَبَدِيّ لا يَزول ومُلكُه لا يَنقَرِ " (دانيال 7: 14). أمَّا عبارة "اذهَبْ إِلى بيتِكَ" فتشير الى بيته الأول وهو أحضان الآب، ويُعلق القديس أمبروسيوس "لم يأمره فقط بحمل الفراش، وإنما أمره أن يذهب إلى بيته، أي يرجع إلى الفردوس، الوطن الحقيقي". وأنّه يستطيع مغادرة المكان الذي أتى إليه ليطلب الشفاء. ففي ذلك المكان، يستطيع أن يترك حالته الواهية السّابقة وينطلق إلى بيته، إلى خاصّته، ليعيش معهم حالته الجديدة. 12 فقامَ فحَمَلَ فِراشَه لِوَقتِه، وخَرَجَ بِمَرْأًى مِن جَميعِ النَّاس، حتَّى دَهِشوا جَميعاً ومَجَّدوا اللهَ وقالوا: ما رَأَينا مِثلَ هذا قَطّ. يشير الفعل "فقامَ" في الأصل اليوناني Ἔγειρε (معناها قام) إلى قيامة المريض كما يقوم الانسان من الموت، وذلك بفضل كلمة الله. فكان شفاء جسده برهانا على شفاء نفسه. لقد قام هذا المُقعَد بصحة وعافية وكأننا أمام معجزة خلق من جديد. وهكذا يحدث مع كل تائب عندما ينال من الله نعمة أن يصير في المسيح خليقة ًجديدةً. وفي الواقع، فهذا الفعل هو نفس الفعل الذي استخدمه يسوع في إحياء ابنة يائيرس (مرقس 5: 41)، وهو الفعل ذاته الذي يصف قيامة الربّ من بين الأموات (مرقس 16: 4). إنّها "قيامة" بالنسبة إلى هذا المُقعَد، قيامة من حالة المرض وحالة الخطيئة. إنّها قصّة قيامة، ينتصر فيها الربّ على المرض والموت وعلى كلّ أشكاله. بإرادة من يسوع، شُفِيَ المُعَقد فورا. وامَّا عبارة "فحَمَلَ فِراشَه لِوَقتِه" فتشير الى علامة واضحة أنّه أصبح المُقعَد مستقلاًّ، يتّكل على ذاته وقوته، حاملاً هو فراشه بعد أن حمله فراشه سنين مديدة. ويعلق البابا فرنسيس "لم يَشفِ يسوع شلل المُقعد فحسب، بل شفاه بالكامل، وغفر خطاياه وجدّد حياته وحياة أصدقائه. يسوع يجعل الإنسان يولد من جديد. الشفاء الجسدي والروحي معًا هو ثمرة لقاء شخصي واجتماعي" (تعليم في شفاءِ العالم 5/8/2020). أمَّا عبارة "فِراشَكَ" فتشير الى سرير بسيط جدا لان هذا المريض مُقعَد وفقير. ويرى القديس اوغسطينوس في هذا الفراش "رمزًا لضعف الجسد حيث كنا في خطايانا محمولين بشهوات الجسد وزلاَّته، مربوطة نفوسنا ومُقيَّدة عن الحركة، لكننا إذ نحمل قوة الحياة الجديدة تحمل النفس الجسد بكل أحاسيسه وطاقاته لتقوده بالروح لحساب مملكة الله وتدخل به إلى بيتها، أي الحياة المقدس". أمَّا عبارة "لِوَقتِه" في الأصل اليوناني εὐθὺς (معناها في الحال او للوقت) الى تعبير مرقس الإنجيلي الذي تكرر 41 مرة. ويعطيه مرقس الإنجيلي أهمية كبرى حيث تمّ الشفاء في الحال. ويريد مرقس، بذلك، إظهار فوريّة لمفاعيل الخلاص لعمل يسوع (مرقس 10: 52). في الحال، حمل فراشه وخرج أمام الجميع. ويلمِّح شفاء المُقعَد إلى الأزمنة المسيحانيّة: " وحينَئذٍ يَقفِزُ الأَعرَجُ كالأَيِّل" (أشعيا 35: 6). الغفران والشفاء هما على حدّ سواء عند يسوع. أنه ابن الإنسان الذي له سلطان أن يغفر على هذا الأرض. وإنّه المسيح الذي يشفي في الأزمنة الأخيرة. أمَّا فعل "خرج" في الأصل اليونانيّ ἐξῆλθεν فتشير الى انطلاقة جديدة على دروب هذه الحياة حيث أعطاه الربّ نعمة الشفاء. يبدو ان خروج المُقعَد له مكانً محوريّ في إنجيل مرقس ليعرف الجميع هوية يسوع الحقيقية. ؛ أمَّا عبارة " بِمَرْأًى مِن جَميعِ النَّاس " فتشير إلى خروج المُقعَد الذي لم يتمّ على حدة، بل أمام الجميع. يسوع يعلم كيف يكشف عن هويّته، إنّه هو المسيح. يريد، من خلال كلّ ذلك، أن يغوص الإنسان في سرّه أكثر، وأن يفهم حقًّا من هو. أمَّا عبارة "مَجَّدوا الله" فتشير الى تمجيد الله أبيه لأجل أعماله التي بها شفى المُقعَد وغفر خطاياه " كَي يُكرِمَ الابنَ جَميعُ النَّاس، كما يُكرِمونَ الآب: فمَن لم يُكرِم الابن لا يُكرِمِ الآبَ الَّذي أَرسَلَه" (يوحنا 5: 23). وتمجيد الله هو اعتراف بعظمته. انفجر الحاضرون من التلاميذ والمُحبين والمُعجبين وأتباعه بعواطفهم تمجيدا بعكس الكتبة والفرِّيسييِّن الذين استنكروا المعجزة واتَّهموا يسوع بالتجديف. المُقْعد يقبل غفران الخطايا والشفاء، ليس كالكتبة، الذين يتعنّتون في الخطيئة المتمثّلة برفض يسوع وقدرته. ويذكر الإنجيل غالبا ان الحاضرين "يمجِّدون الله" على أثر التجليات الإلهية، ولا سيما المعجزات (لوقا 5: 25-26 و7: 16 , 13: 13 و17: 15 و18: 43). وهكذا يُقِرُّ المؤمن أنّ الله يتدخّل، أحيانًا، ليُحدث الأعجوبة، ويقف بخشوع أمام الله، عالمًا أنّه خلق الكون بحكمته، وبالحكمة عينها، يجترح الأعجوبة. فهل موقفنا هو موقف المتأمّل بعمل الله، المعترف بقدرته وبحكمته وبمحبّته، والمسلّم الذات له إنّه مخلّصنا؟ أمَّا عبارة "ما رَأَينا مِثلَ هذا قَطّ" فتشير الى الاعتراف بعظمة يسوع. إذ أُعجب الجموع من معجزة يسوع في شفاء المُقعَد كما أعجب من شفاء أخرس ممسوس "فلَمَّا طُرِدَ الشَّيطانُ تَكَلَّمَ الأَخرَس، فأُعجِبَ الجُموعُ وقالوا: ((لَمْ يُرَ مِثْلُ هذا قطُّ في إِسْرائيل!" (متى 9: 33). أمَّا متى حاول ان يوضِّح نصّ انجيله الإزائي أنّ الكنيسة تغفر الخطايا على الأرض، كما غفر يسوع لهذا المُقعَد "فلَمَّا رأَتِ الجُموعُ ذلِكَ، خافوا ومَجَّدوا اللهَ الَّذي أَولى النَّاسَ مِثلَ هذا السُّلطان"(متى 9: 8)، وأكد متى الإنجيلي هذه الحقيقة في قول يسوع لبطرس لاحقًا " سأُعطيكَ مَفاتيحَ مَلَكوتِ السَّمَوات. فما رَبَطتَهُ في الأَرضِ رُبِطَ في السَّمَوات. وما حَلَلتَه في الأَرضِ حُلَّ في السَّمَوات" (متى 16: 19). ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (مرقس 2: 1-12) بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي (مرقس 2: 1-12)، يمكن ان نستنتج ان النص يتمحور حول ثلاثة نقاط؛ وهي مغفرة الخطايا، وسلطان مغفرة الخطايا والمُقعَد، وموقف سيدنا يسوع المسيح. 1) مغفرة الخطايا المغفرة هي صفة من صفات الله المقدسة. وهي تعني ستر الخطيئة للمؤمن الخاطئ والصفح عنه، وبالعبرية סָלַח (عدد 14: 19)، وكأنه تعالى قد نبذها وراء ظهره كما ورد في نشيد حزقيا الملك "نَبَذتَ جَميعَ خَطايايَ وَراءَ ظَهرِكَ" (أشعيا 38: 17) او رفعها بالعبرية (תִּשָּׂ֣א) (خروج 32: 32)، وكفّر عنها وأزالها (أشعيا 6: 7) ولم يحسبها الله "طوبى لِمَن مَعصِيَته غُفِرَت وخَطيئَته سُتِرَت. طوبى لِمَن لا يَحسُبُ علَيه الرَّبّ" (مزمور32: 1-2). وتعني المغفرة أيضا محو المعاصي والآثام (أشعيا 43: 25) وستر وجه الله عنها وعدم تذكرها وطرحها في اعماق البحر ودَوْسها كما قال ميخا النبي" يَرأَفُ بِنا وَيدوسُ آثامَنا وتَطرَحُ في أَعْمَاقِ البَحرِ" (ميخا7: 19). وفي هذا الصدد يقول شكسبير " الانسان يغفر والله ينسى". وهناك مفردات أخرى مثل طهّر وغسل وبرّر، هي مرادفة للغفران كما ورد في رسالة يوحنا "فبدمه نتطهّر، ونغتسل من خطايانا" (1 يوحنا 1: 7). ولا غفران الاَّ به تعالى كما يُصرِّح صاحب المزامير "إِنَّ المَغفِرَةَ عِندَكَ" (مزمور130: 4). وهو عطية الله للمؤمن على يد يسوع المسيح "أَنَّكم عن يَدِه تُبَشَّرونَ بِغُفرانِ الخَطايا"(اعمال الرسل 13: 38)؛ وذلك نتيجة غنى نعمة الله للإنسان "الَّتي أَنعَمَ بِها علَينا في الحَبيب فكانَ لَنا فيه الفِداءُ بدَمِه أَيِ الصَّفْحُ عنِ الزَّلاَّت على مِقدارِ نِعمَتِه الوافِرة" (أفسس1: 6)؛ إذ كفّر المسيح عن بني البشر كما يؤكد صاحب الرسالة الى العبرانيين "المسيحُ قُرِّبَ مَرَّةً واحِدة لِيُزيلَ خَطايا جَماعَةِ النَّاس" (عبرانيين 9: 28). وها إنّ يسوع يُعلن للمُقَعد "غُفِرَت لكَ خَطاياك"(مرقس 2: 9). ويُعلق بطريرك الاسكندرية القدّيس كيرِلُّس " عندما قال الرّب يسوع: "غُفِرَت لكَ خَطاياك"، ترك المجال مفتوحًا أمام ريبة الجموع؛ فغفران الخطايا لا تراه أعيننا البشرية لذا عندما قام المقعّد ومشى، بيّن بوضوح أن الرّب يسوع المسيح يمتلك قدرة الله " (شرح لإنجيل القدّيس لوقا، 5). ولا عجب، المسيح دُعي يسوع Ἰησοῦς المشتق من العبرية יֵשׁוּעַ لأنه " هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم" (متى 1: 21). وهذا تحقيق لما ورد في المزامير عن الله: إِنَّ عِندَ الرَّبِّ الرَّحمَة وعِندَه وَفرَةَ الفِداء. وهو يَفتَدي شعبه مِن جَميعِ آثامِهم" (مزمور 130: 7-8) وهو يجسّد الإله " الَّذي يَغفِرُ جَميعَ آثامِنا ويَشْفي جَميعَ أَمْراضِنا" (مزمور103: 3). وهب المسيح القائم من الموت سلطانه الالهي في مغفرة الخطايا للرسل بمنحه إياهم الروح القدس قائلا: " خُذوا الرُّوحَ القُدُس. مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم" (يوحنا 20: 22-23). وقد أرسل رسله " وتُعلَنُ بِاسمِه التَّوبَةُ وغُفرانُ الخَطايا لِجَميعِ الأُمَم" (لوقا 24: 47). ومن هذا المنطلق تتركز الكرازة المسيحية الاولى حول نيْل موهبة الروح القدس، وغفران الخطايا الذي هو أول نتائجه (اعمال الرسل 22: 38). ويُعلق بطريرك الاسكندرية القدّيس كيرِلُّس" ومن يمتلك هذه القدرة أيضًا؟ هو وحده أو نحن أيضًا؟ نحن أيضًا معه. فهو يغفر الخطايا لأنه الإنسان والإله، وربّ الشريعة. أمَّا نحن فقد تلقّينا هذه النعمة الرّائعة والعجيبة، لأنه أراد أن يعطي الإنسان هذه المقدرة. وقد قال فعلًا للرسل، ما رَبطتُم في الأَرضِ رُبِطَ في السَّماء، وما حَلَلتُم في الأَرضِ حُلَّ في السَّماء (متى 18: 18). وواجب الانسان أن يطلب الغفران، بإيمان ونيَّة صادقة، وإن الله يصفح عن الخاطئ الذي يعترف بخطاياه "أَبَحتُكَ خَطيئَتي وما كَتَمت إِثْمي قُلتُ: ((أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِمَعاصِيَّ)) وأنتَ رَفَعتَ وِزْرَ خطيئَتي "(مزمور32: 5). كما ان واجب الانسان ان يبشّر الآخرين به. وما غفران المؤمن لأخيه باسم الرب ألاّ دلالة على وجود الرب في المؤمنين في كل اعمالهم إذا كانت اعمالهم صادرة عن إيمانهم. وعلى هذا الاساس طلب الله من المؤمنين ان يغفروا لأخوتهم المسيئين إليهم، وفي هذا الصدد قال يسوع "فإِن تَغفِروا لِلنَّاسِ زلاتِهِم يَغْفِرْ لكُم أَبوكُمُ السَّماوِيّ وإِن لَم تَغفِروا لِلنَّاس لا يَغْفِرْ لكُم أَبوكُم زلاَّتِكُم" (متى 6: 14-15). واكتشف ابن سيراخ الحكيم الرابطة بين غفران الانسان لأخيه وبين الغفران الذي يلتمسه الانسان من الله: إِغْفِرْ لِقَريبِكَ ظُلْمَه فإِذا تَضَرَّعتَ تُمْحى خَطاياكَ. أَيَحقِدُ إِنسانٌ على إِنْسان ثُمَّ يَلتَمِسُ مِنَ الرَّبِّ الشِّفاء أَم لا يَرحَمُ إِنْسانًا مِثلَه ثُمَّ يَطلُبُ غُفْرانَ خَطاياه؟ (سيراخ 28: 2-3). ويُعلم يسوع بانَّ الله لا يمكن ان يغفر لمن لا يغفر لأخيه، وانه حتى نطلب الغفران لنا، ينبغي ان نغفر لأخينا. ولكيلا ننسى هذه الحقيقية طلب منا الرب ان نُردِّدها كل يوم في الصلاة الربَّانية " أَعْفِنا مِمَّا علَينا فَقَد أَعْفَينا نَحْنُ أَيْضاً مَن لنا عَلَيه"(متى 6: 12). وعلى هذا الاساس طلب الله ايضا ان يستمر الانسان في الغفران ولا يمِلُّ بدافع المحبة كما أوصى يسوع بطرس ان يغفر لقريبه "لا أَقولُ لكَ: سَبعَ مرَّات، بل سَبعينَ مَرَّةً سَبعَ مَرَّات "(متى 18: 22) اقتداء بالرب كما يقول الرسول بولس "كما صَفَحَ عَنكُمُ الرَّبّ، اِصفَحوا أَنتُم أَيضًا" (قولسي 3: 13). إن كان القاء كلمة الله الى البشر هي جوهر رسالة يسوع، فإن مغفرة الخطايا هي جوهر القاء كلمة الله. ومن هنا نبحت عن مغفرة الخطايا لمُقعَد في كفرناحوم. 2) سلطان غفران الخطايا والمُقعَد: قالَ يسوع لِلمُقعَد: يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك (مرقس 1: 5) وبهذا دلَّ يسوع على معنى رسالته، وهي غفران الخطايا على الأرض "فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ابنَ الإِنسانِ له سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض " (مرقس 2: 10). نرى يسوع يتوجّه الى الانسان كله نفساً وجسداً كي يشفيه من مرضه ويُحرّره من خطيئته. ويُعلّق القديس كليمنس الإسكندري "إنّ فنّ الطبيب، بحسب الفيلسوف ديموقريطوس، يشفي مرض الجسد؛ وتحرّر الحكمة النفس من هواجسها. لكن المعلّم الصالح، الحكمة، الّذي هو كلمة الربّ الّذي اتّخذ جسداً بشريّاً، يعالج كل طبيعة خلائقه. إنّ طبيب البشريّة كليّ القدرة، المخلّص، يشفي كلّ من الجسد والنفس معاً". قد يُقال لي: إنّ هذا الرجل أراد أن يُشفى من مرضه، فلماذا أعلن الرّب يسوع المسيح إذًا غفران خطاياه؟" فعلق القديس كيرلس، بطريرك الإسكندرية " إن الرّب يسوع قد فعل ذلك ليُعلّمك أن الله يرى قلب الإنسان في صمتٍ ومن غير ضجيج، وأنه يتأمل سُبل الأحياء جميعهم. ويقول الكتاب المقدّس، "فإِنَّ طرقَ الإِنْسانِ تُجاهَ عَينَيِ الرَّبّ وهو يَتَبَصَّر ُفي جَميعِ سُبُلِه" (أمثال 5: 21) (شرح لإنجيل القدّيس لوقا، )5. ويُشدِّد يسوع -وراء مهمته بصنع العجائب -على الايمان وينجز عملا مسيحانيا داخليا؛ الا وهو غفران الخطايا. وفي الواقع قال يسوع للمُقعَد " "يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك" (مرقس 2: 5)، ويعلق القديس اوغسطينوس "فشفى الرّب يسوع هذا الرجل من الشلل الداخلي: لقد غفر له خطاياه وشدّد ايمانه". فغفران الخطايا هو علامة على الأزمنة المسيحانيّة (أشعيا 40: 2، يوئيل 2: 32). يسوع يتطلع الى الايمان، وينظر نظرة إعجاب وعطف إلى المُقعَد الذي يرزح تحت نير الالم والمرض. وينفعل يسوع كسائر الرجال، ويكتشف جوهر النفس. كان الناس يأتون اليه من اجل شفاء جسدي، أمَّا يسوع فكان يكتشف أيمانهم الثابت ويغفر لهم. يسوع هو الإله الذي يرى الخطيئة، لكنه لا يدين الخاطئ، إنه جاء لا يحكم على الخاطئ بل يغفر له كما صرّح: " ما جِئتُ لأُدعُوَ الأَبرار، بَلِ الخاطِئينَ إِلى التَّوبَة " (لوقا 5: 32). "ان الرب يسوع المسيح، طبيب نفوسنا وأجسادنا الذي غفر للمقعد خطاياه وأعاد الية صحة الجسد، أراد لكنيسته أن تواصل، في قوة الروح القدس، عمل الشفاء والخلاص حتى لأعضائها أنفسهم. وهذا ما يهدف اليه سرا الشفاء: سر التوبة وسر مسحه المرضى. (التعليم المسحي للكنيسة الكاثوليكية، بند 1421). ونستنتج مما سبق ان لكل إنسان قيمته في نظر يسوع الذي يقترب منه ويحدثه ويحمل اليه كلمة الخلاص والسلام والحق والحياة. ويعلق القديس يوحنا فيانِّيه " ليس الخاطئ هو من يعود إلى الله كي يطلب منه الغفران، بل الله ذاته هو الذي يركض وراء الخاطئ ويجعله يعود إليه". ولم يكتفِ يسوع بإعلان غفران الخطايا الذي قبله منه المُقعَد المؤمن المتواضع، بل مارس منح الغفران وأثبت بعمله انه يملك هذا السلطان الخاص بالله وحده. فمغفرة الخطايا ليست عملاً يستطيع الإنسان أن يقوم به، إنّما هي علامة خاصّة بالربّ وهي رسالة يحملها المُقعَد، الّذي غفر له الله خطاياه، بأن ينقل ما ناله الى خاصّته، وأن يكون رسول الشفاء والمغفرة. وذلك بناء على قول يسوع له " أَقولُ لكَ: قُمْ فَاحمِلْ فِراشَكَ وَاذهَبْ إِلى بيتِكَ" (مرقس 2: 11). 3) سلطان غفران الخطايا والكتبة إن كان المسيح قد جاء خادمًا للعالم كله، يبسط يديه للعمل في حبه الإلهي بلا حدود، فقد قُوبلت أعمال محبته بمقاومة من جهة سلطانه في مغفرة الخطايا. وهذا ما أغضب الكتبة الذين يعتبرون نفوسهم المدافعين عن الله فبدأوا بدهشة يتساءلون " ما بالُ هذا الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بِذلك؟ ثم حكموا على كلمات يسوع " إِنَّه لَيُجَدِّف. وكان سبب حكمهم هو " فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه؟ (مرقس 2: 7).ولكن سؤالهم كان تحدياً للاهوت المسيح، وقد أجاب يسوع عن ذلك؛ اولا بإجابته عن افكارهم التي لم يجاوبوا عنها " لماذا تقولونَ هذا في قُلوبِكم؟ فأَيُّما أَيسَر؟ أَن يُقالَ لِلمُقعَد: غُفِرَت لكَ خَطاياك، أَم أَن يُقال: قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وَآمشِ؟"(مرقس 2: 8). إن الذي يقرأ افكار الناس يستطيع ان يغفر خطاياهم. وثانيا لقد قدّم يسوع لهم برهاناً. ان الادعاء بغفران الخطايا لا يمكن ان تدعمه نتائج، ولكن القدرة على الشفاء يمكن اثباتها عمليا حيث استطاع يسوع ان يجعل ذلك الرجل المُقعَد ان يمشي. ويُعلق القديس اوغسطينوس على الكتبة "كانوا يؤمنون بأنّ الله يملك قدرة غفران الخطايا، لكنّهم لم يروا أنّ الله حاضر فيما بينهم. لذا، عمل يسوع أيضًا على جسد المُقعَد ليشفي الشلل الداخليّ عند أولئك الّذين كانوا يتكلّمون عليه بالتجذيف. فقام بأمر يُمكنهم أن يروه لكي يؤمنوا هم أيضًا". الله وحده يقدر أن يغفر خطيئة الإنسان، والمسيح جاء يُجسِّد هذه الحقيقة. إزاء رفض الكتبة لهذه الحقيقة، أعطاهم يسوع تأكيداً، هو تأكيد الأسهل بواسطة الأصعب. فمن السهل أن يقال للمرء أن خطيئته قد غُفرت، أنّما هذه المغفرة لا يمكن أن نلمسها ونؤكّدها، لان مغفرة الخطايا لا تُرى بالعين البشرية بل هي موضوع إيمان وثقة بالله الغافر، أمّا الشفاء فهو مرئي ومحسوس ولا يُمكن أن ننكره. وما كان الشفاء إلاَّ دليل، وهو ليس الأهم ولا العمل المحوريّ في هذا النّص. شفاء الإنسان من خطيئته هو الهدف الأعمق، أمّا الشفاء الجسديّ فتمّ من أجل إيمان الجماعة الحاضرة، كإعلان لقدرة المسيح على مغفرة الخطيئة ونتائجها: الموت والمرض والألم وبالتالي المسيح لم يجذّف بل هو الله المتجسد الذي يغفر الخطايا. إن سلطان مغفرة الخطايا تتعلّق بالله، ويسوع ينسب هذه السلطان الى شخصه " أَنَّ ابنَ الإِنسانِ له سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض " (مرقس 2: 10)، ومعنى ذلك أن المسيح هو على الأرض مُرسلاً من الله الآب، ويعمل كلّ شيء باسمه ولمجده؛ ومعفرة الخطايا والشفاء الجسديّ ما هو الاّ تتميم لإرادة الله الخالق وإعادة الخليقة الى جمالها الأوّل. وقدَّم يسوع برهانا آخر انه قادر لمغفرة الخطايا بقوله "أَنَّ ابنَ الإِنسانِ له سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض" (مرقس 2: 10). ان المسيح هنا يعلن أنه ابن الإنسان الذي جاء محملاً بقوة غفران الخطايا ليشفي البشر من خطاياهم كما بشَّر الملاك جبرائيل مريم العذراء "هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم "(متى 1: 21). وفي هذا التقليد سيأتي ابن الانسان على سحاب السماء في اليوم الأخير ليدين البشر الخاطئين ويخلّص الابرار. ويستبق مرقس الإنجيل هنا تلك الدينونة بسلطانه مخلصاً الخاطئين (متى 9: 6) وفاتحا الزمن المسيحاني (مرقس 12: 8). ولقب "ابن الانسان" يذكرنا بنبوءات العهد القديم، لا سيّما بنبوءة دانيال " رَأيتُ في مَنامي ذلِكَ اللَّيلَ، فإذا بِمِثلِ اَبْنِ إنسانٍ آتيًا على سَحابِ السَّماءِ، فأسرَعَ إلى الشَّيخ الطَّاعِنِ في السِّنِ. فقُرِّبَ إلى أمامِهِ وأُعطِيَ سُلطانًا ومَجدًا ومُلْكًا حتى تعبُدَهُ الشُّعوبُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ولِسانٍ ويكونَ سُلطانُهُ سُلطانًا أبديُا لا يَزولُ، ومُلْكُهُ لا يتَعَدَّاهُ الزَّمنُ (دانيال 7: 13-14)، وهذا هو إعلان غير مباشر أن بيسوع المسيح قد ابتدأ الخلاص، وهذا الخلاص هو ثمرة المُلك الأبديّ الّذي سوف يكون ليسوع المسيح، ابن الإنسان. ويؤكد لقب "ابن الانسان" ان يسوع إنسانٌ كاملٌ حقا، وكإنسان يستطيع ان يتحد بنا ويُعيينا لنتغلب على الخطيئة، في حين يؤكد لقب "ابن الله" أن يسوع هو الله بالحق وقادر ان يغفر الخطايا. إن مغفرة يسوع للخطايا دليل على لاهوته، مما يدلُّ على انه بالتجسد لم يخلِ نفسه من امتيازاته الالهية. وبالفعل قال يسوع كلمته "يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك". لقد أراد الرّب يسوع بهذه الكلمات أن يُعرَف بأنّه الرّبّ فيما كان خافيًا عن العيون البشريّة بجسده البشري. ومن ملء سلطانه في السماء وعلى الارض، منح المسيح القائم من بين الاموات رسله السلطة لغفروا الخطايا (يوحنا 20: 22-23). وأرسل الرسل يكرزون بمغفرة الخطايا (اعمال الرسل 2: 38). كان شفاءُ المُقعَد بركةً للمريض نفسه الذي تمتع بغفران خطاياه كما بصحة جسده، وفرصة لكي يتحدث الرب مع الكتبة معلنًا لهم أنه المسيح، وأيضًا للجماهير التي بهتت، قائلة: "ما رأينا مثل هذا قط". لقد جاء يسوع ليُبرئ الانسان كله، جسدا وروحا. ويشفيه من مرضه، ويُحرِّره من خطيئته ومِن ما يُبعده عن سماع نداء الله. أنه الطبيب الذي يحتاجه المرضى (مرقس 17: 2). وقد اوغلت به شفقته على كل المرضى المتألمين الى حد التماهي وأياهم: "كنت مريضا فعدتموني" (متى 25:36). جاء يسوع ليكون لنا الحياة. هل نحن نشعر بحاجة الى الشفاء الروحي والجسدي كما شعر المُقَعد وأصحابه؟ لنختتم مع البابا فرنسيس "لا تزال الجائحة تَتَسبب في جروحٍ عميقة، وتكشف عن ضعفنا. الموتى كثيرون، والمرضى كثيرون، وفي جميع القارات. وكثيرون، أفرادًا وعائلاتٍ، يعيشون في القلق، بسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، ولا سيما أكثرهم فقرًا. لهذا السبب يجب أن نثَبِّت نظرنا في يسوع (العبرانيين 12: 2). ومع هذا الإيمان، نتمسك برجاء ملكوت الله الذي يحمله لنا يسوع نفسه (مرقس 1: 5). إنّه ملكوت الشفاء والخلاص، وهو موجود بيننا بالفعل (لوقا 10: 11) (تعليم في شفاءِ العالم 5/8/2020). فإنّ يسوع، لا يشفي المرَضَ الجسدي فقط، بل كلَّ الإنسان. وبهذه الطريقة يُعيده أيضًا إلى الجماعة معافًا ويُحرره من عزلته لأنّه شفاه. الخلاصة روت كلّ الأناجيل الأربعة معجزة المُقَعد، لأنّه أمر يتعلّق بالأزمنة المسيحانيّة. فمتى (9: 1 -8)، ولوقا (5: 17 -26)، يذكران الحدث ذاته الذي يرويه مرقس. أمّا يوحنّا، فيبدو مهتمًّا بحدثٍ آخر، مع إطار مختلف (يوحنا 5: 1 -18). يروي لنا إنجيل مرقس كيف شفى الربّ المُقْعَد وغفر له خطاياه، فقام أمام الجميع وخرج، فانطلق، من جديد، على دروب هذه الحياة. شفاه فصار بمقدوره أن يمشي. كما غفر له، فأعاد له حُسْنَ العلاقة مع الله. ويروي أيضا كيف قبل البعض يسوع واخذ يُمجِّده، ورفضه البعض الآخر. وهكذا حالة المقعد تعكس حالة الكثيرين منّا. نعلم تمامًا أنّ الربّ يبدّل واقع البشر، لكن هناك تصدّيًا لعمله، من جهة، وتمجيدًا له، من جهة ثانية. فالموقف الذي يوصل الإنسان إلى الخلاص، هو الاتجاه نحو يسوع. ويطلق يسوع على نفسه في النص الإنجيلي انه "ابن الانسان". ولقب ابن الانسان يؤكد ان يسوع انسان كامل، بينما يؤكد لقب "ابن الله" (يوحنا 20: 30)، وكابن الله كان ليسوع السلطان ان يغفر الخطايا، وكإنسان يستطيع ان يتحد بنا في انسانيتنا وضعفنا وأمراضنا، وان يعيننا لتغلب على الخطيئة. ونستنتج مما سبق ان يسوع لم يكن ليملك سلطان الشفاء وحسب، بل سلطان مغفرة الخطايا أيضاً (مرقس 2:5-12). وفي الواقع، هو وحده يمكنه أن يغفر خطايانا، وقد بذل حياته الخاصة لمغفرة الخطايا كما صرّح في العشاء الاخير: "هُوَ دَمي، دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجْلِ جَماعةِ النَّاس لِغُفرانِ الخَطايا" (متى 28:26). وعليه يقول رسول الامم "ولنا الفداء ومغفرة الخطايا" (قورنتس 14:1) يعلمنا يسوع أن نطلب منه الخلاص بجرأة وإيمان المُعقد وحامليه وألا نمل من الصلاة مجاهدين مثابرين حتى ننال الغفران منه، فنقوم كالمُقعد فرحين مهللين أمام دهشة جميع الناس الذين لم يستطيعوا إلا أن يمجّدوا الله قائلين: "ما رأينا مثل هذا قط". ونبتعد عن عناد الكتبة والفريسيين ورفضهم ليسوع، ابن الانسان، ويعلق القدّيس بطرس خريزولوغُس " آه يا أيّها الفرّيسي، تظنّ أنّك تعرف وأنت لست سوى جاهل! تظنّ أنّك تعترف بالألوهيّة فيما أنت تنكرها! تظنّ أنّك تحمل الشهادة فيما أنت تضطهد! إذا كان الربّ هو مَن يغفر الخطايا، فلمَ لا تتقبّل إذًا ألوهيّة المسيح؟ كونه استطاع منح المغفرة لخطيئة واحدة، فهذا يعني أنّه محى خطايا العالم أجمع. "هُوَذا حَمَلُ اللهِ الذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يوحنا 1: 29). أصغِ إليه كي تكتسب علامات ألوهيّته. نعم، لقد دخل إلى أعماق قلبك. أنظر إليه، لقد وصل إلى أعماق أفكارك. افهم أنّه يعرف النوايا الخفيّة لقلبك". ونستنتج مما سبق انه ينفتح طريقان لكلّ واحد منّا لاستقبال عمل يسوع في حياتنا: الطريق الأوّل: القبول بأنّنا مقعدين بسبب شلل من امراضنا الجسدية والروحية ونذهب الى المسيح مع عيالنا ونعرض له نفوسنا كما نحن؛ وأن نثق فعلياً بالله الّذي يستقبل ظلماتنا وزوايا حياتنا كما هي. والطريق الثاني هو أن نكون بدورنا كأصحاب المُعَقد فنتخطى الحواجز، والأحكام المُسبقة، والإقصاء بكل أشكاله في العائلة، والحي، والمدرسة أو في العمل ونضع حاجات احبائنا الجسدية والنفسية والاجتماعية والروحية امام يسوع المسيح وفي صلاة كلها ثقة نقول له: بالقرب منك توجد المغفرة، وكل شفاء وكل نعمة. دعاء "أيّها الربّ يسوع، طبيب النفس والجسد، أنت تحمل الشفاء والتجدّد للجسد والنفس، من خلال رحمتك وغفرانك. علّ قوّتك الشافية تلمس كل جانب من جوانب حياتنا – أفكارنا ومشاعرنا ومواقفنا وذكرياتنا. اغفر خطايانا وحوّلنا بقوّة روحك القدّوس كي نصبح خليقة جديدة فنعيش جِدّة حياة المحبّة في الغفران، آمين. الأب لويس حزبون - فلسطين |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يقترب الرَّبّ يسوع من الأبْرَص لمُواساته وشفائه |
يسوع و النزول إلى كفرناحوم |
لماذا لم يصرح يسوع علانية عن هويته؟ |
الجندي الأمريكي قاتل بن لادن يكشف هويته |
الملاك روفائيل يكشف عن هويته |