ا يخفى على أحد ان مرحلة المراهقة هي مرحلة حساسة تتميز بطغيان العواطف والاحاسيس والمشاعر الروحية. مرحلة ينسلخ فيها المراهقون والمراهقات عن مرحلة الطفولة ويتدرجون نحو الرشد والنضج على مختلف الاصعدة، واحد سمات هذه المرحلة هو نزعة المراهقين والمراهقات الى تشكيل صداقات لها ميزاتها، لكنها صداقات لها تأثير بالغ على شخصية المراهقين كما ان تأثيراتها قد تستمر مدى الحياة وربما تحل بالكامل محل الاسرة والآباء حيث ان جل وقت المراهقين يكون في المدرسة مع اصدقائهم وبعد المدرسة ربما يلتقون معهم عند الهاتف او في أماكن اخرى..
واهم مزايا صداقات هذه المرحلة [لكلا الجنسين]:
1ـ اصرار المراهق والمراهقة على اختيار اصدقائهم بانفسهم حسبما يضعون هم من مقاييس وعلامات وقد لا يسمحون للاهل بالتدخل في اختيارهم لاصدقائهم لانهم يرون انهم لم يعودوا صغاراً وهم في حالة استقلال ذاتي.. ولهذا فهم يبحثون عن الاصدقاء الذين يتفقون معهم في آرائهم ويتجاوبون معها ولو كانت خاطئة.. ولان هذه المرحلة تتسم بثورة العواطف وابعاد العقل وعدم وجود الوعي التام بالقيم او العادات او التقاليد، فغالباً ما تكون الاختيارات غير سليمة لكنها تحظى بتقديس المراهق نفسه.
2ـ واحدة من مزايا الصداقات في مرحلة المراهقة انها تكون غير ثابتة وتكون متحركة بين المد والجزر ولهذا لا تدوم طويلاً وسرعان ما تتصدع لاسباب غير منطقية او غير مقبولة.. ومن البديهي ان التأسيس العاطفي الخاطئ يمهد لانكسار عاطفي مؤلم ولهذا يصاب المراهق والمراهقة بحالة من الاحباط الشديد والانكسار النفسي المؤلم عند تصدع العلاقة وقد تبقى الآثار مدى الحياة فيصبح الفرد انطوائياً انعزالياً ويرى ان هذا هو الحل الوحيد لتجنب انكسار الصداقات.
3ـ صداقات المراهقة هي في الاصل مستودع اسرار، فهؤلاء المراهقون ينقلون لاصدقائهم كل اسرارهم حتى فيما يتعلق بشؤون الاسرة او علاقاتهم العاطفية الى غير ذلك وهم ينظرون ايضاً الى هذا المستودع على انه مكتب لحل مشكلاتهم فينتظرون الحلول من اناس يشابهونهم في العمر والمرحلة، أي حلول ناقصة او مبتورة.. وهذه الحلول قد
ولما كانت هذه الصداقات هي محل تعبئة لاسرار المراهقين يشعر هؤلاء بالتهديد حينما تتهشم هذه العلائق خوفا من نشر اسرارهم التي يخفونها عن الآخرين وقد يخضعون لابتزاز هؤلاء الذين كانوا بالامس القريب اصداقاء لهم وتبدأ عملية المزايدة التي هي غالباً ما تكون مزايدة يمتص فيها الآخرون اموال المراهق ويجعلونه تحت التهديد المستمر.
4ـ الحالة الانفعالية لهذه الصداقات طاغية وغارقة في العواطف وفي ابداء مشاعر العواطف والحب تجاه الآخر وهناك تعصب للصديق ورغبة في الاستئثار به والقضاء معه وقتاً طويلاً، وهو ينظر الى صديقه على انه ملكه الخاص ولهذا يتأثر اذا ما ابدى الصديق تعاطفاً مع آخر فهو يتصور ان حياته بلا هذا الصديق قد تعني الموت، وهذه ايضاً قد يستغلها البعض فيطلبون من المراهقين ان يقوموا بعمل ما ارضاء لهم، مثلاً القيام بالتدخين رغم علم المراهق والمراهقة ان الاهل لا يقبلون بهذا وانه خطأ، لكنهم يقومون بالتدخين حفاظاً على الصداقة.
تزداد الحالة سوءً اذا كان المراهق يشعر بعقدة الحقارة ويجد في صديقه منجا له من العقدة او قد يكون ضعيف الشخصية فيقع في طاعة عمياء ولكنها خطيرة.
وقد تكون الصداقة مع من هم اكبر سناً كالاستاذ والمعلمة حيث يبحث المراهقون من خلال هذه الشخصيات عن الاشباع العاطفي الذي يشعرون انهم محرومون منه داخل الاسرة.
5ـ في مرحلة المراهقة هناك حالة من التقليد للآخر، تزداد هذه الحالة عند الاناث لكنها مؤثرة، فيحاول المراهقون تقليد الآخرين في الزي، والحركة، والتصرفات وربما في العقيدة ايضاً اذا كانت العقيدة الاصلية غير مستحكمة وترى البنات يعجبن بالفتاة الانيقة التي تحاكي الموضة ويحاولن تقليدها بينما الذكور يقلدون اصدقائهم في اظهار السيطرة والقدرة وتقليد الملابس والحركات.
وقد تبقى السلوكيات المتعلّمة خلال هذه المرحلة مدى الحياة ويصبح من الصعوبة تغييرها.
هذه بعض السمات وليست كلها حول الصداقة في مرحلة المراهقة.
فما الذي يجب أن يفعله الآباء والامهات كي ينقذوا ابناءهم من الانحراف او الانقياد المهلك؟
ان هذا الامر يتطلب عدة مهارات منها:
1ـ تقوية العلاقة بين المراهقين والآباء والامهات.
2ـ تغيير الاجواء الموجودة في الاسرة الى اجواء محببة للمراهقين.
3ـ اشاعة روح الحوار بين الطرفين.
4ـ عدم التجسس على الابناء كي لا يفقدوا ثقتهم باسرهم بل مراقبتهم عن بعد.
5ـ اتباع اسلوب التوجيه غير المباشر مع المراهقين.
6ـ توفير الحاجات الاساسية للمراهقين، فان اشباع هذه الحاجات داخل الاسرة يقلل من شعورهم بالنقص امام الآخرين.
7ـ اشعار المراهقين بانهم مستقلون ولهم كيانهم.
8ـ استشارتهم في شؤون عامة في الاسرة.
بين الجنسين
هناك تفاوت بين الجنسين في مسئلة الصداقة في مرحلة المراهقة فمن ناحية يكون الذكور اقل تأثراً باصدقائهم في حين ان البنت شديدة التاثر بالصديقات.. وربما يعود السبب الى نمط التربية الموجودة التي تعطي للولد الذكر الكثير من الاعتبار والتقدير يقابله تعزيز الشعور بالحقارة وكره الانوثة لدى البنت.
كما ان اقناع الآباء للابناء بخطأ الصداقة متفاوت، فالبنت تنظر الى صديقتها على انها محور اساسي في حياتها. في حين ان الولد الذكر يميل الى اظهار شخصيته امام صديقه، كما ان الاسر عادة ما تشن الرقابة الشديدة على البنت ويحملونها خاضعة لمقاساتهم الامر الذي يجعل الفتاة تبحث عن الحرية مع الصديقة في حين ان الولد الذكر يفرض نفسه [حتى لو كان مخطئاً] على اسرته وله حريته.
كما ان صداقة الفتيات تتخللها كلمات مثل [سانتحر من دون فلانه] او سأموت اذا لم اراها، لازدياد الشد العاطفي. وعموماً تشن العواطف هجومها منذ سن 11 ـ 17 عاماً وتكون هي القائد الموجة لجيوش العقل والارادة والفكر وغيره.
ولان البنات اكثر تأثراً بالدين وهن يحترمن العادات والتقاليد حفاظاً على السمعة التي تتيح لهن زواج جيد فهن اقل خطئاً وانحرافاً من الذكور الذين يتمردون على العادات والقيم والذين يعصف بهم الاعلام القاسي في دوائر الرغبة الجنسية الطاغية مع عدم وجود الاشباع السليم.