رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الحمامة نستكمل حديثنا عن ما يُظهره لنا الحمام من صفات رائعة في علاقته مع نوح. ولقد سبق وأشرنا إلى صفتين، هما أنه رسول أمين، وأيضًا ودود وحلو العشرة. والآن نستكمل هذه الصفات: طاهر، لا يتلامس مع النجاسة تختلف الحمامة عن الغراب كثيرًا. فبينما الغراب يتلذذ بالجيف، ولا يجد فيها ما يُنفِّر، بل نجده ينتقل من واحدة إلى أخرى بكل سهولة، حيث يجد فيها طعامًا شهيًا له، نجد الحمامة تأبى لا أن تقف على الجيف فحسب، بل مجرد أن تتلامس معها. إنها لا تعرف أن تتعامل مع هذه الجيف النجسة الفاسدة بأي صورة من الصور. ولا تجد فيها سوى كل ما يُنفِّرها ويبعدها عنها. لقد أرسل نوح الحمامة في الصباح، وعبثًا حاولت جاهدة أن تجد مكانًا ولو صغيرًا تضع فيه قدميها الصغيرتين، فلم تجد، فاستمرت تحلق في الجو دون توقف! لا شك أنها تعبت كثيرًا وهي تبحث عن مقرٍ لرجلها، ورغم تعبها الكثير، ورغم رغبتها الملحة في أن تستريح، لم تتنازل عن طبيعتها الطاهرة، وترضى أن تقف على إحدى هذه الجيف النتنة. نعم إن شدة تعبها، وطول بحثها لم يُغير من طبيعتها، والتي ترفض أن تتعامل مع كل ما هو نجس! وكم أشعر بالإعجاب الشديد من هذا الطائر السامي والراقي، والذي يظل ثابتًا على مبدئه رغم الصعوبات التي قد يتعرض لها. وكم أشعر أيضًا بالأسف الشديد حينما أرى أولادًا لله أعزاء تتغير حالتهم وتتبدل، إذ نجدهم منغمسون في العالم بشروره وفساده، ينهلون منه بكل شغف وشوق، متعللين في ذلك بأن الظروف تُحتم عليهم ذلك، كما أنهم أضعف من أن يصمدوا ضد مغريات ومباهج العالم، وقد يستطردون مدافعين عن أنفسهم قائلين: إن الحمامة حباها الله بصفة الطهارة حتى أنها بكل سهولة ويُسر ترفض أن تتلامس مع أي نجاسة، أما نحن فقد وُلدنا من آدم الساقط، وقد ورثنا الميل للخطية، وهذا ما يُعبِّر عنه داود قائلاً: «هأنذا بالإثم صوِّرت، وبالخطية حبلت بي أمي» (مز51 : 5). وانطبق علينا كلمات صوفر النعماتي «كجحش الفرا يولد الإنسان» (أي 12:11). وأيضًا كلمات الرب في سفر إشعياء: «من البطن سُمِّيت عاصيًا» (إش8:48). إننا لا ننكر أن الله الخالق العظيم حبا الحمامة بهذه الصفة الرائعة، ألا وهي الطهارة، كما أن الإنسان في الجنة كان يتمتع بحالة البراءة لا يعرف الخطية، غير أن الأمر تغيَّر حينما دخلت الخطية إلى العالم، وسرى هذا السم الزَّعاف في كل الجنس البشري. لكن ألم يمنحنا الله إمكانيات وصلاحيات جديدة تُمكننا من الحياة الطاهرة والنقية؟! ألم نحصل بالولادة الثانية على طبيعة جديدة تتوافق مع كل ما هو طاهر ومقدس؟! ألم يمنحنا الله قوة إلهية لنواجه بها تيارات العالم الفاسد والنجس، الأمر الذي أشار إليه الرسول بطرس قائلاً: «كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة» (2بط1: 3، 4). وما أجمل الأمثلة التي يُسطِّرها لنا الروح القدس في كلمة الله عن أُناس أظهروا امتناعًا عن الشرور، وتمسكوا بكل ما هو مقدس وصالح، وفي هذا الصدد يسطع الشاب الطاهر يوسف، والذي كان بحق كالحمامة وهو يعيش في جو مليء بالشر والفساد، حافظًا نفسه من كل ما يحيط به من فجور وإثم. وحينما لم يجد لقدميه موضعًا، نجده يهرب طائرًا بعيدًا قائلاً قولته الشهيرة: «فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأُخطئ إلى الله؟» (تك 9:39)، رغم ما تحمله نتيجة لذلك من ظلم صارخ. وإذ نتحول عن يوسف الشاب نتذكر أربعة فتية أظهروا تعففًا رائعًا وجميلاً، فرغم أنهم سُبوا إلى أرض بعيدة وغريبة، وغدا كل ما حولهم نجس، إلا أنهم حفظوا أقدامهم طاهرة، ولم يلمسوا شيئًا نجسًا، ويُسطِّر المؤرخ الإلهي كلمات مضيئة عن دانيال في هذا الصدد «أما دانيال فجعل في قلبه أن لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه، فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجَّس» (دا 1: 8). إنهم لم يلتمسوا لأنفسهم العذر، في أنهم لا قِبَل لهم بما فُرض عليهم، إذ أنهم أمام أمر ملكي لا يقبل الرفض أو التعديل، غير أنهم تمسكوا بإلههم القدوس، وحفظوا أنفسهم من ملذات الملك الدنسة والنجسة. وأريد هنا أن أتوقف قليلاً، فنحن كمؤمنين لن ننغمس في الشر دفعة واحدة، بل يحدث ذلك معنا تدريجيًا، وأقول أن الشيطان يعلم ذلك جيدًا، فهو لا يعرض علينا بضاعته الفاسدة بصورة سافرة، بل يلوِّح بها إلينا من بعيد، مجمِّلاً إياها، وإذ ننخدع وننجذب إليها، نجد أنفسنا وقد تلوثت حياتنا بكل ما هو نجس ودنس! من أجل ذلك نجد الرب وهو يتكلم مع شعبه القديم عن عيد الفطير، والذي يستمر سبعة أيام، والتي تُمثل دورة الحياة، أي ما ينبغي أن يكون عليه شعبه طوال فترة حياتهم، يوصيهم ليس فقط أن يأكلوا فطيرًا، بل عليهم أيضًا أن يُخلوا بيوتهم من الخمير بكل صُوَّره، إذ نستمع إلى بعض وصايا الرب في هذا الصدد: «سبعة أيام تأكلون فطيرًا. اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم .. سبعة أيام لا يوجد خمير في بيوتكم .. لا تأكلوا شيئًا مختمرًا. في جميع مساكنكم تأكلون فطيرًا .. فطير يُؤكل السبعة الأيام، ولا يُرى عندك مختمرٌ، ولا يُرى عندك خمير في جميع تخومك» (خر12: 15، 19، 20، 13: 7). وهذا عين ما يُحرضنا عليه الرسول بولس، مشيرًا إلى ذات الوصية «إذًا نقوا منكم الخميرة العتيقة، لكي تكونوا عجينًا جديدًا كما أنتم فطير. لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذُبِحَ لأجلنا« (1كو 7:5). ومعروف في كلمة الله أن الخمير يشير إلى الشر وسرعة انتشاره وقوة تأثيره، وإلهنا القدوس وهو يعلم جبلتنا الساقطة الضعيفة، وميلنا الدفين إلى كل ما هو غير مُقدَّس، يؤكد هنا ،ليس فقط أن لا نتعامل مع الخمير، أو نأكل خميرًا، بل أن لا يكون له أي وجود في مجال حياتنا! نعم علينا أن نعزل الخمير .. أن لا يُرى خمير في بيوتنا .. أن نُنقِّي الخمير، أي لا نتلامس من قريب أو من بعيد مع كل ما هو نجس. وما أقوى وأوضح كلمات الرب في هذا الصدد «لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا، يقول الرب. ولا تمسوا نجسًا فأقبلكم «(2كو6 : 17)- (انظر أيضًا إش52: 11). علينا أن نُدرك يقينًا أن إلهنا قدوس، وأنه بدون قداسة لن يرى أحد الرب (عب14:12). ليتنا نطيع كلمات الرسول: «كأولاد الطاعة، لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم، بل نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة» (1بط 1 : 14، 15). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أن الكتاب المقدس يعلن لنا كثيرًا أن “الرزَّاق” هي صفة رائعة من صفات الله |
ما يُظهره لنا الحمام في الكتاب المقدس |
معلومات رائعة عن صفات الغراب |
صور حمامات مودرن رائعة الجمال |
صورة طبيعة رائعة الجمال |