رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فى الصعيد حيث يتجمع الإخوة فى بيت واحد، ليشكلوا عزوة يتقون بها الصعاب، وتحديداً فى قرية الحواتكة، حيث يقطن أحمد مصطفى وشقيقه عزت فى منزل واحد، يجتمعان كل مساء، يتسامران، يلعب الأبناء معاً، يذهبون لمعهد النور الأزهرى معاً، أحمد لديه حبيبة ومحمود، وعزت لديه أمل ومصطفى.
تعوّد أبناء الشقيقين على الاجتماع كل صباح، عيونهم ناعسة، وحقائبهم مليئة بالكتب وبعض السندويتشات، يأكلونها قبل وصول أتوبيس المدرسة، تطلق أمل صيحتها اليومية «همكم على بطنكم، لماذا خلق الله الفسحة»، يستغرب مصطفى تأخر الأتوبيس، تقول له حبيبة إنه لم يتأخر، لكنهم بالغوا فى التبكير، هذا عيب أن يكون 4 من بيت واحد فى نفس المدرسة، الواحد يعجّل بالآخر، يضحكون، يجهزون على ما بأيديهم من أطعمة، يظهر السائق من بعيد، يضغط «الكلاكس» كما اعتاد، يهرولون متتابعين، يجلسون فى أماكن متفرقة، تصر أمهم على ذلك، تعمل بنصيحة يعقوب لأبنائه حين زاروا يوسف، الدخول متفرقين قد يمنع الحسد، لكنه لا يمنع القدر، لا تمضى دقائق، حتى تظهر أمل وحدها، راكبة «موتوسكيل» وراء أحد أهالى القرية، على وجهها آثار رضوض، تضغط جرس المنزل، يهرول ناحيتها كل أهل المنزل، يخالون أن شجاراً نشب بينهم كالمعتاد حين يدخلون فى وصلة مزاح، لكن وجه أمل كان مقبضاً، لم تقل لهم إلا جملة واحدة: «محمود وحبيبة ومصطفى ماتوا، عند المزلقان، القطر خبط الأتوبيس». لتنفجر فى بكاء هستيرى. الطفل محمود وهو يتلقى العلاج تحرك أحمد، عم أمل، والذى يعمل معلماً فى معهد فتيات الأزهر، ناحية المزلقان، وفى خلده تدور الهواجس، يحاول طمأنة نفسه بأنه مجرد حادث عارض، وإلا كيف عادت أمل إليهم على قدميها بهذه الصورة، يقترب من مكان الحادث، يلمح أوراقاً تتطاير من كشاكيل، وحقائب ملقاة تخفى زلط القضبان عن الأعين، متعلقات تلاميذ بلا تلاميذ، دماء تكسو حديد القضبان، وشعور رؤوس تطايرت من أجسادها، أخذ يجرى، يقلّب فى قدم وينقب عن وجه، لعل ابنيه يجدهما، يريد حتى أن يواريهما الثرى، يبحث أيضاًً عن ابن أخيه مصطفى عزت، فجأة يلمح «مخاً» خارج رأس صاحبه، المخ لا يقف ثابتاً، بل ينبض بعنف، كأنه فوجئ من هول الحادثة، وجد وجه مصطفى، ها قد صدقت أمل، مات أخوها، لكن ماذا عن ولديه، أين غابا، يخبره الأهالى أن ثمة مصابين تم نقلهم إلى المستشفيات، يطير من منفلوط إلى أسيوط، ليجدهما استقرا فى المستشفى الجامعى بأسيوط. «كانت سرقانى السكينة وبعد ما شفت لحم الولاد مقطع على السكة الحديد، فقدت الأمل إنى ألقى ولادى عايشيين بس ربنا كبير». لا يفارق المستشفى، تارة يجالس حبيبة، يلاطفها، يحدثها عن أحلامها المستقبلية، وكيف يحلم أن يراها عروساً يتباهى بها، تأتى إليه عمة الأولاد، تخبره أن محمود يئن طالباً أن يراه، يذهب إليه، يقترب من جبينه، يقبله، يتحسس الجبيرة على يده اليمنى، يقول الابن فى وهن «عاوز أشرب ميّه يابا، متسبنيش وتغيب وخليك جنبى». يقول الأب إنه يعد ابنه ليكون داعية إسلامياً كبيراً، هو الآن يحفظ جزءين من القرآن، يقرأهما بتجويد بليغ، فيما يلقى اللوم على إدارة المعهد التى تركت أتوبيساً متهالكاً يحمل كل هذا العدد من الطلاب، تدخل عمته فى الحديث تتساءل عن جدوى العقاب، وكيف أنه لن يعيد هؤلاء الأطفال للحياة مرة أخرى، ماذا سيجدى عقاب أو استقالة مع أب لم ينجب سوى ابن وحيد مات فى الحادثة، ولن يستطيع حتى أن ينجب مرة أخرى «وزير النقل قدم استقالته، كدا مسئوليته عن الحادثة راحت خلاص؟». حال المستشفى والعلاج لم يختلف كثيراً عن حالات أخرى تعانى الأمرّين، إذ تمت الإشارة إلى كون الأب نزل بنفسه لشراء محلول لخفض السخونة على حسابه الشخصى، حيث لا يتوفر فى المستشفى من جهة، ومن جهة أخرى يحتاج سرعة التوفر، كما احتاج محمود لعمل أشعة مقطعية على موضع الإصابة، وكان خارج المستشفى أيضاًً، وعلى حساب الأسرة الشخصى، يعود الأب أحمد مصطفى بالحديث، عن أخيه، الذى دخل العناية المركزة، عقب وفاة ابنه، وبقاء ابنته مصابة فى البيت، لا تتوقف عن القىء والبكاء لموت أخيها الذى كان معها فى نفس الأتوبيس، يؤكد أن الذى سيشفى الغليل هو الرقابة، وذيوعها على الجميع فيما بعد «لو فيه رقابة من فوق، من أكبر راس فى البلد، اللى تحت حيخاف». حبيبة، ومحمود، لن يكملا فى معهد النور الأزهرى، لأن النفس لن تقبل أن يركبوا الأتوبيس من جديد إلى ذلك المشوار البعيد، مشوارهم اليومى، وعزوة الأسرتين تفرقت، الاجتماع لمجابهة الخطر، بات اجتماعاً لمشاركة الحزن، والحرص على الدخول متفرقين خوفاً من الحسد، لا يجدى بالضرورة نفعاً، فقد دفع بسبع سنين عجاف فى عصر يوسف، وبعمر كامل من الجفاف فى أسرتين فقدت ابناً، وأصيب ثلاثة آخرون، على شفا حفرة من الموت. الوطــن |
|