وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة ( تك 3: 8 )
لما أخطأ أبوانا وعصيا أمر الرب، كانت نتيجة هذا العصيان الإحساس بالعُري، الأمر الذي دفع كلا منهما لمحاولة إخفائه عن نفسه وعن عيني شريكه. بيد أنه أعقب هذا الوضع ما هو أشر من الخزي والمذلة، ذلك أن ثقتهما في الرب الإله قد ضاعت، وأن الخطية ملأت قلبيهما رُعباً وعدم إيمان، وما عاد لصوت الرب الإله جاذبيته السابقة، ولا بقيت ذكرى صلاحه في قلبيهما. صحيح أنهما اكتسبا معرفة الخير والشر، وإنما لإذلالهما وإحساسهما بصغر شأنهما! وتلك هي الحال أبداً. وهكذا لم يخلف لنا أبوانا الموت فقط، بل أيضاً الضمير الشرير؛ وهي تركة البؤس! فالإنسان الذي يستشعر الشر ينفر من الله ويسيء الظن به.
وهكذا نجد آدم وامرأته يختبآن من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. وهل من دليل على الأذى الذي ألحقه بهما العدو أقوى من هذا الدليل؟ لقد استطاعت مكائد الشيطان الماكرة أن توقع أول زوجين في هوة العصيان، والبرهان على ذلك محاولتهما الاختباء. فقد «اختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله» ولو وُجدت ذرة واحدة من فعل التوبة في قلبيهما، لسعيا إلى الرب مباشرة في تبكيت نفسي وخوف من خطيتهما وطرحا نفسيهما على الرحمة التي هي إلى الأبد. إلا أنه لا توبة حقة بدون إيمان، وقد كان ينقصهما يومئذ الإيمان في الله. وهكذا كان صوته ماشياً في الجنة مبعث رعب لهما فأخفيا نفسيهما عن حضرته.
والآن انظر ما أشد المُباينة: بين المشهد السابق؛ ومشهد المسيح وخاصته الذين يسمعون صوته ويتبعونه، الذين يعرفون صوته دون صوت الغريب. أما صوت الرب الإله فلم يوقظ في قلب أبوينا سوى الخوف الذي له عذاب. وغير ذلك لا يمكن للضمير أن يفعله للإنسان المُذنب، إلى أن يؤمن بشهادة الله عن المسيح. والمسيح هو الشاهد لمحبة الله الذي أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به؛ لا بل وقد أرسله كفارة لخطايانا. في هذا هي المحبة، ليس أننا نحن أحببنا الله ـ مع أنه كان ينبغي أن نحبه ـ بل إنه هو أحبنا برغم خطايانا. وما كان ليفيدنا ما هو دون هذه المحبة التي توسطت وتدخلت لكي تخلّص. فهي إنما تخلّص بأن تعطينا حياة نحن المؤمنين، إذ بموت المسيح قد مُحيت خطايانا إلى الأبد بالبر، لنحيا لله.