- القس بيشوي فايق
لماذا يسمح الله بموت الأطفال الأبرياء المولودين من آباء أشرار مع آبائهم أثناء حروب العهد القديم؟ ولماذا يموت أطفال رضع مع من ماتوا ضمن ضربة أبكار مصر؟ ولماذا لم يُنَجّ الله الكثير من أطفال العبرانيين، كما نجى الطفل موسى النبي من الموت؟
الإجابة:
الموت يقتحم حياة جميع البشر: الرضعان والأطفال والشباب والكبار رجالًا ونساءً، ولا يقف أمامه عائق. ولكن الله لا يمكن أن يُلام بسبب موت إنسان في طفولته أو شبابه، ذلك لأن الموت أمر سيادي يخص الله واهب الحياة كما سنشرح فيما يلي:
أولًا: الله له السيادة على أمور البشر
إن الله له السلطان على خليقته، وبالطبع على أرواح بني البشر، لأنهم صنعة يديه. إنه يحيي من يشاء، وينهي أيضًا حياة من يشاء كقول الكتاب: "الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ" (1صم2: 6).
وكما أنه له السلطان أن يبارك أعمال الإنسان فهو أيضًا له السلطان أن يرذلها بحسب النبوءة التي نطق بها بلعام قائلًا: "إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أُبَارِكَ. فَإِنَّهُ قَدْ بَارَكَ فَلاَ أَرُدُّهُ. لَمْ يُبْصِرْ إِثْمًا فِي يَعْقُوبَ، وَلاَ رَأَى تَعَبًا فِي إِسْرَائِيلَ. الرَّبُّ إِلهُهُ مَعَهُ، وَهُتَافُ مَلِكٍ فِيهِ" (عد23: 20- 21).
فيما يلي نشرح ذلك تفصيلًا:
* الله هو مانح الحياة
الله هو مانح أرواح البشر، وهو سبب الوجود كقول الكتاب: "هكَذَا يَقُولُ اللهُ الرَّبُّ، خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا، مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا" (إش42: 5).
وحسب القاعدة المعروفة: "أن المالك له السيادة فيما يملكه"، لذلك لله الواهب الحياة الحق كل الحق في استرداد روح الإنسان وقتما شاء.
* الله لا يُسأل لماذا؟
إن الله لا يمكن أن يُملي عليه أحد رأيًا في أمر توقييت موت أي إنسان، وليس لأحد الحق في سؤاله عن سبب وفاة أحد. وبالإجمال ليس لأحد الحق في سؤال الله في أمر الموت بالقول لماذا؟! وذلك كقول الوحي الإلهي: "بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هكَذَا؟" (رو9: 20).
وقوله: "لِمَاذَا تُخَاصِمُهُ؟ لأَنَّ كُلَّ أُمُورِهِ لاَ يُجَاوِبُ عَنْهَا" (أي33: 13).
* المشيئة الإلهية من حياة الإنسان أو موته
يحفظ الله الإنسان حيًا في أرض الأحياء مدة من الزمن، قد تقصر جدًا لمدة لا تتعدى ثوان معدودة، أو قد تطول لمئات السنين وفق تدبير إلهي لإتمام رسالة معينة خاصة به. إن الله يحدد لكل إنسان زمن الحياة الكافي لإتمام رسالة حياته.
وتنتهي حياة الإنسان على الأرض فورًا عند تمام رسالته المعينة له من قبل إله السماء وفق حكمته العالية والغير المدركة، كقول الكتاب: "يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟" (رو11: 33- 34).
ثانيًا: علاقة القصاص الإلهي بموت الأطفال
* لا قصاص إلهي دون خطية
غضب الله على شعب إسرائيل، لأنهم عملوا لأنفسهم عجل من الذهب، فأعلن الله لموسى نبيه استحقاقهم للعقاب، ولكن موسى النبي سارع بالإعلان عن استعداده لتحمل العقاب نيابة عن شعبه.
أما الله العادل فأعلن له أن قصاصه لا يقع على البريء مطلقًا قائلًا: "فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: مَنْ أَخْطَأَ إِلَيَّ أَمْحُوهُ مِنْ كِتَابِي" (خر32: 33).
ومما يؤيد ذلك أيضًا قول الكتاب: "لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ.." (رو6: 23).
* الموت الجسدي ليس عقوبة لخطية بعينها
يصيب الموت الجميع مؤمنين وغير مؤمنين، أبرارًا وأشرارًا حسب عقاب الله لأب البشرية آدم، وكما علمنا أيضًا الوحي الإلهي القائل: "وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ" (عب9: 27).
إن قضاء الموت عقوبة عامة على جنس البشر، ولكن موت الأطفال في حالة الحروب، أو مثلما حدث في ضربة أبكار المصريين، أو ما شابه ذلك.. لا يمكن اعتباره عقوبة عن خطية معينة، لكن مثل تلك الوقائع تدخل تحت بند التدبير الإلهي ووفق حكمة إلهية فائقة.
* الأبناء لا يدانوا بذنب الآباء
لقد أكد حزقيال النبي أن الابن لا يحمل ذنب الأب، ولا الأب يحمل ذنب الابن، بل كل واحد يحمل ذنبه الشخصي قائلًا: "اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ" (حز18: 20). ومع هذا فإن شر الأشرار يترجم على أرض الواقع إلى أفعال تؤذي من حولهم، وهذا ما سنوضحه لاحقًا من خلال شرحنا لشريعة البركة واللعنة المذكورة في سفر التثنية، والتي تؤثر على الأبناء بما فيهم من أطفال.
* موت الأطفال نتيجة تلقائية لشر الآباء، وليس قصاصًا إلهيًا
إن من يسلك في الشر يسيء لنفسه ولغيره، ويجلب لنفسه ولمن حوله الألم والفساد والموت، وعلى سبيل المثال نلاحظ أن الإنسان القاسي العنيف يجلب لنفسه غضب وانتقام من يسيئ إليه، وهكذا يأتي عليه الشر، وعلى من معه، وذلك على سبيل رد الفعل، ومن أوضح الأمثلة على ذلك قول الكتاب عن إسماعيل الذي وصفه الوحي الإلهي بأنه إنسانًا وحشيًا: "وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ" (تك16: 12).
* لا علاقة بين موت الجسد والمصير الأبدي للإنسان
لا يوجد علاقة مباشرة بين كيفية الموت، وبين المصير الأبدي. إن موت إنسان ما بطريقة مأساوية لا يعني بالضرورة غضب الله على ذلك الإنسان، وخير مثال لذلك ما رآه إسطفانوس (بينما كان اليهود الحاقدين يقذفونه بالحجارة) من سماء مفتوحة تنتظره، والرب يسوع قائمًا منتظرًا كمال جهاده كقول الكتاب: "فَقَالَ: هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ" (أع7: 56).
ثالثًا: الموت المأساوي ليس هو نهاية المطاف
* مفهوم الوحي الإلهي عن الموت
طرد الله أب البشرية وذريته من الفردوس إلى أرض الشقاء على سبيل العقوبة، ومع هذا يغيب عن غير المؤمنين إن الموت ليس هو نهاية المطاف، لذلك يعتقدون أن البقاء في هذه الدنيا هو الأفضل لهم بالرغم من معاناتهم الكثيرة.
ولكن الوحي الإلهي يقدم لنا رؤية مختلفة تمامًا. فالكتاب يؤكد على الدوام أن حياة الإنسان جهاد وتعب، لأنه يعمل كأجير في هذه الدنيا.
ويعطينا الكتاب أيضًا رجاء في الانتقال إلى مكان آخر أفضل أي السماء من خلال موت الجسد لكي ننال المكافأة والعوض عن جهادنا وأتعابنا في الدنيا، كقول أيوب الصديق: "أَلَيْسَ جِهَادٌ لِلإِنْسَانِ عَلَى الأَرْضِ، وَكَأَيَّامِ الأَجِيرِ أَيَّامُهُ؟ كَمَا يَتَشَوَّقُ الْعَبْدُ إِلَى الظِّلِّ، وَكَمَا يَتَرَجَّى الأَجِيرُ أُجْرَتَهُ" (أي7: 1- 2).