رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأمطار الغزيرة والثلج لأَنَّهُ يَقُولُ لِلثَّلْجِ: اسْقُطْ عَلَى الأَرْضِ. كَذَا لِوَابِلِ الْمَطَر،ِ وَابِلِ أَمْطَارِ عِزِّهِ [6]. يتحدث أليهو عن العواصف الثلجية، حيث يسقط الثلج الثقيل - وليس البَرَدْ - فبسبب شدة برودة الجو يتحول المطر إلى ثلج، ويسقط ويستقر على الأرض، فيجعل منها بساطًا ناصع البياض، يعكس النور بطريقة مبدعة. يشير هذا الثلج إلى حكمة الله التي يهبها على كنيسته ويتمتع بها المؤمنون، فيحملون برّ المسيح الطاهر، ويعكسون بهاءه. بأمره يسقط المطر الخفيف، كما الأمطار الثقيلة، فكل الظواهر لا تتحرك إلا بأمره، إذ هي تحت سلطانه. * إذ يقول المرتل: "تغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز 51: 7). ماذا نفهم بالثلج إلا قلوب القديسين التي صارت بيضاء بنور البرّ...؟ الماء إذن هو عقول الكارزين التي تثبت في معانٍ عالية للأمور، عندما يرتفعون بالتأمل في السماويات... بالتأكيد كان بولس يمطر ماءً على الأرض عندما عرف الناموس بطريقة جسدانية. لكنه إذ ارتفع إلى المعرفة السماوية تحول إلى ثلج. لقد غيَّر معرفته السابقة الواهية إلى صلابة الحكمة الحقيقية، رجع ونزل غلى إخوته، إذ عاد ثلجًا إلى الأرض. فإنه حتى بعد بلوغه أعالي الفضيلة، كان يعرف كيف كان غير مستحقٍ، قائلًا: "أنا الذي كنت مجدفًا ومضطهدًا" (1 تي 1: 13). انظروا كيف وضع بعين الاعتبار أن يستدعي عقله ليتذكر ضعفه، لكي يحتمل ضعفات الآخرين. عاد بولس كما بكونه في السماء إلى الأرض التي أُخذ منها، هذا الذي بعد بلوغه إلى الأسرار العظيمة لتأملاته، يتذكر أنه كان خاطئًا حتى يفيد الخطاة بتواضعه.... "أمطار قوة الله عِزِّهِ"، هي الكرازة بناسوته، التي قال عنها بولس (1 كو 1: 25)، وأيضًا: "لأنه وإن كان قد ُصًلب في ضعفٍ، لكنه حيّ بقوة الله" (2 كو 13: 14). لكن القديسين كرزوا هكذا بضعف ناسوته لكي يسلكوا في قلوب السامعين بقوة اللاهوت أيضًا. ليتنا نسمع خلال رعد السحاب أمطار قوته: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" (يو 1: 1). لنسمع أمطار ضعفه: "والكلمة صار جسدًا وحلٌ بيننا" (يو 1: 14). البابا غريغوريوس (الكبير) لأننا قد تجددنا بالتجديد الذي نلناه في المعمودية، وتجددنا خلال سكب الروح القدس، وسنتجدد أيضًا بالقيامة، كما يقول في داود نصٍ آخر: "فيتجدد مثل النسر شبابك" (مز 103:5) فاعلموا طريقة تجديدنا: "تنضح عليَّ بزوفاك فأطهر، تغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز 51:9) وفي إشعياء: "إن كانت خطاياكم حمراء كالقرمز، تبيض كالثلج" (إش 1:18) ومن يتغير من الظلمة، ظلمة الخطية، إلى نور الفضيلة وإلى النعمة، إنما قد تجدد فعلًا. لهذا فإن ذاك الذي تلطخ قبلًا بالدنس الأحمق، يشرق الآن بسطوع أكثر بياضًا من الثلج.القديس أمبروسيوس يَخْتِمُ عَلَى يَدِ كُلِّ إِنْسَانٍ، لِيَعْلَمَ كُلُّ النَّاسِ خَالِقَهُم [7]. في البلاد التي تسقط فيها الثلوج خلال العواصف الثلجية، كان الكل، خاصة الفلاحون، يلزمون بيوتهم في فترة الشتاء، وكأن الله بمحبته يختم على أيديهم ليستريحوا في فصل الشتاء القارس من الأعمال خارج البيت، ويخرجون بعد الشتاء للعمل بنشاطٍ وقوة. الطبيعة التي خلقها الله لخدمتنا صارت معلمًا لنا. فخلال تعاقب الفصول يدرك البشر خطة الله من نحو الإنسان. فيعرف الإنسان أن للعمل وقتًا وللراحة وقتًا. هكذا يليق بالإنسان من حين إلى آخر أن يدخل إلى راحة التأمل في عمل الله وطلب إشراق روح الله عليه، ليكشف له عن محبة الله كما يكشف له عن ضعفاته وأخطائه، فيقدم دائمًا توبة مستمرة مع رجاءٍ مفرحٍ وشكرٍ لله غافر الخطايا. * إذ يستخف البشر بالتفكير في الخطايا التي يرتكبونها، لهذا عندما يسمعون بقوةٍ الحزم السماوي، يدركون ثقل أفعالهم الرديئة التي تهدر حياتهم... يمكن أن تفهم هذه العبارة (أي 37: 7) بمعنى آخر. فإن الخالق قدير عن كل الخلائق التي بلا حسٍ ولا عقلٍ، لكي يلتزم الإنسان ألا يجهل ما يفعله. إنه ملتزم بناموس الطبيعة، ليدرك ما يفعله إن كان حقًا أو خطأ. فإنه لماذا يُدان على سلوكه لو كان جاهلًا ما فعله...؟ لذلك حسنًا قيل: "لأن الشر يدل على الجبن، حين يحكم على نفسه أن سلوكه يستحق الإدانة" (راجع حك 17: 11)... مقابل هذا قيل بيوحنا: "إن لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقة من نحو الله" (1 يو 3: 21). البابا غريغوريوس (الكبير) يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن يد الله الواضحة في الطبيعة والتي تشهد لقدرته الفائقة تدفع الإنسان إلى اكتشاف ضعفه الذاتي مع إمكانياته الجبارة بالله القدير، وفيما هو ضعيف يدرك أنه بالله قوي. "ليقل الضعيف بطل أنا" (يوئيل 3: 10). كما يقول الرسول بولس: "لأني حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوي" (2 كو 12: 10). * يقول هذا هو السبب لأعماله الخلاّقة، السبب لوجود البرد والحر، ولهبوب الرياح بطريقة تبدو بلا هدف. أما كان ممكنًا أن يقدم مجموعة متناسقة معًا؟ لم يفعل الله ذلك، لكي ما يمنع بكل وسيلة الفكر المتكبر المتعجرف. يفعل هذا لكي يعرف كل إنسانٍ ضعفه. على عكس هذا جاءت خلقة تكوين الجسم وسير حياتنا، فقد نُظمت بطريقة تقودنا إلى التواضع حتى نتعلم السلوك باعتدال، وأن ندرك ضعفنا. لنقل مثل إبراهيم: "أنا تراب ورماد" (تك 18: 28)، ومثل داود: "أنا دودة لا إنسان" (مز 22: 6)، ومثل الرسول: "وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أنا" (1 كو 15: 8). لقد خلق الإنسان ضعيفًا، لكن الإنسان يحسب نفسه قويًا، ولذلك صار أكثر ضعفًا. لكن يظهر الله قوته أحيانًا لكي يهبنا فهمًا (وقوة) في داخلنا. القديس يوحنا الذهبي الفم * يحثنا الله الكلمة ويقوينا حتى نبتعد عن الشياطين، ونتبع الله الحيّ وحده بابنه. نحن الذين اِنغمسنا زمانًا في الزنا، الآن نقبل الطهارة وحدها. استخدمنا قبلًا فنون السحر، والآن نكرس أنفسنا لله الحيّ الصالح. كان همنا فوق كل شيء أن نكسب ثروات وممتلكات، والآن نأتي بما نملكه ليصير ملكًا عامًا ليأخذ منها كل محتاجٍ. كرهنا بعضنا البعض ودمرنا بعضنا البعض بسبب اختلاف سلوكنا، إذ كنا نرفض العيش مع من هم من قبيلة أخرى، أما اليوم فمنذ مجيء المسيح نعيش معًا في أُلفة. اليوم نصلي من أجل أعدائنا، ونحاول أن نحث الذين يبغضوننا باطلًا أن يذعنوا لمبادئ المسيح الصالحة ولوصاياه بغية أن يشاركونا ذات الرجاء المفرح لنوال مكافأة يقدمها الله ضابط الكل. الشهيد يوستين فَتَدْخُلُ الْحَيَوَانَاتُ الْمَآويَ، وَتَسْتَقِرُّ فِي أَوْجِرَتِهَا [8]. يرى أليهو حكمة الله ليس فقط من جهة الإنسان، وإنما حتى من جهة حيوانات البرية المفترسة. ففي فترة الشتاء حيث البرد القارس تلتزم هذه الحيوانات بالبقاء في خمول في جحورها وكهوفها، تكاد تكون بلا حركة، وهي بهذا لا تحتاج إلى طعامٍ كثيرٍ تقتات به. يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن أليهو يتحدث عن الحيوانات المفترسة، إبليس وجنوده، الذين يدخلون في قلوب الأشرار وأفكارهم ويستقرون فيها بكونها مملكتهم. أما بالنسبة للأبرار، فإن الشياطين تهاجمهم، وقد تقتحم أعماقهم إلى حينٍ، ولن يستطيعوا أن يستقروا فيها. * ماذا يقصد بالحيوان إلا عدونا القديم الذي بعنفٍ هدف نحو خداع الإنسان الأول وتشويه كمال حياته بمشورته الشريرة؟ ضد هذا جاء الوعد بكلمات النبي بخصوص إصلاح كنيسة المختارين إلى حالها القديم: "وحش مفترس لا يصعد إليها" (إش 35: 9)... أظن أنه يلزم ملاحظة أن هذا الحيوان قيل عنه ليس أنه يدخل عرينه، بل يستقر فيه. فإنه يدخل أحيانًا في أذهان الصالحين، ويقترح أفكارًا غير لائقة، ويرعبهم بالتجارب، ويسعى أن يفسد استقامة الروح بملذات الجسد. إنه يجاهد أيضًا لأن يحمل اللذة قدر ما يقبلها الشخص. إنه يدخل عقول الصالحين، لكنه لا يقدر أن يستقر فيها، لأن قلب البار ليس عرينًا لهذا الشخص. البابا غريغوريوس (الكبير) مِنَ الْجَنُوبِ تَأْتِي الأَعْصَارُ، وَمِنَ الشِّمَالِ الْبَرَدُ [9]. في الكتاب المقدس حيث أغلب الأحداث الواردة فيه تمت في منطقة الشرق الأوسط، يُنظر إلى الرياح الجنوبية أنها حارة، بينما الشمالية باردة. حين تحل الرياح الشمالية الباردة تمتلئ السماء بالسحب مع الرعد والبرق، وإذا تهب الرياح الجنوبية الحارة تَتبدد السحب ويزول الضباب. يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن الأعصار الحارة تأتي من الجنوب والبَرَد من الشمال، الأولى تشير إلى المؤمنين الحارين في الإيمان حيث تشرق عليهم الشمس كما في منتصف النهار، والثاني يشير إلى غير المؤمنين المحرومين من الشمس، فيبقون في برود روحي. * من يتعلم أن يمارس عمل الله في هذا العالم - وادي الدموع والأتعاب هذا - يصير متهللًا مثل المزارع المُجِدْ الذي يزرع البذار حتى في موت الشتاء، فهل تقدر الرياح الباردة والجو القاسي أن يمنعه عن العمل؟ حتمًا لا! هكذا يليق بنا أن نتطلع إلى متاعب هذه الحياة. تُلقى الملاهي في طريقنا بواسطة الشرير، بقصد أن نَحد عن الأعمال الصالحة التي خُلقنا لكي نعملها. تطلعوا ماذا يقول المرتل: "من يخرج باكيًا..." بالحق يجد علة للبكاء، يجد كل واحدٍ منا ذلك. ومع هذا يلزمنا أن نسير، ممارسين أعمال الله الصالحة في طريقنا. كم نكون بائسين إن كنا قد دُعينا للعمل بجدية لكي نبكي فقط دون التطلع إلى أية ثمرة لعملنا. يا لنا من بائسين إن كنا لا نجد أحدًا يمسح دموعنا. لكننا نعرف أن الروح القدس يعمل لكي نستمر في الغرس وسط دموعنا. لأن الروح يعدنا خلال المرتل أننا نعود مندهشين بالفرح! نحمل ثمر تعبنا كتقدمة له. القديس أغسطينوس *"استيقظي يا ريح الشمال، وتعالي يا ريح الجنوب" (نش 4: 16)... دعنا نوجه اِهتمامنا إلى الطريقة التي تجعل بها الملكة ريح الشمال يبتعد عنها ثم يرجع إليها. إنها لا تأمره أن يسكن كما أمر السيد المسيح العاصفة أن تهدأ عندما كان سائرًا على المياه (لو 8: 23-24) ولكنها أمرت ريح الجنوب أن تهب وأن لا تعترضها أي ريح معاكسة قالت لريح الشمال: "استيقظي" ما هو السبب في حركة هذه الرياح؟ تتكلم الأمثال عن هذه الرياح: "من يخبئها يخبئ الريح ويمينه تقبض على الزيت" (أم 27: 16)، ولكن لا تهب ريح الشمال عن يمين الشخص في اِتجاه الغروب... وحركة الشمس في اِتجاه الغروب. أنت تفهم حقيقة ما تحتويه هذه الكلمات من أسرار: تشرق الشمس من الشرق وتسرع نحو الغروب أي ناحية قوى الظلمة، يقع الشمال على يمين الشمس ويستقبل إهانات أثناء رحلته التي تنتهي في الظلمة.لذلك يجد الشخص الغير منضبط نفسه كأنه ريح الشمال يسلك ويعمل أعمالًا مشينة. هذه الريح الشريرة على اليمين تمتلئ طمعًا عندما ترفع أكوامًا من الأشياء المالية، كأنها رمل أو تراب، ونتيجة لهذا فإن ريح الشمال تتعاون مع أخطاء كل شخص وتهبّ على جانبه الأيمن ولكن إذا كانت هذه الريح شديدة جدًا فإنها تغيّر وتقلب الأمور وتزيل متعة الفرح، لذلك تجعل العروس ريح الشمال التي تأتي قوتها من الأهواء أن تهرب تحت مسئوليتها: "اِستيقظي يا ريح الشمال". تشير ريح الشمال إلى القوى المضادة (لله)، ويظهر هذا بوضوح لأي شخص يبحث في طبيعة الحق المرئي فمن لا يدري بمسار الشمس بعد شروقها؟ أنها تظهر وكأنها تتحرك نحو الجنوب وتغرب في الغرب. ويقول الخبراء أن الأرض كرويّة، فإذا أضيء نصف الأرض بالشمس يكون النصف المقابل له مظلمًا لوقوعه في منطقة ظل الأرض. ولما كان القطب الشمالي للأرض باردًا باِستمرار ولا تدفئه أو تضيئه أشعة الشمس، فإن القوة المتحكمة في الظلمة تُحجز النفوس وتجعلها جامدة، يسمي النشيد هذا التجمد: "الشمال" أي تأثير ظلام الشتاء. إني أُسميه الشتاء الذي أشار إليه الإنجيل قائلًا: "وصلوا لكي لا يكون هربكم في الشتاء" (مت 24: 20). وفي الشتاء تنطفئ الصفات المزدهرة حسب الفضيلة. أصابت الملكة حينما أمرت بسلطانها دفع ريح الشمال بعيدًا. ونادت على ريح منتصف النهار الدافئ الذي تسميه ريح الجنوب، وبواسطته يفيض تيار جارف من السرور: "تعالي يا ريح الجنوب، هبِّي على جنتي فتقطر أطيابها". وتشبِه هذه الريح القوية التي هبت في العلية عندما كان التلاميذ فيها (أع 2:2) "وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم". وكأنهم نباتات حيَّة تساعد هذه الريح حديقة الله على إنتاج الأعشاب العطرة، وتصدر نبوءات يفوح منها روائح ذكية ووصايا الخلاص للإيمان بفم الرسل ويخرج منها عطر تعاليمهم بكل اللغات. لقد جعلت ريح الجنوب هذه تعاليم المائة والعشرين... الذين كانوا نابتين في بيت الرب تفيض على كل أمم الأرض (أع 1: 15). تقول العروس الآن لريح الجنوب "هبِّي على جنتي"، لأن عريسها جعلها أمًا للحدائق: ويشمل النص حدائق وينبوع. من أجل هذا يرغب العريس لحديقته، الكنيسة، التي تمتلئ بالأشجار الحيّة، أن تهب عليها هذه الريح، لكي تحمل منها روائح عطورها. ويقول النبي: "الريح العاصفة الصانعة كلمته" (مز 148: 8). تزينت العروس بزينة الملكة البهية، وغيّرت النهيرات التي تفيض عطرًا إلى شيء أكثر جمالًا، فجعلتها تفيض من أشجار الحدائق بواسطة قوة الروح القدس. ويمكننا بهذه الصورة أن نتعلم الفرق بين العهدين القديم والجديد: يمتلئ نهر النبوة بالمياه بينما تمتلئ أنهار الإنجيل بالعطر. وكان نهر القديس بولس يحمل رائحة المسيح العطرة، ويفيض من حديقة الكنيسة بواسطة الروح القدس. والأمثلة الأخرى كيوحنا، ولوقا ومتى ومرقس وجميع الرسل الآخرين كلهم يرمزون إلى نباتات نبيلة في حديقة العروس، وعندما تهب عليها في منتصف الظهيرة تصير ريح الجنوب جميعًا ينابيع عطور لرائحة الأناجيل الزكية. القديس غريغوريوس النيسي مِنْ نَسَمَةِ اللهِ يُجْعَلُ الْجَمَد ُ(الجليد)، وَتَتَضَيَّقُ سِعَةُ الْمِيَاهِ [10]. يُسمح بنزول الجليد (الماء المجمد). وإن كان ظهور الجليد نتيجة عوامل طبيعية، لكن حتى الظواهر لا تتم اعتباطًا، بل الله هو ضابط الطبيعة. يقول المرتل: "الذي يعطي الثلج كالصوف، ويذري الصقيع كالرماد. يلقي جمده (ثلجه) كفتات، قدام برده من يقف؟" (مز 147: 16-17). * من الذي يصب الهواء بفيضٍ شديدٍ... لا يقدمه بمقاييس حسب رتبة البشر وثرواتهم، ولا يُحد بواسطة تخوم معينة، ولا يقسمه حسب أعمار الشعب، وإنما كما كان يوزع المن (خر 16: 18)، يقدم بما فيه الكفاية للكل بالتساوي، ومركبة الخليقة المجنحة، وكرسي الرياح، وفصول السنة الوسيطة، والمحيي الكائنات الحية، أو بالأحرى حافظ الحياة الطبيعية للجسم، التي بها تعيش الأجسام وبها تتكلم، وفيها يكون النور وكل ما يشرق عليها، والبصر الذي يفيض خلالها...؟ ما هي مخازن الرياح؟ ما هي كنوز الثلج...؟ وكما يقول الكتاب من الذي ولد قطرات الندي؟ من أي رحم جاء الثلج؟ ومن الذي يربط الماء في السحب، ويثبت أجزاء السحب... * "عندما ينفخ الله يتجمد الثلج" [10]. إذ ينفخ الروح القدس على قلوب المؤمنين، ويهب عجائب القوة العظيمة، ينمو الجسد الذي يسبب شللًا (تخديرًا) في بلادة قلوب غير المؤمنين. تصير الجموع غير المؤمنة قاسية ضد الله بذات الأسباب التي تجعل الشعب المتواضع يكف عن العناد الذي ارتبط به. فإنه إذ ينفخ الله عليهم، أولئك صاروا ثلجًا، إذ قالوا خلال حسدهم على المعجزات التي صنعها: "هوذا العالم قد ذهب وراءه" (يو 12: 19). لقد رأوا الآيات، وأدركوا المعجزات التي تمت بواسطة خدامه، وسبق فرأوا العالم كله يذهب ليتبع كرازة الإيمان. ومع هذا فكلما ملأ الروح القدس العالم تشبثوا بالأكثر بخبث الحسد الذي يقيد أذهانهم. "ويفيض بالماء بغزارة". لأنه الرب بالحقيقة يسكب المياه بغزارة بعد هذا الجليد. بعد أن احتمل قسوة اليهود، بعد موته، للحال أذاب قلوبهم من قسوة عدم إيمانهم، إذ نفخ عليهم نسمة الحب نحوه، حتى يجروا إليه لطاعته بشغفٍ، قدر المستطاع كما قيل بالحكيم: "كما الجليد في جو سليم هكذا تذوب خطاياكم وتُنزع عنكم" راجع (سي 3: 15)... عن المياه، أي الشعب المحتشد معًا نحو الرب، يُقال: "يُرسل كلمته فيذيبها. يهب بريحه (بنسمته) فتسيل المياه" (مز 147: 18). ألم يكن بولس جليدًا وهو ذاهب إلى دمشق، بعدما تسلم رسائل، وكان يعمل ضد بذور كلمة الله التي انتثرت في قلوب المؤمنين كما في الأرض، حتى لا تنبت وتبلغ كمال الأعمال الصالحة؟ لكن هذا الجليد تحول إلى ماء، وإذ رُوي فيما بعد بمجاري النصائح المقدسة أولئك الذين سعى قبلًا للضغط عليهم بالاضطهاد. هذا لكي ما يأتوا بحصادٍ وفيرٍ للمختارين قدر ما ترويها أمطار الله من فم المُضطهد. القديس غريغوريوس النزينزي أَيْضًا بِرِيٍّ يَطْرَحُ الْغَيْمَ. يُبَدِّدُ سَحَابَ نُورِهِ [11]. إذ يروي الرب الأرض يقوم بتفريغ السحاب السميك لكي يهطل أمطارًا على الأرض، حتى تنبت وتظهر براعم. جاء في الترجمة السبعينية: "الحنطة تطلب سحابًا". "يُبَدِّدُ سَحَابَ نُورِه".ِ يرى البعض أن الله في محبته يجعل السحب الكثيفة أشبه بالسيدة الحامل التي تتوجع وهي تنجب طفلًا. تجلب السحب الكثيفة أمطارًا فتتبدد، كأنها تحتمل آلامًا من أجل خدمة الإنسان وإرواء الأرض له. إذ تسقط الأمطار تصير السحب خفيفة ومنيرة. فَهِيَ مُدَوَّرَةٌ مُتَقَلِّبَةٌ بِإِدَارَتِهِ، لِتَفْعَلَ كُلَّ مَا يَأْمُرُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ الْمَسْكُونَةِ [12]. تبدو السحب كأنها تدور حول نفسها بطريقة عشوائية. يحرك الله السحب حسب مسرته، فتطيعه وتذهب من موضع إلى آخر على وجه الأرض. ليس لدى السحب الإمكانية لتتحرك حسب هواها، إنما تتم مشيئة الخالق. إن كانت حركات السحب تحتاج إلى تدبير إلهي، كم بالأكثر تحتاج البشرية إلى هذا التدبير. يقول الحكيم: "حيث لا تدبير يسقط الشعب، أما الخلاص فبكثرة المشيرين" (أم 1: 14). "المقاصد تثبت بالمشورة، وبالتدبير أعمل حربًا" (أم 20: 18). يحدثنا المرتل عن خضوع الطبيعة بكل ظواهرها لله، قائلًا: "النار والبرد الثلج والضباب، الريح العاصفة الصانعة كلمته" (مز 148: 8). سِوَاءٌ كَانَ لِلتَّأْدِيبِ، أَوْ لأَرْضِهِ أَوْ لِلرَّحْمَةِ يُرْسِلُهَا [13]. تحركات الطبيعة مثل السحب المثقلة بالأمطار التي تبدو عشوائية، هي بسماحٍ من الله، إما للتأديب أو علامة رضا الله على الإنسان أو من قبل حنانه ورحمته عليه. يسمح بالعواصف والطوفان أحيانًا للتأديب، كما حدث في العالم القديم (تك 7: 11-12). "لأرضه"، إذ يرسل الله مطرًا على الأرض علامة رضاه ومسرته بالإنسان، يحسب الأرض أرضه هو. يقول المرتل: "للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها" (مز 24: 1). جاء النص في الفولجاتا: "سواء في قبيلة واحدة أو في أرضه أو في أي أرض، حسب رحمته يرسلها". فإن كانت العواصف والسحب المملوءة مطرًا تتحرك حسب مسرته، فهو أيضًا يحدد لها الموضع الذي تهب فيه أو تسقط عليه. بقوله "لأرضه" يود الله أن يؤكد أنه يشتاق أن يعيش الإنسان كما في أرض الرب، كأنه يقيم منه آدم آخر يسكن في جنة الله التي يغرسها بيديه ويرويها بمياه نعمته، لتقدم ثمارًا مفرحة ومبهجة للإنسان التقي. |
|