رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أنا الرب إلهك... لا يكن لك آلهة سواي"
( تثنية 6:5-9) الوصية الأولى بقلم: الأب د. أنطون فرنسيس أنا الرب إلهك... لا يكن لك آلهة سواي تثنية 6:5-9 1) ما تأمر به الوصية الأولى: نص الوصية: "أنا الرب إلهك، الذي أخرجك من أرض مصر، من دار العبودية. لا يكن لك آلهة أخرى سواي. لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً، ولا صورة، مما في السماء من فوق، وما في الأرض من أسفل، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لها ولا تعبدها" (تثنية 6:5-9). هذه الوصية هي الوصية الأولى والأساسية، لأن عليها تقوم ومنها تتفرع كل الوصايا الأخرى. وكما قلنا، يتطلب الجواب عليها أن نعيش الفضائل المسيحية الأساسية الثلاث: الإيمان، الرجاء، المحبة. فالعمل بالوصية الأولى إعلان وتعبير عن الإيمان الأساسي. يعلن الله ذاته إلهاً واحداً: فاعلموا الآن ورددوا في قلوبكم، أن الرب هو الإله في السماء من فوق، وفي الأرض من أسفل، وأن لا إله سواه" (تثنية 39:4). الجواب بالإيمان والرجاء والمحبة: الإيمان هو جواب الإنسان، تصديق الله وهو عرفان بالجميل له، فقد شاء في محبته، أن يُشرك الإنسان في معرفة الذات الإلهية. وبالإيمان يعترف الإنسان بحدوده ويقبلها. وأمام عظمة وقدرة الله يُقرّ بأنه يستمد وجوده وكيانه من الله الخالق. ومن الإيمان ينبثق الرجاء. فالرجاء هو الثقة في أن الله يحبنا، وسيبقى دائماً أميناً لحبه وعهده لنا. هذا الرجاء الأكيد هو ينبوع القوة التي تمنح الثبات في الإيمان بوعد الله وعهده وبالأخصّ في وقت الشدة والألم. وينصهر الإيمان والرجاء في المحبة التي هي الجواب والموقف الشخصي والأساسي تجاه إعلان الله . إنها عطية الذات الكاملة ، الله الذي يعطينا ذاته: "فاحبوا الرب إلهكم بكل قلوبكم ، وكل نفوسكم ، وكل قدرتكم " (تث 5:6) (مت37:22). وهنا نرتقي إلى كمال الشريعة، لنعيش روحها لا حرفها. العبادة وأنواعها: جواب الإيمان يتطلب العبادة لله وحده، دون سواه. وتأخذ العبادة أشكالاً متنوعة. ولا نتكلم هنا عن العبادة الشكلية. فهي جواب خاطئ. وإنما نذكر أشكال العبادة الصحيحة. أ- العبادة الخارجية: هذه العبادة مطلوبة. لأني بها أعلن عن إيماني بالله، من خلال مواقف وأعمال خارجية منظورة. مثلاً الذهاب إلى الكنيسة، أو الحركات الخارجية مثل رشم الصليب، السجود، الاشتراك في الأسرار. ب- العبادة الباطنية: هي أساس العبادة وروحها، فهي التي تغذي العبادة الخارجية وتعطيها معناها: أي عمل خارجي لا ينبع من العبادة الباطنية، ليس له أي قيمة، فالأعمال الخارجية وحدها لا قوة لها، لأنها شكلية. العبادة الباطنية هي التي تعطي قوة وعمقاً وقيمة للموقف الخارجي. مثلاً، ذهابي إلى الكنيسة عمل خارجي، يعبر عن إيماني بالإله الأوحد. ولكن العبادة الباطنية هي التي تعطي معنى لهذا العمل. بها انضم إلى جماعة العهد الجديد، إخوتي أعضاء المسيح، في جواب حب جماعي على حب الله لنا. لا أذهب خوفاً من كسر الوصية وارتكاب الخطيئة، بل لأني أحب الله وإخوتي، وأرتبط بهم ارتباطاً باطنياً. علاقتي الباطنية بالله، تجعلني أنتمي إلى جسد المسيح المعلن في الكنيسة. تزداد العبادة الباطنية عمقاً، بمقدار ارتباطي بالله، الذي هو أساس كياني. هو الذي وهبني الحياة وقوة الرجاء، ونعمة الحب، لكي أتجاوب معه. والعبادة الباطنية مطلوبة لكي أعيش مسيحيتي كما يجب. وهي التي تعطي لاشتراكي في الأسرار معناه العميق، إذا عشت هذه الأسرار واحتفلت بها داخلياً. والعلاقة الباطنية مع المسيح، تجعلني منفتحاً على كلام الله وتعاليم الكنيسة، وعلى ذاتي والآخرين. وتتطلب العبادة الداخلية عبادة فردية، بها أدخل في حوار شخصي مع الله. وكذلك عبادة جماعية، بها أشترك في عبادتي الباطنية الفردية مع جماعة العهد، في مشاركة الفرح والعطاء والحب. ج- العبادة الفردية: تقول الوصية: "أنا الرب إلهك" بصيغة المفرد. ويوصينا المسيح: "ادخل غرفتك، واغلق بابها، وصل لأبك" (مت6:6). يحب الله كل إنسان بطريقة شخصية، يستطيع كل شخص أن يقيم علاقة فردية به، عن طريق لقاء شخصي، فتقوي العلاقة الباطنية، التي تساعد على الانطلاق إلى العبادة الجماعية. د- العبادة الجماعية: يعلن السيد المسيح: "إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، كنت هناك بينهم" (مت20:18). تتطلب مني العبادة الجماعية بعض الأعمال للمشاركة. فعليّ أن أقوم بها بروح التواضع والانفتاح لكي أعبّر عن عبادتي الباطنية التي تغذي التزامي الخارجي. 2) ما تمنع عنه الوصية الأولى: "لا يكن لك آلهة أخرى سواي". تقول الوصية: "لا يكن لك آلهة أخرى سواي. لا تصنع لك تمثالاً... ولا صورة... لا تسجد لها ولا تعبدها" (تث 7:5-9). الله الواحد الذي خلقنا هو إله حي. الآلهة الأخرى كاذبة، باطلة، ميتة. عبادة الله الحق حرية وكرامة، وأي عبادة أخرى عبودية ومذلة. الله الحق إله محرر: "أنا الرب إلهك، الذي أخرجك... من دار العبودية" (تث6:5). وهدف وصية الله أن تحررنا من كل ارتباط خاطئ، يرمينا إلى العبودية، فالارتباط بصنم، لا يستطيع أن يمنحني الحياة مثل الإله الحي. والصنم أشكال متنوعة، كلها آلهة باطلة ومميتة، تنهانا الوصية الأولى عن عبادتها الزائفة. ويعلن السيد المسيح: "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين. لأنه إما أن يبغض أحدهما ويحب الآخر، وإما أن يتبع أحدهما وينبذ الآخر. فأنتم لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" (مت24:6). وهنا يرتقي المسيح بالوصية إلى الجوهر والروح، فلا يتوقف عند الشكل الخارجي مثلما كان يتوقف العهد القديم عند تحريم التمثال والصورة. وإنما ينفذ إلى عمق الروح، حيث يلتقي الإنسان بالله: الحب والارتباط الكياني. هل التماثيل والصور محرمة؟ كان العهد القديم يحرمها، لأن الشعب كان خارجاً من أرض وثنية، ومعرضاً أن يعود بسهولة إلى العبادات الوثنية. فحرمت الوصية الأولى كل ما كان يستخدمه الوثنيون. أما في زمن المسيح، فكان هذا الخطر قد زال في حياة شعب العهد. يشمل كلام المسيح كل ما يُبعد القلب والحياة عن الله. ويدقق المسيح على خطر عبادة المال. إنه صنم جميع العصور، وبالأخص العصر الحديث. كل وسائل الإعلام تركز على أهمية هذا الإله، الذي يسيطر على عقول وقلوب البشر ويدفع إلى السعي لامتلاكه حتى بطرق غير مشروعة. وهنا تظهر المخدرات، والنصب والاحتيال، والسرقة، ... الخ. هل المال حرام؟ يطلب منا المسيح التمييز بين استخدام المال، فيما هو ضروري وهام ونافع وبين خدمة المال وعبادته. فالإنسان الذي يقدّر أهمية المال، دون التعبد له، يصون ويراعي مبادئه الروحية والإنسانية، حتى وإن أخذ وقتاً أطول في الحصول على المال. وتنهي الوصية الأولى أيضاً، عن كل ما يحمل معنى الإيمان بقوة غير الله، أو مضادة له، أو مستقلة عنه. هكذا الاعتقاد في الأرواح- السحر- الدجل- الخوف من الحسد والعين- استعمال الأحجبة- تحضير الأرواح...إلخ. هذه كلها أخطاء جسيمة للغاية، لأنها تمس الاستعداد والموقف الباطني للإنسان: ثقة الإيمان. لذلك ارتفع السيد المسيح بهذا الموقف الأساسي إلى عمق الروح: الحب والارتباط الكياني. من هنا تأتي العبادة الباطنية. ومن أصنام العصر الحديث، الاختراعات العلمية الجديدة، التي تجعل الإنسان يتوهم أنه قادر على كل شيء ولا يحتاج إلى قدرة الله... وهناك أيضاً تأليه وعبادة اللذات الجسدية. إنها من أخطر الأصنام. فهي تستعبد الإنسان وتجعله يفقد إنسانيته وتدمر كيانه الداخلي والخارجي. وهناك تأليه وعبادة الأشخاص. نقبل ونصدق كل ما يقوله هذا الشخص، وقد يكون رئيساً أو قائداً، أو فناناً أو بطلاً رياضياً. وتصل هذه العبادة إلى الانتحار، إذا حدث شيء لهذا الإنسان. وهنا أكون تعديت على عبادة الله الواحد الأحد، وعلى حق الله وحده في الحياة... وقد تأخذ عبادة الأشخاص صورة عبادة الذات. وهذه للأسف صنمية شائعة. قد يغلب حب التعاظم والصيت على القيم. وقد تظهر في صورة عبادة الآراء الشخصية والتشبث بها. كل هذا لا يترك مكاناً لله. لهذا تنهانا عنه الوصية الأولى. "لا تجربوا الرب إلهكم" (تث16:6). هذا ما تمنع عنه أيضاً الوصية الأولى... وتأخذ تجربة الله صوراً عملية كثيرة في الحياة والسلوك. نجرب الله من خلال الكسل والإهمال في العمل، ونقول: الله سيدبرها، أو سيعمل ما يريد... نصلي من أجل شفاء مريض، أو نطلب أمراً معيناً، وإذا لم يتحقق الأمر، يهتز إيماننا، أو نترك حياة الإيمان... نريد من الله أن يفعل ما نريده نحن، ولا ما يريده هو. نريده أن يكون هو في خدمتنا يجيب ويسمع فوراً لكل طلباتنا، وألا نشك في صلاتنا، وفي قدرة وقوة الله، ونلقي اللوم، ونعتبره غير أمين في وعوده. هذه وأمثالها تجربة منا لله. إنها دليل على أن إيماننا سطحي، وأننا لم نصل إلى العبادة الباطنية والارتباط الشخصي بالله. الإيمان الحقيقي، يجعلنا واثقين دائماً وفي كل الظروف، في كلام المسيح: ستعانون الشدة في هذا العالم. فتشجعوا أنا غلبت العالم. |
|