|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
- أ. حلمي القمص يعقوب
ما دام السيد المسيح هو اللَّه فكيف يحزن ويكتئب ويصلّي بلجاجة حتى صار عرقه كقطرات دم، وهو يقدِّم طلباتٍ وتضرعات بصراخ شديد للقادر أن يُخلّصه من الموت، ويظهر له ملاك لكي يقويه؟ وهنا نطرح السؤال الذي طالما يتكرَّر: ما دام السيد المسيح هو اللَّه فكيف يحزن ويكتئب ويصلّي بلجاجة حتى صار عرقه كقطرات دم، وهو يقدِّم طلباتٍ وتضرعات بصراخ شديد للقادر أن يُخلّصه من الموت، ويظهر له ملاك لكي يقويه؟ ج: 1ـ كما أن السيد المسيح هو إله كامل فهو أيضًا إنسان كامل له مشاعره الإنسانية وأحاسيسه البشرية، لقد حمل السيد المسيح الطبيعة البشرية لذلك فعل ما تقتضيه هذه الطبيعة.. لماذا أكل وشرب ونام واستراح؟.. لأنه لبس جسد إنسان وهكذا نقول: لماذا صلَّى؟.. لأنه لبس جسد الإنسان، فالسيد المسيح له المجد صلّى كإنسان بروحه البشرية للَّه الآب، وهذا ما أعلنه مرارًا وتكرارًا، فالسيد المسيح كان يصلّي وهو ينال العماد، وقبل اختياره التلاميذ أمضى الليل كله في الصلاة، وعلى جبل التجلي كان يصلي، وكان يعتزل كثيرًا في القفار لكيما يصلّي، ولكن ولا مرة واحدة ذكر لنا الإنجيل فحوى هذه الصلوات.. لا بد أنها مناجاة بين الابن والآب كما رفع السيد المسيح عينيه نحو السماء وقال "أيها الآب، قد أتَتِ السَّاعة. مَجِّد ابنك ليُمَجِّدَك ابنك أيضًا" (يو 17: 1)، إنه تبادل المجد بين الابن والآب، ومخاطبة باطنية بين أقنومي الابن والآب. كما يقول الإنسان جلست إلى نفسي أو قلت لنفسي. حقًا إن السيد المسيح ليس لاهوتًا مجرّدًا، لكنه هو اللاهوت المتحد بالطبيعة البشرية، فهو طبيعة واحدة من طبيعتين متحدتين، واتحاد الطبيعتين لم يلغِ خواص إحدى الطبيعتين، وبهذا ظلت الطبيعة اللاهوتية بكل خصائصها، وكذلك الطبيعة البشرية، فالحزن والاكتئاب، والصلاة بلجاجة ودموع وصراخ، والجوع والعطش والألم والموت.. إلخ، كل هذا من خصائص الطبيعة البشرية، ورغم أن هذه الطبيعة البشرية قد اتحدت اتحاد كامل طبيعي أقنومي مع الطبيعة الإلهيَّة، لكنها ظلّت محتفظة بكل خصائصها، فالناسوت لم يتحوّل إلى لاهوت ولا اللاهوت إلى ناسوت.. الطبيعة البشرية لها ضعفاتها أما اللاهوت فمنزَّه عن كل ضعف، وأيضًا لم يتدخَّل اللاهوت لتخفيف الآلام عن الناسوت، ولذلك كل الآلام التي جاز فيها مُخلّصنا الصالح سواء نفسيَّة أو جسمانيَّة هي آلام حقيقة. ويتساءل القديس أثناسيوس: "كيف يكون (المسيح) قوة الآب الطبيعية الحقيقية الذي يقول عند اقتراب وقت آلامه {الآن نفسي قد اضطربت. ماذا أقول. أيها الآب نجني من هذه الساعة}" ثم يجيب قائلًا: "لقد اتخذ جسدًا وصار إنسانًا وتألم في هذا الجسد لأجلنا.. وباعتبار ذلك يُقال عن خواص الجسد، مثل الجوع والعطش والألم والتعب وما شابه ذلك أنها خواصه إذ كانت فيه، ومن جهة أخرى فالأعمال اللائقة بالكلمة ذاته مثل إقامة الموتى وإعادة البصر للعميان وشفاء نازفة الدم، قد فعلها من خلال جسده، وبالجسد قام بأعمال اللاهوت لأن اللاهوت كان فيه، فالجسد كان جسده" (Disc: III. 26,37)(133). ويقول أيضًا القديس أثناسيوس: "لقد كُتِب أنه {بكى}.. وأنه قـال {نفسي قد اضطربت} وقال على الصليب {إلهي إلهي لماذا تركتني} وطلب أن تعبر عنه (الكأس) فإذا كان المتكلّم مجرّد إنسان دعوه يبكي ويخاف الموت لكونه إنسان، ولكن إذا كان الكلمة في جسد.. فممن يخاف مع كونه إله؟ أيخاف الموت وهو نفسه الحياة والمُنقذ من الموت؟ وكيف يخاف وهو نفسه يقول: {لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد}.. كان قادرًا على تجنب الموت.. ولكنه تأثر هكذا بالجسد، وفي الناسوت، فهو لم يقل كل هـذا مـن قبـل التجسد بل عندما {صار الكلمة جسدًا} وأصبح إنسانًا، فقد كُتِب إذًا أنه قال هذا بالجسد، أي إنسانيًا" (Against Ar 3.54)(134). وفعل "يدهش" و"يكتئب" في أصلها اليوناني يحملان معنى الانذهال إلى أقصى درجة، وقال القديس أمبروسيوس: "انذهل كإنسان، انذهلـت نفسـه (الإنسانية) وليس قوته أو لاهوته، انذهل لأنه اتخذ الضعف البشري. فقد اتخذ لذاته نفسًا، واتخذ أيضًا الشعور البشري (شعور النفس) لأن اللَّه لا يمكن أن يحزن أو يموت باعتبار كونه اللَّه" .(135) (The Cyr: Faith B: II VII, 56) ويقول أبونا الحبيب القمص تادرس يعقوب: "إذ صار إنسانًا حقيقيًا كان لا بد لنفسه أن تضطرب أمام سحابة الآلام التي تحيط به. ولعله رأى خلال هذه السحابة خطايا البشرية كلها قد ظهرت أمامه لكي يحملها على كتفيه، مقدمًا نفسه ذبيحة عن خطايانا"(136). |
|