النقاوة من الأفكار و الأحلام
بالإضافة إلى النقاوة من الخطية، توجد النقاوة من الأفكار والظنون.
قال أحد القديسين "ليست فقط أعمالك الخارجية هى التي تظهر حقيقتك، إنما بالأكثر أفكارك وظنونك".. وضرب لذلك مثلًا فقال: ربما يكون إنسان واقفًا في مكان في الظلام، يراه ثلاثة أشخاص. ففكر أحدهم إنه سارق يختبئ إلى أنت يتحين الفرصة للسرقة، والثانى يظنه سئ الخلق ينتظر امرأة. بينما الثالث يفكر أن هذا الإنسان يقف في الظلام، في مكان لا يراه أحد، يصلى..
وهكذا حسب حالة القلب، تكون الأفكار والظنون.
وفى ذلك يقول الكتاب "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح. ولإنسان الشرير من كنز قلبه يخرج الشر" (لو6: 45). وكما يقول المثل "كل إناء بما فيه يتضح"..
لذلك إن كانت ظنونك سيئة، فقلبك لم يتنق بعد.
فالإنسان ذو القلب النقى، دائمًا تكون أفكاره نقية، ولا يظن السوء. وعلى قدر إمكانه يأخذ الأمور ببراءة وطهارة. وهكذا لا يدين عملًا ما، إل الخطية الواضحة التي تحمل دينونتها في ذاتها.
والأمور التي تحمل وجهين، يأخذ الوجه المنير منها.
من أجل هذا، أمثال هؤلاء الأشخاص يكونون في علاقة حسنة مع الناس
لأنهم لا ينسبون خطأ لأحد، ويعذرون كل إنسان في تصرفاته.
لعلك تسأل: "هل معنى هذا أن القلب النقي لا تُحاربه ظنون وأفكار شريرة؟"
نقول: نعم قد تُحاربه من الخارج، دون أن تنبع من داخله. بل على العكس يكون من الداخل رافضا لها. لا يقبلها، بل يطردها بسرعة. والخديعة التي يتعرض لها البعض هنا، هى أن يستبقي الفكر الشرير، ولو بحجة فحصه أو محاربته، أو بنوع من الفضول ليرى إلى أين ينتهي! فتكون النتيجة أن يدنسه الفكر، ويفقده نقاوته. والوضع السليم هو طرد الفكر بسرعة، لأن القلب النقي يشمئز من الأفكار الخاطئة، ولا يقبل حتى مجرد فحصها.
من ضمن مقاييس النقاوة إذن، نقاوة الظنون والأفكار.
والمقياس الثاني للنقاوة، هو نقاوة الأحلام.
فقد يوجد إنسان عقله الواعي محترس، يراعي نقاوة أفكاره، بينما تكون أحلامه فيها الكثير من الأخطاء، لأن عقله الباطن يحوي رصيدا قديما من الخطايا، لم يتنق بعد من صورها وقصصها وذكرياتها. فإما أن تكون ذاكرته لا تزال مدنسة بخزينها الردئ، أو أن هناك بعض مشاعر في القلب، كامنة في أعماقه لم تَتَنْقَّ بعد، وهي مصدر أحلامه الخاطئة التي تُعكِر نقاء ذهنه.
يحتاج هذا أن يتنقى من ماضيه، كنحو نقاوته من حاضره.
وعلى أية الحالات، قد تحتاج نقاوة الأحلام إلى فترة من الزمن، إلى أن يُصبح الإنسان في وضع بعيد تماما عن الأحلام الشريرة. فبالوقت وبعدم التكرار، تختفي مصادر هذه الأحلام من الذاكرة. ويختزن العقل الباطن بدلا منها أمورا نقية طاهرة، تتناسب مع حياة التوبة والنقاوة التي يحياها، وتكون مصدرا لأحلام نقية تماما.
إذن من مقاييس نقاوة القلب، نقاوة الأفكار والظنون والأحلام.. تبقى درجة أخرى للكاملين أو الناضجين، وهى: النقاوة من الأباطيل.