رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مخاطر الثراء وأهمية البساطة المسيحية
لماذا يقسو الله على الأغنياء؟ في كلّ مرّة قامت الكنيسة فيها بإصلاحات عبر العصور حرص الإصلاحيون على العودة إلى حياة الفقر. يُعدّ القدّيس فرنسيس الأسيزي خير مثال على العيش ببساطة. دومينيك دي غوزمان، أب الرّهبان الدومنيكان هو مثال آخر. وعندما نتحدّث عن حياة الفقر والتّواضع لا بد من الإتيان على ذكر تيريزا الأفيلية، إغناطيوس دي لويولا والقدّيس يوحنّا. هذا وعاشت المباركة أنّا ماريا تايغا وهي أم لسبعة أولاد ببساطة الإنجيل. كل مسيحي مدعو إلى العيش ببساطة. كتب الأب توماس دوباي كتابًا رائعًا تحت عنوان :”أنتم سعداء أيها الفقراء”. يبدو أن معظم علماء الكتاب المقدّس يتفقون على أن كل النّصوص التي تحاكي موضوع الفقر كمثال للعيش موجّهةٌ لكل أتباع المسيح. أحد أبرز الأمثلة عن حياة البساطة هي العائلة المقدّسة حيث ولد يسوع داخل إسطبل! إبن الله في إسطبل! يا لها من رسالة عميقة تمكّن القديس فرنسيس من فهمها. رسالةٌ هي بمثابة دعوة للجميع للعيش ببساطة وبكل تواضع. لقد عاش المسيح حياةً بسيطة وهو يشّجع أتباعه للقيام بالمثل: “طوبى لكم أيها المساكين، لأن لكم ملكوت الله.” (لوقا 6:20) إذا نظرنا عن القرب إلى حياة القدّيسين سنلاحظ أن مصداقيتهم كانت تنبع من حياتهم البسيطة. تلك الحياة التي لطالما علّمتنا أهمية التّخلّي عن السّلع الماديّة والعيش من أجل نيل الملكوت. هذه البساطة أضفت غنى على الإنجيل وجذبت إليه العالم. بساطة جذبت وسائل الإعلام إلى الأم تيريزا التي كرّست حياتها للإهتمام بأفقر الفقراء في كالكوتا. مخاطر الثّراء لطالما حذّرنا يسوع من الثّراء: “ولكن ويل لكم أيها الأغنياء، لأنكم قد نلتم جزاءكم. (لوقا 6:20). “الحق أقول لكم إنّه يعسر أن يدخل غنيّ إلى ملكوت السّموات! وأقول لكم أيضًا: مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنيّ إلى ملكوت الله!” (متّى 19: 23،24) ولكن لماذا يقسو الله على الأغنياء؟ يقول القدّيس إغناطيوس إن الشّيطان يحاول إغراء من يشتهون الغنى الذين من السّهل انجرارهم وراء مجد العالم الفارغ وبالتّالي سقوطهم في فخ الكبرياء. ذاك الكبرياء الذي يقف وراء كل خطيئة. يقول البعض إنهم ليسوا أثرياء بل لديهم فقط ما يكفي حاجاتهم ويؤمّن لهم حياة كريمة. لكن وبالنّظر إلى التّاريخ نلاحظ في الولايات المتّحدة الأمريكية وجود أثرى أثرياء العالم فيما يتضوّر جوعًا فقراء أفريقيا، الهند، جنوب ووسط أمريكا…. إذًا وأمام هذا الفقر الرّهيب لا يمكننا إلّا اعتبار أنفسنا من الأثرياء. القدّيس بولس تحدّث عن مخاطر الثّراءقائلًا:”وأمّا التّقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة. لأنّنا لم ندخل العالم بشيء، وواضح أننا لم نقدر أن نخرج منه بشيء. فإن كان لنا قوت وكسوة، فلنكتف بهما. وأمّا الذين يريدون أن يكونوا أغنياء، فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضّرة، تُغرق النّاس في العطب والهلاك. لأنّ محبّة المال أصل لكلّ الشّرور، الذي إذ ابتغاه قومٌ ضلّوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاعٍ كثيرة.”رسالة بولس إلى تيموثاوس( 6: 6-10). “لأنّ الشّمس أشرقت بالحرّ، فيبست العشب، فسقط زهره وفنى جمال منظره. هكذا يذبل الغني أيضًا في طرقه.” (رسالة يعقوب الرّسول 1:11) كل ما قد تقوم به من أجل الفقراء هناك سببًا للغنى الذي نعيشه وهو أن نتشارك ما لدينا مع الفقراء فنصبح مسؤولين عنهم. لا يمكننا العيش برفاهية في الوقت الذي لا يجد الفقراء فيه ما يأكلونه. نجد في رسالة يوحنّا الأولى: “وأمّا من كان له معيشة العالم، ونظر أخاه محتاجًا، وأغلق أحشاءه عنه، فكيف تثبت محبّة الله فيه.” (رسالة يوحنّا الأولى 3:17) للقدّيس أمبروز رأي صارم بهذا الموضوع:”أنت لا تعطي الفقير ممّا هو ملكك بل تعطيه ما يملك هو في الأساس. فخيرات الأرض هي هبة للجميع قام البعض بوضع اليد عليها. العالم هبة للجميع وليس للأغنياء فقط. وفي السّياق عينه، قال يسوع:”ثم يقول أيضًا للّذين عن اليسار: إذهبوا عنّي يا ملاعين إلى النّار الأبدية المعدّة لإبليس وملائكته، لأنّي جعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوني. كنت غريبًا فلم تأووني. عريانًا فلم تكسوني، مريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني. حينئذٍ يجيبونه هم أيضًا قائلين: يا ربّ، متى رأيناك جائعًا أو عطشانًا أو غريبًا أو عريانًا أو مريضًا أو محبوسًا ولم نخدمك؟ فيجيبهم قائلًا:” الحق أقول لكم: بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر، فبي لم تفعلوا. فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياةٍ أبديةٍ.” (متّى 25 :41-46) كلمات جدّ فعّالة وتدفعنا إلى التّساؤل عن ما إذا كنّا نساعد الفقراء، وهل نساعدهم بما يكفي. ومن هذا المنطلق يراودنا الخوف من أن نقوم بالتّبذير على حساب مساعدة الآخرين. الإجابة عن كل هذه التّساؤلات واضحة حيث ورد في كتاب العهد القديم إنّه على المرء آداء العشر أي التّبرع بعشرة في المئة من مدخوله لخدمة الرّب حيث يقترح البعض أن نهب نصف القيمة للفقراء والنّصف الآخر لدعم الكنيسة. قد لا يلتزم البعض بالتّبرّع بعشرة في المئة من مدخولهم. فهناك من يلاقي صعوبة بتقديم 5 في المئة من المدخول فيما يشعر البعض الآخر أن تقدمة 25 في المئة من المدخول أمر لم يؤثّر سلبًا على مستواهم المعيشي. وهنا تكمن المعضلة. كيف يمكن للمرء التّأكد من أنّه يقوم بإعطاء ما يكفي من مدخوله لأعمال المحبّة؟ الإجابة بسيطة حيث على المرء أن يشعر بأنه يقوم بتضحية عند مساعدة الآخرين. البابا يوحنّا بولس الثّاني تحدّث عن هذا الموضوع عام 1979 في ملعب اليانكي:” لا تفرحوا بتقديم فتات ولائمكم للفقراء. عليكم أن تهبوا ما لكم لا ما يفيض عنكم. كذلك عليكم معاملة الفقراء كضيوف على وليمتكم العائلية.” تساءل ثنائي عن ما إذا يجب أن يهبا 10 في المئة من الفائض عنهما أو من مدخولهما الإجمالي. فقال لهما كاهن الرّعية هل تفضلان أن يعطيكما الله النّعم من الفائض عنه أو من ملكه الأساس؟ فما كان على الثّنائي إلّا أن وهبا 10 في المئة من مدخولهما الإجمالي لاحتياجات الكنيسة. الصّدقة: أفضل إستثمار قد ننسى في بعض الأحيان أن العطّاء هو أفضل إستثمار. فقد وعد الله برد عطاء من يحسن إلى الفقراء مئة أضعاف…. لا يوجد أي استثمار أفضل من هذا!! “كن رحيمًا على قدر طاقتك, إن كان لك كثير، فابذل كثيرًا؛ وإن كان لك قليل، فاجتهد أن تبذل القليل عن نفس طيّبة. فإنّك تدّخر لك ثوابًا جميلًا إلى يوم الضّرورة، لأنّ الصّدقة تنجّي من كل خطيئة ومن الموت، ولا تدع النّفس تصير إلى الظّلمة…” (سفر طوبيا 4:8-11) يقول إلهنا المبارك: “بيعوا ما لكم وأعطوا صدقةً. إعملوا لكم أكياسًا لا تفنى وكنزًا لا ينفد في السّماوات‘ حيث لا يقرب سارق ولا يبلي سوس.” (لوقا 12 :33) وفي سفر طوبيا نقرأ أيضا: “صالحة الصّلاة مع الصّوم، والصّدقة خير من ادخار كنوز الذّهب. لأنّ الصّدقة تنجّي من الموت وتمحو الخطايا وتؤهّل الإنسان لنوال الرّحمة والحياة الأبدّية.” (سفر طوبيا 12: 8-9) إن ردّ تعويض الله لمن يساعد الفقراء والكنيسة يأتي بسرعة غبر متوقّعة. هذا ولا يوجد لسخائه حدود. المتسوق المسيحي علينا العودة دائمًا إلى كلام السّيد المسيح خصوصًا عند قيامنا بشراء الأمور الأساسية على رأسها شراء منزل. هل هذا هو المنزل الذي أنا بحاجة إليه؟ هل شراءه بمواصفات معيّنة هو تبذير في الوقت الذي لا يجد فيه فقراء أفريقيا سقفًا يأويهم؟ هل ثمنه سيؤثّر سلبًا على تأمين حاجيات زوجتي وأولادي؟ هل سيضع ثمنه ثقلًا على كاهلي؟ هل يتماشى هذا المنزل والبساطة المسيحيّة؟ هل نفكّر بالفقراء عند شرائنا سيارة؟ بهذا لا نعني أنه علينا بيع منازلنا وسياراتنا التي قمنا بشرائها دون التّفكير بالأسئلة السّالفة الذّكر. ولكن علينا أخذ هذه الأسئلة بعين الإعتبار في المرّة المقبلة. وبالنّظر إلى نشاطاتنا اليومية هل علينا التّقليل من زياراتنا إلى صالون التّجميل؟ هل نشتري المفروشات الفاخرة والباهظة الثّمن؟ هل نفكّر ماليًّا قبل شراء أي شيء؟ هذه الأسئلة وغيرها لا تهدف إلى توفير المال من أجل تجميع ثروة كبيرة بل بهدف إعطاء المزيد من المساعدات للفقراء. كيف تعلّمون أولادكم البساطة يقول البابا يوحنّا بولس الثّاني إنّه على الأهل تعليم أولادهم أن لا يتعلّقوا بكل ما هو مادي:”على الأطفال أن يشبّوا على سلوك صحيح تجاه التّعلّق بالسّلع المادية من خلال اعتماد البساطة والتّقشق في أسلوب عيشهم وأن يكونوا على قناعة تامة بأن الإنسان يقاس نظرًا لما هو عليه وليس لما يملك.” إن شراء حذاء رياضي للطّفل بسعر جدّ باهظ وإطراء الأطفال بهدايا باهظة الثّمن في فترة عيد الميلاد المجيد لا يعلمّهم أسس العيش ببساطة وتقشّف. الإنفاق بحكمة في الحياة فلسفتان. الأولى تقضي بالإحتفال بالوليمة ومن ثمّ تحمّل نتائج البهجة. والثانية تدعو إلى الصّوم ومن ثمّ الإحتفال بالمأدبة. لا أظن أننا بحاجة لتوضيح أي من الفلسفتين تتماشى وتعاليم الكنيسة. من الممكن إسقاط هاتين الفلسفتين على سياسة الإنفاق حيث نرى البعض يقوم بالإدخار لشراء ما يحتاجه من فائدة أمواله فيما يشتري البعض الآخر ما يريد عن طريق سلفة. وأخيرًا هناك من يعيش ببساطة ما يضمن توفر المال معه في وقت لاحق. تقول جانيت لورس في كتابها”الدّليل إلى العيش ببساطة”: “إن العيش ببساطة يتيح للمرء العمل لساعات معتدلة ما يسمح له ببناء صداقات متينة مع الله والآخرين.” العيش ببساطة يشمل حسن إدارة الممتلكات حيث وإذا أحسن المرء الحفاظ على منزله وسيارته بحالة جيّدة سيوفّر على نفسه شراءهما من جديد وبالتّالي سيصبح لديه قيمة أكبر يتشاركها مع الفقراء. وهنا لا نقصد بالعيش ببساطة أن نملك أدوات غير فعّالة. لقد عاش القدّيس ماكسيميليان كولبي حياة الفقر والطّاعة إلّا أنه حرص دائمًا على شراء أفضل أدوات الطّباعة بهدف نشر كتابات الرّهبنة بكفاءة. ومن خلال هذه الطّريقة قام القدّيس ماكسيميليان بتوفير الوقت والمال. بإختصار هناك أسباب عديدة تدفعنا كمسيحيين للعيش ببساطة على رأسها الإمتثال بالمسيح الذي عاش حياةً متواضعة ودعا أتباعه للقيام بالمثل. كما ويتوقع الله منّا الإهتمام بالفقراء على أنّهم المسيح بنفسه. العطاء للفقراء والكنيسة إستثمار رائع. وأخيرًا العيش ببساطة يتيح أمامنا فرصة بناء صداقات مع الله والآخرين. إذً لا يجب أن يستند المستوى المعيشي على قيمة المدخول بل على مدى الإلتزام الدّيني. |
|