الله يبحث عن الخاطئ قديما وحديثا
هدف الإنسان هو الله. ولكنّ الإنسان كثيراً ما يضل طريقه في البحث عنه تعالى، فيكتشف الإنسان أنَّ الله هو الذي جاء أولاً يبحث عنه. وأن البحث عن الإنسان يقوم على حركة عميقة من قلب الله نتيجة محبته للإنسان. والبحث عن الله يعني أن نكتشف أنَّ الله، قد أحبنا أولاً، كما صرّح يوحنا الرسول "أَمَّا نَحنُ فإِنَّنا نُحِبّ لأَنَّه أَحَبَّنا قَبلَ أَن نُحِبَّه "(1 يوحنا 4: 19)، فالله في الواقع الذي أخذ يبحث عنا، وهو الذي يَجذبنا ليقودنا إلى ابنه كما جاء في تعليم يسوع “ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يُقبِلَ إِليَّ، إِّلا إِذا اجتَذَبَه الآبُ الَّذي أرسَلَني" (يوحنا 6: 44).
وبما أنَّ الإنسان ينسى الله، ويجري وراء العالم وملذَّاته، فإنَّ الله يفكر دائماً كيف يبحت عنه و"يتكلم إلى قلبه" (هوشع 2: 15-16). وفيما أن ليس كل الرعاة يبحثون عن القطيع المشتت (حزقيال 34: 5-6)، فإن الله ذاته يعلن عن مقصده: إنه سينطلق ليجمع قطيعه، ويبحث عن "الخروف الضَّالّ" (حزقيال 34: 12).
كما توسل موسى النبي إلى رحمة الله، لدى سقوط شعبه في صحراء سيناء في عبادة العجل الذهبي (الخروج 32: 7-14) كذلك توسط يسوع للجنس البشري بأكمله. وهو لا يزال يتشفع للخطأة. في يسوع، يأتي الله إلى شعبه وإلى كل واحد منا -كراعٍ للبحث عن الضائعين (ا حزقيال 34: 11-16)، ليعيدنا إلى الآب السماوي، وهو التراث الدائم الذي وعد به أبناء إبراهيم منذ فترة طويلة.
ويكشف لنا كتاب نشيد الأناشيد، كيف أنَّ الله مفتونٍ بالبحث عن النفس الضَّالّة "اْلتَمَستُ مَن تُحِبُّه نَفْسي، التمسته فما وَجَدتُه" (نشيد الأناشيد 3: 1). ولقد كشف ابن الله لنا إلى أي مدى يذهب هذا الافتتان، حيث قال: " إن ابْنَ الإِنسانِ جاءَ لِيَبحَثَ عن الهالِكِ فيُخَلِّصَه "(لوقا 19: 10)، جاء في البحث عن الخروف الواحد الضَّالّ (لوقا 15: 4-10). وفيما يودِّع يسوع ذويه، فكر في اللحظة التي سيرجع فيها ليبحث عنهم، ويأخذهم معه " لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون" (يوحنا 14: 3).
أعطيت لليهود شريعة لتطهير من يُخطئ كل بحسب خطيته (الأحبار 4-6). وقد قصد الرب من هذه الشريعة أن يُعلمهم أن يكرهوا الخطيئة، ويشعروا ببشاعتها، ولكنهم أساءوا فهمها، إذ نبذوا الخاطئ أيضًا. لذلك تعجب الفِرِّيسِيُّونَ إذ رأوا يسوع الذي يظهر بينهم كمعلم وبار يسمح للعشارين والخطأة من اليهود أن يقتربوا منه، بل يرضى أن يأكل معهم؛ فانفرد لوقا الإنجيلي بذكر مثلين: مثل الخروف الضَّالّ (لوقا 15:4-7)، والدرهم المفقود (لوقا 15: 8-10) ليؤكد أن الله الرحيم يبحث عن الإنسان الخاطئ ويفرح بعودته لأنه يُحبُّه ولا يُحبُّه فحسب بالرغم من خطاياه، وإنما يحبنا بسبب خطايانا التي تستثير شفقته علينا، هذا ما يؤكده القديس بولس " ولكِنَّ اللهَ الواسِعَ الرَّحمَة، لِحُبِّه الشَّديدِ الَّذي أَحَبَنَّا بِه، مع أَنَّنا كُنَّا أَمواتًا بِزَلاَّتِنا، أَحْيانا مع المَسيح ( بِالنِّعمةِ نِلتُمُ الخَلاص)" (أفسس 2: 4-5).