النساء في الكتاب المقدّس
نفهم من قرائتنا للكتاب المقدّس أنّ الفقراء، هم فقراء من الناحية الماديّة بشكلٍ خاصّ. إلا أنّ المصطلح يحمل في معناه رسالة أشمل ويضمّ المهمّشين أيضًا. في عالم اليوم، تندرج النساء في هذه الخانة.
يتضمّن إنجيل لوقا الناحية الماديّة هذه على المستوى الأنثويّ أكثر ممّا تتحدّث عنها الأناجيل الأخرى. وهو يصرّ في إنجيله على أنّ من يتبع يسوع كانوا إناثًا وذكورًا (8: 1-3؛ 23: 49؛ 9-11). وفي حين أنّ النساء لا يظهرن مباشرةً في أعمال الرسل، إلا أنّ الجماعة المؤمنة تضمّ "رجالًا ونساءً" (أعمال الرسل 5: 14؛ 8: 3، 12؛ 9: 2، 36-42). كانت جماعة من الرجال والنساء، تتبع يسوع، ثمّ شكّل الرجال والنساء لاحقًا جماعة المؤمنين بيسوع.
في لوقا 8: 2-3، يتبيّن لنا أنّ المرأة (مريم، وحنّة، وسوسنة، و"غيرهنّ كثيرات") التي شفاها يسوع، قد خدمته وتلاميذه ممّا توافر لها من موارد. وتعني كلمة "Diakonein" "الخدمة" التي تحمل دلالة انتظار شخصٍ ما ليقوم بعمل معيّن. كان مصطلحًا تقليديًّا للخدمة يُستخدم للعبيد والنساء. ألّا أنّ يسوع حوّل معنى الكلمة: "مَن الأكبر؟ أمَن جلي للطعام أم الذي يخدُم؟ أما هو الجالس للطعام؟" (لوقا 22: 27). فالمترئٍس المسيحيّ لا بدّ له من أن يكون "كالخادم" (آية 26). أصبحت تسمية الخادم (Ho diakonon) الآن مشرّفة. ذلك أنّ أدوار الخادم والحاكم المتناقضة تجتمع معًا. فالخدمة (Diakonein)، وهي وظيفة منسوبة إلى النساء، تطبّق على الرجال المترئٍسين أيضًا. وهي تميّز الطريقة التي يجب أن تمارس فيها الرئاسة. من الواضح أنّ النساء، بناءً على هذا النموذج، يتأهّلن بسهولة إلى الرئاسة.
ولكنّ هذا لم يحصل. عوضًا من ذلك، نجد أنّ المصطلحات ذات الصلة بالخدمة في أعمال الرسل تطبّق حصريًا على الرجال. وهذا يعني عمليًّا أنّ النساء اللواتي تحمّلن وخدمن استُبعدن عن الرئاسة. في الواقع، كانت مناصب الرئاسة حكرًا على الرجال. ثمّة عامل يثير الفضول في هذا. يفصح لوقا في أعمال الرسل 1: 22-23 عن المعايير التي تمكّن الشخص من أن يكون رسولًا: "هناك رجالٌ صَحِبونا طَوال المدّة التي أقام فيها الربّ يسوع مَعَنا، مُذ أن عمَّد يوحنا إلى يوم رُفع عنّا. فيجب إذًا أن يكون واحد منهم شاهدًا معنا على قيامته".
إذا، وباعتراف الجميع، يتعلّق الأمر باستبدال أحد بيهوذا من أجل إكمال العدد ليصبح التلاميذ اثني عشر ثانية. مع ذلك، لا تناسب المتطلّبات فهم لوقا الذاتيّ كلمة "رسول" بمعنى شامل. يجدر بالمرء أن يكون تلميذًا ليسوع من الجليل إلى أورشليم. وبدا أنّ النساء التلميذات مرشّحات ملائمات لهذا الموقع (انظر لوقا 8: 2-3؛ 23: 55-56، 24: 1-11، 22؛ أعمال الرسل 1: 14). كانوا يطلبون رجالًا: "أحد الرجال" فاستُبعدت النساء. وما من منطق في هذا؛ بل ثمّة تحيّز. فالنساء كنّ أوّل مَن شهدن على القيامة – لوقا 24: 1-12. قلن الحقيقة، وحقّقن طلب التثنية 19: 15 من حيث عدد الشهود المقبول: اثنتان أو من الأفضل ثلاثة – عدد لا بأس به من النساء حقّقن ذلك (لوقا 24: 10). ومع ذلك، لم يصدّقهن أحد. كانت ردّة فعل "الرسل" عفويّة: "بدت لهم هذه الأقوال أشبه بالهذيان ولم يصدّقوهنّ" (آية 11). مجموعة كبيرة من النساء (آية 10) وقفن في وجه مجموعة من الرجال ("الأحد عشر والآخرين جميعًا"، آية 9). رفضوا الشهادة المفصّلة ("هذه الأمور كلّها"، آية 9)، والنسوة نُبذن.
تمّ تأكيد أنّ النساء تلامذة أيضًا: إذ وُجّهت رسالة القيامة مباشرةً وكاملةً إليهنّ. هكذا ثُبّتت مكانتهنّ المتميّزة بين أتباع يسوع. لم يتمّ الاعتراف بهنّ لمجرّد كونهنّ نساء. عندما تمّ استبعاد النساء في أعمال الرسل عن التتلمذ أو عن الرئاسة بمعنى آخر، نستنتج أنّها عاقبة مفهوم لوقا المقيّد والخاص عن الرسوليّة وقبول الشعب عالمًا ذكوريًا. بالتالي، فإنّ الشهادة العامّة حكر على الرجال. وهذا أمر غير مبرّر في أيّ مكان بأيّ مصطلحات لاهوتيّة، ولم يُطلب إلى النساء علنًا أن يلتزمن الصمت أو أن يخضعن لأحد. ما يُعرض هو هيكليّة تفرض الصمت. تبيّن القصّة عن النساء صباح القيامة ذلك بوضوح تامّ (لوقا 24: 4-11). إذ فشلت الرسالة في الوصول إلى المُرسل إليه، لا يمكن أن نعتبر أنّ الخطأ كان مرتكبًا من النساء، بل حصل ذلك لأنّ الرجال لم يصدّقوهنّ. ولكنّ هذا كلّه لا يهزّ علاقة القوّة، وبالتالي فإنّ النتيجة هي في الواقع رفض لإمكانيّة المرأة أن تشهد. ينقل لوقا في عمله المؤلّف من مجلّدين رسالة مزدوجة. ففي إنجيله حافظ بقوّة على تقاليد النساء الإيجابيّة وأعلن عن دور مهمّ يؤدّينه. ثمّ يوضّح أنّ التحيّز الذكوريّ حال دون قدرتهنّ على تأدية هذا الدور. والبرهان على ذلك في الإنجيل هو أنّ تصرّف يسوع حيال النساء كان إيجابيًا وغير تقليديّ.
لقد رحّب بولس بالنساء الخادمات. في الواقع، حدث التغيير عندما تمّ اعتماد نظام الأسرة البويّة نموذجًا على هيكليّة الجماعة المسيحيّة (انظر 1 طيموتاوس 2: 8-3؛ 13؛ طيطس 2: 1-10). كانت النساء مهمّشات بالفعل. ولكن، على الرغم من ذلك، ظهرت الحالة جليّة في أعمال الرسل، ولمّح لوقا عن طريق بديل. فرسالته المزدَوجة تغذّي ذكرى خطيرة. ليس هذا الاستطراد حيال النساء عابرًا. ذلك أنّ الروحانيّة إذا كانت تعاش في الحبّ، لا بدّ من أن تواجه أيّ مظهرٍ من مظاهر الظلم وعدم المساواة.