نعم، انه آخر الأزمنة
العقود الأخيرة شهدَت تقدّماً علمياً كبيراً
وتميّزت بحدوث قفزة نوعية بكل مجالات الحياة وميادين الصناعة والتقنية والمعلوماتية والعمران ،
وتجلّى ذلك التقدّم بشكل أوضح في مجالَي المواصلات والاتصالات ...
قُصّرت المسافات وسُرّعت الخُطى وغُيّرت مفاهيم وقِيَم كثيرة فعجّلت كل شيء
ولو تمكن الإنسان من تسخيرهِ لخدمته , لكانت البشرية تنعم برفاهيةٍ وسعادةٍ ما عرفتها عبر مختلف عصورها ومر أجيالها.
لكن للأسف , تم تحويل نسبة كبيرة مِن الاختراعات والاكتشافات والصناعات
إلى وسائل شر ، من خلال الاستخدام الخاطئ ، أو من خلال التصنيع المتعمد لتكريس الشر (بمختلف أنواعه) بدل أن يتنعّم الإنسان بها ويهنأ
ويتمتع لتريحه و تفيده وتُنعِش حياته !
بل صنع أسلحة فتّاكة قادرة على قتل ملايين البشر بعدة ثواني!!
فلذلك العالم يتجّه بسرعة نحو الانهيار المحتوم والسقوط حيثُ الهاوية
واقتراب الساعة ، ساعة نهاية العالم ونهاية الزمان...
العالم أمسى قرية صغيرة ، وأخذ الشر يستفحل بنفوس البشر بشكل سريع ، ووسط تراجع الخير في قلوبهم ، أصبحت عدوى انتقاله وانتشاره، أسرع مما نتصوّر
فانتشرت الرذيلة والفسق والعهارة والغش والظلم والجحود والقتل والزنا والحسد والحقد والكراهية والخبث والنميمة
واستغل رئيس هذا العالم (إبليس) بَلادة الناس وقسْوة قلوبهم وابتعادهم عن الله لكي يغريهم ويغويهم بكل شائنة وخطيئة ورذيلة
يزيّنها لهم ويجمّلها بعيونهم , يخدعهم كاذباً عليهم،
ليحيل كل مفاهيم وقِيَم الفضيلة إلى معاني مزيّفة دعماً للرذيلة ..
أباح أموراً كان عامة الناس (إلى وقتٍ قريب) يمقتوها ولا يقربون منها ،
غيّر مفاهيم وقلبَ موازين
فأصبح الممنوعُ مسموحاً
والعيبُ لا عيباَ والحرامُ حلالاً
والسرقةُ شطارة وفهلوة
والحبُ شهوة
والجنس تجارة
والمال غاية
والإيمان أفيون
والأخلاقُ قيد
وشرّع الكذبَ وأعطاه ألواناً ومُسميّات
وأسمى الفوضى حرية
والنزاهة جبن
والصدق غباء
والحيلة دهاء
و ... و ... الخ
قتلوا براءة الأطفال وانتزعوا أرواح الملائكة منهم،
تاجروا بالأعضاء البشرية تحت يافطة عنوانها إنقاذ الأنفس وغايتها المتاجرة والمال،
أسقَطوا الأجٍّنة وأباحوا المَثلية الجنسية،
أدمنوا المخدرات هروباً من واقعهم
واستبدلوا الطبيعي بالصناعي،
فضّلوا الأمور الجسدية ولم يعطوا الجانب الروحي حيزاً مهما بحياتهم،
اهتموا بقشور الحياة وشكلها وألوانها الباهتة وتركوا جوهرها ولبّها للعفونةِ،
يقولون ولا يفعلون و إن فعلوا ، فعملهم لا يُطابِق كلامهم ، بل لا يمّت إلى ما قالوه بأيةِ صلةٍ،
استبدلوا علاقات المحبة الناصعة بعلاقات المصلحة والنفعية البغيضة
يدورون حول الأنا ويهملون الآخر
يرتدون ثياب الحملان وهم ذئاب خاطفة،
يتحدثون عن الفضيلة وهم ساقطون في براثن الرذيلة
أفواههم مليئة بكلمات المحبة وقلوبهم خالية منها،
يبحثون عن فعل الخير لا من اجل الخير ورِضا الله , بل من أجل أن يراهم الناس ويمدحونهم.
يقطعون مئات الأميال مِن أجل أن يصنعوا (البِر) مع الأغراب ليُعرَفوا ويسطَع نجمهم،
ويهملون قريبهم الذي هو بأمس الحاجة لهم ، لأن خدمتهم له
لا تهبهم سارية تحمل راية شهرتهم.
نسوا أو تناسَوا بأنهم في فعلتهم هذه قد استوفوا أجرهم،
يتبنَّون لهم إخوة أغراب ليعطوا للآخرين انطباعاً بأنهم أناس محبّين أخيار،
ويتركون إخوتهم الحقيقيين ويهملونهم بعيداً، وهُم في حاجة بل في حسرةِ إلى كلمةِ تشجيع أو موقف شكر أو نظرة اهتمام.
الحنان والعطف والرحمة هَجّروها من قلوبِهم وسمحوا للجشعِ والظلم أن يستوطنَ عقولهم،
لأنهم سلكوا طريقَ الخيانةِ وانحرفوا عن دروبِ الوفاءِ ، ففقدوا الثقةَ بأقربِ الناس لهم.
يتزوّجون من اجل المتعةِ لا من اجل تكوين عائلة مباركة،
وزواجهم أحياناً يتم خارج إطار الشرع وبعيداً عن مباركة السماء.
يعلِّلون أفعالهم بالثقافة والحضارة
لكنهم يَحيَوْن الجهالة بأبشع صورِها ويعيشون شريعة الغاب وقشور التقدّم.
صبغوا المعاني الإنسانية الرائعة بلونٍ بغيض قاتم وأعطوها أسماءً مغايرة للواقع، والحقيقة ليبعدوا عنها (حتى الخيّرين والطيبين لو استطاعوا).
شوّهوا كل جميل،
ارتدوا الأقنعة ليجمّلوا وجوهم وليخفوا ملامحها الغامضة وقسماتها المُريبة.
باعوا ضمائرهم، غيّبوا عقولهم نسَوا مبادئهم، غيّروا مواقفهم، بدّلوا أفكارهم، غسلوا أدمغتهم، مِن أجلِ لا شيء، حسبوه شيئاً، بخار يتلاشى وسراب باهت يُخادع ...
يلهثون خلف المادة ويتسابقون نحو الأرزاق محبة في البذخ وتكديس الأموال ومجاراة الأغنياء.
يحيوَن حياة الفقراء، بخلاً وهم أغنياء ويكرهون الفقر والفقراء، يموتون ويتركون كل شيء
لورَثةٍ يتقاتلون بعدَهم على حصصِهم،
صبغوا معايير الشر وقدّموها على أنها خير!
زوّروا مقاييس الطيبة والعفوية وزعموا على أنها لا تمّت للخير بشيء،
أعطوا لها عناوين غريبة عجيبة ليبعدوا عنها الناس الأبرياء الضالين والتائهين عن جادةِ الصواب.
كل معطيات التقدّم السريع تعجّل الزمن وتسرّع الخطى نحو خط النهاية
نحو آخر الأزمنة ...
نعم انه آخر الأزمنة
سيأتي سريعاً ذلك الذي قال عن نفسه : أنا الأول والآخر(رؤ 21 :12)
وقال أيضاً :
عندما سأعود ثانية هل سأرى إيماناً ؟
لكن الذي يثبت إلى النهاية يخلُص (متى 24 : 13)
وشكرا لله الذي قصّر تلك الأيام من أجلِ المختارين (مر 13 :20)
منقول