|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
معونتي من عند الرب
المزمور المئة والحادي والعشرون 1. المزمور المئة والحادي والعشرون هو أحد مزامير الحجّاج. يتلونه ساعة ينتهي الحجّ وتنتهي معه الاعياد والطقوس والذبائح، ويستعد الناس ليرجعوا إلى منازلهم. عاطفتان تتنازعان قلب الحجّاج: فرحة لاوقات عاشوا فيها مراحل تاريخ الخلاص. وحزن لأنهم سيتركون أورشليم. لا شكّ في أنه لا فصل بين حياة العبادة في الهيكل وحياة العمل اليومي، ولكن الرجوع يخلق في قلب المؤمن شكلاً من أشكال الضيق والشدّة: في طريق الرجوع يعرف الحجاج أن الصعوبات والأخطار تنتظرهم. ولهذا فهم يشتركون بليتورجيا أخيرة قبل أن يتركوا أورشليم، فيعبّرون فيها عن ثقتهم بالله وبمواعيده: يحفظك الرب من كل سوء. الرب يهوه هو المحامي الوحيد عن شعبه، فيهتم بهم بمحبّة، ويرعاهم بعناية وحنان. هل يتجاوب الشعب مع حب الله الذي لا ينعس أبدًا ولا ينام. واهتمامُ الرب بكل مؤمن من المؤمنين، هو علامة على حمايته لأحبّائه ولشعبه. 2. الرب حارس اسرائيل وحافظه. آ 1: سؤال يطرحه المرتّل من أعماق ضيقه. آ 2- 3: يتردّد المرتّل: إلى أين تكون وجهته؟ آ 4- 8: ستكون وجهته إلى الرب ومنه ينتظر الحماية. 3. في الآية الاولى نقرأ تساؤلاً على لسان المرتّل: من أين يأتي عوني؟ نظر إلى الجبال فتخيّل المخاطر التي تخبئها. حتى في عهد المسيح لم تكن الطريق بين أورشليم وأريحا آمنة وسالكة (لو 10: 30). لا، لن يجد المرتّل عونًا من الجبال والتلال العالية التي تعوّد الكافرون أن يذبحوا عليها ويطلبوا معونة آلهة الكنعانيين. ولكن هناك جبلاً واحدًا يأتي منه العون، هو جبل الرب، جبل صهيون، حيث يقوم الهيكل، رمز حضور الرب. - الآية الثانية. وهذه الجبال لا تخيف المؤمن، وقد أخذ العون من عند الرب الذي صنع السماوات والأرض. نحن أمام اعتراف بقدرة الله الذي يساعد المؤمن على أن يرتفع كأنه فوق قلعة، ويشجّعه على مجابهة المخاطر. فإن كان الله خلق السماوات والأرض، فهو سيد هذه الجبال، والمؤمن يستطيع أن يمرّ فوقها دون خوف. نرى هنا كيف أن ما كان يؤلّهه الشعوب المجاورة أصبح في نظر المؤمن خليقة من خلائق الرب. - وفي آ 3- 4 نرى الكاهن، وقد سمع فعل إيمان المؤمن، يعطيه البركة الاخيرة، ونسمع صوته يوضح له مضمون فعل إيمانه الذي تلاه أمام الرب. هو وعد بأن قدمه لا تزل (56: 14: أنقذت رجليّ من الزلق: 66: 9: لم يدع أرجلنا تزل)، يعني أنه يمنع الشر عنه فيسهر عليه ليل نهار، لأنه لا ينعس ولا ينام. الله ليس كالبعل (1 مل 18: 27) الذي ينام ولا يسمع صوت المصلّين، بل هو راعي اسرائيل الذي يسهر على شعبه (أش 5: 27). وهنا نتذكّر النصوص التي تدعو الله إلى أن يفيق من نومه ويفعل شيئًا من أجل أحبّائه. قم يا رب بغضبك وتنبَّه لي (7: 7). ما بالك نائمًا أيها السيّد؟ استيقظ (44: 23). في الآية الرابعة نشعر أن الصلاة انتقلت من الفرد إلى الجماعة. من يصلي ليس صفي الله وحده بل شعب اسرائيل. فالفرد يمثّل الجماعة والجماعة تحمل صلاة الفرد. - وآ 5 تحتوي وعدًا يشبه الوعد المعطى لابراهيم (تك 28: 5): أكون معك وأحفظك حيثما تتوجّه. أما عبارة الظلّ عن اليمين فلها معنيان. الأول: حماية من حرّ الشمس كما نقرأ في أشعيا (25: 4): "وكنت حصنًا للفقير... ظلاً من الحر" (يون 4: 8). الثاني: حماية الجانب الايمن للمحارب. ونزيد فنتحدّث عن ظلّ الكروبيم الذي يمتد حتى الصحراء والجبال، فيحمي المؤمنين في طريق عودتهم إلى بيوتهم. وهكذا يحفظ الله الحجّاج من شرّ النهار فلا تؤذيهم الشمس (أش 49: 10: لا يجوعون ولا يعطشون ولا يقرعهم الحر ولا الشمس، لأن راحمهم يهديهم وإلى ينابيع المياه يوردهم)، ومن شر الليل فلا تصيبهم الحمى أو البرص (وكان الاقدمون ينسبون هذين المرضين إلى القمر). وهكذا لا يخاف المؤمن لا الشمس ولا القمر، وكلاهما الهان معبودان مخيفان، وخاصة القمر الذي يشع ساعة تخرج شياطين الليل من أوكارها. وينتهي المزمور بهذه الكلمات: الله يحفظك من كل سوء، يحفظ الرب نفسك. يحفظ خروجك ودخولك. وهذا ما نقرأه في تثنية الاشتراع (28: 6): "يباركك الرب في دخولك ويباركك في خروجك". 4. هذا المزمور نستطيع أن نتلوه ونحن خارجون من احتفال ليتورجي. فالرب الذي كان معنا في الصلاة سيبقى معنا على دروب الحياة. فحماية الله عزاء وقوة للانسان المسافر. وعندما يتلوه المسيحي فهو يرفع نظره إلى الاله الذي أوحى بذاته في العهد القديم، ويتأمل في الوقت ذاته بالمسيح الذي هو راعي وحارس نفوسنا (1 بط 2: 25) والذي قال عن نفسه (يو 10: 28 ي): "أعطي خرافي الحياة الابدية، فلا تضل أبدًا (ولا تهلك) ولا يخطفها أحد مني. الآب الذي وهبها لي هو أعظم من كل موجود، وما من أحد يقدر أن يخطف من يد الآب شيئًا". 5. تأمّل نرفع عيوننا إلى العلاء نحو الجبال. يعني في هذه الصلاة القصيرة والعذبة أن نكتشف عبر صعوبات ومحن الطريق الاتصال بالنظر الالهي ونحسب أن عنايته الحانية تلفُّنا كما بلباس. قال يسوع: لن أترككم... سأرسل مدافعًا (رج يو 14: 16، 18). ليس لنا أن نخاف ضعف الانتباه عند الله. فهذا ضعف الحب لا عجز. ولكن الله لا ينام. وهذا صحيح بالنسبة إلى المسيحي الذي يسير في طريق الحج فتصلي معه الكنيسة: "كن يا رب المعين في الجهاد والمعزي في الطريق. احفظنا من حرّ الشمس، من الشتاء والبرد. احملنا حين نتعب. احمنا حين تجبهنا الصعوبات، أسندنا فلا نزلق، كن لنا المرفأ الامين في العاصفة. ولنصل بقيادتك في صحة تامة إلى نهاية سفرنا ونعود إلى بيتنا". وهذا صحيح بالأخص بالنسبة إلى وجودنا البشري الذي يقودنا إلى السماء عبر طريق الحياة المنعزلة والقاسية: نصعد فيها ولا نسير ونحن معرضون لكلِّ أخطار الجسد والنفس. نصطدم بحجارة الطريق، نتألم من الأيام المشمسة، من حرارة الشهوات القاتلة. وثقل الحر وسط ظهيرة الحياة يكاد يغرقنا بسبب التعب أو نعاس النفس والجسد. وكم من الليالي الباردة التي تقودنا إلى اليأس وإلى الضياع فتجمِّد كل مجهود فينا نحو القداسة. في كل هذه الظروف ننشد مع المزمور: الرب لا ينام. الرب يحفظ نفسك. قال أحد الشراح اليهود: "فالنفس التي تكتشف عجزها أمام الصعود المطلوب منها، لا تقدر أن تنطلق إلاّ بعون الله. صوت عذب يعزّي، جماعة إلهيّة ترافق الحاج في صعوده نحو المعبد. تقف النفس المحبة في ظل الرب وفي هذا الظل تفلت من قبضة الخليقة. تقف على المستوى العلوي للحياة، وهكذا تبلغ إلى عالم جديد ينفتح على الأبدية". وقال غريغوريوس النيصي شارحًا الآية الثامنة: "الرب يحفظ دخولك وخروجك. خروجك من الحالة الارضية الحاضرة يكيّف دخولك في خيرات النفس السامية. وحين تأخذ النفس كلمةَ الله قائدًا لها تقوم بهذا الخروج. هي لا تني أبدًا تدخل بقدر ما إنها لا تتوقّف عن الخروج. ولكي تدخل دومًا متقدمة إلى الأمام نحو ما هو علوي، فهي تخرج دومًا (أي تتخلّى) ممّا أمسكته". |
|