بالنسبة للاهوته فإن لابن الله مجده الذاتى, فإن مجد الآب والابن هما واحد. إذن فهو ليس بأقلٍ في السمو, لأن المجد واحد, ولا أقل في اللاهوت, لأن ملء اللاهوت في المسيح[20].
وضع حياته لكي يمجدنا، ولكن كان سلطان لاهوته أن يضعها وأن يأخذها أيضًا... ها أنتم ترون صلاحه، أن يضعها بإرادته؛ ها أنتم ترون سلطانه أيضًا أن يأخذها[21].
يقولون مكتوب: "أبي أعظم مني". أيضًا مكتوب: "لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً للَّه" (في 6:2). وأيضًا مكتوب أن اليهود أرادوا قتله، لأنه قال إنه ابن اللَّه معادلاً نفسه باللَّه (يو 18:5). مكتوب: "أنا والآب واحد" (يو 30:10). إنهم يقرأون نصًا واحدًا وليس نصوص كثيرة. إذن هل يمكن أن يكون أقل ومساوٍ في نفس الوقت لذات الطبيعة؟ لا، فإن عبارة تشير إلى لاهوته، وأخرى إلى ناسوته[22].
قال الرب هذا لكي تعرف أنه هو مقدس في الجسد لأجلنا، وأيضًا يقدس بفضيلة لاهوته[23].
المجد الذي للكلمة هو أيضًا مجد الآب. ويقول الرسول: "لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل إنسانٍ أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" ( في 2: 10، 11). لذلك بخصوص لاهوته فللابن مجده، وأن مجد الآب والابن هو واحد. إنه ليس بأقل منه في السمو، لأن المجد واحد، ولا هو أقل في اللاهوت، لأن ملء اللاهوت في المسيح[24].
يسأل البعض: كيف يكون الابن مساويًا للآب عندما يقول أنه يحيا بالآب؟ ليت هؤلاء الذين يعترضون علينا في هذه النقطة يخبروننا أولاً ما هي حياة الابن؟ هل هي حياة ممنوحة بواسطة الآب لمن هو في حاجة إلى حياة؟ بل كيف يمكن للابن أن يكون في حاجة أن يملك حياة وهو نفسه الحياة، إذ يقول: "أنا هو الطريق والحق والحياة"؟ حقًا حياته أبدية، وسلطانه أبدي. هل وُجد وقت كانت فيه الحياة لا تملك ذاتها؟ تأملوا ما قُرأ اليوم بخصوص الرب يسوع أنه "مات لأجلنا حتى إذا سهرنا أو نمنا نحيا جميعًا معه" (1 تس 10:5). ذاك الذي موته هو حياة، ألا يكون لاهوته حياة، متطلعين إلى لاهوته أنه حياة أبدية؟[25]
وصف نفسه من جهة لاهوته وناسوته، فهو غني من جهة كمال لاهوته وقد صار فقيرًا لأجلنا. فمع أنه الغني والملك الأبدي، وابن الملك الأبدي، قال أنه ذهب إلى كورة بعيدة (لو 19: 12) بأخذه جسدنا، إذ سلك طريق البشر كما في رحلة غريبة، وجاء إلى هذا العالم ليعد لنفسه مملكة منا. إذن قد جاء يسوع إلى هذه الأرض ليتقبل لنفسه مملكة منا نحن الذين قيل لنا: "ملكوت الله داخلكم". عندئذ يسلم الابن مملكته للآب، وبتسليمه إياها لا يخسرها المسيح بل تنمو... نحن ملكوت المسيح وملكوت الآب، إذ قيل: "ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يو 14: 6). عندما أكون في الطريق فأنا للمسيح، وإذ أعبر به فأنا للآب، لكن أينما وجدت فأنا خلال المسيح وتحت سلطانه[26].
ليس ما يفرح رب العالم امتطاؤه ظهر حيوان ما لم يحمل هذا سرًا خفيًا، وهو أن يجلس داخليًا كملكٍ يتربع علي عرشه في أعماق نفوس البشر، يجلس كفارس إلهي بقوة لاهوته يقود خطوات العقل. طوبى لمن حملوا على ظهر أرواحهم مثل هذا الفارس! حقًا طوبى لمن وضع في أفواههم لجام الكلمة الإلهية عوض النطق بالأباطيل![27]
هذا بالتأكيد يشير لا إلى لاهوته بل إلى جسده الذي فاض على قلوب الشعب العطشى مجرى دمه الدائم[28].
لأن الآب لا يفعل شيئًا إلا بممارسة قوته وحكمته، فقد صنع كل الأشياء بحكمة، كما هو مكتوب: "بحكمة صنعتً الكل" (مز 24:104)، هكذا أيضًا لا يفعل اللَّه الكلمة شيئًا بدون شركة الآب. لا يعمل بدون الآب، بدون مشيئة الآب لا يقدم نفسه للآلام كلية القداسة، ويُذبح لأجل خلاص العالم كله (يو 16:3، 17؛ عب 10:10-12). بدون إرادة الآب لا يقوم من الأموات إلى الحياة[29].
هذا لا يخص كمال الروح ولا جزء منه، لأنه لا يستطيع الذهن البشري أن يقتبس كمال الله ولا ينقسم الله إلى أجزاء في ذاته. إنما يسكب عطية نعمة الروح التي لعبادة الله، إذ هو أيضًا يُعبد في الحق، إذ ليس أحد يعبده إلا ذاك الذي ينسحب إلى الحق في لاهوته بحبٍ تقويٍ[30].
إن حسبنا لاهوتَ المسيح هو الجبل العظيم فهذا حق: "أما أملأ أنا السماوات والأرض يقول الرب؟" (إر 23: 24) فإن كان بالحق لاهوت المسيح هو الجبل العظيم، فإن تجسده يقينًا هو التل الصغير (الجبل الصغير مز 42 :6). لهذا فالمسيح هو كلاهما معًا. فهو جبل عظيم وجبل أقل! عظيم حقًا، لأنه "عظيم هو الرب وعظيمة هي قوته” (مز 147: 5). وأقل لأنه مكتوب: "تنقصه قليلاً عن الملائِكة" (مز 8 :5). لهذا يقول إشعياء: "رأيناه، لا صورةَ له ولا جمالَ" (إش 53:2lxx)، ومع أنه عظيمٌ نزلَ صائرًا أقل! وحال كونه أقلَ صارَ عظيمًا. وحال كونه عظيمًا صار أقل، لأنه "بالرغم من أنه بالطبيعة هو الله، أخلى ذاته وأخذ طبيعة عبد" (في 2 :6-7) وحال كونه أقل صار عظيمًا، لأن دانيال يقول: "أما الحجر الذي ضرب التمثال، فصار جبلاً كبيرًا، وملأَ الأرضَ كلها" (دا 2: 35). وإن كنتم تطلبون معرفة من هو ذلك الحجر، فاعرفوا أنه "الحجر الذي رفضه البناءون، هذا صار رأس الزاوية" (قابل مز 118 :22،إش 28 :16، مت 21: 42، لو 20 :17، أع 4: 11، 1 بط 2 :6-7). كان هو نفسه، مع ذلك وبالرغم من أنه ظهر صغيرًا، كان عظيمًا. ويوضح إشعياء موافقته لتلك الحقيقة لأنه يقول: "يولد لنا ولد ونُعطى ابنا الذي بدايته على كتفيه، ويُدعى الرسول المشير العظيم " (إش 9: 5 lxx).[31]