من المحزن أن الكتاب المقدّس كان قد أصبح , خصوصآ منذ القرن السادس عشر , سهمآ بين أيدي الأعداء يرشقون به الكنيسة
وخنجرآ يطعنون به صدرها الوالدي . وإذا استمع المرء الى بعض الفئات , وجد أنهّا تضع تناقضآ بين ( الكتاب المقدّس والكنيسة ) . فها أن أعضاء تلك الفرق يقولون لك ( الكتاب يقول كذا .. في حين أن الكنيسة تعلّم كذا ....... ) وما الى ذلك من سفسطات يقع في حبائلها البسطاء وأهل الجهل . أمّا من هم أخطر من الفئتين المذكورتين فهم أهل ( نصف المعرفة ) التي هي أسوء من الجهل . فالجهل داء يمكن بسهولة مداواته , لوعي صاحبه أنه لا يعلم فيرغب في العلم ، أما لجهلاء فهم كالعميان ، والرب يقول عنهم ( لو كانوا عميان لا تحسب لهم خطيئة ) , أو لخلوّ صاحبه من الأفكار والأحكام المغلوطة , لذا يبقى عقله ( لوحآ أبيض ) وتبقى مياهه صافية لا تعكّرها سموم تبثها منظمات دنيوية معادية لكنيسة السّيد المسيح . ولعلّ أكثر ما في الأمر قساوة ، أنّ الكتاب المقدّس , الذي نشأ في حضن الكنيسة , صار يستخدمه بعضهم كسلاح لتدميرالكنيسة الرسولية
أ - لا عجب أن يستخدم أعداء الكنيسة الكتب المقدّسة
وكيف تريد , يا أخي القارىء , أن يخدعوا الناس ؟ لا وسيلة لهم إلّا أن يقتدوا بالذي جرب السيّد المسيح , له المجد , في الصحراء . دنا المجرب من الرب هاجمه بآيات من الكتاب المقدّس , فلا عجب أن يستخدموا هؤلاء آيات الكتاب كسلاح وذريعة . تحدّى المجرب الرب وقال : ألق بنفسك الى أسفل , لأنه مكتوب ( يوصي ملائكته بك ..... على أيديهم يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك ). وهكذا استشهد الشيطان بالمزمور التسعين ( أو الحادي والتسعين , حسب الأصل العبريّ ) , الآية الحادية عشرة . طبعآ , أعطى لهذه الآية معنى مغلوطآ وتطبيقآ خطيرآ . عندها ردّ عليه سيدنا يسوع المسيح , أجاب على ( مكتوب .... ب مكتوب أخر ) أجابه يسوع ( مكتوب أيضآ : لا تجربنّ الرب الهك , مستشهدآ بتثنية الإشتراع , خامس كتب موسى (6: 16 ) .
أمّا ضرورة تسلّحنا بالآيات الشريفة من الكتب المقدّسة لصدّ العدوّ ,فإنّ لنا في هذا الأمر قدوة في السيّد المسيح صالحة : فقد استخدم كل مرّة كلمات الكتاب في دفاعه عن الحق والفضيلة والمنطق حيث أورد الآيات الآتية : ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان , بل بكل كلمة تخرج من فم الله (تثنية 8:3 ) / للرب الهك تسجد وإياه وحده تعبد (تثنية 6:13 ) / لا تجرّب الرب إلهك ( تثنية 6:16
ب _ سخرية القدر : من نسخ الكتاب المقدّس ؟
يفتخر المتمرّدون على ( الكنيسة ) أنهّم يتبعون الكتاب المقدّس , لكن غرب عن بالهم أنّ الكتاب المقدّس نشأ في حضن الكنيسة , المكوّنة من الرسل الأطهار , بعد غياب السيّد المسيح وارتفاعه عنهم , ومن تلاميذهم وسائر جماعة المؤمنين . نسي الذين تركوا الكنيسة بحجّة الكتاب , أنّها هي , بسلطتها الرسولية , التي حددت من الكتابات ما كان ملهمآ وموصى به , وما لم يكن . نسي المتفلسفون على الكهنة والرهبان والنسّاك , أنهم هم دون غيرهم الذين نسخوا عبر السنين والأجيال القرون الكتب المقدّسة , فلولاهم لما حصلنا على مجموعة المؤلفات الثمينة التي ندعوها باعتزاز ( الكتاب المقدّس
ومن سخريات الدهر أنّ الذين هجروا الكنيسة , وراحوا يقاومونها بإسم ( الكتاب المقدّس ) , أتباع من حيث لا يدرون لأناس تلاعبوا بالنصوص المقدّسة . إلّا أنّ التاريخ طوى تلك الأيام الغابرة فظهرت صفحتهم للملأ ناصعة البياض . فها إنّ أحد المبدعين , في القرن السادس عشر , لا يتورّع عن أن يصدر طبعة للكتاب المقدّس , قد تجرأ وحذف منها كلآ من الأسفار التالية ( الرسالة الى العبرانيين , ورسالة القدّيس يعقوب الجامعة , وكتاب رؤيا يوحنا اللاهوتي ) . وكان قد كتب بغير وجل ( إنّ رسالة يعقوب الرسول انما هي رسالة من تبن ) . أمّا سبب نعته لها بهذه الصفة غير المشرّفة فهو تشديدها على ضرورة الأعمال الصالحة لدعم الإيمان , وكان ذلك لسوء حظ الرسالة المذكورة , مخالفآ لتعاليمه هو وسلوكه هو ( أي حذف الرسالة لأنها مخالفة لتعليمه الخاص الذي ألّفه هو .. فمن الواضح أن تعليمه لم يكن جيدآ لهذا حذفها ) ... وانطلاقآ من تعاليمه نفسها حول الخلاص فقط بالإيمان دون الأعمال , زاد على رسالة بولس الى أهل رومية كلمة ( وحده ) في النص التالي ( إذآ , نحسب أنّ الإنسان يتبرّر بالإيمان ) فصارت كالآتي في تعليمه ( نحسب أنّ الإنسان يتبرّر بالإيمان وحده ) أي دون الأعمال .... فما هذا الإيمان يا ترى الذي هو بدون أعمال ؟؟؟؟؟؟ ياللعجب .
ج - سوء فهم لابدّ من تبديده حول الكنيسة
كثيرآ ما يثور ثائر بعض الناس على الكنيسة , وعندما تستفسر عن سبب غضبهم تجد أنّهم ناقمون على أحد الكهنة أو إحدى الراهبات أو أحد رؤساء الأبرشيّات . لذا يجب أن نوضح أنّ الكنيسة ليست الإكليروس وأنّها تتألف من الشعب المؤمن بأسره , وبقيادة الرسل وخلفائهم الأساقفة والكهنة . ولا ينسينّ أحد المسيحيين هم الكنيسة , بما أنعم به الله عليهم من نعم روحية من السماويات , وعلى ما فيهم من نقائص . وقد كتب الفيلسوف الفرنسي جاك ماريتان يقول ( الكنيسة مقدّسة , مع أنّ أعضائها خطأة ) .
أمّا النقائص البشرية الموجودة عند أبناء الكنيسة وغيرهم من الناس , فهي ناتجة عن الطبيعة البشرية , ولا يحقّ لنا ان نستغلّ الأغلاط الفردية للحكم على المجموعة , كما لا يحقّ لنا أن نشوهّ الواقع بإيراد الإيجابيّات , ولا يجدر بنا أخيرآ أن نحوّر الحقائق ولا أن نعرض الواقع بخلاف ما كان عليه .
د - ماذا يقول الكتاب المقدّس في الكنيسة
نسمع أحيانآ من الذين هجروأ الكنيسة أنهّا ( بابل الوثنية , وأنّها شيطانية , وأنّها انحرفت أو حادت عن تعاليم السيّد المسيح والرسل . ) ويقال لنا أن كل هذه النظريات تستند الى الكتاب المقدّس . فهلّم بنا الى الكتب الملهمة لنرى : هل تحكم للكنيسة أم عليها ؟ عندها نستنتج , بكل موضوعية , أنّ الكتاب المقدّس يوصي بالكنيسة ويمدح الكنيسة ويدعم الكنيسة , منذ بدايتها الى نهاية الزمان
ما ورد قطّ أنّ ( الكنيسة ) شيطانية , بل وبخلاف ذلك فهي ( مقدّسة ) وعروس المسيح التي بذل نفسه من اجلها ( افسس 2:5 ) . ما ورد قطّ أنّ الكنيسة هي ( بابل الوثنية ) بل بخلاف ذلك تمامآ فهي ( بيت الله الحي ) ( 1 تيمو 3:1
ها قد رأينا أن الكنيسة هي بيت الله الحي وهي مقدّسة بالرغم من اننا نحن أبنائها خطأة .... فمن هم الذين يتجرأون ويتكلمون عن الكنيسة بكلام باطل ويصفونها بأنها بابل الوثنية ؟ الكنيسة هي عروسة المسيح وبيت الله
سنتوقف هنا في هذه المرة على أن نكمل باقي الموضوع في وقت أخر - رجائنا قراءة الموضوع بهدوء تام وتركيز، لكي نفهم ما يدور في هذا الموضوع - في المرة القادمة سنتكلم عما جاء في الكتاب المقدّس حول الكنيسة وسنأتي بأمثلة وآيات من الكتاب المقدّس حول الكنيسة ذات الصدر والحنان الوالدي ... وسنتحدث عن النقاط التالية وهي النقاط التي ستتفرع من النقطة ( د ) كما ذكرنا سابقآ 1-( مكتوب : إن لم يسمع أخوك من الكنيسة , فليكن عندك كوثني وعشّار) /2- مكتوب : إنّ الكنيسة عمود الحقّ وركنه ) / 3- مكتوب : إنّ أبواب الجحيم لن تقوى عليها ( أي على الكنيسة ) / 4- مكتوب : الكنيسة تخضع للمسيح في كل شيء . 5- مكتوب : المسيح رأس الكنيسة وهي مقدّسة بلا عيب ولا تغضن