|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كيف تصرف السيد المسيح باتضاع ؟ بمنتهى الحب، وطول الأناة، وبمنتهى الصبر والاتضاع تعامل السيد المسيح مع تلميذه الخائن يهوذا الإسخريوطى .. لم يكن السيد المسيح يرغب فى هلاك ذلك الصديق الذى كانت تحلو له العشرة معه.. دعنا إذن نبدأ القصة من أولها : كان يهوذا ميالاً نحو المال. وأراد السيد المسيح أن يعوِّضه عن هذا الميل بطريقة سليمة، فسمح له أن يكون أميناً للصندوق “كان الصندوق عنده” (يو12: 6). وبالرغم من ذلك، فقد أعمى الشيطان قلبه، وكان يسرق أموالاً من الصندوق. ولكن السيد المسيح أطال أناته عليه، ولم يفضحه فى وسط التلاميذ، مع أنه “كان سارقاً وكان الصندوق عنده، وكان يحمل ما يُلقى فيه” (يو12: 6). وقد تطاول يهوذا بفكره وبكلامه على السيد المسيح، حينما سكبت المرأة طيباً من ناردين خالص كثير الثمن عليه، إذ قال: “لماذا هذا الإتلاف، لأنه كان يمكن أن يُباع هذا الطيب بكثير (بأكثر من ثلثمائة دينار -حسب إنجيل معلمنا مرقس الرسول) ويعطى للفقراء” (مت26: 8، 9، انظر مر14: 5). “قال هذا ليس لأنه كان يُبالى بالفقراء. بل لأنه كان سارقاً، وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يلقى فيه” (يو12: 6). وبالرغم من هذا التذمر وهذا التطاول، فقد أجاب السيد المسيح باتضاع وأناة عجيبين وقال: “لماذا تزعجون المرأة، فإنها قد عملت بى عملاً حسناً.. فإنها إذ سكبت هذا الطيب على جسدى، إنما فعلت ذلك لأجل تكفينى” (مت26: 10، 12). وأعلن الرب محبته الزكية من خلال قبوله الموت والتكفين.. لم يعيّر السيد المسيح يهوذا بأنه سارق للصندوق، ولأموال الفقراء.. بل قال: “الفقراء معكم فى كل حين. وأما أنا فلست معكم فى كل حين” (يو12: 8، مت26: 11). والعجيب أن هذا الموقف قد تكرر فى الأسبوع الأخير، مرة قبل الفصح بستة أيام (فى يوم السبت السابق للفصح)، ومرة قبل الفصح بيومين (فى يوم الأربعاء السابق للفصح). وفى المرة الثانية وصل تذمر يهوذا إلى ذروته. كان يهوذا هو المذنب، وقام بقلب الحقائق.. ولكن السيد المسيح احتمل تطاوله عليه، وأجاب بطريقة موضوعية، دون أن يشهره أو يفضحه، وحتى لم يعاتبه فيما بعد على ما بدر منه، ولا ما هو فيه من طمع وجسارة.. بل أراد أن يعطيه الفرصة ليراجع نفسه فى ضوء الحقيقة التى كان هو أول من يعرفها. أراد السيد المسيح أن يغلب الشر بالخير وأن يقدّم الإحسان للمسيئين إليه.. وحتى لم يحاول أن يفضحهم.. بل تركهم لعل ضمائرهم تبكتهم نتيجة لِما أظهره نحوهم من حب فى مقابل إساءتهم. عجيب أنت يا رب فى اتضاعك، وفى احتمالك لأخطاء من أساءوا إليك يا قدوس!! سلّم يهوذا نفسه للشيطان فى الأسبوع الأخير أصيب التلاميذ بالقلق، لسبب ما سبق السيد المسيح فأنبأهم به، وهم صاعدون إلى أورشليم عن تسليمه إلى أيدى أناس خطاة فيجلدونه، ويصلبونه، ويقتلونه وفى اليوم الثالث يقوم (انظر مت20: 18، 19)، وقبل الفصح بيومين أخبرهم بموعد صلبه (انظر مت26: 1، 2). ولكن للأسف فقد كانت مشاعر حزن التلاميذ فى جانب، بينما كانت مشاعر يهوذا الإسخريوطى فى جانب آخر..كانت محبة المال قد سيطرت تماماً على قلبه، وأعمى الشيطان بصيرته، وشعر أنه بصلب السيد المسيح سيفقد الصندوق الذى كان معه وسيتوقف عن الحصول على المال المسروق. ضاعت آماله وأحلامه فى المجد والغنى والمملكة الأرضية، ولم ينظر بإيمان إلى القيامة المجيدة التى أنبأ بها السيد المسيح تلاميذه، ولا إلى الملكوت الروحى، ولا إلى ملكوت السماوات، وأمجاده الأبدية. فقرر أن يبيع سيده ليربح من وراء موته مالاً، ويعوّض جزءًا مما سوف يفقده. كانت الأرض والمسائل الأرضية هى شاغله، وليست الأبدية والسماويات. ولعل فى هذا ما يبكّت السبتيين وشهود يهوه وكل أصحاب عقيدة الملكوت الأرضى للسيد المسيح. عنيف هو الشيطان فى تأثيره على قلب من يقبل مشورته ونصائحه “وقد ألقى الشيطان فى قلب يهوذا سمعان الإسخريوطى أن يسلّمه” (يو13: 2). |
|