كان شاول الطرسوسي رجلا ً ذا شأن له مكانته ُ ومكانه ُ المتميز دينيا ً واجتماعيا ً وثقافيا ً . كان بالنسبة لمقاييس البشر متقدما ً عن الكل ، من جهة الختان مختون ٌ في اليوم الثامن . من جنس اسرائيل ، من سبط بنيامين ، عبراني ٌ من العبرانيين . من جهة الناموس فريسي . من جهة الغيرة مضطهد الكنيسة . من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم . كل ما به يدعو للفخر . كان متعلما ً ، تلميذا لغَمَالاَئِيلُ ، وكان غنيا ً لديه ثروة ٌ كبيرة ، وكان صاحب نفوذ ٍ وقوة ٍ وسلطان . وفي الطريق الى دمشق ابرق حوله ُ نور ٌ من السماء وسقط ، سقط على الارض وسط التراب ، وتعامل الرب معه ُ ورفعه ُ من على الارض ليُصبح اعظم رسول ٍ مبعوث ٍ من الله الى الأمم . وبعد سنوات ٍ عظيمة ٍ من الخدمة ِ المتميزة ِ له ، بعد نجاح ٍ رائع ٍ لمهمته ، يكتب الرسول العظيم ويقول " لِي أَنَا أَصْغَرَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ ، أُعْطِيَتْ هذِهِ النِّعْمَةُ ، أَنْ أُبَشِّرَ بَيْنَ الأُمَمِ بِغِنَى الْمَسِيحِ الَّذِي لاَ يُسْتَقْصَى " ( افسس 3 : 8 ) أصغر جميع القديسين هكذا يقول بولس الرسول عن نفسه ، أصغر من الصيادين والبسطاء وعامة الناس . لم يكن بولس يفتخر في حياته بشيء ، لا غناه ولا سلطانه ولا ثقافته ولا علمه . كان دائما ً يقول : " حَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ " ( غلاطية 6 : 14 ) هذا فقط كان مصدر فخر الرسول ، يفتخر بانه اصغر جميع القديسين ، برغم ذلك اعطاه الله نعمة ً عظيمة وبركة ً كبيرة ، أعطاه الله أن يبشر بين الامم ، أن يحمل رسالة الله اليهم يبشرهم بغنى المسيح ، غنى المسيح الذي بلا حدود الذي جعله هو أصغر الرسل رسولا ً للأمم وللعالم . غنى المسيح الذي بلا حدود الذي جعله ُ يحمل رسالة الخلاص والغفران للامم البعيدين . لم يرى بولس الرسول في الخدمة ضعة بل فخر ، لم يجد في معاناته شكوى بل شكرا . وزاد نجاحه في خدمته اتضاعه ، الاتضاع الحقيقي هو ثمرة النجاح والنصرة . النهر الفائض بالماء لا يصعد الى اعلى بل يجري الى اسفل حاملا ً الماء والارتواء . الدفء ُ اسفل الجبل والصقيع ُ والبرد ُ أعلاه . الاتضاع ُ شيمة العظماء . المسيح " إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ . لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ . وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ . لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا ، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ " ( فيلبي 2 : 6 – 9 ) .