رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بالصور كيف فعلوها أشخاص قطعوا أطرافهم بحجة التوبة تعذيب للنفس أم إراحة لها من الهموم والآثام، كلاهما يبدو رفاهية مقارنة بحقيقة المشهد، والذى يمكن وصفه فى أقل تقدير بالمقزز، حين يقدم إنسان على بتر جزء من جسده دون علة أو مرض أو أدوات طبية هكذا باختيار آلة بشعة ربما قطعة حديد صدئة فى دورة مياه بقسم شرطة، قرر شاب بتر إصبعه، ليشعر بوعي كامل بتمزيق أنسجة يده وجز عظامها بقطعة حديد ليسقط الإصبع على الأرض ينفر بالدم والحركة ربما مستغيثًا بحرمة الجسد الذى أهدره صاحبه. أيا كان الوصف حقيقة فإنه لا يقارن مع شعور صاحبه وحالته النفسية، فالشاب "عاطف" 30 سنة تجرد تمامًا من معنى اسمه، بعد ضبطه بتهمة السرقة، إذ أقدم على بتر إصبعه معتبرًا ذلك نوعا من العقاب لنفسه وترويضًا لها، حتى لا يعود مرة أخرى، منضمًا بذلك إلى حالات مشابهة يتوهم أصحابها أنهم بذلك يقيمون حدا من حدود الله، أو يفعلون عملًا من شأنه تسكين أرواحهم وضمائرهم، لكن بطريقة خارج حدود المنطق وحتى الدين الذى يعتقدون أنهم يقيمون حدوده. قطع إصبعه حتى لا يسرق الواقعة الأخيرة فى ذلك السياق شهدها قسم شرطة المرج، إذ قطع مسجل خطر إصبعه داخل حمام القسم عقابا لنفسه وحتى لا يعود للسرقة مرة أخرى، وحرر محضر بالواقعة وتولت النيابة التحقيق. وكان طلب "عاطف" 30 سنة المقبوض عليه بتهمة السرقة هو دخول دورة المياه بديوان قسم المرج، لكنه غاب لفترة طويلة وسط صوت أنين مكتوم، مما دفع أفراد الحجز لطرق الباب عليه، فخرج لهم وهو يقول: "أنا تبت لله ومش هاعمل كده تانى"، فى حين كانت يده تنزف بغزارة وتبين أنه قطع إصبع يده. تم نقل المتهم إلى المستشفى لإسعافه، وتحرير محضر بالواقعة التى تم تم تداولها تحت رقم 32170 لسنة 2017، فتم إخطار النيابة، وأقر المتهم بأنه قطع إصبع يده بآلة حادة داخل حمام قسم الشرطة لرغبته فى عقاب نفسه حتى لا يعود للسرقة مرة أخرى. «عفيفي» قطع ذراعيه على شريط السكة الحديد وليس «عاطف» هو الأول إذ إن سابقه والأشهر على الإطلاق فى ذلك السياق، هو «علي عفيفى» الذى خرج فى كل وسائل الإعلام ملقبًا نفسه بـ«اللص التائب إلى الله» معلنًا التفاخر بأنه قطع ذراعه اليسرى ليرتدع عن السرقة، لكنه عاد إليها ثانية، فقرر بتر يده اليمنى كذلك، بنفس الطريقة ألا وهى النوم على بطنه ومد يده على شريط السكة الحديد والنظر إلى القطار وهو يجزها خلال عبوره. ويتفاخر «عفيفي» بأنه بات «أكتع» نيلًا لـ«التوبة»، وأنه ارتكب قرابة 5 آلاف أو 6 آلاف سرقة فى رواية أخرى، دون تحرير محضر له، بادئًا بسرقة المأكولات والدواجن وصولًا للسرقات الكبرى، وحينما كان يتم ضبطه كان يستعطف الجميع ويدعي البلاهة فيتم التنازل له، حتى قرر التوبة، على حد قوله، فاتخذ قرارًا ببتر يده اليسرى، لكن ذلك لم يردعه عن السرقة، ليقرر بعد العودة إليها بتر اليد الثانية بعد عدة أشهر. واستشهد «عفيفي» بأبناء قريته «ميت حبيش قبلية»، التابعة لمركز طنطا، بمحافظة الغربية، للتأكد من صحة أقواله والكيفية التى فقد بها يديه، وأخذ يزور الصحف ويتحين الفرص للظهور فى وسائل الإعلام والتفاخر بفعلته قائلًا: «أنا أول تائب ينفذ حد الله على نفسه»، ويتابع: «دلوقتى بطلت سرقة وباعدى على محلات فاضية وتتسرق بسهولة وباقول حد الله بينى وبين الحرام، سعيد لأننى اتجهت لحب الله، والصلاة والدعاء، ونفسى الحرامية الكبار اللى بيسرقونا يتوبوا، وباتحدى أى حد يعمل اللى أنا عملته». وظهر «اللص التائب إلى الله» فى عدة مناسبات يطالب فيها بمعاش، ومرة خلع فيها ملابسه خلال جولة ميدانية لمحافظ الغربية مطالبًا بالحصول على فرصة عمل، مؤكدًا أنه تعلم استخدام الكمبيوتر، كما ظهر فى صور أخرى نشرها فى وسائل الإعلام وهو يمد ذراعيه دون الأكفف على شريط قضبان السكة الحديد. روشتة الدين للتخلص من الذنوب يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الدعوة الإسلامية، تعقيبًا على الأمر قولًا صريحًا: "ما فعلوه حرام شرعًا التوبة إلى الله تكون بالصيغ المعروفة فى القرآن والسنة، بإخلاص القلب إلى الله والانتهاء عن الآثام، وليس بتعذيب النفس والبدن" مستشهدًا بقوله تعالى: "وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا ۛإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، وقوله تعالى: "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا". وتابع "كريمة" التوبة جهاد للنفس بالانتهاء بالإرادة عن المعاصي، ومجاهدة النفس أعلى درجات الإيمان العملي، وفق قوله تعالى فى سورة العنكبوت {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ}، لكن تشويه الجسد وإيذاء البدن أمر نهانا عنه الإسلام، ويعد خيانة للأمانة وفق قوله تعالي "(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ)". وشرح أستاذ الفقه المقارن أن جهاد النفس المقصود به الانتهاء عن المعاصي، "فكلما سول لنا الشيطان معصية نواجه أنفسنا ونبتعد عنها ونفعل عكسها "حسنة"، فلو فكر فى السرقة يتذكر الزهد، ولو زين له الشيطان الظلم يتذكر محكمة الآخرة، وإذا أخطأ الإنسان يتبع السيئة الحسنة تمحها". تطبيق حد الله بشأن قطع المذكورين أيديهم للانتهاء عن السرقة بحجة تطبيق شرع الله يقول "كريمة": هذا فعل محرم فى الشريعة الإسلامية ولا نقره، فالحدود لا تقام إلا بإذن ولى الأمر، ولها إجراءات تحقيقات وقضاء بمراحل، لكن ليس للإنسان حق إقامة الحدود بنفسه وحتى المسؤولون غير الحاكم لا يحق لهم الأمر بذلك، فحتى فى المملكة العربية السعودية لا يتم تطبيق أحكام القضاء فى سياق القصاص إلا بصدور أمر ملكي. ونصح "كريمة" من يفكرون بتلك الطريقة بقوله: "استتروا بستر الله عز وجل، توبوا إلى الله وازرفوا الدموع فى السجود واقرأوا القرآن واجتهدوا فى العمل، وأتبعوا الذنب بالعمل الصالح والخير، إن الله أرحم بكم منكم". يودون كسب التعاطف تقيم الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع، تلك التصرفات بأنها "خلل فى الشخصية وفقر فى الفكر والرؤية والإدارة"، وتعتبر ذلك التصرف نوعًا من البلطجة ولو كان الشخص يمارسها على نفسه، وعادة ما تكون بدافع الاستجداء والاستعطاف، إذ يقدم الشخص على إيذاء نفسه بفعل خطير حتى يكسب التعاطف. واعتبرت أستاذة علم الاجتماع تلك الحالات بأنها تماثل تمامًا وقائع إيذاء النفس من أجل الانتقام أو النيل من الغير، كأن يجرح إنسان نفسه ليتهم شخصا آخر أو يورطه فى محضر شرطة، «عور نفسه علشان يرمي بلا»، وهذا نوع من الإجرام يقوم فى حق النفس على اختلاف المقصد منه التنكيل بالغير أو بالنفس لكسب التعاطف. هذا الخبر منقول من : التحرير |
|