ماما أنا لا أحب اللغة العربية...
لنفور التلميذ الصغير من اللغة العربية أسباب
ديانا حدّارة
يتجنب كريم (خمس سنوات) إنجاز فرض اللغة العربية، فهو يعترض قائلاً لا أحب اللغة العربية فهي صعبة، علمًا أن كريم ينجز فرض الفرنسية بسرعة ومن دون تذمر. كريم ليس وحده من يتجنب اللغة العربية، هناك تلامذة كثر في سنه ممن تشكّل لهم اللغة العربية معضلة لا يمكن حلّها، فهي صعبة جدًا وغير محبوبة.
لماذا يكره كريم وأقرانه فرض اللغة العربية؟ هل السبب المعلّمة؟ أم الأهل الذين اعتادوا التحدث مع أطفالهم بلغة ثانية غير لغتهم الأم؟
«لها» حملت هذه الأسئلة وغيرها إلى دانيال فغالي الاختصاصية في التربية وتعليم اللغة العربية...
- لماذا يتجنب التلامذة في بداية سنواتهم الدراسية اللغة العربية؟
لا بد أن نكون منصفين مع التلامذة الصغار في عدم حبهم للغة العربية، فهي لا تخلو من الصعوبة، فهناك اللغة العامية المحكية واللغة الفصحى التي تختلف معظم مفرداتها عن اللغة العامية، فمثلا نقول بالعامية «راح» بدل «ذهب»، إضافة إلى أن الطفل في بداية تعلّمه اللغة العربية المكتوبة يختلط عليه شكل الأحرف مثلاً لدينا الـ ج، والـ ح والـ خ وهذه الأحرف يختلف رسمها بين ما إذا كانت في أول الكلمة أو وسطها أو في آخرها.
كما تكون لديه صعوبة في التمييز بين الأصوات الطويلة والأصوات القصيرة، وأحياناً لا يستطيع التمييز بين مخارج الحروف. فمثلاً يخلط بين حرفي الـ«ق» و«ك» وبين «ض» و«د».
هذه الأسباب وغيرها تجعل اللغة العربية الفصحى لغة صعبة بالنسبة إلى التلميذ الصغير الذي بدأ لتوّه تعلم القراءة والكتابة.
- لماذا لا يجد التلميذ صعوبة في اللغة الأجنبية؟
في البداية هناك مشكلة قد لا يتنبه إليها معظم الأهل خصوصًا الجيل الجديد منهم، وهي أن معظم الأهل المعاصرين يتكلّمون مع أطفالهم بلغة أجنبية ظنًا منهم أنهم بذلك يسهّلون الأمر على أطفالهم خصوصًا أن معظم المواد العلمية يتلقوّنها باللغة الأجنبية وتحديداً الإنكليزية أو الفرنسية، إضافة إلى أنهم يبررون تحدثهم إلى أبنائهم بلغة أجنبية بأن هؤلاء سيتعلّمون العربية حكمًا لأنهم يعيشون في محيط إجتماعي عربي.
وهكذا يصبح الطفل منفتحًا وبشكل لا إرادي على اللغة الأجنبية، وبالتالي يواجه صعوبة كبيرة عندما يبدأ تعلّم العربية الفصحى.
فضلاً عن أن اللغة الأجنبية مفرداتها هي نفسها في القراءة والكتابة وبالتالي لا يجد الطفل صعوبة في نطقها وكتابتها، فيما اللغة العربية العامية تختلف في مفرداتها عن اللغة الفصحى، إضافة إلى أن شكل الحروف يتغير ما إذا كانت في أوّل الكلمة أو وسطها أو آخرها.
مثلاً حرف الخاء يختلف شكله من كلمة إلى أخرى « خرج- مخرج- بطيخ»، فيما في اللغة الأجنبية لا يتغيّر عموماً شكل الحرف مهما كانت الكلمة مثلاً حرف الـ o شكله لا يتغير في كلمات عدة house - horse - money.
- لماذا يخطئ الطفل في كتابة الكلمة رغم أنه أصبح يعرف الأحرف؟
عندما يصبح الطفل ماهراً في كتابة الأحرف والكلمات يكتب ما يسمعه أي يكتب كلمة تشبه السمع. مثلاً يكتب كرس بدل كرسي، وهذا مسموح لأنه لم يتعلم بعد القواعد الإملائية، وإذا تعلّمها لن يفهمها لأن عقله ليس مستعداً بعد لفهم الأمور المجردة.
المهم في هذه المرحلة تحفيز الطفل على الكتابة. فمثلاً إذا كتب كلمة مهى « مها» أو «مه» هذا أمر جيد وطبيعي ولا يجوز محاسبته أو انتقاده.
كالقول له: «أخطأت ولا تعرف الكتابة». فاللغة العربية تتضمن الكثير من الفخاخ اللغوية وقواعدها ليست سهلة.
وإذا كانت المعلّمة أو الأم تضع إشارة الخطأ في كل مرة يخطئ فيها الطفل، فهذا يحبطه ولا يحفّزه على الكتابة، وتصبح هذه بالنسبة إليه عقاباً.
وكما ذكرت سابقًا توقع مخارج الحروف الطفل في التباس مثل «ض» و«د»، فهناك حروف متشابهة بالصوت وأخرى متشابهة في الشكل مثل «ذ» و«د» .
ويمكن الأم أن تساعد طفلها على تمييز الحروف المتشابهة من خلال تأليف قصة طريفة عن هذه الحروف كأن تقول له: «الضاد أخت الدال، ولكنها كانت تأكل كثيراً ولا تمارس الرياضة فأصبحت سمينة». فبهذه القصة الطريفة يثبت في ذهنه الفرق بين هذين الحرفين.
- ما هي النصائح التي تسدينها للأهل لجعل العربية محببة إلى الطفل؟
أنصح الأهل باتباع الوسائل الآتية
إظهار الاهتمام باللغة العربية الفصحى وعدم الاستخفاف بها.
شراء كتب باللغة العربية فالأهل هم القدوة التي يحتذي بها الأبناء. لذا من الضروري أن يرى الابن والديه يطالعان كتباً باللغة العربية، إضافة إلى ضرورة استعمال مفردات بالفصحى.
تشجيع الأبناء على متابعة برامج ناطقة باللغة العربية الفصحى.
تشجيع الأبناء على المطالعة أو قراءة القصص العربية القصيرة.
إيجاد فرص التواصل بين الأبناء والأهل للتحدث باللغة الفصحى، كأن تطلب الأم من ابنها أو ابنتها رواية قصّتها المفضّلة أمام أفراد العائلة باللغة العربية الفصحى.
إبداء التقدير والإعجاب بالطفل بسبب قدرته على التحدث باللغة العربية الفصحى كما يفعلون عندما يظهر قدرته على التحدث باللغة الأجنبية.
تشجيع الطفل على المشاركة في نشاطات ترفيهية أو مسابقات تتطلب كتابة رسائل أو إيجاد مفردات باللغة العربية الفصحى.
تشجيع الطفل على حفظ الآيات القرآنية.
الاستماع إلى شرائط كاسيت تروي القصص حتى لو كان في السيارة ومناقشة القصة باللغة الفصحى.
توفير البرامج التثقيفية التي تعلّم قواعد اللغة العربية والإملاء عن طريق الكمبيوتر. إذ تساعد هذه البرامج التلميذ على التفاعل بينه وبين الكمبيوتر مما يجعل تعلّم القواعد نشاطاً ترفيهياً.
تقوية العبارات الإنشائية ويكون ذلك عن طريق
قراءة نص يختار منه التلميذ العبارات التي تلفت نظره ثم الطلب منه استعمالها في جمل مفيدة.
قراءة نصوص وتلخيصها باستعمال العبارات الواردة فيها تنويع أنماط النصوص،أي قراءة النصوص السردية والوصفية والإيجازية والبرهانية.
فالعبارات تختلف باختلاف أنماط هذه النصوص وقراءتها مما يساعد في إغناء أسلوب التلميذ في الكتابة. فمن المعلوم أن المفردات في النصوص الوصفية تختلف عما هي في النصوص العلمية، واللغة العلمية غير تلك الأدبية...
- متى يمكن الحكم ما إذا كان التلميذ فعلاً يعاني صعوبة في اللغة العربية؟
في صفوف الروضة يصعب الحكم ما إذا كان التلميذ يعاني صعوبة تعلّمية، ولكن في الصف الأول الإبتدائي يجدر بالتلميذ عند نهاية السنة المدرسية أن يكون قد أصبح إلى حد ما جيدًا في قراءة وكتابة اللغة العربية، ويعرف شكل الحرف مهما اختلف موضعه في الكلمة، وصار في إمكانه كتابة جملة من خمس كلمات وأكثر.
أما إذا استمر في النفور منها ويعاني صعوبة كبيرة في فهمهما، وإذا انتفت الأسباب التي تجعله لا يحبها خلال العام الدراسي، فهذا مؤشر لوجود صعوبة تعلّمية عند التلميذ، وهي الديسليكسيا Dyslexia.
- ولكن لماذا لا تظهر مشكلة Dyslexia في اللغة الأجنبية؟
كما ذكرت سابقًا فاللغة العربية الفصحى لا تخلو من الصعوبة، ولأن الأحرف تختلف أشكالها باختلاف الكلمة، فإنها تُظهر مشكلة الديسليكسيا، علمًا أن التلميذ يكون يعاني صعوبة في اللغة الأجنبية، ولكنها لا تكون جليّة وواضحة للأهل كما اللغة العربية.
لذا على الأهل أن يفكّروا في هذا الإحتمال، ويعرضوا ابنهم على اختصاصي تقويم اللغة، بغية تشخيص ما إذا كان الطفل يعاني هذه الصعوبة التعلّمية أم لا. و بدوره يقوم الإختصاصي في التعرّف على تاريخ الطفل.
ويجري اختباراً لقدراته على القراءة والكتابة والاستماع ومعرفة الاتجاهات. ويفحص القدرات السمعية، أي كيف يفهم دماغ الطفل ما يسمعه.
ولا بد من التعاون بين الأهل والمعالج والمدرسة. وقد لا يقوم المعالج بأي جلسة علاجية بل يعطي المدرسة والأهل الإرشادات التي يجب التقيّد بها حتى يتمكّن التلميذ من النجاح.
فالجلسات العلاجية لا تشفي ولكنها تعلّم التلميذ التكيف مع هذه المشكلة. وهذا يحتاج إلى صبر الأهل والمدرسة.
-ما هي الديسليكسيا؟
يعرّف الإختصاصيون الديسليكسيا بأنها خلل في وظائف بعض الأعصاب الدماغية، مع اضطراب الاتصال في المراكز المتخصصة بقدرتي القراءة والكتابة.
فلا يقدر الطفل المصاب بالديسليكسيا على الربط بين ما يراه وما يجب وقوله أو كتابته، وغالباً ما يلاحظ أنه أقل من مستوى أقرانه في التعبير اللغوي مع أن مستوى ذكائه يكون طبيعياً. وتختلف درجة هذه الإعاقة من شخص إلى آخر.
وتعدّ صعوبة نمو النطق و غياب الطلاقة في صياغة وصفٍ لما يراه أو يريده في كلمات وجمل صحيحة، القاسم المشترك بين جميع الذين يعانون الديسليكسيا Dyslexia.
-ما هي إشارات الديسليكسيا؟
أعراض الديسليكسيا
تأخر في النطق وعدم قدرة على ترتيب الكلمات في شكل تسلسلي أو صَوغ جملة صحيحة بدءاً من سن الثلاث سنوات. مثلاً يقول «التفاحة أكلتني» أو» تفاحة سميرة أكَلَت».
تأخر ملحوظ في القراءة. فمن المعروف أن التلميذ يتعرّف في الصف الأوّل ابتدائي على مبادئ قراءة الكلمات والمفردات. ولا تظهر هذه القدرات عند المصاب.
عدم القدرة على الحفظ. فمثلاً تدرّس المعلّمة في الصف الأول ابتدائي التلامذة كلمة قطة وتعطي الكثير من الأمثلة وتروي قصصاً عنها، إذا لم يستطع التلميذ حفظ الكلمة التي تشير إلى القطة، فهذا مؤشر لوجود صعوبة عنده.
النسيان المبالغ فيه. أي أن التلميذ غير قادر على استحضار المعلومات التي خزّنتها الذاكرة حين يطلب منه استعمالها. فمثلاً يتعلّم الطفل قراءة وكتابة كلمة «باب»، وفي اليوم التالي لا يتذكّرها وكأنه لم يرها في حياته. فهذا مؤشر لوجود خلل في الذاكرة.
عدم القدرة على استيعاب مفهوم الزمان والمكان والاتجاهات. مثلاً يقول البارحة أنا هنا. أو يشير إلى اليسار على أنه اليمين.
لا يحفظ أسماء الأشخاص القريبين منه والذين يراهم في شكل يومي. كأسماء أشقائه مثلاً.