القديس لوقا الإنجيلي
هو الوحيد بين كتاب العهد الجديد الذي لم يكن يهودياً بل أممياً . وغالباً هو من إنطاكية سوريا ، َقبِلَ الإيمان المسيحي دون أن يتهود ، ويعلل الدارسون ذلك بأن الرسول بولس حين أشار إليه في رسالته إلى كولوسي ( 4 : 14 ) لم يضمه إلى من هم من أهل الختان ، مثل أرسترخس ومرقس . ورأى البعض أنه كان من السبعين رسولاً وهو أحد تلميذي عمواس ولم يذكر أسمه اتضاعاً ، ولكن الرأي الغالب أنه لم يكن من الرسل بل قبل الإيمان على يدي بولس الرسول ، وذلك لأن لوقا نفسه يعترف أنه لم يعاين المسيح بنفسه ، بل كما ذكر في بداية أنجيله ( كما سلمها إلينا الذين كانوا من البدء معاينين وخداماً للكلمة ) لوقا ( 1 : 2 ) ، وكان القديس لوقا طبيباً ، كولوسي ( 4 : 14 ) ، وكان الرومان لا يسمحون لأحد أن يمتهن مهنة الطب إن لم يجتاز إمتحانات عديدة صعبة ودقيقة ، لذلك فشخصية لوقا كطبيب نرى فيه شخصية العالم المدقق ، والرجل العملي المحقق ، وإضافة لذلك فأسلوبه رقيق وجميل ، ويضيف التقليد أنه أيضاً فنان ، رسم صورة للسيدة العذراء أم الرب يسوع ، ولقد ارتبط القديس لوقا بالقديس بولس الرسول ، رسول الأمم في صداقة قوية وأول مرة إلتقيا فيها في السفر ، وذكر الرسول بولس ذلك بكلمة ( نحن ) كانت في أعمال الرسل ( 16 : 10 ) أثناء وجودهما في ترواس في خلال الرحلة التبشيرية الثانية ، ثم صاحبه في الرحلة الثالثة ، وكان لوقا هو الوحيد الذي ظل مرافقاً بولس في أسره وحتى النهاية ، كما ذكر في رسالة بولس الرسول الثانية الى تيموثاوس ( 4 : 11 ) ، وبسبب هذا الارتباط سجل لنا لوقا كثيراً من أعمال بولس الرسول وكرازته ودعاه بولس بـ ( الطبيب الحبيب ) في رسالتيه الى كورنثوس ( 4 : 14 ) وفيلبي ( 24 ) ، وقيل أنه عاش بتولاً ، وعمل في إخائية باليونان ، وهو الذي كتب أيضاً سفر أعمال الرسل ووجه إنجيله وسفر الأعمال لنفس الشخص ( العزيز ثاوفيلس ) ( لقب العزيز هو لقب شرف فهو أحد أشراف الإسكندرية ) ، بل يأتي سفر الأعمال في بدايته كتكملة للإنجيل ، ولأنه طبيب يصف الأمراض بدقة ، ولا يهاجم الأطباء احتراماً لمهنة الطب ، وبولس إذ يكتب لأممي مثله ( ثاوفيلس ) يريد نفعا لكل الأمم ، القديس لوقا الإنجيلي كان يصحب الرسولين بطرس وبولس ويكتب أخبارهما ، وبعد إستشهاد هذين الرسولين مكث هذا القديس يبشر في نواحي رومية ، فاتفق عابدو الأوثان واليهود فيما بينهم وتوجهوا الى نيرون الملك ، ووشوا له بأنه قد رد بسحره جماعة كثيرة الى تعليمه ، فأمر باحضاره ولما علم القديس لوقا بذلك أعطى ما كان عنده من الكتب لرجل صياد وقال له :
إحتفظ بهذا عندك فانها تنفعك وتريك طريق الله .
ولما مثل أمام نيرون الملك قال له الملك : الى متى تضل الناس ،
أجابه القديس : أنا لست ساحراً ولكني رسول يسوع المسيح ابن الله الحي .
فأمر أن يقطع ساعده الأيمن قائلا ً اقطعوا هذه اليد التي كانت تعلم .
قال له القديس : نحن لا نكره الموت والإنطلاق من هذا العالم ، ولكي تعرف قوة سيدي ، تناول يده المقطوعة وألصقها في مكانها فالتصقت ثم فصلها فانفصلت ، فتعجب الحاضرون . عند ذلك آمن الوزير وزوجته وجمع كثير قيل أن عددهم مائتان وست وسبعين ، فكتب الملك قضيتهم وأمر بأن تؤخذ رؤوسهم وتقطع مع الرسول لوقا ، واستشهد في سن الرابعة والثمانين ، وهكذا تمت شهادتهم وجعل جسد القديس في كيس شعر ، وألقيَّ في البحر وبتدبير الله قذفته الأمواج الى جزيرة فوجده رجل مؤمن فأخذه وكفنه ودفنه .
إنجيل لوقا
هنا نرى وجهة نظر أخرى عن المسيح ، فلقد رأينا في إنجيل متى المسيح الذي أتى ليخلص من الخطية ، الملك المشرع ، ورأينا في إنجيل مرقس المسيح القوي الجبار ، أما هنا فنتقابل مع المسيح الذي أتى ليشفع في البشرية فاتحاً لها طريق السماء .
1 - أول ما نتقابل في إنجيل لوقا نتقابل مع الكهنوت ، مع زكريا الكاهن أمام مذبح البخور ، والملاك يخبره بقدوم السابق للمسيح ، وكأن الملاك يقول لزكريا : هل تدري يا زكريا معنى ما تقوم به من طقوس ، لقد قدمت لتوك ذبيحة محرقة ودخلت للقدس لتقدم البخور فيرضى الله عن شعبك ، ما هذا إلا شرح لما أتيت أخبرك به ، كل هذا كان رمزاً للمسيح ، وإبنك الذي ابشرك به هو سابق للمسيح الذي سيقدم ذبيحة على الصليب ثم يشفع في البشرية أمام الآب .
2 - أول ما نتقابل مع المسيح ، لا نتقابل معه في معجزة بل في مجمع يقرأ فيه المسيح من سفر إشعياء ، وأكرز بسنة الرب المقبولة ، ثم طوى السفر ولقد طوى المسيح السفر فهو لم يرد أن يقرأ الآية التالية ( وبيوم إنتقام لإلهنا ) فالمسيح الحبيب أتى يكرز لنا بسنة الرب المقبولة .
3 - نسمع في إنجيل لوقا عن المسيح السامري الصالح ، وعن السماء المفتوحة للفقراء البسطاء ( لعازر في حضن إبراهيم ) ، وعن الإبن الضال في حضن أبيه وهي صورة كم جذبت البشر للتوبة ، ونسمع عن إقامة إبن أرملة نايين ، حقاً لقد ذكر باقي الإنجيليون معجزات إقامة من الأموات ، ولكن هذه هي المعجزة الوحيدة التي تقدم فيها المسيح ليقيم الميت دون أن يسأله أحد ، فهو أتى لهذا .
4 - وحتى بعد القيامة نجد المسيح يسعى وراء تلميذي عمواس ، وبالرغم من عدم فهمهم لقضية الخلاص والشك فيمن هو المسيح ، نجد المسيح يشرح لهم ليفهموا ، ثم يتظاهر بأنه منطلق ليطلبوا منه أن يمكث معهما فيمكث ، فهو يريد أن يمكث ولكن ليس رغماً عنا بل يمكث إذا طلبنا منه ذلك ، وإذا مكث معنا يفتح عيوننا كما فعل مع تلميذي عمواس .
الإنجيل بحسب لوقا البشير
كتب القديس لوقا إنجيله المقدس الموحى إليه من الروح القدس لليونان أصحاب الفلسفات والأدب اليوناني ، لذا جاء هذا السفر في أسلوب أدبي رائع ، يقدم لنا حياة السيد المسيح في تاريخ بطريقة لاهوتية تعلن عنه كمخلص البشرية كلها المتعلم والأمي ، الفيلسوف والبسيط ، الغني والفقير ، الخاطئ والوثني ، إنه لا يخلص بالحكمة البشرية والفلسفات بل بذبيحة الحب ، علامة للمصالحة مع الآب