القيامة معجزة متعددة الجوانب
من كتاب تأملات في القيامة - البابا شنوده الثالث
1- أنها معجزة ممكنة:
هنا قدرة الله العجيبة! كيف يجمع الأجساد مرة أخري بعد أن تحولت إلي تراب؟! أليس هو الذي خلقها من قبل من تراب، بل من عدم، فالتراب كان عدمًا قبل أن يكون ترابًا. والذي يتأمل القيامة من هذه الناحية، إنما يتأمل القدرة غير المحدودة التي لإلهنا الخالق، الذي يكفي أن يريد، فيكون كل ما يريد، حتى بدون أن يلفظ كلمة واحدة. إنها إرادته التي هي في جوهرها أمر فعال قادر علي كل شيء..
نسمي القيامة إذن معجزة ليس لأنها صعبة وإنما لأن عقلنا يعجز عن إدراكها كيف تكون وإن كان العقل يعجز عن الفهم، فالأيمان يستطيع بسهولة أن يفهم..
لذلك فالقيامة هي عقيدة للمؤمنين:
الذي يؤمن بالله وقدرته، يستطيع أن يؤمن بالقيامة. والذي يؤمن بالله كخالق، يؤمن به أيضًا مقيمًا للموتي. أما الملحدون، فلا يصل إدراكهم إلي هذا المستوي. إنهم لا يؤمنون بالقيامة، كما لا يؤمنون بالروح وخلودها، كما لا يؤمنون بالله نفسه..
2- القيامة معجزة ممكنة.
وأيضًا هي معجزة لازمة، لأجل العدل ولأجل التوازن:
إنها لازمة من أجل العدل. من أجل محاسبة كل إنسان عن أفعاله التي عملها خلال حياته علي الأرض، خيرًا كانت أم شرًا، فيثاب علي الخير، ويعاقب علي الشر. ولو لم تكن قيامة، لتهالك الناس علي الحياة الدنيا، وعاشوا في ملاذها وفسادها، غير عابئين بما يحدث فيما بعد. أما الإيمان بالقيامة، وما يعقبها من دينونة وجزاء، فإنه رادع للناس، إذ يشعرون أن العدل ل بد أن ياخذ مجراه في العالم الآخر.
وهذا الجزاء لا بد أن يكون بعد القيامة واتحاد الأرواح بالأجساد:
لأنه ليس من العدل أن تجازي الروح وحدها، ويترك الجسد بلا جزاء علي كل ما فعله في عصيان الروح أو في طاعتها. إذن لا بد أن يقوم الجسد، وتتحد به الروح، ويقف الإثنان معًا أمام الله. لأن كل أعمالهما علي الأرض كانت معًا كشريكين ملتزمين..
والقيامة لازمة أيضًا من أجل التوازن.
ففي الأرض لم يكن هناك توازن بين البشر، ففيها الغني والفقير، السعيد والتعيس، والمنعم والمعذب.، . فإن لم تكن هناك مساواة علي الأرض، فمن اللائق أن يوجد توازن في السماء. ومن لم ينل حقه علي الأرض، يمكنه أن يناله بعد ذلك في السماء، ويعوضه الرب ما قد فاته في هذه الدنيا، إن كانت أعماله مرضية الرب. وقصة الغني ولعازر في الإنجيل المقدس (لو 16)
تقدم لنا الدليل الأكيد عن التوازن بين الحياة علي الأرض والحياة في السماء.
3- القيامة أيضًا هي معجزة جميلة رائعة:
لأنها تقدم للعالم الآخر الحياة التالية. فالإنسان المثالي الذي تحدث عنه الفلاسفة، والذي بحث عنه ديوجين ولم يجده، والذي فكر العلماء كيف يكون.. هذا الإنسان المثالي تقدمه لنا القيامة في العالم الآخر، في عالم ليست فيه خطيئة علي الإطلاق، وليس فيه حزن ولا بكاء، ولا فساد ولا ظلم، ولا نقص ولا عيب. إنها معجزة تقدمها القيامة، أو هي شهوة في حياة البر تتحقق بالقيامة.
4- ولذلك فالقيامة معجزة مفرحة:
مفرحة لأن بها تكمل الحياة، وينتصر الإنسان علي الموت، ويحيا إلي الأبد. إن الحياة الأبدية هي حلم البشرية التي يهددها الموت بين لحظة وأخري، والتي تحيا حياة قصيرة علي الأرض، وعلي قصرها مملوءة بالمتاعب والضيقات، لذلك يكون فرح عظيم للإنسان أن يتخلص من التعب ومن الموت، ويحيا سعيدًا في النعيم البدي. إنه حلم يتحقق بالقيامة