رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"ارْعَ الأَمَانَةَ".. نص عظة البابا تواضروس الثانى فى اجتماع الأربعاء
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. تحل علينا نعمته ورحمته من الآن وإلى الأبد آمين. فى البداية أحب أن أهنئكم بعيد الصليب المجيد وسيكون يوم الاثنين القادم، وهو أول الأعياد التى نحتفل بها فى السنة القبطية الجديدة يوم 17 توت، ونحتفل بالصليب على مدار السنة ثلاث مرات، مرة فى 17 و18 و19 توت، ونحتفل به يوم الجمعة العظيمة، ومرة أخرى يوم 10 برمهات فى شهر مارس، كل سنة وأنتم طيبين. نواصل تأملاتنا فى مزمور 37 تحت عنوان دروس فى الحكمة. "لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ، اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ، اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ، وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ، سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِى، وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ، انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِى يَنْجَحُ فِى طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِى مَكَايِدَ، كُفَّ عَنِ الْغَضَبِ، وَاتْرُكِ السَّخَطَ، وَلاَ تَغَرْ لِفِعْلِ الشَّرِّ، لأَنَّ عَامِلِى الشَّرِّ يُقْطَعُونَ، وَالَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ، بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَكُونُ الشِّرِّيرُ، تَطَّلِعُ فِى مَكَانِهِ فَلاَ يَكُونُ، أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِى كَثْرَةِ السَّلاَمَة"، نعمة الله الآب تكون مع جميعنا، آمين. موضوعنا اليوم عن ارعَ الأمانة، فرعاية الأمانة من الكلمات الجميلة والتى لها أبعاد كثيرة، ففى العهد القديم نجد راعوث اِلتصقت بحماتها نُعمة وعاشت معها، وعملت فى حقل بوعز، وفى النهاية راعوث ونُعمة راعوا الأمانة فى حياتهم. فكيف تظهر أمانة الله أمامنا كبشر؟ دائمًا نصف الله أنه أمين وقدوس، فى سفر الرؤيا "وَاكْتُبْ إِلَى.. الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ" (رؤ 3: 14)، والله لمّا وعد الإنسان بالخلاص بعد سقوط آدم تمّم الخلاص، فأمانة الله نوع من الرجاء والثقة الداخلية بأن الله يعمل فينا، أيضًا بولس الرسول عند ذهابه للمحاكمة فى روما السفينة كُسرت، فوقف بولس يصلى "لأَنَّهُ لاَ تَكُونُ خَسَارَةُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ، إِلاَّ السَّفِينَةَ.. لأَنِّى أُومِنُ بِاللهِ أَنَّهُ يَكُونُ هكَذَا كَمَا قِيلَ لِى" (أع 27: 22). أمانة الله تظهر فى غفرانه للتائبين "إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ" (1يو 1: 9)، كذلك عندما أتوا بالمرأة الخاطئة لرجمها، وتغافلوا عن خطاياهم، كان الله فى منتهى الأمانة والهدوء وسجل بعض خطاياهم على الأرض، وبعد ذلك ذهبوا ولم يتبقَّ إلا المرأة الخاطئة واقفة فى عارها، فتحنن عليها الله "أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟ فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِى وَلاَ تُخْطِئِى أَيْضًا»". وأمانة الله تظهر فى التجارب، لأنه لا يتركنا بمفردنا فيها، وهو بأمانته يعبر بنا الأوقات الصعبة بسلام، يقول الكتاب "لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِى لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا" (1كو 10: 13)، وفى العهد الجديد مَثَل الوزنات "كُنْتَ أَمِينًا فِى الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ" (مت 25: 23)، فالأمانة لا تتجزأ، عليك أن ترعى فضيلة الأمانة فى حياتك، إن كان عمل أو تربية أبناء، "كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ" (رؤ 2: 10) "كُنْ" فهى موجهة للكل وفيها نوع من الاستمرار والخصوصية والإلزام، و"كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ" فهذا الجزء يخص السماء وأما الجزء الثانى فهو يخص الأرض "فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ". مجالات الأمانة التى يجب مراعاتها هى: 1– أمانتك نحو الله "اخْشَوْا الرَّبَّ وَاعْبُدُوهُ بِكَمَال وَأَمَانَةٍ" (يش 24: 14)، فالإيمان المستقيم جاء من كلمة الإيمان وعاشت به كنيستنا على مر الأجيال، ودانيال النبى كان أمينًا ولم يوجد فيه خطأ أو ذنب، وجاهر بإعلانه بالإيمان، ورفض عبادة الأوثان، وعندما ألقوه فى جُب الأسود قال "إِلهِى أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُودِ فَلَمْ تَضُرَّنِى" (دا 6: 22)، فكان دانيال إنسانًا أمينًا تجاه الله. كذلك شهداء ليبيا بالرغم من اختلاف جنسياتهم إلا أنهم كانوا أمناء على إيمانهم فى أرض غريبة، لذلك جعل الله صورة استشهادهم كرازة لاسم المسيح والكنيسة القبطية على مستوى العالم بدون استثناء، وهذه الثمار الكثيرة نتيجة أمانتهم. القديس بوليكاربوس أسقف أزمير فى تركيا كان عمره 86 عام عندما طلبوا منه يسجد للأوثان، فقال: "لقد خدمت المسيح 86 عامًا ولم يصنع بى شرًّا فكيف أجدف على ملكى وإلهى الذى خلصنى!؟"، وأطلقوا عليه الوحوش لدرجة أخدت الناس بعض البقايا التى تبقت منه واعتبرتها ذخائر وكنوز وبنوا عليها كنائس، ومعنى "بوليكاربوس" عديد الثمار، فالإنسان الأمين أمام الله لا يتساهل مع الخطية أيًّا كان شكلها أو نوعها، مثل يوسف الصديق عندما قال: "فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟". 2 – الأمانة مع النفس، ارعَ أمانتك تجاه الله ونفسك، ويدك، وعينيك، وأذنيك، ومشاعرك، وصحتك، كل ذلك لا بد أن يكون فيهم الأمانة، فلا بد أن تضبط حواسك، مثل العين: تتعفف عن النجاسة وتحترم خصوصية الآخر، والأذن: يجب أن ترفض أى كلام فيه قباحة أو نشر لإشاعة، ولسانك: يجب أن يكون نقيًّا يسبّح ويصلى ويشكر ويرفض الحلفان والكذب، "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِى أَنْتُمْ هُوَ" (1كو 3: 17) ويقصد هنا هيكل جسدك ونفسك، ارعَ الأمانة تجاه نفسك. أما البُعد الثانى 3 – ارعَ الأمانة فى الأسرة، ارعَ الأمانة فى زوجتك، ارع الأمانة فى زوجك، كل واحد فيكم مسؤول عن الطرف الآخر، والأمانة تجاه أبنائك، حتى فى أموالك ومواهبك لا بد أن تكون أمينًا لأنها كلها نِعم وعطايا من الله، "وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِى فَنَعْبُدُ الرَّبَّ" (يش 24: 15) أنا وأهل بيتى لنا علاقة مع الله نرعاها فى أمانة، فتكوين أسرة بمفاهيم سليمة ذلك يجعل البركة فى البيت. 4 – الأمانة فى مجال الدراسة والعمل، فالطالب الأمين فى دراسته والذى يرفض أى صورة من صور عدم الأمانة، فأمانته هى التى تصل به إلى تخرجه، أما الأمانة فى العمل، مثل يوسف، ونحميا، ووشتى الملكة، وراعوث، كلهم أمناء فى عملهم، وتبدأ أمانة العمل بالالتزام بالمواعيد، والجدية والإتقان وحفظ خصوصية العمل، فأمانة الأعمال لا تنتهى، "لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ" فالأمانة تحفظك من مجالات الشر والعدوان والمجالات المتعبة فى المجالات الإنسانية. الحدود المتسعة لأمانة الإنسان: يعقوب أبو الآباء ظل أمينًا فى خدمته وعمله لخاله لابان، رغم أن خاله استغلّه فى خدمته وغيّر أجرته عدة مرات، وكان يعقوب يعوّض خاله عن أى شاة يفترسها أحد الحيوانات البرية، مع أنه كان من المفروض أن يتحمّل صاحب الغنم ما يتم افتراسه. 5 – الأمانة فى الخدمة، وتتضح الأمانة فى إنجيل معلمنا يوحنا فى الإصحاح 10 ويوضح لنا الفرق بين الراعى والأجير، وبين الذئب الذى يأتى ويفترس ويُهلك، ويقول أن الراعى الأمين هو (الراعى الصالح ويعرف خاصته وخاصته تعرفه)، وهو أيضًا "خِرَافِى تَسْمَعُ صَوْتِى، وَأَنَا أَعْرِفُهَا"، وأيضًا الراعى الأمين ينتبه للرعية والمكان الذى تتغذى فيه. أمانتك فى خدمتك ككاهن فى رعاية الشعب، فعندما أهمل عالى الكاهن فى تربية أولاده، جاءه صوت من الله "وَأُقِيمُ لِنَفْسِى كَاهِنًا أَمِينًا يَعْمَلُ حَسَبَ مَا بِقَلْبِى وَنَفْسِى، وَأَبْنِى لَهُ بَيْتًا أَمِينًا فَيَسِيرُ أَمَامَ مَسِيحِى كُلَّ الأَيَّامِ" (1صم 2: 35)، فأنت مسؤول عن تربية ورعاية بيتك أيضًا، "مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟" (2كو 11: 29)، ثلاث سنوات كان يكلم ويصلى بالدموع، الأمين فى الخدمة أمين فى تعليمه، القديس أثناسيوس عندما كان يشرح إيمانه فى اللاهوت كان يشرحه عن طريق الفلسفة لأنها كانت السائدة فى ذلك الوقت، وكذلك أيضًا بولس الرسول. 6 – الأمانة فى المال، فالمال نعمة من الله لتيسير الحياة، وتستطيع به أن تخدم كل أحد، "لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ.. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِى السَّمَاءِ" (مت 6: 19 – 33)، "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِى السَّمَاءِ" (مت 19: 21)، فلا تجعل المال هو الذى يتحكم فيك، ولا تجعل محبته مصيدة لك توقعك، "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ" (1تى 6: 10)، فالله يعطى البعض الكثير من المال ويعطى البعض الآخر القليل من المال حتى يُحرّك الرحمة والشكر فى قلوب كل منهم. 7 – الأمانة فى الوقت، فالوقت هو العطية الوحيدة التى يعطيها الله بالتساوى للجميع، لذلك لا بد من استخدام الوقت بطريقة حسنة، فالأمين فى وقته يكون إنسانًا ناجحًا، فلا تدع الحرية التى يعطيها لنا الله تضيع بلا قيمة ومعنى وثمر. الخلاصة، لكى ترعى الأمانة اهتم بمخافة الله فى حياتك، واهتم بمحبتك التى تقدمها لكل مَنْ حولك وكُن إنسانًا ملتزمًا ودقيقًا، يقول الكتاب "فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ" (أف 5: 15 – 16) وهنا الجهل والحكمة مرتبطين باستخدام الوقت، فأنت تملك اليوم وغدًا عند الله، "كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ" (رؤ 2: 10)، يُعطينا الله أن نرعى الأمانة فى حياتنا فى كل يوم. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين. |
|