أنا هو الطريق
14: 10- 12
أنا هو الطريق والحق والحياة. لا يجيء أحد إلى الآب إلا بي.
المنازل كثيرة في بيت الآب. لا نقص في السماء. وكان على التلاميذ أن يفهموا. ودعابة يسوع الخفيفة تفهمنا أننا نحن منازل الآب (14: 23). أما الآن فنعرف أن الآب يقيم في يسوع. هذا ما يوجّهنا في خطّين. الأول، لا يذهب يسوع إلى أي مكان آخر، لأنه منذ الآن في الآب. الثاني، الآب هو الذي "ينتقل" إليه وإلينا.
بدل أن نبحث عن "فردوس" مصطنع، لماذا لا نبحث في قلوبنا؟ بانتظار ذلك، كان التلاميذ حزانى لأنهم عرفوا أن يسوع محكوم عليه بالموت. وهم قلقون ومضطربون لأن هذه هي نهاية ما بدا وكأنه حلم. شكّوا برسالة يسوع، فعرف يسوع بذلك. وهو يعرف بصورة خاصة أنهم لم ينضجوا بعد لكي يتبعوه.
بطرس سينكره قريباً. وتوما الذي عرفناه شجاعاً (11: 16)، لا يعرف إلى أين يذهب. هل نقدر أن نفكّر جدّياً أن الحكم بالموت يقود إلى الله؟ هذا أمر مشكوك فيه. أما فيلبس فبدا صريحاً واضحاً: ماذا ينفعنا أن نرى الآب؟ هو يعرف أن الله لا يُرى. وها هو يسمع أنه ليس إلا طريق واحد: يسوع نفسه. وبعبارة أخرى: بجب أن ننظر إلى الطريق قبل الهدف الذي ندركه. يجب أن نشدّد على الوسائل قبل النهاية. قد يبدو هذا معارضاً لكل منطق. ولكن الأمور هي هكذا في المنطق المسيحي: الممارسة تسبق النظريات. والإنسان يسير أمام الله.
حين نحقّق أعمالاً. حين نعمل للحق. حين نعيش مع المسيح، نستطيع أن نصل إلى الآب. فالمسيح هو الطريق والحقّ والحياة. إنه المعبر الذي لا بدّ منه لكي نصل إلى الآب. هذا ما يقوله يوحنا مشدّداً على دوره كوسيط. إنه يتيح لنا أن نصل إلى الله بواسطة الإنسان.
كل إنسان يخفي عنّا شيئاً. ويسوع يكشفه لنا. وعبارة "آمنوا بي" (آ 1) التي تحيط بهذا المقطع الذي نقرأ، تدل على الثقة الضرورية بالمسيح لكي نعرف الآب، مع أن الحكم القريب على يسوع يجعله بعيداً عنا. وهناك عبارة "صدّقوني" (آ 11) التي تدلّ على كلمات آتية من مكان آخر. وهناك لفظة "آمن" (آ 10) التي تدل على الأشياء في عمقها.
نجد في هذا الإستعمال لكلمة آمن (صدّق)، الطريق والحق والحياة التي هي موضوع إيمان. هذا ما يتيح للتلاميذ أن يخاطروا بحياتهم مع المسيح (هذا هو هدف هذه الخطبة).
وهكذا يستطيعون أن يبقوا على قيد الحياة بعد موت يسوع، ويعملوا مثل أعماله. إنهم منازل حيّة للآب. ومع المسيح هم حجارة حيّة في بيت الله. وفيه يُبنون معاً في المشاركة الأخوية. وبهم يقيم الله في عالمنا.
قال يسوع: "أنا هو الطريق". إلى أين؟ إلى الآب. طريق قصير، طريق المعرفة الجامدة. "بما أنكم تعرفوني تعرفون أبي أيضاً. وقد رأيتموه".
حاول فيلبس أن يختصر الطريق فقال: "أرنا الآب وحسبنا". أجابه يسوع ودلّه على أن الطريق قصير: "من رآني رأى الآب". ولكن سيصبح الطريق طويلاً حين يقول يسوع: "أنا معكم كل هذا الوقت (منذ وقت طويل) وما عرفتني بعد، يا فيليبا. ألا تؤمن أنني في الآب وأن الآب فيّ"؟
تأخّر فيلبس قبل أن يفهم. ونحن أيضاً. قد تسلّمنا اليوم كلمة غنية جداً، ولا بدّ من التجوال فيها. في عيد الميلاد قال لنا يسوع: "من رآني رأى الآب". من رأى هذا الطفل رأى الله، رأى براءة الله وطهارته وفقره. ولكن أين نجد عيوناً تستطيع أن ترى كل هذا؟ وفي غسل الأرجل، قال يسوع: "من رآني رأى الله". رأى تواضع الله. ولكن كيف نقل نظرتنا الخاطئة إلى قدرته؟ على الصليب. هذا الرجل العريان والمدمَّى والذي يتمتم "أنا عطشان". هذا الرجل هو الله. هذا ما يجب أن أقوله.
طريق قصير وطويل معاً. تارة أريد أن أرى الله ولا أعود أرى يسوع الإنسان. وطوراً أحدّق في بشريّة يسوع إلى درجة تجعلني أضيّع الله.
"من رآني". هذا هو أعظم طريق داخلي نسير فيه، هذا هو طريق إيماننا. نقوّي إيماننا. نهذّب إيماننا إلى أن نصل إلى ملء سرّ الثالوث. "هل تزمن أنني في أبي وأن أبي فيّ"؟ هذا هو "السكن" الذي نحاول أن نعبرّ عنه فنتلعثم. هل هناك ثلاثة آلهة؟ كلا. بل الله واحد في ثلاثة أفانيم.
الآب والإبن والروح القدس. ليسوا الواحد قرب الآخر. ولا يمتزج الواحد بالآخر. هذا هو السرّ. هذا هو سرّنا. ليس هناك إلا نسل واحد من المؤمنين قال له إنسان في يوم من الأيام (ويقول لنا): "من رآني رأى الله".
ويجب أن نحيا من هذا السرّ. مثل هذا الوحي لا فائدة منه إن كنا لا نسير مع يسوع إلى الآب. لهذا هو "الطريق". ولهذا سمّي المسيحيون في بداية الكنيسة: تبّاع "الطريق" (أع 9: 2).
كن يا رب نوراً في طرقات الناس الذين يسيرون على خطاك ويعلنون عجائبك مخاطرين بحياتهم. كن يا رب نوراً في الجماعات المسيحية التي تشهد بتنوّعها على مختلف الطرق التي بها تحب البشر. كن يا رب نوراً على طرقات الكنيسة وأعطنا روح الخلق لنلبّي حاجات شعب الله. أنِر يا رب دربنا، أنِر يا رب حياتنا لك المجد إلى الأبد