الرسالة إلى القديسة أستوكيوم من القديس جيروم LETTER TO EUSTOCHIUM يستهِل القديس چيروم رِسالته بقول المزمور: ” اِسمعي يا بِنْتُ وانظُري وأميلي أُذُنَكِ وانسي شعبَكِ وبيتَ أبيكِ فيشتهي الملِكُ حُسْنَكِ“ (مز 45: 10-11) ففي هذا المزمور يتحدَّث الله إلى النَّفْس البشرية التي يجب أن تخرُج -على مِثال إبراهيم- من أرضها وأهلها وتسكُن في أرض الأحياء، تلكَ التي يتنهد لأجلها المُرنِم في موضِع آخر قائِلًا: ”آمنتُ بأن أرى جُود الربِ في أرض الأحياء“ (مز 27: 13). لكن لا يكفي الخروج من الأرض ما لم ينسَ الإنسان أهله وبيت أبيه ويبغُض الجسد، ويُنبِّه چيروماستوكيوم إلى أنه من غير النافِع أنَّ الإنسان بعد أن يضع يده على المِحراث ينظُر إلى الوراء، أو يعود إلى البيت من الحقل، أو بعد أن لَبَسْ عباءة المسيح ينزِل من السطح ليرتدي ثوبًا آخر. وإذا تساءل البعض عن الجعالة التي يجنيها من تركه لبيت الطفولة ونِسيانه لأهله، يُجيبه چيروم شارِحًا أنَّ الكِتاب المُقدس يقول ”مِنْ أجل هذا يترُكُ الرَّجُلُ أباه وأُمَّهُ ويلتصِقُ بامرأته ويكونُ الاِثنانِ جسدًا واحدًا“ (أف 5: 31)، فهذه هي البتولية لكن ليس كما في النص جسد واحد، بل هي زيجة روحية مع الرب في روح واحد. ويُحدِّث چيروماستوكيوم عن جمال عريسها فيقول أنه ليس مغرورًا أو مُتكبِرًا بل لقد تزوَّج امرأة كوشية (قارِن عد 12: 2) ولكن ”ما إن ترغبي أن تستمعي لحكمة سُليمان الحقيقي وتأتي إليه حتّى يكشِف لكِ كلّ ما يعرِفه، ويقودِك الملِك إلى حِجاله، وعندما يتغيَّر لونِك بطريقة عجيبة، سينطبِق عليكِ القول: مَنْ هذه الطَّالِعة مِنَ البرِّيَّةِ؟ (نش 8: 5 )“. وباتضاع ومحبة يقول چيروم ”أكتُب هذا إليكِ يا سيِّدتي استوكيوم -ولابد أن أدعوكِ سيِّدتي لأنَّكِ عروس سيِّدي- كي من بدايِة رسالتي تعلمين أنني لن أتحدَّث في مديح البتولية ولن أُعدِّد عيوب الزواج، لأنَّ للنِساء مكانَتَهِنْ: زواج مُكرَّم ومضجع غير نجِس (عب 13: 4)“ ويُحذِرها أنها بينما تخرُج من سدوم يجب أن يكون مصير زوجة لوط تحذيرًا لها. ويطلُب منها ألاَّ يطغيها الكِبرياء والعجب بسبب نذرها البتولي، بل على العكس يجب أن تمتلئ بالمخافة، ويقول: ”فإذا كُنتِ تسيرين مُحمَّلة بالذهب، لابد أن تكوني حَذِرة من اللُصوص“ وليس من أحد يسير وسط الحيَّات والعقارِب دونَ قلق وحذر، فنحن في هذه الحياة الفانية لكي نُجاهِد ومن ثمَّ نُكلَّل في الموضِع الآخر، ولا يُمكن أن يظُنْ الإنسان أنَّ هناك سلامًا على الأرض التي تُنبِت شوكًا وحَسَكًا. ”فإنَّ مُصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ بل مع الرُّؤساء مع السَّلاطين مع وُلاة العالم على ظُلمة هذا الدَّهرِ مع أجناد الشَّرِّ الرُّوحية في السَّماويَّات“ (أف 6: 12) وهكذا نحن مُحاطون بِقُوَّات العدو، وفي كلّ موضِع الكثير من الأعداء، وجسدنا الضعيف يُصارِع وحده مع كثيرين، لكن عندما ينحل هذا الجسد وعندما يأتي رئيس هذا العالم ولا يكون له فيه (أي في الجسد) شيء، عندئذٍ سيسمع هذا الجسد بلا هم كلِمات النُّبوة: ”لا تخشى مِنْ خوفِ اللَّيلِ ولا مِنْ سهم يطيرُ في النَّهارِ. ولا مِنْ وباءٍ يسلُكُ في الدُّجَى ولا مِنْ هلاكٍ يُفسِدُ في الظَّهيرةِ. يسقُطُ عن جانِبِكَ ألفٌ ورَبوات عن يمينِكِ. إليكَ لا يقرُب“ (مز 91: 5-7). لكن إذا تسبَّبت كثرة الأعداء في اضطراب الإنسان ويبدأ ينزعِج بسبب حروب الخطية ويتساءل ”ماذا أفعل؟“ يُجيبه أليشع: ”لا تخف لأنَّ الذينَ معنا أكثر من الذينَ معهم“ وسوف يُصلي قائِلًا: ”ياربُّ افتح عينيهِ فيُبصِر“ (2مل 6: 17) وعندما تنفتِح عينيهِ سيرى مركبة نارِيَّة تحمِله مثل إيليا، فيُرنِم بفرح: ”انفلتت أنفُسنا مثل العُصفُور من فخ الصَّيَّادين الفخ انكسر ونحن انفلتنا“ (مز 124: 7 ). ويُؤكِد القديس چيروم أننا مادُمنا في سِجْن هذا الجسد الضعيف، ومادام لنا هذا الكِنْز في أوانٍ خزفية (2كو 4: 7)، ومادامت الروح تشتهي ضد الجسد والجسد ضد الروح، ليس هناك انتصار مُؤكد، لأنَّ عدونا الشيطان كأسِد زائِر يجول مُلتمِسًا من يبتلعه (1بط 5: 8) وداود يقول: ” تجعلُ ظُلمةً فيصيرُ ليلٌ. فيهِ يَدِبُّ كُلُّ حيوان الوعرِ. الأشبال تُزمجِرُ لِتَخْطف ولِتلتَمِس مِنَ الله طعامها“ (مز 104: 20-21). إنَّ الشيطان لا يطلُب غير المؤمنين ولا هؤلاء الذين هم خارِجًا، بل يُسرِع لِيصطاد ضحاياه من كنيسة المسيح، فالمُختارون -بحسب حبقوق- هم طعامه، فقد سعى لِيُجرِّب أيوب، وبعد أن افترس يهوذا، طلب سُلطانًا أن يُمحِّص الرُّسُل. ويستمِر چيروم في حث استوكيوم على اليقظة والصحو الدائِم، ويُقدِّم لها بولس الرَّسول مثلًا وقدوة، فإذا كان بولس وهو إناء مُختار (أع 9: 15) ومُستعِد لإنجيل المسيح، يقمع جسده ويستعبِده (1كو 9 : 27) لئلاَّ بعدما كرز للآخرين يصير هو نفسه مرفوضًا، ومع هذا كلّه يرى ناموسًا آخر في أعضائه يُحارِب ناموس ذِهنه ويسبيه إلى الخطية (رو 7: 23) وإذا كان بعد العُري والصوم والجوع والسِجن والضربات والعقوبات يتنهد قائِلًا: ”ويحي أنا الإنسان الشَّقيُّ. مَنْ يُنقِذني من جسد هذا الموت“ (رو 7: 24) فهل يجب أن نظُن نحن أننا في أمان؟ ويطلُب چيروم منها قائِلًا: ”أرجوكِ أن تحترسي لئلاَّ يقول لكِ الله يومًا: ’سقطت عذراء إسرائيل لا تعُودُ تقُومُ. انطرحت على أرضِها ليس مَنْ يُقيمُها‘ (عا 5: 2) أنا أتحدَّث بجرأة: رغم أنَّ الله يُمكن أن يفعل كلّ شيء، إلاَّ أنه لا يستطيع أن يُقيم عذراء بعد سقوطها، وبالرغم من أنه يستطيع أن يُحرِّرها من المُجازاة والعقوبة، إلاَّ أنه لا يستطيع أن يُكلَّل مَنْ قد فسد“. ويُعلِّمها چيروم أنَّ علينا أن نخاف لئلاَّ يتحقَّق قول الكِتاب ”تذبُلُ بالعطشِ العذارى الجميلات“ (عا 8: 13) لأنَّ هناك أيضًا عذارى جاهِلات رديئات، والكِتاب المُقدس يقول: ”كُلَّ مَنْ ينظُرُ إلى امرأةٍ لِيشتهيها فقد زنى بِها في قلبِهِ“ (مت 5: 28) فالبتولية إذًا يُمكن أن تُفقد حتّى بالفِكْر، وهؤلاء هُنْ العذارى الجَاهِلات، عذارى في الجسد لكن ليس في الروح، اللائي إذ ليس لهُنْ زيتًا أغلق العريس الباب أمامِهُنْ.