ما أجمل الحق الثمين الذي تحويه هذا الآية التي في صدر هذا المقال، والذي من شأنه أن يصحح مفاهيمَ كثيرة، ويريح قلوباً متعبة. فالرسول هنا يتكلم عن المقام والحالة. مقامنا في المسيح أننا مثله تماماً؛ فلقد صرنا قدام الله نظير المسيح ( 1يو 4: 17 ). والمسيح - كما نعلم - هو الفطير بكل معنى الكلمة إذ كان خالياً من عنصر الشر، وعليه فنحن أيضاً فطير بكل معنى الكلمة. هذا هو المقام. ولا يمكن لهذا المقام أن يتغير، تماماً كما لا يمكن للفطير بعد أن خُبِز أن يدخله الخمير أو أن يتأثر به قط.
ولكن الرسول يحرَّض المؤمنين أن يراعوا حالتهم العملية لتكون متناسبة مع مقامهم. وكأنه يقول لهم: انظروا إلى مقامكم وتعاملوا مع حالتكم على الأرض بما يتوافق مع مقامكم الذي في السماء. من أجل ذلك يقول "إذاً نقوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجيناً جديداً كما أنتم فطير". والعجين الجديد لم تُظهِر الخميرة فعلها فيه؛ لأنه عجين جديد، مع أنه ممكن أن يختمر لو وضعْتَ فيه الخمير وانتظرْتَ عليه. لكن الرسول يقول "لكي تكونوا (مضارع مستمر) عجيناً جديداً". فهو يعلم أن احتمال التخمر في أي مؤمن هو احتمال وارد، ويظل وارداً طوال فترة بقاء المؤمن على الأرض، فليس من مؤمن معصوم. لكنه في الوقت عينه لا يعطي أيَّ مؤمن عذراً للخطية، ولا مجالاً للتهاون والتراخي، فيطلب من المؤمنين السهر الدائم على حالتهم ليكونوا باستمرار عجيناً جديداً. ثم يذكر بعد ذلك مقامهم الثابت في السماء والذي لا يمكن أن يتغير، والذي هو تماماً مثل المسيح، فيقول "كما أنتم فطير".
فما دمنا نحن هنا على الأرض فنحن معرّضون لأن تدخلنا خميرة، الأمر الذي يتطلب سهراً دائماً مستمراً، وبذلك نصبح عجيناً جديداً، كما نحن في مقامنا أمام الله فطير.
وبهذه المناسبة نقول إن القداسة في مفهوم العهد الجديد ثلاثية:- قداسة المقام: وهي ما حصل عليه كل مؤمن فور إيمانه بالرب يسوع المسيح ( 1بط 1: 2 ؛ 2تس2: 13؛ 1كو6: 11)؛ القداسة العملية: وهي ما ينبغي أن يسعى إليه كل مؤمن تقي ( 1تس 4: 3 ،7؛ يو17: 17)؛ القداسة الكاملة أو المطلقة: وهي ما سيصل إليه كل مؤمن عن قريب ( 1تس 3: 13 ؛ أف5: 27؛ رؤ21: 9،10).