رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يَنْزِلُ مِثْلَ المَطَرِ عَلَى الجُزَازِ، وَمِثْلَ الغُيُوثِ الذَارِفَةِ عَلَى الأَرْضِ [6]. يشير سليمان هنا إلى العلامة التي أُعطيت لجدعون، حيث طلب من الله أن يحدث طلّ على الجزَّة، وجفاف على الأرض كلها، وبعد ذلك طلب العكس أن يحدث جفاف على الجزَّة، ويكون طلّ على كل الأرض (قض 6: 37-40)، وقد حقق له الأمر. يرى كثير من الآباء مثل العلامة أوريجينوس[7]، والقديسان أمبروسيوس[8] وأغسطينوس[9] والأب قيصريوس أسقف آرل[10]، أن الجزَّة تشير إلى اليهود الذين قبلوا كلمة الله خلال خدمة موسى كالطلّ، وكل الأرض تشير إلى الأمم التي قبلت كلمة الله وآمنت بالسيد المسيح في العهد الجديد. فيما يلي مقتطفات مختصرة من تعليقاتهم على الجزَّة وكل الأرض. * إذ تعرّف داود على حضوره بالتأنس قال: "سينزل مثل المطر على جزاز الصوف ومثل الغيوث الذارفة على الأرض"، إذ دخل إلى رحم العذراء بلطفٍ في غير ضجيج . القديس يوحنا الذهبي الفم * يوجد مطر للنعمة النافعة، الواهب الصحة، كقول داود: "ينزل مثل المطر على الجزاز، ومثل الغيوث الذارفة على الأرض". لقد وعدتنا الأسفار الإلهية بهذا المطر ينزل على كل الأرض، يروي العالم بندى الروح الإلهي عند مجيء المخلص. الآن قد جاء الرب، وسقط المطر؛ جاء الرب وأحضر معه الغيوث السماوية. وها نحن الآن نشرب، نحن الذين كنا قبلًا عطاش، فنشرب من هذا الروح الإلهي بجفافٍ داخلي . القديس أمبروسيوس * "ينزل مثل المطر على الجزاز، ومثل الغيوث الذارفة على الأرض" (مز 72: 6). إنه يذكرنا وينصحنا أن ما حدث بواسطة جدعون القاضي يبلغ غايته في المسيح. لقد طلب من الرب علامة أن الجزة الملقاة على الأرض تبقى وحدها عليها المطر، والأرض نفسها جافة. مرة أخرى أن الجزة وحدها تبقى جافة، والأرض عليها طل، وقد حدث. تشير الجزة الجافة... إلى شعب إسرائيل القديم. فقد جاء المسيح مثل المطر على الجزة، بينما بقيت الأرض جافة. عن هذا قال: "لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (مت 15: 27). هناك في إسرائيل اختار أمًا من خلالها أخذ صورة عبدٍ لكي يظهر للبشرية. وهناك أعطى هذا الأمر لتلاميذه قائلًا: "إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (مت 10: 5-6). بقوله اذهبوا أولًا إليهم أظهر أيضًا أنه بعد ذلك عندما تصير الأرض في طلّ، يذهبون إلى خراف أُخر، ليسوا من شعب إسرائيل السابق. عن هذا يقول: "ولي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضًا، فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد" (يو 10: 16). ولهذا السبب يقول الرسول أيضًا: "وأقول إن يسوع المسيح قد صار خادم الختان من أجل صدق الله حتى يثبت مواعيد الآباء" (رو 15: 8). هكذا نزل المطر على الجزاز بينما بقيت الأرض جافة. بخصوص ذلك أكمل الحديث: "وأما الأمم فمجَّدوا الله من أجل رحمته" (رو 15: 8). وعندما جاء الوقت ليتحقق ما قاله بالنبي: "شعب لم أعرفه يتعبد لي، من سماع الأذن يسمعون لي" (مز 18: 43-44). الآن نفهم أن أُمة اليهود بقيت جافة عن نعمة المسيح، بينما كل الأمم في كل العالم نزلت عليهم الأمطار من سُحب مملوءة بالنعمة المسيح. القديس أغسطينوس * إذ يسمع سليمان أباه داود ينطق بهذه الأمور، ويبني بيتًا عجيبًا، في دهشة يتساءل: هل يسكن الله حقًا على الأرض مع الإنسان؟! (1 مل 8: 27) بلى، يجيب داود متنبأ في المزمور المنسوب لسليمان: "ينزل مثل المطر على الجزَّة" (مز 72: 6). "مثل المطر" لطبيعته السمائية، و"على الجزَّة" لناسوته. ولأن المطر ينزل على الجزاز بغير ضوضاء. لهذا فإن المجوس وهم لا يدركون سرّ الميلاد يتساءلون: أين هو المولود ملك اليهود؟ وإذ سمع هيرودس ذلك اضطرب، وأراد أن يعرف من هو هذا المولود فسأل: أين يولد المسيح؟! * لسنا نكرز بمجيء واحد للمسيح بل وبمجيء آخر فيه يكون ممجدًا جدًا أعظم من الأول. المجيء الأول أظهر صبره، والثاني فيحضر معه إكليل مملكته الإلهية. لأن تقريبًا كل شيءٍ في ربنا يسوع المسيح يحمل جانبين: فله نسب مزدوج، مولود من الله قبل كل الدهور، ومولود من العذراء في ملء الدهر. ونزوله مزدوج، واحد يأتي فيه مختفيًا، "مثل المطر على الجزاز" (مز 72: 6)، والآخر مجيء واحد مُنتظر. في مجيئه الأول كان ملفوفًا بقماطات في المذود، وفي ظهوره الثاني يظهر "اللابس النور كثوبٍ" (مز 104: 2). في مجيئه الأول "احتمل الصليب مستهينًا بالخزي" (عب 12: 2)، وفي الثاني تحوطه جيوش الملائكة ممجدًا[15]. فنحن لا نستند على مجيئه الأول فحسب، وإنما ننتظر مجيئه الثاني أيضًا. وكما قلنا في مجيئه الأول: "مبارك الآتي باسم الرب" (مت 21: 9؛ 23: 39). سنردد أيضًا هذا في مجيئه الثاني. فإذ نتقابل مع سيدنا وملائكته، نتعبد له قائلين: "مبارك الآتي باسم الرب". سيأتي لا ليُحكم عليه، بل ليدين من حاكموه. ذاك الذي صمت أثناء محاكمته يقول للأشرار الذين فعلوا معه هذه الجسارة: "هذه الأشياء صنعتم وسكت" (مز 50: 21). إذن، قد جاء بتدبير إلهي معلمًا الناس بالإقناع، أما هذه المرة بالضرورة يقبلونه ملكًا حتى الذين لا يريدون! * إن الذين يتساقط عليهم ندى روح الحياة "ينزل مثل المطر على الجزاز، ومثل الغيوث الزارفة على الأرض (مز 72: 6) تنجذب قلوبهم بحبٍ إلهيٍ للمسيح يأسرهم ذلك الجمال والمجد إلى اشتهاءٍ دائمٍ نحو المسيح. القديس أبا مقاريوس الكبير * لن يأتي المسيح الحقيقي، ابن الله الوحيد، بعد من الأرض، فإن جاء أحد صانعًا أعمالًا مزيفة في البرية لا تذهبوا وراءه. إن قيل: "هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا". لا تعودوا تنظروا بعد إلى أسفل إلى الأرض، لأن الرب يأتي من السماوات، ليس وحده كما حدث من قبل، لكنه يأتي محاطًا بربوات الملائكة، ليس سرًا "كالمطر على الجزاز" (مز 72: 6). لكن يأتي بلمعان مثل البرق، إذ قال بنفسه: "لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، هكذا أيضًا يكون مجيء ابن الإنسان". وأيضًا: "يبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوةٍ ومجدٍ كثيرٍ، فيرسل ملائكته ببوقٍ عظيم الصوت" (مت 24: 30) . القديس كيرلس الأورشليمي * وبينما كان الملاك منهمكًا في مثل هذه الأفكار قال له الرب: "لماذا أنت مضطرب وقلق يا جبرائيل؟! ألم تُرسل من قبل إلى زكريّا الكاهن؟! ألم تبعث إليه ببشائر مفرحة خاصة بميلاد يوحنا؟! ألم توقِّع على الكاهن المتشكك عقوبة الصمت؟! ألم تحمَل العاقر...؟ هل يوجد شيء غير مستطاع لديّ أنا خالق الكل؟! ألعلَّك أنت أيضًا تشك؟!" فبماذا أجابه الملاك؟ إنه يقول: "إن شفاء فساد الطبيعة، ونزع الآفات الشرّيرة، واستدعاء الأعضاء الميّتة لقوّة الحياة، ونزع العقر عن الأعضاء التي تعدّت حدود الزمن الطبيعي، وتغيير الشيوخ - العود اليابس ليكون حيًا نشيطًا - وإنتاج حنطة في أرض يابسة للحال... هذه جميعًا تستلزم قوّتك... وها هي سارة ومن بعدها رفقة وأيضًا حنّة، هؤلاء يشهدن بعد ذلك إذ رُبِطن بمرض العقر فوهبت لهن البرء منه. أما أن العذراء تلد من غير أن تعرف رجلًا، فهذا فوق حدود كل قوانين الطبيعة. ومع هذا فأنت تُعلن عن مجيئك لعبدة! السماء والأرض لا يسعانك فكيف تسعك أحشاء العذراء؟! يجيبه الرب: "نعم بالتأكيد لو أن النار التي كانت في البريّة أحرقت العلّيقة، لأمكن أن يكون مجيئي مضرًا لمريم". ولكن إن كانت تلك النار التي ترمز لمجيئي -نار اللاهوت السماوي- محيية للعلّيقة وليست حارقة لها، فماذا تقول عن الحق الذي ينزل، لا في لهيب نار، بل "ينزل مثل المطر" (مز 72: 6). لذلك قدّم الملاك نفسه لحمل الرسالة، وتوجه إلى العذراء، وخاطبها بصوتٍ جهوريٍ، قائلًا: "السلام لك يا ممتلئة نعمة، الرب معك. لا يعود بعد الشيطان يضايقك. لأنه إذ أصابك العدو بجرحٍ[18] منذ القديم، جاء الآن يعلن عن الطبيب لكي يخلّصك. فقد جاء قبلًا "الموت" (خلال حواء)، والآن يعلن عن "الحياة". بامرأة جاء فيض الشرور، وبامرأة فاضت علينا البركات". السلام لك... فإنكِ قد صرتٍ والدة الديّان والمخلّص في نفس الوقت. السلام لك أيتها الأم الطاهرة للعريس الذي يفتقر إليه العالم . القديس غريغوريوس صانع العجائب * استعد أبناء إسرائيل وهيأوا أنفسهم، فحفظوا أنفسهم طاهرين لمدة ثلاثة أيام حسب وصية موسى (خر ١٩: ١٥-١٦)، حتى يتأهلوا لسماع صوت الله، وينظروا إعلانه. وإذ حلّ الوقت لم يستطيعوا استقبال رؤية نوره وعنف صوت رعوده. أما الآن حيث يسكب نعمته على العالم بمجيئه، ينزل لا في زلازلٍ، ولا في نارٍ، ولا صوتٍ مرعب قوي (١ مل ١٩: ١٢)، وإنما كالمطر على الجزاز، ومثل الغيوث الذارفة على الأرض. يتحدث معنا بطريقة رقيقة ومختلفة. هذا حدث كما في خزانة، فقد أخفى خلالها كما في حجاب جسده (عب ١٠: ٢٠)، وتحدث معنا في ذلك الجسد الذي أُعد في رحم العذراء مريم الثيؤتوكوس . القديس مار اسحق السرياني * ليس من عجبٍ أن يخضع (اليهود) لجفاف عدم الإيمان، حيث حرمهم الرب من أمطار الأنبياء المثمرة، قائلًا: إني أأمر السحاب ألاَّ يُرسل مطرًا على تلك الكرمة. صحيّ هو مطر السحاب النبوي، كما قال داود إنه مثل مطر ينزل على المروج، ومثل غيوث تروي الأرض. وعدتنا الأسفار المقدسة التي للعالم كله بهذا المطر الذي يسقي العالم عند مجيء الرب المخلص بندى الروح الإلهي . الأب قيصريوس أسقف آرل |
|