في الحقيقة حينما يتحدث الناس عن هذا الصوم المُميز والعجيب، لا ينتبهوا انه منقسم لقسمين، أولاً صوم يونان بسبب وجوده في بطن الحوت، ثم خروجه وكرازته لأهل نينوى، ثم صوم المدينة كلها، فصوم أهل نينوي لم يأتي قبل مكوث يونان في بطن الحوت صائماً ثلاثة أيام، ثم خروجه ونداءه حسب مسرة مشيئة الله.
فيا لروعة الإلهام الإلهي الذي يشرح القصد النبوي بتدقيق شديد، لأن يونان كان يُشير للمسيح الرب من جهة الموت والقيامة التي منها نستمد قوة الحياة الجديدة، لأننا لا نصوم صوم العهد القديم كما يظن البعض، لأن طقس الصوم في الكنيسة يُبنى على أساس المسيح الرب صخر الدهور، فصومنا يبنى على عهد جديد قائم بدم حمل الله رافع خطية العالم، فصومنا صوم رجاء حي بقيامة يسوع؛
فالكنيسة بَدَأَتْ الصوم الأربعيني - صوم المسيح الرب العظيم - بصوم يونان ونينوى، لأن أول بداية كرازة يسوع كانت "توبوا"، لذلك فأن حياتنا مع المسيح الرب دائماً تبدأ وتستمر بتوبوا، لكن التوبة هنا على أساس، أساس قائم نستمد منه قوتها وفعلها الدائم المستمر، لأنها تحمل قوة غفران وخلاص أبدي لا يزول، والسرّ كله في موت وقيامة يسوع من الأموات، لأنه فدانا وخلصنا بقدرته، فصارت التوبة سهلة ومحببة جداً لكل نفس تطلب الله، ولذلك في صلوات الكنيسة وصلواتنا كلنا تم وضع فيها مزمور داود مزمور التوبة (أرحمني يا الله كعظيم رحمتك)، لأنه مزمور رجاء حي قائم وحاضر معنا، لأن الخطية مهما ما كانت قوتها فأنها امام التوبة المسيحية الحقيقية تنهار وتُهدم من جذرها ولا تستطيع أن تُعيد لنا اللعنة ولا تقتلنا، لأن التوبة المسيحية الحقيقية توبة إيمان حي بمسيح القيامة والحياة الذي أقام لعازر من الموت بعد أن أنتن لأنه قضى في القبر ثلاثة أيام.
فأن كان الله على مستوى العهد القديم قبل توبة شعب طلبه من كل قلبه وسمع ليونان، فكم وكم يكون صومنا وطاعتنا لمسيح الله الحمل الحقيقي القائم والجالس بجسم بشريتنا عن يمين العظمة في الأعالي، لأن توبتنا قائمة على الإيمان بالإنجيل.
+ فصوت الرب لنا عبر الدهور هوَّ: «قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللَّهِ فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ» (مرقس 1: 15)
فلو أطعنا صوت الرب تسري فينا حياته الخاصة ونفرح ونتهلل وتستقيم حياتنا ونمتلئ من كل نعمة وفرح وبركة وسلام إلهي فائق، وليس لنا إلا أن نقرأ معاً ما هو مكتوب، لأنه موجه لكل واحد فينا سقط وابتعد عن طريق الحق والحياة الأبدية: