رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كثافة الروح في المزامير للقديس اثناسيوس الرسول كل هذه ترتّل في المزامير، وفي الكتب الأخرى سبق إلإخبار بها، وليس غائباً عني(1) أنّهُ في كُل من الكتب يشعر المرء أن ما قيل يختص بالمخلص، وما هو مشترك فيها مَرَدُّهُ اتفاق الروح الواحد. فموسى وإشعياء قد حرَّرا ترنّما، وصلاة حبقوق كانت بالترنّم أيضاً، وفي كُلّ كتابٍ نرى نبؤاتٍ وشرائعَ وقصصاً لكون الروح نفسه حالاًّ على الجميع موزَّعاً على كُلِّ واحدٍ خدمة للمواهبة المعطاة له وإكملاً لها، نبوءة كانت أو اشتراعاً او قصةً أو ذكْراً أو موهبة ترنّم. ولكن حيث إنَّ الروح الموزّع هو واحدٌ، فلا انقسام فيه لأنّه كائن بجملتِهِ في ذاته، وأمّا بحسب الذهن فتصير الأقسام لكلِّ واحدٍ على قدر الحاجة الحاضرة. على هذا نرى موسى، واضعَ (1) القديس اثناسيوس يحدث عن نفسه الشريعة وقتاً ما، متنبئاً ومرتلاً، وألأنبياءَ المفروضة عليهم النبوءة نراهم أحياناً يوصون وصايا كمثل موسى: "اغتسلوا وصيروا أنقياء طاهرين"، أو يسردون قصصاً كما دانيال في خبر "سوسانة" واشعياء في خبر "ربصاكي" وحكاية "سنحاريب". الأمر نفسه نلقاه في كتاب المزامير فانه يبدأ بالترنيم ثم يشرع بالقول أنْ: "كفَّ عن الرجزِ وارفُضِِِ ِ الغضب. حِدْ عن الشّرِ واصنع الخير.أُطلب السلامة واسعَ في ابتغائها". وأحياناً أخرى يقصُّ أخباراً مثل قولِهِ: "في خروج إسرائيلَ من مصر..." وأيضاً سبق فخبَّرَ بحضورِ المخلّص ِ. فمثل هذه الموهبة الروحية المحكي عنها من الكًلّ هي واحدة بحسب الضرورة وارادة الروح، ولا يُجَد خلافٌ في كونها تكثرُ أو تقلُّ بحسب هذه الحاجة. اذ كل أحدٍ يتمّم ما يختصُّ به من الخدمة بلا تهاون ٍ وعلى التمام. فرادة كتاب المزامير: أما كتاب المزامير فله موهبة ٌ خاصة وملاحظة فريدة، لأنه مع تعلّقِهِِ واشتراكِهِ في ما هو موجود في الكتب الأخرى فقد احتوى أيضاً أمراً مختصاً وبديعاً، وهو امتلاكُه حركات كُلِّ نفس وتغييراتها وتفاعلاتها موسومةً ومطبوعة ً فيه، حَتىّ إن كُلّ مَن يريد أن يقتبس منه يكون لهُ مثل صورةٍ وروايةٍ مقارناً ذاتَه على ما وجد فيه. في الكتب الأخرى نجد الناموس آمراً ما يجب فعله وناهياً عما لا يجب فعلُهُ، أو نجد نبوءةً تخبّر فقط بمجيء المخلّصِ، أو قصصاً تخبر عنها أعمال الملوك والقديسيين. واما كتاب المزامير، فانَّ سامعه يُخبِّر بما سبق زكُتب ويكتشف حركات نفسِهِ ليتعلّمها. وعندما يكون أحد الناس في ضيق ما فبامكانه ان يختار من هذه الاقوال ما يطلق حاله ويداويه بما يليق به من القول والفعل ويتعلّم منها. ولا نغفلَنَّ أنه يوجد في الكتب الأخرى شرائع تمنع الناس عن القبائح وتردعهم، لكن هذا الكتاب يدوّن كيف بألإمكان إجتنابها. إن الكتب الأخرى تتضمّن وصيّة التوبة والكفّ عن الخطايا، أما هذا الكتاب فيشرح كيف يجب أن تكون التوبة وكيف يُعبرعنها، فإنَّ سامعه يُخبِّر بما سبق وكُتِبَ ويرتشف حركات نفسه ليتعلمها. يقول بولس الرسول: "إنَّ الحزن يصنع صبراً والصبر اختباراً والاختبار رجاء والرجاء لا يُخزي :. أما كتاب المزامير فيحدد لنا كيف يجب أن يكون احتمال الاحزان، وماذا يقول المحزون المزامير فيحدد لنا كيف يجب أن يكون احتمال الاحزان، وماذا يقول المحزون وقت الحزن وما بعد الحزن ِ، وماذا يقول المحزون المزامير فيحدد لنا كيف يجب أن يكون احتمال الاحزان، وماذا يقول المحزون وقت الحزن وما بعد الحزن ِ، وكيف يُجَّرب كُلُّ مخلوق ٍ. كما يورد أقوال المتكلين على الربّ، ويؤكد أنَّ الوصية فرضت علينا الشكر على حالٍ، وتعلمنا المزامير ماذا يقول الشاكر كما يورد عند آخرين: " انَّ الذين يريدون أن يعيشوا بحسب الايمان ِ بالمسيح ِ سيطردون". لكن نقرأ في المزامير ما رأي المطرودين وماذا يقولون لله بعد طَردهم. كما ورد في الوصية أيضاً أنه علينا أن نبارك الرب ونعترف له، لكن المزامير تصوّر لنا كيف نسَبحُ الله، وبأيَّةِ أقوالِ نعترفُ له. لذلك يمكن لكل انسان أن يجد، أن التسابيح قد وُضِعتْ لنا لنحَياها. أيضاً ، في المزامير أمر مستغرب أنَّ الأقوال التي يتفوه بها القديسون في الكتب الأخرى، إذا عرفها السامعون يُسّون أنَّ المكتوبَ عنهم هم أناسٌ آخرون وليس هم ذاتهم. لكن الذي يتلو كتاب المزامير فيتعاطاه بمثابة قول شريف يتخشع له وكأنه معنيٌّ به شخصيّاً، ويَقيس نفسه على أقوال التسابيح وكأنها خاصة به. فلا نكسلن، ابتغاء للايضاح، أن نعود فنقول نظير المغبوط بولس الرسول إن ثمة كلمات كثيرة هي خاصة برؤساء الآباء، وهم تلفظوا بها. فموسى هو الذي كان يتكلّم والله يُجيبُ. والنبي ايليا وأليشع بجلوسهما على جبل الكرمل، كانا يستدعيان الربّ ويقولان: " حيٌّ هو الربُّ الذي أقمنا اليومَ لديه". كذلك سائر أقوال الأنبياء القديسين الآخرين التي كان البعض منها مقولا ً عن المخلص. وبعدها وردت كلمات كثيرة عن الأمم واسرائيل. لكن لا احد قط ادعى أنها خاصة به، حتّى ولا أقوال رؤساء الآباء. ولا يتجاسر أحد ان يقول متباهيا ً بأن أقوال موسى هي عنه هو، ولا الذي تكلمّ به ابراهيم عن ضرورية فلا يتجاسر أن يتكلّم بها كخاصةٍ لهُ، ولو ساوى أحدٌ النبيين في الولوع والشوق إلى الأفضل، لا يمكنه ان يقول كما قال موسى: " أظهر لي ذاتك" ولا ينتحل أقوال الأنبياء ويجعلها كأقوال خاصةٍ به في مدح أو ذمِّ أحدٍ من الناس قائلا ً مثلها لمن مَدَحوا أو ذمّوا. ولا يتجاسر أحدٌ أن يقول مناضلا ً كمن ذاتِهِ: "حيٌّ هو الربُّ الذي مثلتُ بحضرتِهِ أنا اليوم"، لأن الامر واضحٌ أنَّ مقتبل الكتب لا يتخذ الأقوال كأنها لذاتِهِ بل كأقوال القديسين وأقوال الذين يعبّر عنهم. واما الذي يتلو المزامير فيحدث له غير ذلك، لأن كل ما قيل في المخلص وفي الامم يتكلم به المرء كأقوالِ نفسِهِ ويرتِلها وكأنها محَّرَرةً من أجلِهِ ولا يتعاطاها وكأنها معبرة عن شخص آخر ولا محرّرة من قِبَلِ غيره، ولكنه ينظر إلى الكتكلم بها كعن ذاته وكأنه هو العامل ما قد قيل فيها، ويقربها إلى اله ناطقاً بها من نفسه هو غير عازل نفسه عنها من حيث هي أقوال رؤساء القبائل وموسى وألأنبياء. والسبب هو أن الذي يحفظ الوصية أو يخالفها، كلاهما مشمول بالمزامير.وهذا شيء لازم وضروري أن ينحو كل انسان بهذين الأمرين فيتلو الأقوال المكتوبة بشأن كليهما معاً إما كحافظ الوصية أو كمخالفها. وفي ظني أنها تكون لمرتّلها بمنزلة مرآة يرى فيها حركات نفسه ويحسُّ بها، فان إقتبلها فهو يتوبّخ من ضميره ويتخشّع بتوبة، أو يبتهج لسماعه بالرجاء إلى الله ويشكر على المساعدة التي تصير منه للمؤمنين. هكذا عندما ينشد المزمور الثالث ويرى أحزان ذاتِهِ، يستخص ما فيه من الأقوال. وكذلك في المزمور العاشر مع السادس عَشَر فكأنه يخبّر عن اتكاله على الله وصلاته إليه. وإن رنّم المزمور الخمسين فكانه هو القائل أقوال التوبة. ومتى رتَّل المزمور الثالث والخمسين، والسادس والخمسين، والماية والحادي وألأربعين، يظن نفسه أنّه هو المطرود والمتأذّي وليس غيره، كما يرتّل هذه الأقوال إلى الله وكأنها له هو. وبألإجمال إن كلّ مزمور منبثق من الروح كما ذكرنا، فيه نرى حركات نفوسنا وكأنها أقوالنا تذكراً لما فينا من الحركاتِ وتثقيفاً لسيرتنا. هذه كلها تفوَّه بها المرتلون ولعلها لنا رسمٌ ومثال. هذه هي نعمة المخلّص الذي صار إنساناً من أجلنا قرَّبَ جسدّهُ للموت فداءً لنا. أمّا تصرّفه السماوي وألأرضي فقد رَسَمهُ في ذاتِهِ ليكون للمؤمنيننموذجاً للغلبة على المحال، فلا ينخدع أحدٌ من شر العدوِّ. من أجل ذلك بما أنَّ السيدَ علّم لا بالقولِ بل بالعمل ِأيضا ً، فليسمع منه كلُّ واحد وينظر اليه كإلى صورة ويتخذه قدوة في العمل لأنه قال: "تعلّموا مني فاني وديعٌ ومتواضعُ القلب". هذا ولا يمكن لأحد من الناس أن يجد تعليما ً للفضيلة أكملَ من الذي رسَمَهُ ربُّنا في ذاته، سواء بالنسبة لعدم الشرِّ أو محبّة البشر ِ أو الرجوليّة أو الرحمة أو العدالة. كُلُّ هذه يجدها صائرة فيه. ولا ينقص أحداَ شيءٌ من الفضيلة إن اعتبر عيشة ربّنا البشرية التي كان يعلّم بها بولس الرسول فيقول: "صيروا مقتدين بي، كما أنا بالمسيح". وهذا لم يحدث لحكماء اليونانيينالذين كانت بهجتهم على قدر سلامهم. أما الرب فبما أنَّهُ إلهُ الجميع بالحقيقة والمعتني بما صنع لا يشترع فقط بل يدفع ذاتهُ مثالا ً للذين يريدون أن يعرفوا قدرة العمل، لذا وقبل حضوره بالجسد، جعل هذا الأمر للمرتّلين أنَّهُ كما أظهر في ذاتِهِ رسمَ الانسان السماوي الكامل كذلك يقدر كل من اراد أن يتأمل ويختبر من المزامير حركات وأطباع النفوس، كما يلقى فيه دواءَ كُلّ حركة وتقويمها. وان كانت ثمة حاجة إلى برهان أقوى نقول إن كلّ كتاب الهيّ يعلّم الفضيلة والايمان الحقيقي، فيما يحتوي مصحف المزامير على صورة الاستسارة(1) والنفوس. وكما أنَّ الذي يدخل إلى ملك يتزيّا بصفةٍ وأقوالٍ لئلا يُعَّيرُ بأنه عديمُ الأدبِ اذا تكلم بخلافِ ذلك، كذلك المصحف أيضا. فكلّ من كان ساعياً إلى الفضيلة ومريدا أن يعتبر سيرة المخلّص وتصرّفهُ بالجسدِ يتذكره أولاً بتلاوته شريعة النفس ثم يعمل ويعلّم بمثل هذه الأقوال |
|