البابا كيرلس السادس من منطلق تواضعه ومن منطلق إحساسه بضآلته وبمحدودية معرفته ومحدودية العلم ، وهذا ليس عيبا ، بل هذا فضيلة فى الرجل الذى فهم أنه ضئيل ، وصغير . هذه فضيلة.
فالبابا كيرلس يقف معلما ، يقف معلما نتعلم منه ، ولو أنه لم يقف على منبر ، ولم يكتب ، إنما ترك من بعده سيرة وتلاميذ ، . وهذا هو المعنى الأكبر الحقيقى لمعنى وجود الإنسان ، الإنسان يفهم نفسه . أكبر فضيلة بل أول عتبة على سلم الفضائل أن يعرف الإنسان نفسه ، فليعرف الإنسان نفسه وهذه كلمة قالها سقراط وجعلها محور كل فلسفته. ” اعرف نفسك بنفسك ” وهو أيضا لم يخترعها ، وجدها على معبد أبوللون فى مدينة منف وهى عند بلاد اليونان ” اعرف نفسك ” حكمة . يعرف الإنسان نفسه على حقيقتها . وهذا هو التواضع الحقيقى ، التواضع الحقيقى أن يعرف الإنسان نفسه ، من وضع ، وضع يعنى يعرف وضعه ، يعرف حجمه دون أن يتكلم ودون أن يصف نفسه بأى وصف ، ودون أن يقول أنى خاطئ وما إليها من تعبيرات ، لا .. هذا إحساس عميق فى الرجل .
هناك كلمة أيضا ، تجدها اليوم فى الكاثوليكون ، ” أن ملكوت الله ليس بكلام بل بقوة ” جميل هذا التعبير .. أن ملكوت الله ليس بكلام بل بقوة . هذا هو البابا كيرلس، لم يكن يتكلم وإنما كانت حياته قوة ، القوة التى ليست منه كإنسان ، مثل ما قال الرسول ” لكى يكون فضل القوة لله لا منا ” . الروحانى الذى يصل لهذا القرار ، يصل إلى هذه الحقيقة ويدركها ويتبناها ويعيش فيها وتندمج معه . ويعيش هذه الحقيقة أنه ليس شيئا، وأن فضل القوة لله لا منا . هذا كلام ممكن نقوله وممكن أن نستمر ساعات نتكلم فيه ، لكن ليس كل فرد يقدر أن يدرك قوة هذا التعبير ، ليس ملكوت الله كلاماً ، المسيحية ليست كلاماً ، الفضيلة تمارس ولا تحتاج أن الإنسان يرددها، التواضع والمحبة وما إليها ، كل الفضائل المسيحية بدل أن نشرحها للناس تُمارس ، تُمارس ، إن ممارسة الفضيلة هى كل شىء .