رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
الكنيسة القبطية في مطلع القرن الخامس عشر قديسون معاصرون للبابا متاؤس الأول الملقب بـ ”المسكين“ 2. القديس أنبا رويس «وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت 16: 18) 2. القديس أنبا رويس في وسط ظلمة هذه الحقبة من تاريخ الكنيسة القبطية يسطع نورٌ خاطف وإن كان نوراً باهتاً، يُظهِر أنه حقّاً «من الآكل خرج أُكْلٌ، ومن الجافي خرجت حلاوة» (قض 14: 14). فكما خرج من هذا الجيل البطريرك القديس ”متاؤس المسكين“، والراهب الشيخ ”مرقس الأنطوني“؛ هكذا خرج الفلاح ”العالماني“ القديس ”آفا تيجي“ المُلقَّب باسم الجَمَل الذي يقوده ”رويس“. لم يكن يحمل القديس أية رتبة كهنوتية أو شماسية، ومع ذلك اعتُبِرَ قديساً يُذكراسمه في القدَّاس الإلهي في لحن pini];. إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هي حقّاً كنيسة شعبية أي كنيسة الشعب، والإكليروس فيها هم خُدَّام المذبح وخدَّام خلاص المؤمنين. طفولة الأنبا رويس: كلمة ”أنبا“ أو ”أبَّا“ معناها ”أب“، وهي لقب الراهب المتقدِّم في الرهبنة، وليس كما يظن الكثيرون أنه لقب ”الأسقف“ فقط. ولكن لأن الأسقف كان يُختار من بين آباء الرهبنة الكبار المُلقَّبين بـ ”الأنبا“ أو ”الأبَّا“، فقد كانوا يحتفظون بلقبهم الرهباني باعتبار أنهم بعد الرسامة صاروا آباءً للشعب وليس للرهبان فقط. ولكن الأنبا رويس بالرغم من أنه لم يتقلَّد أية صفة رهبانية ولا أسقفية، لكنه استحق لقب ”أبَّا“ أو ”أنبا“ باعتباره صار أباً روحياً لكثيرين في عصره وهو بعد من طغمة ”الشعب“. + وُلِدَ هذا القديس في نجع (أي عِزْبة) ”مِنْية يمين“ من قُرَى الغربية. وقد أسماه أبواه ”فريج“. وتربَّى التربية المسيحية القبطية التقليدية لسكَّان الريف الفلاَّحين، فقد كان أبوه ”فلاحاً“ للأرض واسمه ”إسحق“، ووالدته اسمها ”سارة“. فكان يُساعد أباه في أعمال الفلاحة، ولمَّا شبَّ على الطَوْق بدأ في الاشتغال في بيع الملح على قَعُود (أي جمل صغير)، وسمَّاه ”رويس“ لأنه كان يُداعب صاحبه برأسه الصغيرة. وكان هذا الجمل أليفاً وديعاً مُطيعاً حتى أنه كان إذا دعاه صاحبه باسم ”رويس“ يُلبِّي نداءه. ويُقال إن سيرته، التي ننقل عنها، كتبها تلاميذه في مخطوط قديم كان محفوظاً في كنيسة القديسة العذراء مريم التي كانت موجودة وملاصقة لكنيسة الأنبا رويس (هُدِمَت وأُقيمت مرة أخرى في مكانٍ آخر في أرض الأنبا رويس)، وتاريخ نسخها يوم الأحد 21 بابة سنة 1369ش / 29 أكتوبر سنة 1752م. تشتُّت عائلته بسبب الاضطهاد: وقد أقام القديس في منزل والده إلى أن بلغ العشرين من عمره. وحدث أن وقع اضطهاد عظيم على المسيحيين وقاسوا من جرائه تجارب شديدة، حتى أنَّ والد القديس فريج خرج عن الإيمان من شدة وطأة هذا الاضطهاد. سَفَر ”فريج“ إلى مصر ورؤياه: لمَّا اشتدَّ الاضطهاد وتشتَّتت العائلة، اختفى ”فريج“ وسافر إلى مصر. ومن شدة تعبه وجوعه نام في الطريق، فرأى في نومه رجلين يلمعان كالبرق اختطفاه وحملاه إلى السماء، ثم دخلا به إلى الكنيسة السمائية، فرأى فيها جمعاً كثيراً من المُصَلِّين. ثم سمع صوتاً من داخل يدعوه قائلاً: ”أنت جوعان، يا هذا، فتقدَّمْ وكُلْ من خبز الحياة. حينذاك قدَّمه الرجلان المُضيئان إلى المائدة وتناول من الأسرار المقدسة“، ثم أعاداه إلى الموضع الذي أخذاه منه. وبعدما رأى هذه الرؤيا قام وأكمل سَفَره إلى مصر. سفره إلى الوجه القبلي، وتسمية نفسه باسم ”رويس“: بعدما استيقظ، ترك القاهرة واتَّجه جنوباً نحو بلاد الصعيد. وقد كانت بلاد الصعيد هي الملاذ الآمِن للأقباط لبُعدها عن مراكز الحُكْم في القاهرة. + وقد حَفِظَ أهل الصعيد الكثير من التراث الكنسي المسيحي القبطي، والعادات والتقاليد الروحية التَّقَويَّة وتمسَّكوا بها، لذلك فلا عجب أن يتَّجه إلى هذه البلاد القديس رويس. فإنه هو أيضاً كان يُداوم على الأعمال النسكية من صوم، وصلاة، وتناوُل من الأسرار المقدسة، على الرغم من خشوعه ومخافته الشديدة أثناء التناول، حيث كان حينما يقف أمام الكاهن ليتناول من يديه السرَّ المقدس، يتراجع قليلاً إلى الوراء بطريقة تلقائية. ولما سُئل عن السبب، قال بأنَّ ما مِن أحد يستحق التناول من هذه الأسرار المقدسة إلاَّ مَن كان جوفه طاهراً نقياً كأحشاء سيدتنا مريم التي استحقَّت أن تحمل المسيح في أحشائها. + ويشهد كاتب سيرته بأنَّ الله كشف عن بصيرته الباطنية ومنحه شفافية روحية، فكان يرى مجد الله حالاًّ داخل الهيكل ونوره ساطعاً فوق رؤوس المتناولين. وكان واقفاً ذات يوم بالقرب من الكاهن الخديم أثناء خدمة سرِّ المعمودية لأحد الأطفال، فلما أخرج الأب الكاهن الطفل من جُرن المعمودية، هتف الأنبا رويس قائلاً: ”أكسيوس“، لأنه رأى الشيروبيم والسيرافيم قياماً فوق مياه المعمودية. + حينما وصل القديس ”فريج“ إلى الصعيد كان يُسمِّي نفسه باسم جَمَله ”رويس“. وبالرغم من أن الكثيرين كانوا يتبعونه بسبب إمعانه في إنكار ذاته مُبتعداً عن الصيت والشهرة، إلاَّ أنه كان يتركهم ليعيش غريباً على الأرض، لا يجد مكاناً يسند فيه رأسه مثل المسيح. لذلك كان شديد الحنين إلى السماء، وكثيراً ما كان يترنَّم بقول المُرنِّم في سفر المزامير: «ويلٌ لي فإنَّ غُربتي قد طالت عليَّ، وسكنتُ في مساكن قيدار» (مز 119: 5 - بحسب السبعينية)، وكان يُرنِّمها بنغمة حزينة، حيث كان كلُّ مَن يسمعه يبكي من شدَّة التأثُّر. شدة تقشُّفه وبرِّه وتقواه: كان ”فريج“ أو ”رويس“ يقسو على نفسه ويُقمع جسده، فكان لا يأكل إلاَّ قليلاً، ويأكل التافه من الأطعمة. أمَّا ثيابه فكان لا يلبس إلا ما يستر العَوْرة، ويترك باقي الجسد شبه عارٍ مُعرَّضاً لحرارة الصيف وبرد الشتاء. وكان شديد الحرص على حياته الروحية، يخشى عليها من كلِّ ما يخدشها. ويسلك في حياته على منوال القديس يوحنا المعمدان. + وبينما كان في الصعيد، افتقد ذات يوم إحدى العائلات، ففرحوا به فرحاً عظيماً، رغم أنهم لم يكونوا يعرفون اسمه. ولما سألوه، قال لهم: ”تيجي“ إفليو، أي تيجي الكاذب. فتعجَّب الجميع لمعرفته اللغة القبطية رغم أنه لم يتعلَّم. + ملحوظة: يظن كاتب السِّيَر القديمة للقديسين أن كلمة ”أُمِّي“ تعني أنه لا يعرف شيئاً من القراءة والكتابة، ولكن ”أُمِّي“ كانت تعني أنه بالرغم من معرفته القبطية إلاَّ أنه لم يكن يعرف اللغة اليونانية، لذلك أُطلِق عليه لقب ”أُمِّي“، ذلك أن الكتاتيب القبطية - أي المدارس القبطية الأولية - كانت مستمرة منذ القرون الأولى وحتى القرن التاسع عشر، حيث يدرس الأولاد اللغة القبطية والكثير من ألحان القداس، كما كانوا يحفظون - عن ظهر قلب - مزامير داود النبي وبعض مقاطع من الإنجيل، وبعض مبادئ علم الحساب، وغيرها من مبادئ العلوم المعاصرة لكل زمان. وبارك القديس تيجي (رويس) أفراد العائلة واحداً واحداً، وأخذ يُعلِّمهم ما هو نافع لبنيانهم. كما أنه أخبر كُلاًّ منهم عمَّا في قلبه، فامتلأوا دهشة وقدَّموا المجد لله الذي أعطى الناس مثل هذه العطايا. + وطاف هذا القديس كل بلاد مصر من قوص إلى دمياط والإسكندرية. وكان إذا دخل بلداً يعمل بيديه ليحصل على ما يقيت نفسه، ويتصدَّق بما يتبقَّى من أجرته، بعد أن يرسل لوالده ما يساعده في ضيقته. + وكثيراً ما عرض عليه أتباعه وتلاميذه الملابس الفاخرة أو النقود أو الهبات، فكان يرفضها. وكان ينظر إلى مقتنيات هذا العالم كأكبر مُعطِّل للإنسان عن خلاص نفسه. ومرة نظر إلى أحد تلاميذه وقال له مُحذِّراً: ”إيَّاك أن تطأ برجليك هذا (!) لئلا تُميتك بسمِّها القاتل“. فنظر التلميذ إلى الأرض فوجد درهماً ذهبياً، فاندهش. فقد كان ”فريج“ (رويس) ينظر إلى الذهب والفضة كما ينظر إلى العقارب والأفاعي السامة. وكان إذا اتفق وداس على شيء منها، نفض الغبار الذي لصق برجليه إمعاناً في التعفُّف عن أموال هذا العالم. + وهذا التقشُّف الزائد والنظرة المخالفة لنظرات أهل العالم من أصحاب الجاه والغِنَى والمقتنيات جعل القديس فريداً في سلوكه، واعتبره أهل زمانه شاذاً، فأصبح وحيداً. لكنه كان أبلغ عظة صامتة للمتهالكين على متاع هذه الدنيا. + ولم يكتفِ القديس فريج بهذا الحرمان الإرادي، بل تفوَّق في أعمال التقوى حتى أنه كان يصرف أيامه في الصوم والصلاة. فقد كان يصوم يومين يومين، وثلاثة ثلاثة، بصوم انقطاعي. ومرة صام أسبوعاً كاملاً، ومرة أخرى صام أحد عشر يوماً متوالية، كما شهد بذلك البابا متَّاؤس (المُلقَّب بـ ”المسكين“) بطريرك ذلك الزمان. وكان يقوم بهذه الأصوام سرّاً بحيث لا يفطن إلى ذلك أحد. غرابة أسلوبه في معيشته، وتحمُّله الاضطهادات: كان يسير في الطرقات عاري الجسم، مكشوف الرأس، مُشوَّش الشَّعْر. وكان يسكن في كوخ من الخوص، وينام على قارعة الطريق. وكثيراً ما جلب عليه هذا الأسلوب الغريب الغامض تهكُّمات العامة وتعدِّيات جُهَّال الناس وسفهائهم. فكانوا يرجمونه ويلطمونه ويسبُّونه ويبصقون على وجهه ويطعنونه ويعتدون عليه بشتَّى ضروب الاعتداء والأذى. أما هو فكان يُرحِّب بهذه الاضطهادات ويحتملها بصبر عجيب. وكان عندما تثور نفسه فيه ضد هذا الوضع المُهين يُخاطبها بقوله: ”طوباك أيها الشهيد البطل مار جرجس، فقد أهانوك وضربوك وطعنوك وأماتوك وأنت في ريعان الشباب، واحتَمَلْتَ كل ذلك من أجل المسيح؛ أما أنا الشيخ الذي لم يُقاسِ عُشْر ما تألمت فيحزن. وطوباك يا يوحنا السابق الرجل العظيم يا مَن قدَّمت رأسك إلى الجزار هيرودس لكي يقطعها؛ وأما أنا الشيخ الفاني فإني لا أحتمل طعنة صغيرة. وأين ما أصابني مِمَّا أصاب الشهداء العِظَام الذين تعرَّضوا للحرق والغَرَق والعذاب والعقاب والموت“. + ولكي يتفادَى شدَّة العذابات التي كان يُقاسيها من الناس، كان يحبس نفسه في أمكنة نائية، ويعتزل الناس شهوراً عديدة، ويصرف هذه الأوقات في الصلوات الحارة والأصوام الانقطاعية والاتصال بالله. + وقد نظر المسيح إلى انسحاق قلبه واشتياق روحه وحُبِّه وقوة إيمانه وعِظَم صبره، وظهر له في عزلته 5 مرات بمجد لا يُنطق به، وخاطبه مرة فماً لأُذن. + وبمثل هذه الرؤى كان يتشجَّع ويصمد لشتَّى الآلام، ويصمت عن الكلام. وكثيراً ما اجتمعت حوله الغوغاء وسألوه كي يُخاطبهم، فكـان لا يُجاوبهم. وفي مرة حتَّموا عليه أن يتكلَّم، لكنه لم يُجِبْهم، فأخذوا يضربونه ويكوون ظهره بـالنار، وصفعوه على فكِّه، فخلعوا ضرسه. كل هـذا لكي يفوه بكلمة، فلم يظفروا منه بكلمةٍ ما. اضطهاد الأمير سودون لأنبا رويس، وسَعْي البابا متَّاؤس في خلاصه: + قبض عليه الغوغاء وقادوه إلى الأمير سودون. فسأله عن قضيته، فلم يَرُدَّ القديس عليه جواباً. وحاول الأمير عبثاً أن يُرغمه على الكلام، فلم يُجِبْه إلى طلبه. فأمر بضربه، فضربوه 400 ضربة بالعصا. وسأله الأمير بعد ذلك أن يفوه بكلمة واحدة، فلم يتكلَّم. فأمر الأمير بضربه مرة أخرى، وبإلباسه طرطوراً أحمر والسير به عارياً هو وتلميذه في طرقات المدينة إمعاناً في تحقيره والتشهير به. وأصاب القديس في ذلك اليوم من الرَّجْم والضرب والإهانة ما تهتزُّ له الجبال. ولكنه احتمل كل ذلك صابراً لأنَّ المسيح كان يظهر له ويُقوِّيه، كما أخبر أخصَّاءه فيما بعد. وأخيراً، أَمَرَ الأمير بسجنه. فتألم تلميذه وتوجَّع من هَوْل ما شاهد. فقال له القديس أنبا رويس: ”لماذا تتنهَّد، يا بُنيَّ، لو أنك رفعتَ عينيك إلى السماء وأبصرتَ السيِّد المسيح وهو قائم معنا وقت الضرب، لما اهتممتَ بما قاسينا“. + وكان بالسجن ثمانون أسيراً من الإفرنج، فالتفُّوا حوله، فعزَّاهم وقوَّاهم. وطلبوا منه أن يسأل الله أن يُنقذهم من سجنهم. فصلَّى من أجلهم، واستجاب الله طلباته بأن أرسل البابا متَّاؤس إلى الأمير الذي طلب منه أن يُطلِق القديس ”فريج“ (رويس) والأَسْرَى الإفرنج. فأجاب الأمير طلبه، وأطلقهم جميعاً. فأخذه البابا البطريرك إلى قلايته بحارة زويلة، وصار يُضمِّد جراحه ويُعالجه، حتى شُفِيَ وزال عنه كل ما كان يتألم به. (يتبع) |
19 - 04 - 2013, 11:24 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: قديسون معاصرون 2. القديس أنبا رويس
شكرا على السيرة العطرة
|
||||
23 - 04 - 2013, 08:56 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: قديسون معاصرون 2. القديس أنبا رويس
|
|||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القديس أنبا رويس |تصميم |
أقام أنبا مكاريوس و قديسون آخرون موتى |
قديسون معاصرون 1. القديس الشيخ مرقس الأنطوني |
قديسون معاصرون 2. القديس أنبا رويس (تابع) |
مديح القديس أنبا شنودة رئيس المتوحدين |